حجر بن عدي الكندي رحمه الله صحابي جليل: وفارس من كبار قادة الفتوحات ، كان كثير العبادة حتى وصفوه براهب الصحابة ، قال الحاكم في المستدرك:3/468: (ذكر مناقب حجر بن عدي رضي الله عنه ، وهو راهب أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ) .
( وفد على النبي صلى الله عليه وآله هو وأخوه هانئ بن عدي وشهد القادسية ، وشارك في فتح الشام وهو الذي فتح مرج عذراء الذي قتل فيه ! (تاريخ الطبري:3/135 ، والغارات للثقفي:2/812 ، والمحبر لابن حبيب ص292 ، وأخبار الشعراء للمرزباني ص49 ، والمنتخب مذيل الطبري ص149، والطبقات:6/217) .
وكان قائد ميمنة المسلمين في معركة جلولاء وصفين.(الأخبار الطوال ص127)
* *
وكان في صفين قائد ميمنة علي عليه السلام : ( تاريخ الطبري:4/63). وقائد قوات كندة (تاريخ خليفة146 ، والغارات:1/51) وكان من عظماء أصحاب علي ، وأراد أن يوليه رياسة كندة ويعزل الأشعث بن قيس ، وكلاهما من ولد الحارث بن عمرو آكل المرار فأبى حجر بن عدي أن يتولى الأمر والأشعث حي). (الأخبار الطوال:ص224)
* *
وكان باراً بأمه محباً لها: فكان يرتب لها مكان نومها بيديه ، ثم ينام فيه ليطمئن أنه ممهد ! (تاريخ دمشق:12/212 ، ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص76)
* *
وهو أول من خرج لرد غارات معاوية: وطارد الضحاك بن قيس في غارته على مسالح العراق ، فلحقه في تدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلاً وقتل من أصحابه رجلان ، وحال بينهم الليل فهرب الضحاك وأصحابه ورجع حجر ومن معه) ( تاريخ الطبري:4/104)
* *
وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام بقتل حجر ظلماً: ففي تاريخ دمشق:12/226: (عن أبي الأسود قال دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل حجر وأصحابه؟ فقال: يا أم المؤمنين أني رأيت قتلهم صلاحاً للأمة وأن بقاءهم فساداً للأمة ! فقالت سمعت رسول الله(ص)يقول: سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم أهل السماء). (وفيض القدير:4/166، والغارات:2/812) .
وفي تاريخ دمشق:12/227: (عن ابن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب قال: ياأهل الكوفة سيقتل فيكم سبعة نفر خياركم ، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود).
وفي بحار الأنوار:39/324: عن حجر رحمه الله قال: (قال لي علي عليه السلام : كيف تصنع أنت إذا ضربت وأمرت بلعنتي؟ قلت له: كيف أصنع؟ قال: إلعني ولا تبرأ مني فإني على دين الله).
وفي مناقب آل أبي طالب:2/106: (وكذلك أخبر (أمير المؤمنين عليه السلام )بقتل جماعة منهم حجر بن عدي ، ورشيد الهجري ، وكميل بن زياد ، وميثم التمار ، ومحمد بن أكثم ، وخالد بن مسعود ، وحبيب بن المظاهر وجويرية ، وعمرو بن الحمق ، وقنبر ، ومذرع ، وغيرهم ، ووصف قاتليهم وكيفية قتلهم) !
* *
يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك:
في بحار الأنوار:32/399: (وروى نصر عن عبد الله بن شريك قال: خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشام فأرسل علي عليه السلام إليهما أن كفَّا عما يبلغني عنكما ، فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقين؟ قال: بلى . قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتبرؤون ، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا ومن أعمالهم كذا وكذا ، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر . وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم: اللهم أحقن دماءهم ودماءنا ، وأصلح ذات بينهم وبيننا واهدهم من ضلالتهم ، حتى يعرف الحق منهم من جهله ، ويرعوي عن الغي والعدوان منهم من لج به ، لكان أحب إلي وخيراً لكم .
فقالا: يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك) .
* *
وكان حجر يكتب عن أمير المؤمنين عليه السلام : ( ففي قال: ناولني الصحيفة من الكوة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما سمعت علي بن أبي طالب يذكر أن الطهور نصف الايمان)
* *
وكان معتمد الإمام الحسن عليه السلام : (فلما بلغ (معاوية) جسر منبج تحرك الحسن عليه السلام وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير ، واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ، ثم خف معه أخلاط من الناس)(الإرشاد:2/10، ومقاتل الطالبيين ص39) .
* *
وقد فضح حجر دور الأشعث بن قيس في قتل أمير المؤمنين عليه السلام : ففي مقاتل الطالبيين ص20 (والأشعث في بعض نواحي المسجد ، فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم: النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح ، فقال له حجر: قتلته يا أعور وخرج مبادراً إلى علي) .
* *
وكان أحد الذين يحسب معاوية حسابهم: (فكتب معاوية إلى المغيرة خذ زيادا وسليمان بن صرد وحجر بن عدي وشبث بن ربعي وابن الكواء وعمرو بن الحمق بالصلاة في الجماعة فكانوا يحضرون معه في الصلاة).(تاريخ الطبري:4/137)
* *
وكان مع أصحابه أربعة عشر: قتل منهم خمسة مع حجر في مرج عذراء ، هم: شريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة بن ضبيعة العبسي ومحرز بن شهاب السعدي ثم المنقري ، وكدام بن حيان العنزي .
أما السابع فهو عبد الرحمن بن حسان العنزي ، وقد بعث به معاوية إلى زياد بن أبيه فدفنه في الكوفة حياً ! وقد توسط لهم الصحابة وزعماء القبائل والشخصيات عند معاوية ، فلم يقبل وساطتهم إلا في سبعة فقط فأطلقهم ، وهم:
كريم بن عفيف الخثعمي ، وعبد الله بن حوية التميمي ، وعاصم بن عوف البجلي ، وورقاء بن سمي البجلي ، والأرقم بن عبد الله الكندي ، وعتبة بن الأخنس من بني سعد بن بكر ، وسعيد بن نمران الهمداني . وكانت شهادة حجر في سنة 51) .(تاريخ دمشق:8/27)
* *
الموت في حب علي عليه السلام شهادة: ففي مختصر أخبار الشعراء للمرزباني ص49: (ولما قدم حجر عذراء قال: ما هذه القرية؟ فقيل: عذراء . فقال: الحمد لله ، أما والله إني لأول مسلم ذكر الله فيها وسجد ، وأول مسلم نبح عليه كلابها في سبيل الله ، ثم أنا اليوم أحمل إليها مصفداً في الحديد ! ثم قال حجر للذي أمر بقتلهم: دعني أصلي ركعتين خفيفتين ، فلما سلم انفتل إلى الناس فقال: لولا أن يقولوا جزع من الموت لأحببت أن يكونا أنفس مما كانتا ، وأيم الله لئن لم تكن صلاتي فيما مضى تنفعني ما هاتان بنافعتيَّ شيئاً ، ثم أخذ ثوبه فتحزم به ، ثم قال لمن حوله من أصحابه: لاتحلوا قيودي فإني أجتمع ومعاوية على هذه المحجة ! ثم مشى إليه هدبة الأعور بالسيف ، فشخص إليه حجر فقال: ألم تقل إنك لم تجزع من الموت؟ فقال: أرى كفناً منشوراً وقبراً محفوراً وسيفاً مشهوراً ، فما لي لا أجزع ! أما والله لئن جزعت لا أقول ما يسخط الرب ! فقال له: فابرأ من علي وقد أعد لك معاوية جميع ما تريد إن فعلت ! فقال: ألم أقل إني لا أقول ما يسخط الرب ! والله لقد أخبرني حبيبي رسول الله (ص) بيومي هذا ! ثم قال: إن كنت أمرت بقتل ولدي فقدمه ، فقدمه فضربت عنقه ، فقيل له: تعجلت الثكل فقال: خفت أن يرى هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية علي عليه السلام فلا نجتمع في دار المقامة التي وعدها الله الصابرين .
ولما حمل عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي ، وكانا من أصحابه قال: العنزي: يا حجر لا تبعد ولا يبعد ثوابك فنعم أخو الإسلام كنت . وقال الخثعمي: يا حجر لا تبعد ولا تفقد فلقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، ثم ذهب بهما فأتبعهما حجر بصره ، وقال:
ثم التفت إلى بقية أصحابه ، فرأى منهم جزعاً فقال: قال لي حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حجر تقتل في محبة عليٍّ صبراً ، فإذا وصل رأسك إلى الأرض مادت وأنبعت عين ماء فتغسل الرأس! فإذا شاهدتم ذلك فكونوا على بصائركم وقدم فضربت عنقه فلما وصل رأسه إلى الأرض مادت من تحته وأنبعت عين ماء فغسلت الرأس! قال: فجعل أصحابه يتهافتون إلى القتل ، فقال لهم أصحاب معاوية: ياأصحاب علي ماأسرعكم إلى القتل فقالوا:من عرف مستقره سارع إليه).
* *
وظهرت له كرامات في حربه وشهادته: منها أنه طال اصطفاف المسلمين والفرس بعد القادسية ، وكان الفرس على الضفة الأخرى لدجلة ، فتقدم حجر وقرأ: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ . وأقحم فرسه وهو يقول باسم الله ، فعبر وعبر المسلمون على أثره ! فلما رآهم العدو قالوا: ديوان ديوان ! يعني شياطين شياطين(ديوان بالفارسية جمع ديو: الغول الشرير) فهربوا فدخلنا عسكرهم). (كرامات الأولياء اللالكائي ص152، وتفسير ابن كثير:1/419)
وعندما كان محبوساً في بستان في مرج عذراء أصابته جنابة ، فقال للسجان: أعطني من الماء شرابي اليوم وغداً لأتطهر به ، ولا أطلب منك شيئاً . قال: أخاف أن تموت عطشاً فيقول معاوية أنت قتلته ! قال: فبنى حجر حِجَاراً (شبيه الحوض) ودعا الله فأسكبت سحابة فصبت من الماء ما أراد فتطهر حجر ! فقال له بعض أصحابه: لو دعوت الله أن يخلصنا لفعل ! فقال حجر: اللهم خِرْ لنا ، ثلاثاً).
(فيض القدير:4/166، عن ابن الجنيد في كتاب الأولياء ، والغارات:2/812 ، ومختصر أخبار شعراء الشيعة للمرزباني ص49) :
وقيل إن شجر ذلك البستان جفت من يوم شهادته ! (شرح الأخبار:2/171).
* *
وكان له أصحاب محبون له من شخصيات الإسلام وفرسانه: (سعيد بن نمران الهمداني الناعطي ، كان كاتباً لعلي عليه السلام وأدرك من حياة النبي صلى الله عليه وآله أعواماً ، وشهد اليرموك وسار إلى العراق مدداً لأهل القادسية ، وكان من أصحاب حجر بن عدي ، وسيَّره زياد مع حجر إلى الشام ، فأراد معاوية قتله مع حجر ، فشفع فيه حمزة بن مالك الهمداني فخلى سبيله). (أسد الغابة:2/316)
* *
وقتله معاوية بيد أحد كبار المجرمين: ففي تاريخ الطبري:4/190: (فشُدَّ في الحديد ثم حُمل إلى معاوية ، فلما دخل عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . فقال له معاوية: أمير المؤمنين ! أما والله لا أقيلك ولا أستقيلك ، أخرجوه فاضربوا عنقه ! فأخرج من عنده فقال حجر للذين يلون أمره دعوني حتى أصلى ركعتين فقالوا صله فصلى ركعتين خفف فيهما ثم قال: لولا أن تظنوا بي غير الذي أنا عليه ، لأحببت أن تكونا أطول مما كانتا ، ولئن لم يكن فيما مضى من الصلاة خير فما في هاتين خير . ثم قال لمن حضره من أهله: لا تطلقوا عنى حديداً ولا تغسلوا عنى دماً فإني ألاقي معاوية غداً على الجادة ثم قدم فضربت عنقه). (سمعت أبا داود قال: قتل حجر بن عدي على يدي أبي الأعور السلمي). (سؤالات الآجري:1/331 ، و(وبغية الطلب:5/2108)
* *
وقتل حجر في صفر سنة إحدى وخمسين هجرية: (تاريخ خليفة بن خياط ص160، وتاريخ دمشق: 8/ 27، وقيل سنة 53: مستدرك الحاكم:3/468، ومعارف ابن قتيبة ص178).
* *
واعترف معاوية بقتل حجر ، وأصيب بالهلوسة بإسمه: فكان يقول: (ما قتلت أحداً إلا وأنا أعرف فيمَ قتلتُه وما أردت به ! ما خلا حجر بن عدي ، فإني لا أعرف فيما قتلته !).(تاريخ دمشق:12/231) وأصيب معاوية قبل موته بالهذيان والهلوسة باسم علي عليه السلام وحجر وعمرو بن الحمق ، كما تقدم .
* *
ولم يلعن حجر عليا عليه السلام رغم التهديد: ففي شرح النهج:4/58: (وأمر المغيرة بن شعبة وهو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية حجر بن عدي أن يقوم في الناس فليلعن علياً ! فأبى ذلك فتوعده فقام فقال: أيها الناس ، إن أميركم أمرني أن ألعن علياً فالعنوه ! فقال أهل الكوفة: لعنه الله وأعاد الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد). وفي اختيار معرفة الرجال:1/319 ، أنه قال مثل ذلك عندما طلب منه حاكم اليمن لعن علي عليه السلام في صنعاء) !
وقال في الغدير:9/119: (قاموا إليهم فقالوا: تبرؤون من هذا الرجل(أي علي عليه السلام ) ! قالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه . فأخذ كل رجل منهم رجلاً وأقبلوا يقتلونهم واحداً واحداً حتى قتلوا ستة). راجع:تاريخ الطبري: 6/141 ، تاريخ ابن عساكر:2/370 ، الكامل لابن الأثير:3/202 ، تاريخ ابن كثير: 7/49 ، والأغاني لأبي الفرج:2/16).
* *
وقد اعترض الإمام الحسين عليه السلام على معاوية: وعائشة ، وعامة الصحابة ، والعلماء .
في الإحتجاج:2/19: (عن صالح بن كيسان قال: لما قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليه السلام فقال: يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك ؟ فقال عليه السلام : وما صنعت بهم ؟ قال: قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم . فضحك الحسين عليه السلام ثم قال: خصمك القوم يا معاوية ، لكننا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم ولا قبرناهم ! ولقد بلغني وقيعتك في علي وقيامك ببغضنا ، واعتراضك بني هاشم بالعيوب ، فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك ، ثم سلها الحق عليها ولها ، فإن لم تجدها أعظم عيباً فما أصغر عيبك فيك ، وقد ظلمناك يا معاوية فلا توترن غير قوسك ، ولا ترمين غير غرضك ، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب ، فإنك والله لقد أطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه ولا حدث نفاقه ، ولا نظر لك ! فانظر لنفسك أو دع). انتهى .
ويقصد الإمام عليه السلام عمرو المعاص ، ومعناه أن دوره أساسي في خطط معاوية !
وقالت له عائشة: (يا معاوية أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟ قال: لست أنا قتلتهم ، إنما قتلهم من شهد عليهم)! (تاريخ الطبري:4/208 ، والإستيعاب:1/331 ، وفي طبعة 238، والسيرة الحلبية:3/163، والروض الأنف:3/366 ،وفي طبعة ص643 وفيه: ( فقال أوَأنا ؟! إنما قتلهم من شهد عليهم) !! ونحوه: أنساب الأشراف ص1265 . وفي الطبقات:6/219، أن عائشة بعثت رسالة الى معاوية ، واعتذرت الرواية بأنها وصلت بعد تنفيذه الإعدام !
وفي تاريخ دمشق:12/228: (وكان ابن عمر في السوق فنعي له حجر ، فأطلق حبوته وقام وغلبه النحيب) .
وقال ابن سيرين: (أربع خصال كن في معاوية ، لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ! واستخلافه بعده ابنه سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير . وادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله(ص) : الولد للفراش وللعاهر الحجر . وقتله حجراً وأصحاب حجر ، فيا ويلاً له من حجر ! ويا ويلاً له من أصحاب حجر !). انتهى.
واتفقوا على أن العرب ذلت بعد قتل حجر صبراً: ففي تاريخ الطبري: 4/216: (أن الربيع بن زياد ذكر يوما بخراسان حجر بن عدي فقال لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ولو نفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم صبراً ولكنها أقرت فذلت)!
* *
وهدم زياد دار حجر بأمر معاوية: فقد ذكر الطبري:4/536 ، أن المختار طلب محمد بن الأشعث لأنه من قتلة الحسين عليه السلام فهرب (فبعث إلى داره فهدمها وبنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي الكندي وكان زياد بن سمية قد هدمها).
* *
وأوصى حجر أن يدفنوه بثيابه ودمائه: في مصنف ابن أبي شيبة:3/139: (قال حجر بن عدي لمن حضره من أهل بيته: لا تَغْسلوا عني دماً ولا تُطلقوا عني حديداً ، وادفنوني في ثيابي ، فإني ألتقي أنا ومعاوية على الجادة غداً !). ( ونحوه في تاريخ دمشق:12/225).(أدفنوني في ثيابي فإني أبعث مخاصماً).(الطبقات:6/219).
* *
وقالت الشعراء في رثاء حجر الشهيد الصحابي: ففي الطبقات:6/220: (وقد كانت هند بنت زيد الأنصارية وكانت شيعية ، قالت حين سير بحجر إلى معاوية:
ترفع أيها القمر المنير ترفع هل ترى حجرا يسير
يسير إلى معاوية بن حرب ليقتله كما زعم الخبير
تجبرت الجبابر بعد حجر وطاب لها الخورنق والسدير
وأصبحت البلاد له محولا كأن لم يحيها يوما مطير..الخ.
(والبحار:32/578 ، و:38/22، وتجد كثيراً من الشعر في أمهات المصادر كالطبري وابن عساكر)
* *
كانت له شعبية واسعة في الكوفة ولكنها لم توظف جيداً:
يتساءل المتأمل في شخصية حجر المحبوبة ونفوذه الواسع على قبائل كندة الكبيرة ، المنتشرة في العراق والشام ! وعلى أوساط أخرى من القبائل ، ويتعجب كيف استطاع زياد بن أبيه أن يعتقله مع بضعة عشر زعيماً من وسط قبائلهم ، ويرسلهم مقيدين الى معاوية ، ثم كيف استطاع معاوية أن يقتل نصفهم ، ولم يقبل الوساطات الواسعة إلا في نصفهم؟ ولم تحدث لذلك ردة فعل تذكر ؟!
والجواب: أنه كانت توجد عوامل متعددة ونقاط ضعف في موقف حجر وأصحابه ، لايتسع المجال لدراستها ، وهذه خلاصة أحداث اعتقالهم:
في تاريخ الطبري:4/191: (قال: كنت في شرط زياد ، فقال زياد: لينطلق بعضكم إلى حجر فليدعه . قال فقال لي أمير الشرطة وهو شداد بن الهيثم الهلالي: إذهب إليه فادعه ، قال: فأتيته فقلت: أجب الأمير . فقال أصحابه: لا يأتيه ولا كرامة ! قال فرجعت إليه فأخبرته ، فأمر صاحب الشرطة أن يبعث معي رجالاً ، قال فبعث نفراً قال فأتيناه فقلنا أجب الأمير، قال: فسبونا وشتمونا ، فرجعنا إليه فأخبرناه الخبر ! قال: فوثب زياد بأشراف أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة أتشجون بيد وتأسون بأخرى ؟! أبدانكم معي وأهواؤكم مع حجر ؟! هذا الهجهاجة الأحمق المذبوب ! أنتم معي وإخوانكم وأبناؤكم وعشائركم مع حجر هذا والله من دحسكم وغشكم والله لتظهرن لي برأتكم أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم ! فوثبوا إلى زياد فقالوا: معاذ الله سبحانه أن يكون لنا فيما ههنا رأى إلا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين ! وكل ما ظننا أن فيه رضاك وما يستبين به طاعتنا وخلافنا لحجر ، فمرنا به ! قال: فليقم كل امرئ منكم إلى هذه الجماعة حول حجر ، فليدع كل رجل منكم أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته ، حتى تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه ، ففعلوا ذلك فأقاموا جُلَّ من كان مع حجر بن عدي ! فلما رأى زياد أن جل من كان مع حجر أقيم عنه ، قال لشداد بن الهيثم الهلالي ويقال هيثم بن شداد أمير شرطته: إنطلق إلى حجر فإن تبعك فأتني به وإلا فمر من معك فلينتزعوا عمد السوق ، ثم يشدوا بها عليهم حتى يأتوني به ويضربوا من حال دونه ! فأتاه الهلالي فقال: أجب الأمير ، قال فقال أصحاب حجر: لا ولا نعمة عين لا نجيبه ! فقال لأصحابه شدوا على عمد السوق فاشتدوا إليها فأقبلوا بها قد انتزعوها ، فقال عمير بن يزيد الكندي من بني هند وهو أبو العمر طه: إنه ليس معك رجل معه سيف غيري ، وما يغني عنك ! قال فما ترى؟ قال قم من هذا المكان فالحق بأهلك ، يمنعك قومك !
فقام زياد ينظر إليهم وهو على المنبر ، فغشوا بالعمد فضرب رجل من الحمراء يقال له بكر بن عبيد رأس عمرو بن الحمق بعمود فوقع ، وأتاه أبو سفيان بن عويمر والعجلان بن ربيعة وهما رجلان من الأزد فحملاه ، فأتيا به دار رجل من الأزد يقال له عبيد الله بن مالك ، فخبأه بها فلم يزل بها متوارياً حتى خرج منها!.... قال فلما ضرب عمراً تلك الضربة وحمله ذانك الرجلان ، انحاز أصحاب حجر إلى أبواب كندة ، ويضرب رجل من جذام كان في الشرطة رجلاً يقال له عبد الله بن خليفة الطائي بعمود فضربه ، ضربة فصرعه....وينتزع عموداً من بعض الشرط فقاتل به وحمى حجراً وأصحابه حتى خرجوا من تلقاء أبواب كندة وبغلة حجر موقوفة فأتى بها أبو العمرطة إليه ثم قال اركب لا أب لغيرك ، فوالله ما أراك إلا قد قتلت نفسك وقتلتنا معك ! فوضع حجر رجله في الركاب فلم يستطع أن ينهض فحمله أبو العمرطة على بغلته ووثب أبو العمرطة على فرسه فما هو إلا أن استوى عليه حتى انتهى إليه يزيد بن طريف المسلى وكان يغمز ، فضرب أبا العمرطة بالعمود على فخذه ويخترط أبو العمرطة سيفه فضرب به رأس يزيد بن طريف فخر لوجهه ، ثم إنه برأ بعد....
ثم وصفت روايات الطبري وغيره ، لجوء حجر الى النخع ثم الى الأزد ، ثم كيف أخذوا له أماناً من ابن زياد أن لايقتله ، بل يبعثه الى معاوية ! وكيف جاؤوا به الى ابن زياد فأهانه وسجنه ، وتتبع أصحابه فقبض على أكثرهم ، وفر الباقون!
ثم كيف كتب شهادة زور على حجر وأشهد الزعماء والقضاة عليها ثم استحسن شهادة أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، فأمرهم أن يشهدوا عليها ، وهي!
(هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين ، شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ، ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة ، وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية ، وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء ! فقال زياد على مثل هذه الشهادة فاشهدوا أما والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق !
فشهد رؤوس الأرباع على مثل شهادته وكانوا أربعة ، ثم إن زيادا دعا الناس فقال: إشهدوا على مثل شهادة رؤوس الأرباع ، فقرأ عليهم الكتاب فقام أول الناس عناق بن شرحبيل بن أبي دهم التيمي تيم الله بن ثعلبة ، فقال بينوا اسمى فقال زياد ابدؤا بأسامي قريش ، ثم اكتبوا اسم عناق في الشهود ، ومن نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالنصيحة والاستقامة ، فشهد إسحاق بن طلحة بن عبيد الله وموسى بن طلحة ، وإسماعيل بن طلحة بن عبيد الله ، والمنذر بن الزبير ، وعمارة ابن عقبة بن أبي معيط ، وعبد الرحمن بن هناد ، وعمر بن سعد بن أبي وقاص وعامر بن مسعود بن أمية بن خلف ، ومحرز بن جارية بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس ، وعبيد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ، وعناق بن شرحبيل بن أبي دهم ، ووائل ابن حجر الحضرمي ، وكثير بن شهاب بن حصين الحارثي وقطن بن عبد الله بن حصين ، والسري بن وقاص الحارثي وكتب شهادته وهو غائب في عمله ، والسائب والأقرع الثقفي ، وشبيب بن ربعي ، وعبد الله بن أبي عقيل الثقفي ، ومصقلة بن هبيرة الشيباني ، والقعقاع بن شور الذهلي ، وشداد بن المنذر بن الحارث بن وعلة الذهلي ، وكان يدعى ابن بزيعة فقال ما لهذا أب ينسب إليه ألقوا هذا من الشهود فقيل له:إنه أخو الحصين وهو ابن المنذر ، قال: فانسبوه إلى أبيه ، فنسب إلى أبيه ، فبلغت شدادا فقال ويلي على ابن الزانية أو ليست أمه أعرف من أبيه والله ما ينسب إلا إلى أمه سمية ! وحجار بن أبجر العجلي ، فغضبت ربيعة على هؤلاء الشهود الذين شهدوا من ربيعة وقالوا لهم: شهدتم على أوليائنا وخلفائنا ! فقالوا: ما نحن إلا من الناس ، وقد شهد عليهم ناس من قومهم كثير ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، ولبيد بن عطارد التميمي ومحمد بن عمير بن عطارد التميمي ، وسويد بن عبد الرحمن التميمي من بنى سعد ، وأسماء بن خارجة الفزاري كان يعتذر من أمره ، وشمر بن ذي الجوشن العامري ، وشداد ومروان ابنا الهيثم الهلاليان ، ومحصن بن ثعلبة من عائذة قريش والهيثم بن الأسود النخعي ، وكان يعتذر إليهم ، وعبد الرحمن بن قيس الأسدي والحارث ، وشداد ابنا الأزمع الهمدانيان ثم الوادعيان ، وكريب بن سلمة بن يزيد الجعفي ، وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وزحر بن قيس الجعفي وقدامة بن العجلان الأزدي ، وعزرة بن عزرة الأحمسي ، ودعا المختار بن أبي عبيد وعروة ابن المغيرة بن شعبة ليشهدوا عليه فراغا ، وعمر بن قيس ذي اللحية وهانئ بن أبي حية الوادعيان.
فشهد عليه سبعون رجلا فقال زياد: ألقوهم إلا من قد عرف بحسب وصلاح في دينه فألقوا حتى صيروا إلى هذه العدة ، وألقيت شهادة عبد الله بن الحجاج التغلبي ، وكتبت شهادة هؤلاء الشهود في صحيفة ، ثم دفعها إلى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب الحارثي ، وبعثهما عليهم وأمرهما أن يخرجا بهم وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هانئ الحارثي . فأما شريح فقال: سألني عنه فأخبرته أنه كان صواماً قواماً ، وأما شريح بن هانئ الحارثي فكان يقول: ما شهدت ولقد بلغني أن قد كتبت شهادتي فأكذبته ولمته! وجاء وائل ابن حجر وكثير بن شهاب فأخرج القوم عشية وسار معهم صاحب الشرطة حتى أخرجهم من الكوفة ، فلما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره وهى في جبانة عرزم ، فإذا بناته مشرفات فقال لوائل وكثير: ائذنا لي فأوصى أهلي فأذنا له فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن ساعة ، ثم قال: اسكتن فسكتن فقال: اتقين الله عز وجل واصبرن فإنى أرجو من ربى في وجهي هذا إحدى الحسنيين إما الشهادة وهى السعادة ، وإما الانصراف إليكن في عافية ، وإن الذي كان يرزقكن ويكفيني مؤنتكن هو الله تعالى ، وهو حي لا يموت ، أرجو أن لا يضيعكن وأن يحفظني فيكن ، ثم انصرف فمر بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية ، فقال: إنه لمما يعدل عندي خطر ما أنا فيه هلاك قومي يقول حيث لا ينصرونني وكان رجا أن يخلصوه). انتهى .
ويظهر من الرواية التالية أن حجراً كان يقف في وجه المغيرة والي معاوية بقوة جمهوره ، فيتراجع المغيرة ! قال البلاذري في أنساب الأشراف ص 1256:
(وروي أن المغيرة لما شتم علياً وقام إليه حجر بن عدي قال له: والله لئن عدت لمثلها لأضربن بسيفي هذا ما ثبت قائمة في يدي ! فكتب المغيرة بذلك إلى معاوية فكتب إليه معاوية: إنك لست من رجاله فداره ، فقال زياد: يا ابن الأدبر أتظن أني كالمغيرة إذ كتب أمير المؤمنين إليه بما كتب به فيك؟ أنا والله من رجالك ورجال من يغمرك رأياً وبأساً ومكيدةً ! وكان زياد قد كتب إلى معاوية في حجر إنه وأصحابه يردون أحكامي وقضاياي ، وكتب يستأذنه في قتله فكتب إليه: ترفق حتى تجد عليه حجة ، فكتب إليه: إني قد وجدت على حجر أعظم الحجة: خلعك وشهد الناس عليه بذلك ). انتهى .