لقب الحميراء!
دُعيت عائشة احيانا بالحميراء , فما معنى الحميراء ؟ وما سبب التسمية؟
يقول الموالون لعائشة وبالذات المعاصرون اليوم: أن الحميراء هو لقب لقبه اياه النبي ص لانها كانت بيضاء حمراء جميلة! أي ان النبي ص كان يلاطفها بهذا الاسم لجمالها ؟
وهو قول فيه نظر , فالنبي ص كان له زوجات جميلات وضيئات لم تنقطع عائشة عن حسدهن لجمالهن فلماذا لم يلقبهن النبي ص بالقاب كما لقب عائشة؟
وكم مرة ياترى نادى النبي عائشة او دعاها بلقب الحميراء حتى طغى هذا اللقب على اسمها ؟ فالمتتبع لرويات السيرة واحاديث النبي ص يرى أن لقب الحميراء لم يتكرر ألا في حادثتين او ثلاثة فقط , فلو كان الحميراء لقب عائشة المنطبق على شكلها وصفتها لدُعيت بالحميراء مرارا ولكن ذلك لم يحدث الا في حادثيتن او ثلاثة فلم ينادها النبي ص بالحميراء الا مرات معدودة في تلك الاحاديث , ولم ينادها غيرها بذلك الا مرة واحدة فقط تذكيرا لها بالنبي ص وتذكيرا لها بأمر مهم غفل عنه انصار عائشة , ولو انهم ادركوا المعنى من وراء لقب الحميراء , لم يكونوا ليروجوا لعائشة ذلك اللقب ولكن , لله تعالى في خلقه شؤون.
معاني الحميراء
1-الحميراء تصغير لكلمة الحمراء , ومذكرها الاحيمر !
هذا احد معاني الحميراء والذي تشبث به الكثير للدلالة على احمرار وبياض السيدة عائشة , ولاندري لماذا لم يسميها النبي بالبويضاء الزاهرة أو المتألقة أو شبيهة القمر او فلقته او سارقة شعاع الشمس ..الخ إذا كانت حمراء بيضاء كما يقولون, والعرب يسمون أبيض البشرة بالابيض واذا تشرب بالحمرة قالوا أزهر , ولم يحدث ان لٌقب احد بالاحمر لجماله او لقبت امرأة بالحميراء لاحمرار بشرتها, ولا تجد في اشعار العرب الغزلية قول شاعر متصببا بفتاته ياحمراء, أو يا حميراء , فلو قالها لهجاه الشعراء وتندروا عليه , مما يبين أن كلمة الحميراء لها معنى غير معناها الظاهري .
لقد لصق انصار عائشة وبالذات المعاصرون لنا و الذين يفضلون بياض البشرة على سمرتها صفة البياض والاحمرار على عائشة ظنا منهم ان ذلك من دواعي الرفعة والجمال ولكن الامر عاد عليهم بعكس ما يتمنون واوقعهم في مأزق وهو ما سيأتي.
كانت عائشة تغار من زوجات النبي ص غيرة شديدة وباعترافها لتفوقهن بجمالهن ومن ذلك قولها في السيدة مارية القبطية
(عن عائشة ، قالت : ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية ، وذلك أنها كانت جميلة جعدة )( عن احاديث ام المؤمنين لمرتضى العسكري ج1 ص 65 ونقله عن طبقات ابن سعد ج 8 ص 212 ، والإصابة بترجمة مارية ، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 1 ص 449 - 450 .)
وذكر البلاذري في الانساب ان مارية كانت امها رومية ومنها ورثت البياض والوضاءة.
وكانت عائشة تغار غيرة شديدة من باقي الزوجات كالسيدة زينب بنت جحش و سودة بنت زمعة و صفية بنت حيي بن أحطب لجمالهن وبأعترافها هي بل حتى كانت تغار من السيدة خديجة التي لم تراها فقالت فيها يوما ما تذكر من عجوز من عجائزقريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها)( صحيح بخاري, وفتح الباري في شرح البخاري للعسقلاني رقم الحديث 3610) , تأمل قولها (حمراء الشدقين) وتعني بذلك عيبا فيها فنعتتها بالحمرة! وإذا كانت عائشة بيضاء مزهرة في بيئة العرب تلك فإنها لم تكن لتغار ممن هن اكبر منها سنا واقل جمالا, وروايات غيرة عائشة في السيرة لاتحصى , وهو دليل على شعور عائشة بالنقص تجاه غيرها من نساء النبي ص.
أن روايات احمرار بشرة عائشة تقف مقابلها روايات اخرى تبين أن :
عائشة كانت ادماء ( بلون الطين الداكن) ( التاريخ الكبير للبخاري ج4 ص104)
(عن سهيل بن ذكوان أنه قيل له : صف لي عائشة،قال: كانت أدماء وقال غير عباد: كانت عائشة شقراء بيضاء)( التاريخ الكبير للبخاري ج4 ص 104) ومن هو غير عباد في الحديث هذا ؟ لا من مجيب عمن هو غير عباد فالاضافة لبياض عائشة وشقرتها نيطت في رقبة رجل هو غير عباد فياله من سند!
-( قال عباد بن العوام لسهيل بن ذكوان : صف لي عائشة . قال : كانت أدماء
وقال يحيى : قلنا لسهيل بن ذكوان : رأيت عائشة ؟
قال : نعم .
قيل : صفها .
قال : كانت سوداء)( الحديث عن الصحيح من السيرة ج3 للعلامة جعفر مرتضى العاملي وعن الضعفاء الكبير للعقيلي ج2 ص 155).
وهناك من يذكر ان في وجهها اثر الجدري( لسان الميزان لابن حجر ج4 ص136) ,
ويذكر ان ابن عباس وبخ عائشة بعد معركة الجمل بقوله لها (وما أنتإلا حشي من تسع حشايات خلفهن بعده لست بأبيضهن لوناًولا بأحسنهن وجهاً،ولا بأرشحهن عرقاً ولا بأنضرهن ورقاً ولا بأطرئهن أصلاً)( الفتوح ج2 ص337) وغيرها من روايات تؤكد سواد او دكنة عائشة وهي روايات يقويها ان أبيها ابو بكر (عتيق) كان داكن اللون وكان له اخوان اسمهما معيتق ومعتق مما يدل على انهم كانوا عبيدا واعتقوا, راجع ( الاصابة لابن حجر ج4 ص 341, المعجم الكبير للطبراني ج1 ص 53).
وذكر ابن عبد البر في ابي بكر ابوعائشة ( كان له أخوان أحدهما يسمى عتيقا ,مات عتيق قبله فسمى باسمه)( الاستيعاب لابن عبد البر, سيرة أبوبكر)
ومن اسمه واسم اخوته ما يؤتنس به على على انه من العبيد المعتقين ومنه اتى سواده فورثت عائشة لون بشرته, وهو بحث اخر يقوي لون عائشة غير الابيض !
اذن لقب الحميراء لاحمرار بشرة عائشة ليس بالامر المجزم , فانفراد عائشة بلقب خاص من نساء النبي ص يبين ان الامر غير احمرار البشرة اوبياضها فلابد من تأكيد آخر لمعنى الحميراء لمعرفة سبب اللقب..
2-الحميراء
ذكر في اللغة ان الحميراء تعني كثيرة الحيض! وقد ذكر التوحيدي في البصائر والذخائر معنى الحميراء بقوله
(العرب تقول: شر النساء الحميراء المحياض، والسويداء الممراض.) ومثله ذكر الزمشخري في ربيع الابرار!
فهل كانت عائشة كثيرة الحيض؟ المتأمل في احاديث الحيض في صحيح البخاري ومسلم وغيره يجد اغلبها ان لم تكن كلها برواية عائشة , كقولها أن النبي ص كان يباشرها وهي حائض, ويضع راسه في حجرها وهي حائض, وكان يقرأ القرأن وراسه في حجرها وهي حائض, وكان يرقد معها في لحاف وهي حائض , وكانت ترجل رأسه وهي حائض,وانه كان يصلي وهي نائمة بجانبه وهي حائض,وان النبي ص كان يشرب الاناء ويناولها وهي حائض , وانها حاضت في الحج, وحتى في يوم رحيل النبي ص كانت حائض تشتكي من رأسها...الخ , ليبدو وكأن جل وقتها وهي في حيضها , فهل لقب الحميراء لعائشة له علاقة في كثرة حيضها ؟ لعل في هذا أمر ورد أيضا , فهل يصح ان يسميها النبي ص بذلك وهو صاحب الخلق العظيم الذي أمر بعدم التنابز بالالقاب , فأن كانت دورتها الشهرية ( الحيض) كثيرة فإن ذلك في خلقتها وليس في خلقها والله تعالى اعلم .
واذن كثرة الحيض لعائشة ليس لوحده كفيلا بأن يؤهلها لحمل لقب الحميراء للاسباب اعلاه ومنها خلق النبي العظيم عن نبزها بهذا الامر , واذن فلابد من تأكيد آخر وسبب اقوى يضاف لمعرفة العلة من حملها للقب الحميراء ..
3-وقال بعض المعاصرين ان الحميراء مصغر لكلمة حمارة , وهو غير ما اتت به قواعد اللغة, فمصغر حمارة حميرة وليست حميراء, وحتى لو سلمنا بان حميراء مصغر لكلمة حمارة فأن هذالايصح من النبي الكريم لينادي زوجته بلقب الحمارة, فليس هذا من اخلاق من بُعث ليتمم مكارم الاخلاق , حاشاه عن ذلك , واذن حميراء ليست حمارة بل امر آخر.. واذن لقب الحميراء بحاجة الى سبب أقوى من كل هذا وعلة اهم.
يتبع.....