بصفتي طالبة جامعية كيف يمكنني الاقتداء بالسيدة الزهراء عليها السلام ؟!!
هذا سؤال وجهته إحدى الطالبات في لقاء مفتوح مع السيد القائد حفظه الله فكان مما أجابه :
كيف يمكن لشابة تعيش في فترة زمنية تتميز بتطورها العلمي والصناعي والتقني وتتمتع بحضارة مادية متطورة أن تتأسى بشخصية عاشت قبل 1400 سنة ؟!! وفي أي مجال تقتدي بها ؟!! هل تأخذ بعين الاعتبار كيف كانت تذهب إلى الجامعة ؟ أو كيف كانت تفكر بمسائل العالم السياسية ؟!! طبعاً هذه المجالات لا يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار، بل هناك مميزات خاصة شخصية لكل إنسان يجب عليها أن تميزها وتقتدي بها. لذلك فالإنسان الذي يريد أن يتخذ من شخصية معينة قدوة يتأسى بها يجب عليه أن يلاحظ ويميز الخطوط العريضة والميزات المهمة لهذه الشخصية ويسير عليها.
إن السيدة الزهراء عليها السلام لم تكن تتجاوز سن السادسة أو السابعة من عمرها حين فقد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حاميه ومدافعه الوحيد أبا طالب رضوان الله تعالى عليه وبعد أسبوع من هذه الحادثة المؤلمة فقد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قرين حياته ومؤنسها السيدة خديجة عليها السلام فبقي وحده يجابه مصاعب الحياة ومشكلاتها. ومن صادف أن ترأس مجموعة معينة وتحمل مسؤوليتها يعرف ماذا يعني تحمل المسؤولية ؟!! أو كيف يكون موقف الإنسان حرجاً في تلك الظروف ؟!! أو يدرك دور السيدة الزهراء عليها السلام في تلك الفترة الصعبة التي مرت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كانت السيدة الزهراء عليها السلام في تلك الفترة الحرجة التي مرت على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كالأم والمداوي والمستشار لأبيها، لهذا أطلق عليها لقب أم أبيها، حيث أطلق هذا اللقب العظيم وهي لم تتجاوز سن السادسة أو السابعة، فهذا الإحساس بالمسؤولية وهذا الصبر الذي كانت تتمتع به الزهراء عليها السلام ألا يمكن أن يكون أسوة وقدوة لمن يريد أن يتأسى ويقتدي بها ؟!! ألا يمكن أن يكون موقف الزهراء عليها السلام وهي تعبئ قواها وقدراتها الكامنة من أجل تخفيف عبء المشاكل التي كانت تواجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن تجاوز الخمسين أسوة وقدوة لكل شابة وشاب ؟!!
أما الموقف النموذجي الآخر من مواقف الزهراء عليها السلام هو موقفها كزوجة وحسن تبعلها، فالبعض يعتقد أن حسن التبعل يكون في إدارة البيت وتنظيفه وتهيئة الطعام المناسب للزوج، لكن هذا الاعتقاد اعتقاد قاصر ومحدود لأن حسن التبعل يتضمن معاني أوسع وأعمق مما يعتقده هؤلاء فنحن إذا ما أخذنا حياة الزهراء عليها السلام عندما دخلت بيت زوجها لم تكن تتجاوز سن التاسعة من عمرها، وكانت السنين التسع التي عاشتها كزوجة سنين حافلة بالحروب والغزوات العديدة، وكان للإمام علي عليه السلام السهم الأكبر فيها وخلال فترة غياب الإمام علي عليه السلام عن البيت كانت السيدة الزهراء عليها السلام تدير شؤون البيت على أتم وجه.
أما الوضع الاقتصادي والمعيشي للإمام علي عليه السلام والسيدة الزهراء عليها السلام لم يكن وضعاً مساعداً ومناسباً فحياتهم كانت تعلوها سمات الفقر على الرغم من كون السيدة الزهراء عليها السلام ابنة زعيم الأمة الإسلامية ورسولها المختار صلى الله عليه وآله وسلم فكانت عليها السلام تتمتع بدرجة رفيعة من الإحساس بالمسؤولية ما جعلها تهيأ كل وسائل الراحة لزوجها وتحفظه وتحصنه من علائق الدنيا وزينتها المتمثلة بالأهل والعيال وكانت تعطيه القوة والزخم، فالإنسان لا يستطيع أن يقوم بهذه المسؤولية إلا إذا كان يتمتع بسموّ روحي وتعالي نفسي، فتربيتها الرفيعة لأطفالها هو دليل على اقتدارها وتعاليها وإحساسها بالمسؤولية، ولا يستطيع أحد أن يبرر التربية الإسلامية القوية للحسن والحسين عليهما السلام بكونهما إمامين خلقا من نور الإمامة واصلها، لأن السيدة زينب عليها السلام لم تكن إماما معصوما حيث استطاعت الزهراء عليها السلام أن تزرع في نفس ابنتها أصول وتعاليم الدين الإسلامي خلال السنوات القليلة التي عاشتها معها.
إذا ما لاحظنا المرحلة التي تلت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كيف استطاعت الزهراء عليها السلام وهي لم تتجاوز سن الثامنة عشر أن تنطق بهذه الخطبة الغراء التي لا زال التاريخ يردد كلماتها على مر العصور والأزمنة !! كيف استطاعت وعلى الرغم من تراكم المحن والمشاكل أن تحضر تحضر المسجد وتنطق بهذه الكلمات العجيبة ؟!! إذاً كلّ شاب وكل ربة بيت أو كل من هي مشرفة على تحمل مسؤولية إدارة البيت تستطيع أن تتأسى بحياة السيدة الزهراء عليها السلام وحسن تبعلها ومواقفها العظيمة.