يُعدّ الصّفر أوّل الأعداد وأكثرها تبسيطاً ،، وأشدّها شهرة ودهشة واستعمالاً وأهميّة وروعة !!.
الصفر .. ذلك الرمز الذي يشير إلى اللاشيء ويعبر عنه باستخدام العلامة (.)
هل تتخيّل كم عانت البشرية قبل اكتشافه ؟!!.
نعم .. لقد عانت البشرية كثيراًقبل ظهور هذا الرمز المعجز !!.هل تعرف ما أضافه الصفر إلى مسيرة تطور علومالحساب والرياضيات ؟!!.
إن اختراع الصفر يعود إلى آلاف السنين ،، إلا أنه في البداية لم يُستخدم رمزاً لـ عدد ،، ولكنه استُخدم أولاً كـ مميز بين أرقام مثل 123، 1203، 1230، 1023
وقد يظن الإنسان للوهلة الأولى أن الصفر الذي يعبّر عن اللا قيمة هو أيضاً عديمالقيمة ،، وهذا خطأ كبير !!.
ولكي نتعرّف كم يساوي الصفر في حياة البشرية ،، يجب أولاً أننستعرض رحلة البشرية نحو اكتشاف الصفر ..
الصّفر في الهند
في مطلع القرن الخامس ق.م. بدأ الهنود في استخدام دائرة أو نقطة كـ رمز للصفر ،، وبعد ذلك ترك رسم النقطة واقتصروا على الدائرة
وسمّوهالفراغ– سونيا – (Sunya)
أو سونيابيندا (Sunyabinda) أيضاً بمعنى الفراغ
وأطلقوا عليه أحيانا تسمية – خا – (Kha) أي الثّقب ، لكنهم لم يرسموه ..
ويُقال إنهم استعملواالدائرة (o) والنّقطة (.)للدّلالة عليه ..
وقد كان هؤلاء الرياضيون الهنود يكتبون الأرقام في أعمدة وقد استخدموا العمود الفارغ لـ يعبّر عن الصفر ..
وكانت الكلمة الهندية التي تعني "صفر" هي (سونيا) ومعناها "خالي أو فارغ" ،،
وقد تُرجمت الكلمة ومُثّـلت صوتياً في اللغة العربية بحيث أصبحت "صفر" ..
الصّفر في بابل يعتقد العلماء أنّ البابليين هم أوّل من اخترعوا الصّفر ،، لكنّه لم يكن يمثّل قيمة عدديّة بـ حدّ ذاته ،، وهو الصّفرالأقدم في التاريخ ..
وقد حصل هذا الاختراع في القرن الثالث ق.م ..
الصّفر في الصّين في القرن الخامس قبل الميلاد اكتشف الصّينيون صفراً مشابهاً لـ الصّفرالبابليّ ..
وبعد مرور ثلاثة قرون اخترع الصّينيون صفراً يحمل قيمة عدديّة ..
الصّفر في مصر
في مصر ،، لا يتطابق أيّ حرف هيروغليفيّ مع الصّفر ،،
ولم تُشِر إليه الحضارة المصرية إطلاقاً !!.
الصّفر في المكسيك تُعدّ حضارة قبائل المايا المكسيكية من أكثر الحضارات الأمريكية تطوّراً في حقبتها .. وقد اكتشفت هذه القبائل مفهوم الصّفر وطريقة استعماله
على الأقل بـ ألفي سنة قبل أن تعرفه أوروبا ،، فـ رسَمَته على شكل صدفة أو حلزون..
أما علاقة الصّفر بالصّدفة فهي تربط أيضاً بـ الحياة الجنينيّة ..
وفي الفن ،، يُرسم الصّفر لدى قبائل المايا على شكل حلزوني ،، فـ يرمز إلى اللامتناهي المفتوح على المتناهي المغلق ..
الصّفر عند العرب
نعَتَ العرب الصّفر بـ الخيّر والمظفّر .. كان الصّفر يعتبر في الجاهلية شهراً من أشهر النّحس ،، واختلف في أصل التّسمية ،،
فـ قال البيروني :(لامتيازهم في فرقة تسمّى صفريّة ، وسمّي الصّفر صفراً والسّبب وباء كان يعتريهم فيمرضون وتصفرّ ألوانهم) ..
وقال النويريّ : (كانوا يغيرون على الصّفريّة وهي بلاد) ..
وقال المسعوديّ : (وصفر لأسواق كانت في اليمن تسمّى الصّفريّة وكانوا يحتارون فيها ، ومن تخلّف عنها هلك جوعا) ..
ويعتقد عدد من الباحثين أنّ الصّفر يُشتقّ من فكرة الخلوّ والفراغ ،،
فـ جاء في اللسان – تحت كلمة صفر – (أنّ العرب سمّوا الشهر صفرا لأنهم كانوا يغزونفيه القبائل فيتركون من أغاروا عليه صفرا من المتاع)..
ويُقال في العربية :(عاد صفراليدين) ..
ويُعتبر الخوارزمي (780 – 850) م من أبرز علماء العرب والعالم في الرياضيات ،، وقيل إنه هو الذي ابتكر الصّفر وجعله عدداً مهماً في العمليات الحسابية ..
واستعمل العرب النقطة لتدلّ على الصّفر ،، وبيّنوا دوره في العمليات الحسابية ،، وأهميّته في تحديد مراتب العشرات والمئات والألوف ..
ويقول الخوارزمي : (في عمليات الطّرح ، إذا لم يكن هناك باق نضع صفرا ولا نترك المكان خاليا لئلا ّيحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة العشرات ،،
ثمّ إنّ الصّفر يجب أن يكون من يمين العدد ،، لأنّ الصّفر من يسار الاثنين ، مثلا – 02 – لا يغيّر من قيمتها ولايجعلها عشرين) ..
وساعد الصّفر في تسهيل المعادلات الجبريّة والحسابية .. وعن العرب انتقل إلى أوروبا ..
وكان العرب نقلوا الأعداد بما فيها الصّفر من الهند .. وقيل إنّ العرب استعملوا الصّفر مكان الفراغ الذي كان الهنود يتركونه للدّلالة إليه ..
الصّفر في أوروبا
في إيطاليا أخذ "ليوناردو دو بيز" عن العرب طريقتهم في كتابة الأرقام من اليمين إلى اليسار ،، كذلك أخذ عنهم الصفر
وكتبه باللاتينية Cephir
ثمّ تبدّل الاسم إلى Zephiro
وتحوّلت اللفظة إلى Zero ،، ابتداء من العام 1491 م ..
وفي فرنسا ،، تحوّلت اللفظة من Cifre إلى Chifre
ثمّ إلى Chiffre
وفي ألمانيا ،، تبدّلت من Zifferأو Ziffra ،، واليوم تستعملDie null
وفي إنكلترا ،، استعملت لفظة Cipher ،، وحلّت محلّها لاحقاً لفظة Zero
وفي البرتغال ،، تعني لفظة Cifra الصّفر ،، بمعنى Zero
وفي أسبانيا ،، تحمل Cifra معنى Chiffre ،،
كما تعني لفظة Cero الصّفر أي Zero
وهكذا تخلصت أوروبا من نظام الأعداد الروماني بفضل الرياضيين المسلمين ،،
إذ أصبحت قيمة العدد الواحد تتغير في هذا النظام وفق مكانه في الآحاد أو العشرات أو المئات ..
وهو ما كان له بالغ الأثر في اختصار العمليات الحسابية فيما بعد ..
خصائص الصفر
لـ الصفر مجموعة من الخصائص الرياضية الأساسية وهي حقائق بديهية لا تحتاج إلى تقديم ..
إضافة الصفر إلى أي قيمة عديدة لا يؤثر في هذه القيمة
حذف الصفر من أي قيمة عديدة لا يؤثر في هذه القيمةضرب الصفر في أي قيمة عديدة يكون الناتج صفراًقسمة أي عدد سوى الصفر على صفر يكون الناتج غير معروف
تأمّـلات حول الصفر
* الصفر ليس سالباً أو موجباًالصفر هو الرقم الوحيد الذي لا يُعدّ سالباً أو موجباً ،، بل هو يمثّـل الحد بين الأرقام السالبة والموجبة .. وهذه السِمة تجعل الصفر نقطة البداية الطبيعية أو الأصل في أي تدريج مثل محاور الإحداثيات أوالترمومتر ..
* الصفر ترتكز عليه جميع الأعداد
يمتاز الصفر بصفات خاصّة استثنائيّة لا يتمتّع بها أيّ عدد آخر ،، إذ بعد انتهاء العدد تسعة لابدّ من اللجوء إلى الصّفر لكي تدخل الأعداد دورة جديدة ،، وحين يصل العدّ إلى التّسعة عشر يتدخّل واحد ثان مع الصّفر من أجل ابتداء دورة جديدة ثانية ..
ومن هنا ،، فـ الصّفر هو السّر الذي ترتكز عليه كل الأعداد ،، وإليه تعود في النهاية لـ تتنامى وتعظم !!.
لذلك يرمز الصّفر إلى الاستمرارية ،، به يبدأ العدّ ،، وبه ينتهي ..
وبه تنتقل الأعداد من دورة عددية إلى أخرى ،، ويستحيل على الأعداد الاستمرار من دونه ،، فـ الصفر هو رمزالاستمرارية والخلود ،، هو رمز الغموض والمجهول أيضاً ،، لأن السر الكبير يكمن في معرفة كنه الصفر وكيف يعمل !!.
* الصفر طاقة حياديةقد تتعجب من قولنا "إن الصفر طاقة" فـ كيف يكون الصفر طاقة ؟!.إن لـ الصفر قدرة على إحداث التغيير ،، وبالتالي نقول أنه طاقة ..
ولكن !!. ما خصائص هذه الطاقة ؟؟!.
إن الخاصية الأولى والأكثر أهمية في هذه الطاقة أنها طاقة حيادية يمكنها أن تكون سالبة إذا ما استعملت لأهداف سالبة ؛ كما يمكنها أن تكون موجبة ، إذا ما استعملت لأهداف موجبة ..
بـ عبارة أخرى ،، يمكن للصفر أن يكون الانتهاء أو الفراغ ، إذا ما أريد له كذلك ؛ مثلما يمكن له أن يكون نهاية دورة وبداية أخرى ؛ إذا ما استُعمل لأجل هذا الهدف ..
لهذا السبب شبّه الأقدمون الصفر بـ الطاقة اللاواعية التي باستطاعتها أن تبني أو تدمر !!. فـ الطاقة اللاواعية تفتقر إلى عنصر الحكمة ،، أو حكمة العدل !!.
فـ كما يمكن للصفر أن يكون انتهاء، تلاشياً ، أو ضياعاً ... كذلك يمكنه أن يكون بداية إيجابية جديدة !!.