أما جواب سؤالكم (ما كان فائدة الصلح؟) فقد أجابكم الإمام الحسن عليه السلام قبل أكثر من الف عام حينما أثار السؤال نفسه وبتحوير، لماذا صالحت معاوية ؟ ونحو ذلك، فقد روى لنا الإمام الصادق عليه السلام ـ كما في وصيته لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول المعروف عندنا بمؤمن الطاق وعند غيرنا بشيطان الطاق ـ فقد قال الإمام الصادق عليه السلام أعلم ان الحسن بن علي عليه السلام (لما طعن واختلف الناس عليه سلم الأمر لمعاوية ، فسلمت عليه الشيعة : عليك السلام يا مذل المؤمنين ، فقال عليه السلام : ما أنا بمذلّ المؤمنين ولكني معزّ المؤمنين ، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوّة سلّمت الأمر لأبقى أنا وانتم بين أظهرهم ، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها ، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم) تحف العقول / 224 ط الاعلمي، فأرجوا الإنتباه جيدا الى هذا النص فهو وثيقة تاريخية صحيحة السند تامة الدلالة وعليكم ان تلاحظوا ما جعلت تحته خطاً، فإن الشيعة سلّمت عليه سلام وداع لاسلام ابتداء إذ قدّمت الجز على المبتدأ ، وهذا يعني أنهم في منتهى اليأس و القنوط ، ولولا أن الإمام الحسن عليه السلام تداركهم بلطفه وعطفه فأبان لهم وجه الحكمة في المصالحة ، وأنهم السبب في ذلك لأنهم ليس بهم على أهل الشام قوة فسلّم الأمر لمعاوية بقياً على نفسه وعليهم ، وضرب لهم مثلا من القرآن الكريم بقصة العالم الذي خرق السفينة لتبقى لأهلها ـ كما في سورة الكهف ـ
فهل بعد هذه النص ما يحتاج الى بحث في الجواب عن فائدة الصلح ؟
وأما جواب السؤال الثالث : ما هو الذي أخبر هذا الإمام في حياته المباركة؟ فقد كان من، أعظم منجزاته هو كشف حقيقة معاوية للناس الذين كانوا في أيامه والأجيال التي جاءت بعده على طول التاريخ ، ولولا تسليمه الأمر اليه ونكته لما أعطاه من شروط وعهود، لما كانت تعرف حقيقة معاوية العدوانية بل وكفره البواح الصريح، ودونك ما تقرأ في الجزء الثالث من كتاب (علي أمام البررة) فثمة أقوال جماعة من أعلام أهل السنة من قدامى ومحدثين في كشف صفحات معاوية المخزية المخجلة، وهذا الكشف لولا تسليم الإمام الحسن (عليه السلام) الأمر إليه لما كان الناس يعرفوا حقيقة معاوية، فهذا من أعظم المنجزات التي أنجزها الإمام الحسن (عليه السلام) بأن كشف زيف الباطل وعرّف الناس حقيقة معاوية وبني أمية .
وأما جواب السؤال الرابع (ما كان دوره وتبليغه ؟ ) فأحيل السائل على كتاب واحد وحسبي به حجة وبرهانا ، وهو كتاب تحف العقول للحسن بن شعبة الحراتي في ص160 ط الأعلمي، فالقارئ يجد جملة مسائل سئل عنها الإمام الحسن (عليه السلام) فأجاب بأبلغ الجواب، وفيها دراسة مستوعبة لما يجب ان يكون عليها المرء المسلم في الحياة، وفي ص161 جملة من حكمه عليه السلام ، وفيها تعريف بالحق وتعريض بالباطل وأهله، وفي ص 162 جوابه عن مسائل سئل عنها في خبر طويل بعث بها معاوية رجلاً متنكرا يسأل امير المؤمنين (عليه السلام) عن مسائل ساله عنها ملك الروم فلم يعرف جوابها، فلما دخل الكوفة وخاطب الإمام امير المؤمنين (عليه السلام) أنكره فقرره فاعترف له بالحال، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله وأضل من معه ، قاتله الله لقد اعتق جارية ما احسن ان يتزوجها ، حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي واضاعوا أيامي ، علي بالحسن والحسين ومحمد ، فدعوا فقال عليه السلام : يا اخا اهل الشام هذان ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا ابني فاسال أيهم أحببت ، فقال الشامي أسال هذا ، يعني الحسن (عليه السلام) ثم قال وساق المسائل والأجوبة فراجعها، وراجع ص164 تجد كلامه (عليه السلام) في الاستطاعة في جواب كتاب الحسن البصري كما تجد له موعظة بليغة وفي ص165 تقرأ خطبته بعد الصلح وقد كشف صفحات التاريخ الاسود لمعاوية وآبائه مما جعل معاوية يتهرب ويحاول أن يغيّر من مجرى الخطبة فتارة يسال الإمام عن الرطب فينعته ثم يعود الى خطبته من حيث أفضى وقد حمل على معاوية حملة عنيفة .
وفي ص166 روي عنه من قصار المعاني والحكم ، مضافا الى ما كان منه في سفراته الى الشام وماصدر منه في مجلس معاوية وغيره مما فضح سياسة معاوية الرعناء ، وهذا مذكور في جل المصادر التي ذكرت ترجمة الامام الحسن عليه السلام
وأما جواب السؤال الخامس (عن كرم الإمام الحسن عليه السلام ) وهذا ايضا تكفلت ببيانه الكتب الخاصة بترجمته عليه السلام ، وعليك بكتاب (المستجاد من فعلات الأجواد) للتنوخي تحـ محمد كرد علي ط المجمع العلمي العربي بدمشق ، ففيه بعض الشواهد على ذلك، وكذلك في اعيان الشيعة 4 / 89 ـ 90 وفي تاريخ ابن كثير 8 / 38 وفي الطبقات الكبرى للشعراني 1 / 23 ودائرة المعارف للبستاني 7 / 39 واحياء العلوم للغزالي 3 / 173 والكامل للمبرد 2 / 13 وخصال الصدوق 130 / 131 ـ ومناقب ابن شهر آشوب 2 / 23
وأما جواب السؤال السادس (لماذا جعلت زوجته السم في اللبن ؟ ـ)
فان الإمام عليه السلام كان صائما وفي جو المدينة الحار وعادة يفطر الصائم على اللبن ليروي ظمأه ، وهذا ليس فيه غرابة
وأما جواب السؤال السابع والأخير (كيف تزوجها ؟ وكيف شرب اللبن ؟ وكيف ؟ وكيف ؟ )
ان الأئمة (عليهم السلام) لم يكن (أقدامهم على القتل وتناول السموم جهلا منهم بما صنعه العدو وقدمه اليهم ، بل هم على يقين من ذلك ، فلم يفتهم العلم بالقاتل والمسبب وما يقتلون به واليوم والساعة ، طاعة منهم لأمر الله تعالى ، انقياداً للحكم الآلهي الخاص بهم ، وليسوا في هذه الحال الا كحالهم في امتثال جميع أوامر المولى سبحانه وتعالى الموجهة إليهم من واجبات ومستحبات ، والعقل حاكم بلزوم انقياد العبيد لأمر المولى ، وقد دلت جملة من الأحاديث الواردة عنهم ما يدل على ذلك وفي خصوص المقام فقد ورد في الخرايج / 22ط الهند في معجزاته عليه السلام :
ان الإمام الحسن عليه السلام عندما قدّمت إليه جعدة بنت الأشعث اللبن المسموم وكان الوقت حارا والحسن صائما فرفع رأسه الى السماء قائلا :
(إنا لله وإنا إليه راجعون ، الحمد لله على لقاء محمد سيد المرسلين ، وابي سيد الوصيين ، وأمي سيدة نساء العالمين ، وعمي جعفر الطيار في الجنة ، وحمزة سيد الشهداء ) ثم شرب اللبن وقال لها : (لقد غرّك وسخر منك فالله يخزيك ويخزيه)
راجع في ذلك الإرشاد للمفيد والخرايج والبحار ج10 / 133 نقلا عن عيون المعجزات .
منقوووووووووولsmilies/00711.gif
التعديل الأخير تم بواسطة أبو شهاب ; 04-01-2008 الساعة 05:43 AM.