بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وسبب غرورهم وغفلتهم اما بعض بواعث غرور الكافرين ـ كما تقدم ـ أو ظنهم ان الله ـ تعالى ـ كريم ورحمته واسعة ونعمته شاملة، واين معاصي العباد في جنب بحار رحمته، ويقولون: انا موحدون ومؤمنون، فكيف يعذبنا مع التوحيد والإيمان ويقررون ظنهم بما ورد في فضيلة الرجاء ـ كما تقدم ـ. وربما اغتر بعضهم بصلاح آبائهم وعلو رتبتهم، كاغترار بعض العلويين بنسبهم مع مخالفتهم سيرة آبائهم الطاهرين في الخوف والورع. وعلاج هذا الغرور. أن يعرف الفرق بين الرجاء الممدوح والتمني المذموم، ويعلم أن غروره ليس رجاء ممدوحا، بل هو تمن مذموم، كما قال رسول الله (ص): " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والاحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله ". فان الرجاء لا ينفك عن العمل، إذ من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه، وكما ان الذي يرجو في الدنيا ولدا وهو لم ينكح، أو نكح ولم يجامع، أو جامع ولم ينزل، فهو مغرور احمق، كذلك من رجا رحمة الله وهو لم يؤمن، أو آمن ولم يترك المعاصي، أو تركها ولم يعمل صالحا، فهو مغرور جاهل، كيف وقد قال الله ـ سبحانه ـ:
" إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله "[1].
يعني ان الرجاء يليق بهم دون غيرهم، وذلك لأن ثواب الآخرة اجر وجزاء على الأعمال، كما قال ـ تعالى ـ:
" جزاءً بما كنوا يعملون "[2].وقال: " وانما توفون اجوركم يوم القيامة "[3]. وقال: " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى "[4]. وقال: " كل نفسٍ بما كسبت رهينة "[5].
أفترى أن من استؤجر على اصلاح اوان وشرط له أجرة عليها، وكان الشارط كريماً يفي بوعده وشرطه، بل كان بحيث يزيد على ما وعده وشرطه، فجاء الاجير وكسر الأواني وافسدها جميعا، ثم جلس ينتظر الاجر زعما منه أن المستأجر كريم، أفيراه العقلاء في انتظاره راجيا أو مغروراً متمنيا؟ وبالجملة: سبب هذا الغرور الجهل بين الرجاء والعزة، فليعالجه بما ذكر هنا وفيما سبق.
ثم ان المغرور بعلو ربته آبائه، ظانا ان الله تعالى يحب آباءه، ومن أحب إنسانا أحب أولاده، أشد حمقا من المغرور بالله، لأن الله ـ سبحانه ـ يحب المطيع ويبغض العاصين من غير ملاحظة لإبائهما، فكما أنه لا يبغض الأب المطيع ببغضه للولد العاصي فكذلك لا يحب الولد العاصي بحبه للأب المطيع، وليس يمكن أن يسري من الأب إلى الابن شيء من الحب والبغض والمعصية والتقوى، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى، فمن زعم انه ينجو بتقوى ابيه كان كمن زعم انه يشبع بأكل ابيه، أو يصير عالما بتعلم ابيه، أو يصل إلى الكعبة بمشي ابيه، فهيهات هيهات! ان التقوى فرض عين على كل أحد، فلا يجزي والد عن ولده شيئاً، وعند الجزاء يسفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، ولا ينفع أحد أحدا إلا على سبيل الشفاعة، بعد تحقق شرائطها.
ثم العصاة المغرورون، اما ليست لهم طاعات، فتمنيهم المغفرة غاية الجهل ـ كما مر ـ، أو لهم طاعات ولكن معاصيهم اكثر، وهم عالمون بأكثرية المعاصي، ومع ذلك يتوقعون المغفرة وترجح حسناتهم على سيئاتهم وهو أيضاً غاية الجهل، إذ مثله مثل من وضع عشرة دراهم في كفة ميزان وفي الكفة الأخرى ألفا أو ألفين، وتوقع أن تميل الكفة الثقيلة بالخفيفة، ومن الذين معاصيهم أكثر من يظن ان طاعاته اكثر من معاصيه، لأنه لا يحاسب نفسه ولا يتفقد معاصيه، وإذا عمل طاعة حفظها وأعتد بها، كالذي يحج طول عمره حجه ويبني مسجدا، ثم لا يكون شيء من عباداته على النحو المطلوب، ولا يجتنب من أخذ أموال المسلمين، فينسى ذلك كله ويكون حجه وما بناه من المسجد في ذكره، ويقول: كيف يعذبني الله وقد حججت وبنيت مسجدا؟ وكالذي يسبح الله كل يوم مائة مرة ثم يغتاب المسلمين ويمزق اعراضهم ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره من غير حصر وعدد، ويكون نظره إلى عدد سبحته مع غفلته عن هذيانه طول نهاره الذين لو كتبه لكان مثل تسبيحه مائة مرة، وقد كتبه الكرام الكاتبون، فهو يتأمل دائما في فضيلة التسبيحات، ولا يلتفت إلى ما ورد في عقوبة الكذابين والمغتابين والنمامين والفحاشين، ولو كان كتبة أعماله يطلبون منه اجرة الزايد من هذيانه على تسبيحاته، لكان عند ذلك يسعى في كف لسانه عن آفاته وموازنتها بتسبيحاته، حتى لا يكون لها زيادة عليها ليؤخذ منه اجرة نسخ الزائد. فيا عجبا لمن يحاسب نفسه ويحتاط خوفا ان يفوته مقدار قيراط ولا يحتاط خوفا من فوت العليين ومجاورة رب العالمين!