من الظواهر التي أفرزها التغيير في العراق،دخول الستلايت إلى البيت العراقي،بعد أن كان حلما ذهبيا يراود العراقيين،،فالنظام البائد حرم استخدامه،وأقر عقوبات وغرامات مالية لمن يقتنيه،فتوسمنا خيرا في القادم الجديد،وتوقعنا أن يكون مصدر أشعاع للتنوير الفكري،وله تأثيره في تنقية العقول من الشوائب والأوضار التي علقت بها جراء الحصار،واستبداد النظام السابق،وانحسار الأفكار والمفاهيم التي راجت،وجعلت العراقيين،يعيشون بعقليات القرون الوسطى،وعودة الأفكار البائدة،وغياب الوعي وشيوع التخلف،لتنفتح العقول على ما وصل إليه العالم المتمدن من رقي في مناحي الحياة المختلفة،ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه،فقد تحول هذا الجهاز العظيم،إلى وبال كبير على العراقيين،وأستغل بطريقة ذكية من القوى الظلامية،التي تحاول الإبقاء على التخلف،بل إنماءه ورفده بما يزيد منه،وبقدرة قادر انتشرت الفضائيات المؤدلجة،وبدأت الأحزاب المهيمنة على السلطة في العراق،بإنشاء فضائياتها الخاصة،ومحطاتها الأرضية،وإذاعتها وصحفها ونشراتها،وأغرق الفضاء العراقي بالغث والسمين من الفضائيات التي أخذت تؤسس لفكر جديد،حاولت من خلاله زرع بذور الفتنة وإشاعة الطائفية ونشرها وترسيخها،في غياب كامل للدولة عن إيقاف هذا المد الفوضوي المريب،فكان أغلب هذه الفضائيات يبث السموم والأراجيف التي تؤجج الشارع العراقي وتدفعه للاحتقان الطائفي بفضل الشحن اليومي المتنامي لهذه الفضائيات،وأصبحت المودة الجديدة في العمل السياسي،أن يكون لكل حزب قناته الفضائية،ومحطته الأرضية،الناطقة باسمه،والمعبرة عن فكره،وما أن يصبح (جرير) وزيرا أو أميرا،حتى يتمكن بين ليلة وضحاها أنشاء فضائية حديثة،بإمكانات تقنية وفنية وإدارية عالية،تقوم بنشر فكره الأفلج،وتصوراته المريضة،في ظل غياب واضح لمنابر الأعلام الوطنية،التي ندر أن لم يكن أنعدم وجودها ،فالفضائيات العاملة في العراق،وراء الداء الوبيل الذي ينخر في المجتمع العراقي،ولها القسط الأكبر في إشاعة ثقافة العنف والإرهاب،لا أستثني منها إلا أحادا تسعى لنشر روح التسامح والمحبة في المجتمع،والظاهرة الملفتة للنظر في هذه الفضائيات أنها استغلت الفكر الديني أبشع استغلال،فحاولت من خلاله النفاذ إلى تفكير المواطن بالطرق على الأماكن الحساسة من تفكيره لتؤدلجهه بطريقتها الممنهجة ليسير باتجاهها مغمض العينين، بعد أن أغرته بما يتلاعب بعواطفه من رؤى وأفكار لها مكانها في تفكيره،فأحالتها إلى سموم قاتلة،وحرفتها عن مسارها الصحيح باستغلال العاطفة الدينية بما يخدم توجهاتها في إشاعة القتل،وانتشار الجريمة،وشيوع الفساد.
ولو تساءلنا من أين لهذه الأحزاب هذه الأموال الطائلة التي تمكنها من إنشاء هذه الفضائيات التي تحتاج شهريا إلى مئات الملايين والدنانير ،فهل تمتلك هذه الأحزاب آبار من البترول ،أو عثرت على خزان قارون ،أم من اشتراكات أعضائها ،رغم أنها أحزاب غير نظامية ،لا تمتلك تنظيمات مؤمنة بمبادئها ،وتشارك في دعمها ماديا ،فهذه الأحزاب وهي من الغرائب في العمل الحزبي تدفع الرواتب المغرية لأعضائها والعاملين في مكاتبها ،وتصرف ملايين الدولارات في فعالياتها المستمرة طوال العام ،والمعروف عنها في الشارع العراقي أنها تشغل العاطلين عن العمل وتحشدهم للمشاركة في هذه المناسبات بدفع المصاريف والأجور لهم ،وهو ما يعرفه كل العراقيين ،فهل لنا الحق في التساؤل من أين لك هذا ؟ والأغرب في موضوع الفضائيات إن هناك شخصيات لا تمثل حزبا معينا ،أو حركة معروفة ، أو جهة مكشوفة ،تمكنت من إنشاء فضائيات على احدث المواصفات العالمية بثت من خلالها ما تريد تمريره من رؤى وتصورات ، فمن أين لها هذه الأموال الطائلة ، ومن هي الجهة الداعمة لها ،فالبعض من أصحاب الفضائيات يعلم الجميع بمصادرهم المالية ففضائية الحرباء أنشئت بعد أن تقلد صاحبها الوزارة السامية وحصل بجده واجتهاده على ما يكفي لإنشائها ،ليخدم من خلالها بلده العزيز ،فكانت منبرا لأفكاره الضحلة وتصوراته المريضة ،وفضائية الجرباء تبرع بها جماعة من أهل الخير والصلاح لخدمة وطنهم العزيز !!!والقائمة تطول ولكن أين هي القوانين التي تستطيع مسائلة هؤلاء عن مصادر أموالهم ،وأين هي الحكومة الوطنية القادرة على محاسبتهم وكشف أوراقهم ، وكيف لهؤلاء تبرير إمكانياتهم المادية غير المحدودة ،وهل يعي الشعب العراقي النبيل هذه الحقائق ،أم لا يزال غارقا في بحر متلاطم من الجهل بما يدور من حوله ...؟ وهل له أن يسأل نفسه يوما من أين لهؤلاء هذه الأموال ولماذا لم يستطع غيرهم من الأحزاب العريقة امتلاك مثل هذه الإمكانيات، أم نتأسى بقول الشاعر:
تبارك الله رب العالمين فقد أغنى اللصوص بما حازوا وما سرقوا
نساءل الله من ألطاف رحمته فيزدرينا وهم من فضله رزقوا