بسم الله الرحمن الرحيم
اللهُم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ واللعنة على اعدائهم ومخالفيهم من الجن والانس اجمعين وعجل فرجهم يارب العالمين
ولابد من ان نبحث عن العوامل والاسباب التي تحصننا في هذه المسيره من السقوط وتعصمنا من الشيطان، ومن ضعف انفسنا، ووسائل التحصن والعصمه في حياه العاملين کثيره.
واهمها اربعه يذکرها القرآن:
1- الاستعانه بالصبر والصلاه.
2- الولاء.
3- الميراث.
4- الانتظار.
وفي ما يلي توضيح موجز لهذه الوسائل الاربع: 1- الاستعانه بالصبر والصلاه، يقول تعالي: (واستعينوا بالصبر والصلاه) «البقره 45».
ويقول تعالي: (يا ايها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاه) «البقره 153».
وفي سوره هود يشد اللّه علي قلب رسوله(ص) في وسط المعرکه الضاريه، التي کان يخوضها مع ائمه الشرک في الجزيره، فيقص له قصه مسيره التوحيد الطويله. ثم يقول تعالي لرسوله(ص) بعد استعراض هذه المسيره الطويله: (فاستقم کما امرت ومن تاب معک ولا تطغوا انه بما تعملون بصير- ولا ترکنوا الي الذين ظلموا فتمسکم النار وما لکم من دون اللّه من اولياء ثم لا تنصرون- واقم الصلاه طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلک ذکري للذاکرين- اصبر فان اللّه لا يضيع اجر المحسنين) «هود/112-115».
والصبر هو الثبات لسنن اللّه تعالي. وتجري المعارک بموجب سنن اللّه. والذي يريد ان يربح المعرکه لابد من ان يعرف هذه السنن ويثبت لها ويقابلها بما يکافئها ويقابلها في سنن اللّه.
واعداد القوه المکافئه لقوه العدو في ساحه المعرکه او في الساحه السياسيه او الاعلام.. من الصبر. ان الصبر ليس بمعني ان يتحمل الانسان العدو، بل بمعني ان يقاوم ويثبت للعدو ولا ينهار ولا ينسحب من مواجهته، حتي يتمکن من ردعه ودفعه بقوه مکافئه لقوته، وهو المعني الايجابي للصبر.
والصلاه تمثل الارتباط باللّه وذکره، والانسان المسلم في وسط المعرکه لا بد من ان يستعين باللّه وبذکره ذکرا کثيرا، ويستمد القوه والعزم من اللّه ويشد حبله بحبل اللّه فاذا وصل الانسان حبله بحبل اللّه تعالي في ساحه المعرکه، فانه لا يخاف ولا يجبن ولا يضعف، وهذا هو معني الصبر والصلاه.
2- الولاء المسلمون نسيج واحد، بعضهم من بعض، تربط بعضهم ببعض علاقه عضويه متينه هي علاقه الولاء. وهذا الولاء هو الولاء علي الخط الافقي في مقابل الولاء للّه تعالي ورسوله واولياء الامور، وهو الولاء علي الخط العمودي في نسيج المجتمع الاسلامي.
والي هذه العلاقه العضويه التي تشد الامه المسلمه بعضها ببعض، وتکون منها کتله مترابطه واحده تشير الايه الکريمه (والمومنون بعضهم اولياء بعض) «التوبه/71». وهذا الولاء يتضمن التحابب والتناصر والتضامن، والتکافل والتعاون والتسالم والتناصح.
والامه التي يرتبط بعضها ببعض بهذه الوشائج القويه امه متماسکه قويه في ساحه المعرکه، ولامر ما يجعل اللّه تعالي اساس العلاقه بين اطراف هذه الامه واعضائها علي اساس الولاء.
فان علاقته امتن علاقه في الاسره الواحده.
ولما کانت مهمه هذه الامه الاولي هي المواجهه والتحدي في ساحه الصراع، فلا بد من ان تتمتع ببناء داخلي قوي ونسيج محکم ومتين لتستطيع ان تقاوم ضراوه المعرکه الحاسمه التي تدخلها هذه الامه. ومن دون هذا الولاء المتين الذي يشد بعض المسلمين الي بعض لا تستطيع هذه الامه ان تقاوم جبهه الکفر والنفاق في هذه المعرکه المصيريه. وهذه الامه مجتمعه تعتصم بحبل اللّه، وهي کتله واحده، ومجموعه واحده، واسره واحده، في مواجهه ائمه الکفر (واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرقوا) «آل عمران/103».
وفي هذه الايه يامرهم اللّه تعالي بالاعتصام اولا بحبل اللّه في ساحه المعرکه وان يکون هذا الاعتصام من قبل الجميع (جميعا).
فان الصراع يتطلب من کل من الطرفين المتصارعين ان يستحضر کل قوته. وقوه هذه الامه في امرين: في اعتصامها باللّه وفي اجتماعها ووحده کلمتها في هذا الاعتصام.
3- الميراث ومن الضروري ان يستحضر اعضاء هذه الاسره، في ساحه المعرکه، عراقه هذه الاسره في التاريخ، وجذورها التاريخيه.
فان معرفه هذه العراقه والعمق التاريخي لهذه الاسره واستحضارها في ساحه المواجهه تمنح الدعاه والعاملين في سبيل اللّه في ساعه المواجهه قوه وصلابه ومتانه واستحکاما اکثر. فليست هذه الحرکه الکبيره في التاريخ حرکه مبتوره الجذور، وانما هي تضرب في اعماق التاريخ من آدم الي نوح الي ابراهيم والي رسول اللّه(ص). وحرکه تملک هذا العمق والعراقه، وتثبت لموامرات المشرکين وکيدهم ومکرهم طوال عشرات القرون، حريه بان تثبت وتثبت جدارتها وکفاءتها في هذه المعرکه. ان اسره التوحيد شجره طيبه علي وجه الارض اصلها ثابت وفرعها في السماء.
(الم تر کيف ضرب اللّه مثلا کلمه طيبه کشجره طيبه اصلها ثابت وفرعها في السماء- توتي اکلها کل حين ياذن ربها ويضرب اللّه الامثال للناس لعلهم يتذکرون) «ابراهيم/24-25».
والشرک کذلک اسره الا انها اسره مبتوره اجتثت من فوق الارض مالها من قرار. وانه لمن الضروري لاعضاء هذه الاسره الداعيه الي اللّه، ان تستحضر جذورها وعمقها وعراقتها في التاريخ، وصلتها بالصديقين والصالحين والراکعين والساجدين والذاکرين اللّه والدعاه له.
ولامر ما نحيي الحسين(ع) ونسلم عليه بهذا الميراث الضخم الذي يرثه من آبائه عليهم السلام، من آدم الي نوح الي ابراهيم الي رسول اللّه(ص) فنقول: (السلام عليک يا وارث آدم صفوه اللّه، السلام عليک يا وارث نوح نبي اللّه، السلام عليک يا وارث ابراهيم خليل اللّه).
انه لمهم الضروري، في ساحه المعرکه، ان يستحضر الانسان هذا العمق وهذه العراقه، فانها تعصمه وتحصنه وتدعمه في وسط هذه المعرکه الضاريه.
4- الانتظار والامل والانتظار رابع العوامل التي تمد الانسان بالحرکه، فانه الانتظار يبعث الامل في نفسه، والامل يمنحه القدره علي المقاومه والحرکه، ان الغريق الذي ينتظر وصول فريق الانقاذ، ويقاوم اضعاف ما يقاوم الغريق الذي يفقد الامل من الانقاذ.ان الايمان ب (وراثه الصالحين) للارض و(امامه المستضعفين المومنين) وان (العاقبه للمتقين)، يمنح الصالحين والمتقين ثقه وقوه، ويثبت اقدامهم علي ارض المعرکه، ويمنحهم قدره علي مواجهه الصعاب وتحدي الجبابره والمستکبرين في اشق الظروف واقساها ويحول بينهم وبين الانهيار والهزيمه النفسيه في ظروف المحنه الصعبه.
ولامر ما يوکد القرآن الکريم علي حقيقه (والعاقبه للمتقين) «الاعراف: 128». ويقرر وراثه الصالحين للارض ويوکدها کما قررها اللّه تعالي من قبل في (الزبور).
(ولقد کتبنا في الزبور من بعد الذکر ان الارض يرثها عبادي الصالحون) «الانبياء/105».
ولاهميه هذه الحقيقه، وضروره تاکيدها وتعميقها في نفوس المومنين، وبناء العقليه الاسلاميه عليها، يقررها اللّه تعالي في (الذکر) و(الزبور) معا. ويقرر اللّه تعالي امامه المستضعفين في الارض وقيمومتهم علي مسيره الحضاره الانسانيه.. وهذا اقرار من اللّه تعالي واراده حتميه منه سبحانه، اذا استجاب المستضعفون لما يامرهم به ويدعوهم اليه، من الايمان والعمل الصالح.
يقول تعالي: (ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين ونمکن لهم في الارض) «القصص/5 و6».
وهاتان الايتان، وان کانتا واردتين، في قصه امر موسي(ع) وفرعون وهامان، فان الاراده الالهيه لامامه المستضعفين المحرومين مطلقه وغير مقيده بشي ء الا الاستجابه لما يدعو اللّه تعالي اليه المومنين من الايمان والعمل الصالح، وهذا الوعد الالهي بامامه المستضعفين في الارض يمنح المومنين المستضعفين قوه وثقه وطمانينه، ومقاومه وصبرا علي تحمل متاعب الساحه والصراع، وثباتا علي الاذي، ويثبت اقدامهم علي ارض المعرکه شانه في ذلک شان اي انتظار حقيقي للانقاذ يبعث الامل في نفوس المقاتلين في ساحات القتال. وفي وسط المعرکه، في مواجهه فرعون وهامان يثبت رسول اللّه موسي بن عمران(ع) قومه من بني اسرائيل في ساحه المواجهه والمعرکه، بوعد اللّه وانتظار الفرج، وانتظار المدد من اللّه تعالي.تاملوا في هذه الايات المبارکات من سوره الاعراف (قال موسي لقومه استعينوا باللّه واصبروا ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين- قالوا: اوذينا من قبل ان تاتينا ومن بعد ما جئتنا. قال: عسي ربکم ان يهلک عدوکم ويستخلفکم في الارض فينظر کيف تعملون) «الاعراف/128 و129». فيحاول نبي اللّه موسي بن عمران(ع) ان يشعر بني اسرائيل في ساحه المعرکه، وفي ساعه المواجهه بالامل باللّه تعالي. ووعد اللّه، وانتظار الفرج. ويقرر لهم هذا القرار الالهي العظيم: (قال موسي لقومه: استعينوا باللّه واصبروا ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين).
ومن عجب ان ربط موسي بن عمران عليه بين (الصبر) و(الانتظار) لوعد اللّه (اصبروا ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده) ويحاول بنو اسرائيل ان يعيدوا نبيهم(ع) من انتظار المستقبل الي مراره الحاضر، فيقولون له: (اوذينا من قبل ان تاتينا ومن بعد ما جئتنا) فيعود موسي بن عمران(ع) اليهم مره ثانيه ليعيدهم بالنبره نفسها المطمئنه الي انتظار وعد اللّه والصبر علي الاذي حتي ياذن اللّه بالفرج، وهو قريب. (قال: عسي ربکم ان يهلک عدوکم ويستخلفکم في الارض فينظر کيف تعملون).
اذن فان اللّه تعالي يريد لهذه الامه ان يثقفها علي (الوراثه) و (الانتظار)، وراثه الانبياء والصالحين وانتظار وعد اللّه تعالي بالفرج وامامه الصالحين. وحرکه التوحيد يحفها من جانب قانون (الوراثه) ومن جانب آخر قانون (الانتظار). والوراثه والانتظار هما اهم اعمده حرکه التوحيد في مسيرها الطويل الشاق. وعلينا ان نثقف انفسنا بهذه الثقافه القرآنيه المزدوجه (الوراثه) و(الانتظار).