وخفي على عمر تيمم الجنب فقال: لو بقي شهرا لم يصل حتى يغتسل ، وخفي عليه دية الأصابع فقضى في الإبهام والتي تليها بخمس وعشرين حتى أخبر أن في كتاب آل عمرو بن حزم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى فيها بعشر ؛ فترك قوله ورجع إليه ، وخفي عليه شأن الاستئذان حتى أخبره به أبو موسى وأبو سعيد الخدري ، وخفي عليه توريث المرأة من دية زوجها حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي -وهو أعرابي من أهل البادية- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها ، وخفي عليه حكم إملاص المرأة حتى سأل عنه فوجده عند المغيرة بن شعبة ، وخفي عليه أمر المجوس في الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذها من مجوس هجر ، وخفي عليه سقوط طواف الوداع عن الحائض فكان يردهن حتى يطهرن ثم يطفن حتى بلغه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلاف ذلك فرجع إلى قوله ، وخفي عليه التسوية بين دية الأصابع وكان يفاضل بينها حتى بلغته السنة في التسوية فرجع إليها ، وخفي عليه شأن متعة الحج وكان ينهى عنها حتى وقف على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بها فترك قوله وأمر بها ، وخفي عليه جواز التسمي بأسماء الأنبياء فنهى عنه حتى أخبره [به] طلحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كناه أبا محمد فأمسك ولم يتماد على النهي ، هذا وأبو موسى ومحمد بن مسلمة وأبو أيوب من أشهر الصحابة، ولكن لم يمر بباله -رضي الله عنه- أمر هو بين يديه حتى نهى عنه، وكما خفي عليه قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} [الزمر: 30] وقوله: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} [آل عمران: 144] حتى قال: والله كأني ما سمعتها قط قبل وقتي هذا .
وكما خفي عليه حكم الزيادة في المهر على مهور أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وبناته حتى ذكرته تلك المرأة بقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} [النساء: 20] فقال: كل أحد أفقه من عمر حتى النساء .
وكما خفي عليه أمر الجد والكلالة و [بعض] أبواب [من] الربا فتمنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان عهد إليهم فيها عهدا ، وكما خفي عليه يوم الحديبية أن وعد الله لنبيه وأصحابه بدخول مكة مطلق لا يتعين لذلك العام حتى بينه له النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وكما خفي عليه جواز استدامة الطيب للمحرم وتطيبه بعد النحر وقبل طواف الإفاضة وقد صحت السنة بذلك ، وكما خفي عليه أمر القدوم على محل الطاعون والفرار منه حتى أخبر بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه" هذا وهو أعلم الأمة بعد الصديق على الإطلاق، وهو كما قال ابن مسعود: "لو وضع علم عمر في كفة ميزان وجعل علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر" قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: والله إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم .
لا يا جوزيه لا ، كل هذا وتذكر : عمر ذهب بتسعة أعشار العلم ..!