والآن لنرى كيف ان عثمان داس هاتين الآيتين الكريمتين تحت قدميه .. بمخالفته الصريحة والواضحة لهما :
لا خلاف بين الجميع .. شيعة وسنة .. في فسق الوليد بن عقبة الذي نزلت فيه الآية الكريمة : ان جاءكم فاسقٌ بنبأ ... ولكن الغريب هو ان يختلف البعض في فسق عثمان الذي يولي على المسلمين مثل هذا الفاسق ..
فعثمان .. ليس فقط ( رضي ) عن الفاسق خلافاً لصريح الآية القرآنية الثانية .. بل قربّه وأمّره .. ودافع عن فسقه عندما ادمن الخمرة وصلى بالمسلمين سكراناً ...
...
.. وهو بذلك يضع القرآن تحت قدميه مرة بتقريبه وتأميره الفاسق .. والقرآن يقول لنا انه فاسق لنحذره ونباعده ولا نثق فيه .. بينما عثمان يفعل عكس ذلك . واخرى يخالف آية قرآنية اخرى صريحة ايضا في استبعاد الفاسقين وان الله لا يرضى عنهم بينما عثمان يرضى عنهم ويقربهم .. وكأن القرآن قد توقع انه سيأتي من يحكم المسلمين باسم الاسلام وهو يرضى عن الفاسقين .. قال تعالى :
( فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) .
التوبة
والمراد بذلك أنه إذا كان الله لا يرضى عنهم فينبغي لكم أيضاً أن لا ترضوا عنهم
ولمن يقول انه تاب .. الرجل استمر على فسقه .. وسكر وصلى بالناس وهو سكران بعد ما ولاه عثمان ولم يعزله رغم ذلك ...
الفاسق في الحقيقة كافر بآيات الله .. وهذا هو سلوك الوليد طوال حياته .. وهذا ما اكده القرآن بقوله :
ولقد انزلنا اليك ايات بينات وما يكفر بها الا الفاسقون (99)
البقرة
نبذة عن الصحابي الفاسق :
هو أخو عثمان لأمه ، ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن ـ كما يقول في الإستيعاب ـ فيما علمت ، أن قوله عزَّ وجل : ( إن جاءكم فاسق بنبأٍ... ) الآية نزلت في الوليد بن عقبة.
وجاء : أن امرأة الوليد جاءت إلى النبي (ص) تشتكيه بأنه يضربها ، فقاله لها : إرجعي وقولي إن رسول الله قد أجارني. فانطلقت ، فمكثت ساعةً ، ثم جاءت فقالت : ما أقلع عني. فقطع (ص) هدبةً من ثوبه ثم قال لها : اذهبي بهذا وقولي إن رسول الله قد أجارني. فمكثت ساعةً ثم رجعت فقالت : يا رسول الله ما زادني إلا ضرباً.
فرفع يديه وقال : اللهم عليكَ بالوليد. مرتين أو ثلاثاً.
وأقام بالكوفة أميراً من طرف عثمان ، وكان يدني الشعراء ويشرب الخمر ، ويجالس أبا زَبيد الطائي النصراني. وصلى الصبح بالناس في المسجد الجامع أربعاً وهو سكران ، وقرأ في صلاته :
عـلِـقَ الـقـلبُ الـربـابـا * بـعـد أن شـابَـت وشـابـا
فلما سلّم ، التفت إلى الناس وقال : أأزيدكم ؟ فإني أجد اليوم نشاطاً.
فقال عبد الله بن مسعود وكان على بيت المال ـ مازلنا معك في زيادة منذُ اليوم !.. ثم تقيأ في المحراب. وفيه يقول الحطيئة :
شهـدَ الحطيئـةُ يـوم يلـقى ربـَّه
*
أن الـولـيـد أحـق بـالـعـذر ـ
نـادى وقـد تـمـت صـلاتُـهـم
*
أأزيـدكم ؟ سكـراً ومـا يـدري
فـأبـوا أبـا وهـب ولـو أذنـوا
*
لقـرنـت بين الشَفـعِ والـوِتـرِ
كفـوا عنـانـك إذ جـريت ولـوُ
*
تركوا عنـانـك لم تـزل تجـري ـ (1)
1 ـ النصائح الكافية | 165.
وخطب ذات يومٍ ، فحصبه الناس بحصباء المسجد ، فدخل قصره يترنح ويتمثل بأبيات لتأبط شراً :
ولسـتُ بعيـداً عـن مـدام وقينـةٍ
*
ولا بصفـا صلـدٍ عن الخير معـزل
ولـكنني أروي من الخمر هـامتـي
*
وأمشـي الملا بالسـاحبِ المتـسلـلِ
وأشاعوا بالكوفة فعله ، وظهر فسقُه ومداومته شربَ الخمر ، فهجم عليه جماعة من المسجد فوجدوه سكراناً مضطجعاً على سريره لا يعقل ، فايقظوه من رقدته فلم يستيقظ ، ثم تقيأ عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده ، وخرجوا من فورهم إلى المدينة ، فأتوا عثمان بن عفان فشهدوا عنده على الوليد أنه شرب الخمر. فقال عثمان : وما يدريكما أنه شرب الخمر ؟ فقالا : هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية ، وأخرجا خاتمه فدفعاه إليه ، فزجرهما ودفع في صدرهما.
فخرجا من عنده وأتيا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبراه بالقصة ، فأتى عثمان وهو يقول : « دفعتَ الشهودَ وأبطلتَ الحدودَ ! فقال له عثمان فما ترى ؟ قال : أرى أن تبعث إلى صاحبك فتحضرهُ ، فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه ولم يدرأ عن نفسه بحجةٍ أقمت عليه الحَدَّ.
فلما حضر الوليد ، دعاهما عثمان ، فأقاما الشهادة عليه ولم يدل بحُجَة ،... فلما رأى إمتناع الجماعة عن إقامة الحد توقياً لغضب عثمان لقرابته منه ، أخذ عليٌّ السوط ودنا منه ، فلما أقبل نحوه سبّه الوليد وقال : يا صاحب مكس. فقال عقيل بن أبي طالب وكان ممن حضر : إنك تتكلم يا أبي مُعيط كأنك لا تدري من أنت ؟ ! وأنت عِلجٌ من أهل صفّورية.. فأقبل الوليد يروغ من عليّ ، فاجتذبه عليٌّ فضرب به الأرض ، وعلاه بالسوط. فقال عثمان : ليس لك أن تفعل به هذا. قال : بل وشراً من هذا إذا فسق ومنع حق الله تعالى أن يُوخذ منه (1).
1 ـ مروج الذهب 2 | 335.
وحدّث عمر بن شبة ، قال : لما قدِم الوليد الكوفة ، وقد عليه أبو زبيد الطائي النصراني ، فأنزله الوليد دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد ، فأستوهبها منه ، فوهبها له ، وكان أول الطعن عليه لأن أبا زبيد كان يخرج من منزله يخترق المسجد إلى الوليد وهو سكران ، فيتخذه طريقاً ويسمر عنده ويشرب معه.
وعن ابن الأعرابي قال : أعطى الوليد أبا زُبيد الطائي ما بين القصور الحمر من الشام إلى القصور الحمر من الحيرة وجعله له حمىً ، فلما عُزل الوليد وولي سعيد انتزعها منه وأخرجها عنه.
قال : ولما قدم سعيد بن العاص الكوفة موضع الوليد قال : إغسلوا هذا المنبر ، فإن الوليد كان رجساً نجساً. فلم يصعده حتى غسل.
ومات الوليد فوق الرقة. وبها مات أبو زبيد ، ودفنا في موضع واحد ، فقال في ذلك أشجع السلمي وقد مر بقبرهما :