إن ما جرى على أهل بيت الرسول (ع) بعد وفاته (ص)، ذكره العديد من كتب المسلمين على اختلاف مذاهبهم.
و موضوع هذا العدد هو قضية الهجوم على دار الزهراء (ع)...
سنقوم بسرد القصة وفق ما وردت في كتب المسلمين مع التركيز على مصادر أهل السنّة والجماعة.
لذا قمنا بعملية تجميع مقاطع من مصادر متعددة ثم ضمّ بعضها إلى الآخر، مشيرين إلى ذلك في الهامش، فكل مقطوعة يراجع بها مصدرها، فتدبر.
و تقرأون في هذا العدد: الهجوم الأوّل اشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بجمع القرآن المراجعات مع أمير المؤمنين (عليه السلام) الاستنصار
الهجوم الأوّل
لما فرغ أمير المؤمنين (ع) من دفن رسول الله (ص) أقام في منزله بما عهد إليه رسول الله (ص) (1)، واجتمع إليه جماعة من بني هاشم والأصحاب من المهاجرين والأنصار(2) ـ كالعبّاس(3)، والزبير(4)، والمقداد(5)، وطلحة(6)، وسعد بن أبي وقّاص(7) ـ فإنّهم غضبوا من بيعة أبي بكر(8)، وأرادوا التحيّز عنه وإظهار الخلاف عليه(9)، وأن يبايعوا أمير المؤمنين (ع) (10). وقد أشار إلى ذلك معاوية في كتابه إلى أمير المؤمنين (ع) بقوله: وما يوم المسلمين منك بواحد، لقد حسدت أبا بكر..! والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك عنه، واستغويت عصابة من الناس حتّى تأخروا عن بيعته(11)..
فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر! فقد بايعه النّاس! فوثب الزبير إلى سيفه، فقال عمر: عليكم بالكلب فاكفونا شرّه.. فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده، فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره(12)، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلمّا حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر! فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنّكم بالسيف.. فلمّا رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع(13)، حتّى لم يبق ممن حضر إلاّ علي بن أبي طالب (ع) فقال له: بايع أبا بكر، فقال علي (ع): " أنا أحقّ بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (ص) وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟! ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله (ص) فأعطوكم المقادة، وسلّموا لكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله (ص) حيّاً وميّتاً. (وأنا وصيّه ووزيره، ومستودع سرّه وعلمه، وأنا الصدِّيق الأكبر، أوّل من آمن به وصدّقه، وأحسنكم بلاءً في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنّة، وأفقهكم في الدِّين، وأعلمكم بعواقب الأُمور، وأذربكم لساناً، وأثبتكم جناناً، فعلامَ تنازعونا هذا الأمر..؟!)(14) أنصفونا ـ إن كنتم تخافون الله - من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلاّ فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون..
(فقال عمر: أما لك بأهل بيتك أُسوة..؟! فقال علي (ع): " سلوهم عن ذلك.. "، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم، فقالوا: ما بيعتنا بحجّة على علي (ع).. ومعاذ الله أن نقول أنّا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد، والمحل من رسول الله (ص))(15) فقال عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كرهاً. فقال علي (ع): " احلب حلباً لك شطره، اشدد له اليوم ليردّ عليك غداً، إذاً والله لا أقبل قولك، ولا أحفل بمقامك.. ولا أُبايع "، فقال أبو بكر: مهلاً يا أبا الحسن! ما نشدّد عليك ولا نكرهك. فقام أبو عبيدة إلى علي فقال: يا ابن عم! لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ولكنّك حدث السنّ ـ وكان لعليٍّ (ع) يومئذ ثلاث وثلاثون سنة ـ وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك(16)، وهو أحمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه، فسلِّم له، فإن عمّرك الله لسلّموا هذا الأمر إليك، ولا يختلف عليك اثنان بعد هذا إلاّ وأنت به خليق وله حقيق... (ولا تبعث الفتنة قبل أوان الفتنة، قد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك)(17).
فقال أمير المؤمنين (ع): " يا معاشر المهاجرين والأنصار! الله الله (لا تنسوا عهد نبيّكم إليكم في أمري و)(18) لا تخرجوا سلطان محمّد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم وتدفعوا أهله عن حقّه ومقامه في الناس، يا معاشر الجمع! (إنّ الله قضى وحكم ونبيّه أعلم وأنتم تعلمون)(19) إنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم، أما كان منّا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنّه لفينا لا فيكم، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحقّ بعداً، وتفسدوا قديمكم بشرّ من حديثكم. فقال بشير بن سعد الأنصاري ـ (الذي وطّأ الأمر لأبي بكر ـ وقالت جماعة الأنصار)(20) : يا أبا الحسن! لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك قبل الانضمام لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان (.. فقال علي (ع): " يا هؤلاء أكنتُ أدع رسول الله (ص) مسجّى لا أُواريه وأخرج أُنازع في سلطانه؟!! ")(21).
وفي رواية: " لَبيعتي كانت قبل بيعة أبي بكر، شهدها رسول الله (ص) وأمر الله بها، أو ليس قد بايعني؟!... فما بالهما يدّعيان ما ليس لهما وليسا بأهله "(22).
(" والله ما خفت أحداً يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحلّ ما استحللتموه، ولا علمت أنّ رسول الله (ص) ترك يوم غدير خم لأحد حجّة، ولا لقائل مقالاً، فأُنشد الله رجلاً سمع النبي (ص) يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ".. أن يشهد بما سمع ".
قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلاً بدرياً بذلك، وكنت ممن سمع القول من رسول الله (ص) فكتمت الشهادة يومئذ فذهب بصري.
قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشى عمر أن يصغى ألى قول علي (ع) ففسخ المجلس وقال: إنّ الله تعالى يقلّب القلوب والأبصار، ولا يزال ـ يا أبا الحسن ـ ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك)(23).