السيد الشيرازي يستقبل الباحث المصري الدكتور أحمد النفيس
بتاريخ : 16-02-2008 الساعة : 12:22 PM
استقبل المرجع الديني سماحة السيد صادق الحسيني الشيرازي في بيته بمدينة قم المقدسة يوم الاثنين الموافق للثالث من شهر صفر المظفر 1429 للهجرة الدكتور المصري أحمد راسم النفيس. وبعد أن رحّب سماحة السيد بضيفه الكريم، قدّم الضيف موجزاً عن أوضاع أتباع أهل البيت (صلوات الله عليهم) في مصر. كما أشار إلى بعض إنجازاته الفكرية والثقافية، ودوره في ردّ الشبهات التي يُتهم بها التشيّع وأتباعه.
وسأل الدكتور النفيس سماحة السيد المرجع عن رؤيته لمستقبل الشيعة في العالم، فقال سماحته: أنا متفائل بمستقبل الشيعة بل وبمستقبل العالم. فالعالم كلّه في طريقه إلى تقبّل التشيّع وهو الإسلام الحقيقي.
لا شك أن هذا الطريق مليء بالأشواك والعراقيل أو ـ ما يسميه العراقيون (الطسات) ـ ولكن هذه الأشواك والعراقيل لا يمكنها أن تؤخّر أو تمنع مسير العالم نحو الحقيقة والحق.
وأضاف سماحته مؤكداً: هناك مثل صيني يرجع تاريخه إلى حوالي خمسة آلاف سنة، ومضمونه أنه: يستطيع الإنسان أن يصنع بالحراب أشياء كثيرة ولكن لا يستطيع أن يجلس عليها أبداً. فكيف بعالم اليوم وهو عالم الانفتاح، والقوة اليوم هي للكلمة والمنطق وليس للجبر والإكراه والقوّة. وسيدخل الناس في الإسلام بعشرات الملايين وإنه لقريب جداً.
جدير بالذكر، أن للدكتور النفيس مناقشات عديدة مع بعض رجال العامة حول إثبات أحقيّة التشيّع، ودحض الشبهات والأباطيل التي تُلصق به وبأتباعه. وتقوم القنوات الفضائية ببثّ هذه المناقشات بين فترة وأخرى وخصوصاً الفضائيات المصرية.
والدكتور أحمد راسم النفيس نشأ وترعرع في عائلة ذات ذوق أدبي، فقد كان جده من علماء الجامع الأزهر وكان يعقد منتدىً في القرية التي كان خطيباً لمسجدها، يجتمع فيه المثقفون ليأخذوا عنه العلوم الدينية والأدبية. وورث الابن عن الأب هذه العادة فكان بيته منتدىً آخر تقام فيه حلقات الشعر والأدب و يحضره أصحاب هذا الفن. أثّرت هذه الأجواء بالدكتور أحمد النفيس رغم صغر سنه؛ يقول: "تعلّمت من أبي وجدّي رحمهما الله حبّ القراءة والاطلاع، قرأت كل ما وقع تحت يدي من كتب أثناء طفولتي إلا كتاب واحد عجزت عن مواصلة القراءة فيه، هو«أبناء الرسول في كربلاء» للكاتب المصري خالد محمد خالد، كنت أجهش بالبكاء في اللحظة التي أمسك فيها الكتاب وأعجز عن مواصلة قراءته".
وعن كيفية تشيّعه يقول:
لمّا كانت الحرب بين العراق وإيران على أشدّها، أمطرت الساحة المصرية ـ شأنها في ذلك شأن الساحة الإسلامية عموماً ـ بوابل من الكتب المسمومة والتي تتهجم على الشيعة، كما تمّ دعم هذا الهجوم بفسح المجال أمام التيار السلفي ليلج الساحة هناك، وقد أخذ على عاتقه تأجيج نار الفتنة لتنفير الجمهور المصري من الشيعة.
يضيف الدكتور أحمد:
"من الواضح تماماً أن هؤلاء كانوا ينفّذون خطّة مرسومة ومدعومة، ويحاولون الإيحاء بأن التشيّع خط عنصري فارسي في مواجهة الإسلام العربي! وهذه مقولة تكشف بوضوح الرؤية البعثية العراقية التي امتطت ظهر السلفية".
ورغم هذه الهجمة الشرسة ونفث السموم في الساحة إلا أن الدكتور أحمد راسم النفيس لم يتأثر، فواصل البحث والمتابعة حتى عثر في إحدى المكتبات العامة على كتاب (لماذا اخترت مذهب أهل البيت عليهم السلام) لمؤلّفه المرحوم الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي، وهو يقول في هذا الصدد:
"أخذت الكتاب، وقرأته. تعجبت، ثم تعجبت كيف يمكن لعالم أزهري ـ يعني هو الشيخ الأنطاكي مؤلف الكتاب ـ أن يتحول إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام. (عن كتابه الطريق إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام: ص18".
وبعد مرور عام وفي نفس المكتبة عثر على كتاب آخر هو (خلفاء الرسول الإثنا عشر) فعكف على قراءته بتمعّن حتى اختمرت لديه فكرة اعتناق مذهب الشيعة لكنه لم يقرّر بعد.
ومضت فترة أخرى أُقيم خلالها معرض للكتاب في كلية الطب بالمنصورة فوجد كتاباً في المعرض يحمل عنوان (الإمام جعفر الصادق عليه السلام) تأليف المستشار عبد الحليم الجندي، فتلقّفه وأكبّ على مطالعته، يقول: (فأخذته وقرأته وتزلزل كياني لما فيه من معلومات عن أهل البيت (عليهم السلام) طمستها الأنظمة الجائرة وكتمها علماء السوء، فإن القوم ـ كما روي على لسان الزهري راوية بني أمية ـ لا يطيقون أن يذكر آل محمد بخير). فأخذ يقارن مع ما لديه من كتب ومصادر سنية فوجد أن الأمر لا يتحمل الإخفاء فهو كالشمس في رابعة النهار.
حملة وأية حملة!
كان الدكتور أحمد راسم النفيس في هذه الفترة قد التقى بأحد أصدقائه القدامى واكتشف بأنه يحمل نفس المعتقد، فأخذا يتدارسان بعض الأحكام الفقهية اللازمة، كما كان في الوقت ذاته مشغولاً بإنهاء رسالة الدكتوراه (اختصاص في الباطنية العامة) وكان نبأ اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) قد تسرّب، وإذا به يواجه مقاطعة تامة، وأخذت حلقات المقاطعة تضيق وتزداد كأنه مصاب بخلل فكري أو عقلي، يقول: (كنت أتساءل بيني وبين نفسي عن سرّ هذا العداء والشراسة في مواجهة كل من ينتمي إلى خط آل بيت النبوّة، وما هي الجريمة التي ارتكبها أولئك المنتمون؟..).
وبالرغم من ذلك صبر واحتسب، لكنّ الأمر لم ينته إلى هذا الحد بل أخذت المضايقات تأخذ شكلاً آخر، فهذه المرة: السلطة!! فقد تمّ اعتقاله أواسط عام (1987م) في حملة اعتقالات طالت الإسلاميين في مصر، تعرّض خلالها للتعذيب النفسي والجسدي، وقد كان الأمر واضحاً بالنسبة له فهو لم يكن ينتمي لأيّ تنظيم ـ محظور أو غير محظور ـ ولا ممن يهدّدون أمن الدولة حتى يعتقل، وقد أفرج عنه بعد فترة منهكاً مريضاً، وتتسلسل حلقات الاضطهاد لتأخذ شكلاً آخر، حيث يقول:
(.. التآمر أخذ شكلاً آخر كان الهدف منه إخراجي من عملي بالجامعة بكل ما لديهم من وسائل، وهكذا تم تأخير حصولي على الدكتوراه من 1408هـ/1987م حتى عام 1413هـ/1992م ستّ سنوات كاملة من الضغوط الوظيفية والمعاشية كي يجبروني على تغيير عقيدتي حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون). (عن كتابه الطريق إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام: ص25).
فقيّض الله تبارك وتعالى عدداً من الأحرار ليدافعوا عنه وعن غيره من المظلومين سواء من رجال الجامعة أم من رجال الصحافة والإعلام، حتى فشلت الحملة المسعورة التي كانت تتصوّر أن مجرد التهمة بكلمة (شيعة أو تشيّع) ستقلب المجتمع بأجمعه ضده ومن ثم تعود إلى عزله وتحجيم دوره.
إنها مدرسة الإمامة
يتساءل الدكتور أحمد راسم النفيس ويقول:
(كيف يمكن لأمة أن تحلم بإقامة دولة إسلامية، وهي لا تملك مشروعاً فقهياً أو فقهاء مجتهدين؟! الجميع يعلمون أن المسلمين الشيعة وحدهم هم الذين يملكون هذا البناء الفقهي وهذه المدرسة المتكاملة التي أقاموها على مدى التاريخ عبر العذابات والجراحات، وهي مدرسة تستند إلى فهم آل البيت المعصومين للكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، ودائماً كان دليلهم الأقوى وكانت فتاواهم هي الأصوب). (عن كتابه الطريق إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام: ص 28 ـ 29).
ثم شرع بدراسة قضية تختلف عن الدراسات التقليدية، إذ ركّز فيها على الإطار العقلي وداعماً له بالنصوص القرآنية والنبوية الشريفة؛ يقول في هذا الصدد:
(إن انتقال النبي محمد صلّى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى عام11هـ /632م كان من المفترض أن يصاحبه انتقال السلطة والنظرية إلى يد أمينة قادرة على التعبير عن الأمرين وجعل السلطة والقوّة في خدمة النظرية وليس العكس أن تكون النظرية في خدمة السلطة فتشكَّل النظرية وفقاً لقدرات أصحاب السلطة الذهنية والعقلية ولمدى أمانتهم في التطبيق، ومن هنا كان عهد النبي الأكرم لعلي عليه السلام يوم غدير خم بقوله:
«من كنت مولاه فعليّ مولاه»(1)، وقوله يوم سار النبي صلّى الله عليه وآله إلى غزوة تبوك وكانت يومها الدولة قائمة: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي»(2) (عن كتابه الطريق إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام: ص36).
إشارة لابد منها
الدكتور أحمد راسم النفيس بالإضافة إلى كونه حامل لشهادة الدكتوراه (اختصاص في الباطنية العامّة) فهو حافظ للقرآن الكريم، وقد وُفّق لحفظه في السجن عام(1981م).
كما أنه وُفّق لتأليف كتب منها:
1. الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
2. على خطى الحسين (عليهم السلام).
(1) سنن الترمذي: ج2 ص298. سنن ابن ماجة: ص12. مستدرك الصحيحين: ج3 ص1098 و533. مسند أحمد بن حنبل: ج1 ص48. الخصائص للنسائي: ص22 و40. الامامة والسياسة لإبن قتيبة: ص 93.
(2) البخاري (كتاب بدء الخلق، باب غزوة تبوك): ج3 ص1359. صحيح مسلم (كتاب فضائل الصحابة): ج5 ص23. مسند أحمد بن حنبل: ج1 ص277.