«الشيعة» عالم مجهول بالنسبة لكثير من السنة في السعودية، اعتدنا أن لا نراهم ولا نلتقي بهم فلديهم منطقتهم المعزولة اجتماعيا في شرق السعودية «القطيف وسيهات وغيرها» أتذكر أولى خبرة لي تعاطيت فيها مع إشكالية الشيعة والسنة،عندما ذهبت في زيارة للأحساء وأنا لم أتجاوز الرابعة من عمري، كنا في سيارة والدي نبحث عن موقع جبل قارة فنسأل المارة عن المكان فإذا بأحد أشقائي يحذر من أن هذا الشخص يبدو من هيئته انه من الطائفة الشيعية وعلينا أن لا نصدقه فهو لا يريد بنا إلا السوء وإن نعت لنا الطريق شمالا فهذا يعني أن الطريق الصحيح باتجاه الجنوب، من خلال هذه العبارة بدأت أسال والدي ووالدتي بفضول حول هؤلاء الذين يكرهوننا، لماذا يكرهوننا؟ وكيف؟ وهل هم سعوديون؟ وهل هم مسلمون؟
كل الإجابات جاءت سلبية وهنا أيقنت من الخطر المحيط بي فلم استمتع بزيارة جبل قارة بل كنت اشعر بالرعب خوفا من أن يراني أحد الشيعة فيقتلني.
هذه الخبرات والتراكمات بنيناها كمجتمع سعودي لم يتعود على الاختلاف وكانت النتيجة هي الإقصاء. فأنعزل المجتمع الشيعي عن السنة ومشى كل منهم في طريقه وعاش كل من الطائفتين في مجتمعه الخاص. وتمتد الذكريات في الصبا عندما التقيت بفتاة كويتية قبل خمسة عشر عاما، وقتها كنت أعيش بالإمارات وجمعني بها صداقة وحب وإخاء.
لا أنكر أني في بداية تعارفي بها شعرت بأن هوة عميقة بداخلي تجاهها، حاولت الابتعاد عن كل التراكمات وأبحث فقط عن ما يجمعني بها من علاقة إنسانية صادقة.
أتذكر بعد أول زيارة لي لمنزلها قذفتني عبارات التأليب واللوم والتحذير من الأصدقاء والأقارب: كيف استطعت تناول الطعام بمنزلها وهذه الطائفة التي تكرهنا تبصق لنا في الطعام حسب القول السائد في منطقة نجد؟ أجبت: هذه صديقتي ولا يمكن أن تؤذيني، لا أنكر أنني نتيجة لهذه التراكمات كنت أراقبها وأسال نفسي عشرات الأسئلة وما بين الحيرة واليقين اتجهت إلى دليلي الأول والخير وهو عقلي.
في نهاية شهر يونيو الماضي ذهبت إلى صنعاء للانضمام بدورة لتدريب المدربين في حقوق الإنسان التي قام بتنظيمها مركز الدراسات والتأهيل لحقوق الإنسان باليمن، استمرت هذه الدورة لأسبوع كامل، كان المشاركون خليط من الدول العربية وهم خليط أيضا من التوجهات الفكرية والطائفية، جمعتني هذه الدورة بزميلين من منطقة القطيف من المعروفين بالاهتمام بجانب حقوق الإنسان، فتحنا العديد من الحوارات حول السنة والشيعة وعن المأساة التي تحاصرهم من كل صوب واتجاه، قلت لهم أثناء النقاش لدينا فئتين مستضعفتين في مجتمعنا السعودي ويجب أن يتم قبول النقد منهم فهذا من حقهم والفئتين هي «المرأة والشيعة» وطالما لم يأخذوا حقهم فيجب الاستماع لهم على الأقل.
ما أكثر ما سمعت أراجيف الذين يقولون لنا أن الشيعة ليس لديهم ولاء للوطن، لكن هذه الأراجيف هوت أمامي لما وجدته من هؤلاء الزملاء من الوطنية الحقة الصادقة.
حتى أن أحد الزملاء بالدورة من البحرين قال لي مازحا انظري لزملائك إنهم يتحدثون بفخر عن وطنهم رغم ما يُمارس ضدهم من إقصاء، فأجبته: «إن الوطن لا يقبل المساومة، وهو ليس حكرا على فئة معينة، الوطن للجميع وعندما ننادي بحق من حقوقنا فهذا لأننا نحبه».
في رواية «القِران المقدس» لكاتبتها التي اختارت اسما مستعارا هو «طيف الحلاج» تحدثت عن قصة فتاة سعودية من الطائفة الشيعية تُدعى - ليلى - تناولت الموروثات الدينية من جهتين الأولى، المبدأ الأساسي لديهم وهو «التقية» أي التعايش بسلام تحت ظلال أي دولة فهذا المذهب لا يحثهم على مواجهة العنف بالعنف»، أما الجهة الثانية، فعبرت خلالها عن رفضها لكثير من هذه الموروثات سواء ما تخص الشيعة أو السنة خاصة تلك التي تجعل المرأة منبوذة مقهورة ويظهر ذلك في مواقع كثيرة من الرواية منها قولها «الأنثى عورة.. روحها وعقلها وجسدها وكل ما فيها عورة وأحيانا يضاف إلى صفة عورة نجسة أيضاً».
أعود لحكاية الاسم المستعار للكاتبة، بعد أن نعتها الكثير بالجبانة لعدم إشهارها الاسم الحقيقي، الجُبن في مجتمعنا قد يكون شجاعة أحياناً، «طيف الحلاج» صاحبة رسالة أرادت عرضها دون أن ينشغل الناس بشخصها فتأخذ الرواية المنحنى الشخصي وتبتعد عن الجوهر ولو كنا مجتمعا مدركا لمعنى التعايش مع الاختلاف، لما اضطرت الكاتبة لإظهار روايتها باسم مستعار.
كل هذه الجهود الشيعية الرائعة هي إباء وإصرار من إخواننا الشيعة إلا أن يساهموا في بناء الوطن كما نحلم به في مرحلة الميلاد الجديد والإصلاح المأمول والعيش المشترك في مجتمع مدني يكفل الحقوق ويحفظ الكرامة للبشر، لكل البشر.