يمتاز هذا الحديث عن كثير من الأحاديث في أنّه حديث أخرجه البخاري ومسلم أيضاً، إلى جنب سائر المحدّثين الذين أخرجوا هذا الحديث الشريف، وهو حديث اتّفق عليه الشيخان باصطلاحهم .
ومن جهة أُخرى يستدلّ بهذا الحديث على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)من جهات عديدة، لوجود دلالات متعدّدة في هذا الحديث .
لذلك اهتمّ بهذا الحديث علماؤنا منذ قديم الأيام، كما اهتمّ به الآخرون أيضاً في مجال رواية هذا الحديث بأسانيدهم، وفي مجال الجواب عن هذا الحديث بطرقهم المختلفة .
>> رواة حديث المنزلة <<
قبل كلّ شيء نذكر أسامي عدة من الصحابة الرواة لهذا الحديث، وأسماء أشهر مشاهير الرواة له، من محدّثين ومفسّرين ومؤرخين في القرون المختلفة .
على رأس الرواة لهذا الحديث من الصحابة :
1 ـ أمير المؤمنين (عليه السلام) .
2 ـ عبدالله بن العباس .
3 ـ جابر بن عبدالله الأنصاري .
4 ـ عبدالله بن مسعود .
5 ـ سعد بن أبي وقّاص .
6 ـ عمر بن الخطّاب .
7 ـ أبو سعيد الخدري .
8 ـ البراء بن عازب .
9 ـ جابر بن سمرة .
10 ـ أبو هريرة .
11 ـ مالك بن الحويرث .
12 ـ زيد بن أرقم .
13 ـ أبو رافع .
14 ـ حذيفة بن أسيد .
15 ـ أنس بن مالك .
16 ـ عبدالله بن أبي أوفى .
17 ـ أبو أيّوب الأنصاري .
18 ـ عقيل بن أبي طالب .
19 ـ حُبشي بن جنادة .
20 ـ معاوية بن أبي سفيان .
ومن جملة رواة هذا الحديث من الصحابيات :
1 ـ أُم سلمة أُمّ المؤمنين رضي الله عنها .
2 ـ أسماء بنت عميس .
رواة هذا الحديث من الصحابة أكثر من ثلاثين، وربّما يبلغون الأربعين رجل وامرأة .
يقول ابن عبد البر في الإستيعاب عن هذا الحديث : هو من أثبت الأخبار وأصحّها .
قال : وطرق حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدّاً .
فذكر عدّة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث، ثمّ قال : وجماعة يطول ذكرهم .
(الإستيعاب 3/1097 ـ دار الجيل ـ بيروت ـ 1412 هـ .) .
وهكذا ترون المزي يقول بترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في تهذيب الكمال .
(تهذيب الكمال 2/483 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1413 هـ .) .
وذكر الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق كثيراً من طرق هذا الحديث وأسانيده من عشرين من الصحابة تقريباً .
(ظر ترجمة الإمام علي (عليه السلام) 1/306 ـ 393 ) .
ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري بعد أن يذكر أسامي عدّة من الصحابة، ويروي نصوص روايات جمع منهم يقول : وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي .
(فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7/60 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ) .
فهذا الحديث مضافاً إلى أنّه متواتر عند أصحابنا من الإماميّة، من الأحاديث الصحيحة المعروفة المشهورة عند أهل السنّة، بل هو من الأحاديث المتواترة عندهم كذلك .
يقول الحاكم النيسابوري : هذا حديث دخل في حدّ التواتر .
(كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للحافظ الكنجي : 283).
كما أنّ الحافظ السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة، وتبعه الشيخ علي المتقي في كتابه قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة .
(الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة : حرف الألف ).
وممّن اعترف بتواتر هذا الحديث شاه ولي الله الدهلوي محدّث الهند في كتابه إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء .
ولنذكر أسماء عدة من أشهر مشاهير القوم الرواة لهذا الحديث في القرون المختلفة، منهم :
1 ـ محمّد بن إسحاق، صاحب السيرة .
2 ـ سليمان بن داود الطيالسي أبو داود الطيالسي، في مسنده
3 ـ محمّد بن سعد، صاحب الطبقات .
4 ـ أبو بكر ابن أبي شيبة، صاحب المصنف .
5 ـ أحمد بن حنبل، صاحب المسند .
6 ـ البخاري، في صحيحه .
7 ـ مسلم، في صحيحه .
8 ـ ابن ماجة، في صحيحه .
9 ـ أبو حاتم بن حبّان، في صحيحه .
10 ـ الترمذي، في صحيحه .
11 ـ عبدالله بن أحمد بن حنبل، هذا الإمام الكبير الذي ربّما يقدّمه بعضهم على والده، يروي هذا الحديث في زيادات مسند أحمد وزيادات مناقب أحمد .
12 ـ أبو بكر البزّار، صاحب المسند .
13 ـ النسائي، صاحب الصحيح .
14 ـ أبو يعلى الموصلي، صاحب المسند .
15 ـ محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير .
16 ـ أبو عوانة، صاحب الصحيح .
17 ـ أبو الشيخ الإصفهاني، صاحب طبقات المحدثين .
18 ـ أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة .
19 ـ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك على الصحيحين .
20 ـ أبو بكر الشيرازي، صاحب كتاب الألقاب .
21 ـ أبو بكر بن مردويه الإصفهاني، صاحب التفسير .
22 ـ أبو نعيم الإصفهاني، صاحب حلية الأولياء .
23 ـ أبو القاسم التنوخي، له كتاب في طرق أحاديث المنزلة
24 ـ أبو بكر الخطيب، صاحب تاريخ بغداد .
25 ـ ابن عبد البر، صاحب الإستيعاب .
26 ـ البغوي، الملقّب عندهم بمحي السنّة، صاحب مصابيح السنّة .
27 ـ رزين العبدري، صاحب الجمع بين الصّحاح .
28 ـ ابن عساكر، صاحب تاريخ دمشق .
29 ـ الفخر الرازي، صاحب التفسير الكبير .
30 ـ ابن الأثير الجزري، صاحب جامع الأُصول .
31 ـ أخوه ابن الأثير، صاحب أُسد الغابة .
32 ـ ابن النجّار البغدادي، صاحب تاريخ بغداد .
33 ـ النووي، صاحب شرح صحيح مسلم .
34 ـ أبو العباس محب الدين الطبري، صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة .
35 ـ ابن سيّد الناس، في سيرته .
36 ـ ابن قيّم الجوزية، في سيرته .
37 ـ اليافعي، صاحب مرآة الجنان .
38 ـ ابن كثير الدمشقي، صاحب التاريخ والتفسير .
39 ـ الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح .
40 ـ جمال الدين المزّي، صاحب تهذيب الكمال .
41 ـ ابن الشحنة، صاحب التاريخ المعروف .
42 ـ زين الدين العراقي المحدّث المعروف، صاحب المؤلفات، صاحب الألفية في علوم الحديث .
43 ـ ابن حجر العسقلاني، صاحب المؤلفات .
44 ـ السيوطي، صاحب المؤلفات كالدر المنثور وغيره .
45 ـ الدياربكري، صاحب تاريخ الخميس .
46 ـ ابن حجر المكّي، صاحب الصواعق المحرقة .
47 ـ المتقي الهندي، صاحب كنز العمّال .
48 ـ المناوي، صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير .
49 ـ ولي الله الدهلوي، صاحب المؤلفات ككتاب حجة الله البالغة وإزالة الخفاء .
50 ـ أحمد زيني دحلان، صاحب السيرة الدحلانيّة .
وغير هؤلاء من المحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين من مختلف القرون والطبقات .
والحق يقال أحبتي جميعا :
فهذا حديث المنزلة في الصحيحين، وأنتم تعلمون بأنّ المشهور بينهم قطعيّة أحاديث الصحيحين، فجمهورهم على أنّ جميع أحاديث الصحيحين مقطوعة الصدور، ولا مجال للبحث عن أسانيد شيء من تلك الأحاديث، وللتأكّد من ذلك يمكنكم الرجوع إلى كتبهم في علوم الحديث، فراجعوا مثلاً كتاب تدريب الراوي في شرح تقريب النوّاوي للحافظ السيوطي، وبإمكانكم الرجوع إلى شروح ألفيّة الحديث كشرح ابن كثير وشرح زين الدين العراقي وغير ذلك، وحتّى لو راجعتم كتاب علوم الحديث لأبي الصلاح لرأيتم هذا المعنى، ويزيد شاه ولي الله الدهلوي في كتاب حجة الله البالغة، وهو كتاب معتبر عندهم ويعتمدون عليه، يزيد الأمر تأكيداً عندما يقول ـ وبعد أنْ يؤكّد على وقوع الإتفاق على هذا المعنى ـ يقول : اتفقوا على أنّ كلّ من يهوّن أمرهما [ أي أمر الصحيحين ]فهو مبتدعٌ متبع غير سبيل المؤمنين .
فظهر أنّ من يناقش في سند حديث المنزلة بحكم هذا الكلام الذي ادّعى عليه الاتفاق شاه ولي الله الدهلوي، كلّ من يناقش في سند حديث المنزلة فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين .
وعندما تراجعون كتب الرجال، هناك اتفاق بينهم على قبول من أخرج له الشيخان، حتّى أنّ بعضهم قال : من أخرجا له فقد جاز القنطرة . بهذه العبارة !
ومن هنا نراهم متى ما أعيتهم السبل في ردّ حديث يتمسّك به الإمامية على إثبات حقّهم أو على إبطال باطل، عندما أعيتهم السبل عن الجواب يتذرّعون بعدم إخراج الشيخين لهذا الحديث، ويتّخذون عدم إخراجهما للحديث ذريعة للطعن في ذلك الحديث الذي ليس في صالحهم .
أذكر لكم مثالاً واحداً، وهو حديث : « ستفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة »، هذا الحديث بهذا اللفظ غير موجود في الصحيحين، لكنّه موجود في السنن الأربعة، يقول ابن تيميّة في مقام الردّ على هذا الحديث(منهاج السنة 3 / 456 ) : (( الحديث ليس في الصحيحين ولكن قد أورده أهل السنن ورووه في المسانيد كالإمام أحمد وغيره . ومع ذلك لا يوافق على هذا الحديث متذرّعاً بعدم وجوده في الصحيحين )) ....
إلاّ أنّ الملفت للنظر لكلّ باحث منصف، أنّهم في نفس الوقت الذي يؤكّدون على قطعيّة صدور أحاديث الصحيحين، ويتخذون إخراج الشيخين للحديث أو عدم إخراجهما للحديث دليلاً وذريعة ووسيلة لردّ حديث أو قبوله، في نفس الوقت إذا رأوا في الصحيحين حديثاً في صالح الإماميّة يخطّئونه ويردّونه وبكلّ جرأة .
ولذا لو راجعتم إلى كتاب التحفة الإثنا عشرية (صفحة : 278 )...: لوجدتم صاحب التحفة يبطل حديث هجر فاطمة الزهراء أبا بكر وأنّها لم تكلّمه إلى أن ماتت، يبطل هذا الحديث ويردّه مع وجوده في الصحيحين .