حدثني الحسين بن يحيى الكوفي، قال: حدثني قثم بن قتادة، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: “بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب على منبر الكوفة، إذ قام رجل يقال له ذعلب، ذرب اللسان، بليغ في الخطاب، شجاع القلب، فقال: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره.
قال: يا أمير المؤمنين كيف رأيته؟ فقال: ويلك يا ذعلب، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة، فلا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، قبل كل شيء فلا يقال: شيء قبله، و بعد كل شيء فلا يقال: شيء بعده، شاء الأشياء لا بهمة، دراك لا بخديعة، هو في الأشياء كلها غير متمازج بها، و لا بائن عنها، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، بائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسيم موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطراب، مقدر لا بحركة، مريد لا بهمة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة لا تحويه الأماكن، و لا تصحبه الأوقات، و لا تحده الصفات، و لا تأخذه السنات، سبق الأوقات كونه، و العدم وجوده، و الابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، و بتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، و بمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، و الجسو بالبلل، و الصرد بالحرور، و مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، و بتأليفها على مؤلفها، و ذلك قوله عز و جل: { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، ففرق بها بين قبل و بعد، ليعلم أن لا قبل له و لا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم ان لا حجاب بينه و بين خلقه غير خلقه، كان ربا إذ لا مربوب، و إلها إذ لا مألوه، و عالما إذ لا معلوم، و سميعا إذ لا مسموع.