السلام عليكم
اللهم صلٍ على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف ....
ممّا لا شك فيه أنّ أصحاب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) لهم امتيازات خاصّة، فهم يسمعون الآيات والوحي الإلهي من لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ويرون معجزاته، ويتعلمون من درر كلامه، ويجعلون منه القدوة العملية والأُسوة الحسنة.
وبرزت بناءً على هذا شخصيات مميزة يفتخر بها العالم الإسلامي ويتباهى، ولكن المسألة المهمّة هنا، هل أنّ جميع الصحابة بدون استثناء هم أشخاص مؤمنون، صلحاء، صادقون، أمناء، وعدول، أم أنّ هناك أشخاصاً غير صالحين بينهم.
1. رأيان متضادان
هناك رأيان متضادان حول الصحابة:
الرأي الأول: إنّ الصحابة جميعهم وبدون استثناء لهم قداسة خاصّة، فهم أشخاص صالحون وصادقون وأتقياء وعدول، وعلى هذا الأساس فكل رواية ينقلونها عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) هي رواية صحيحة ومقبولة، ولا يمكن الاعتراض عليها البتة، ولابدّ من توجيه أي مخالفة تظهر منه، وهذا هو رأي واعتقاد أكثر فرق أهل السنّة.
. تنزيه الإفراطيين
هناك مجموعة موالية لفكرة تنزيه الصحابة بالغت كثيراً في الدفاع عنهم، فكل من تفوّه بنقدهم رموه بالفسق تارة، وبالإلحاد والزندقة تارة أخرى أو أباحوا دمه.
ومن جملة ما نجده في كتاب «الإصابة» عن أبي زرعة قال: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاعلم أنّه زنديق; وذلك أنّ الرسول حق، والقرآن حق، وما جاءَ به حق، وإنّما أدّى ذلك كلّه إلينا الصحابة، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة فالجرحُ بهم أولى»(الإصابة، ج 1، ص 22، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت).
ومنهم: عبد الله الموصلي في كتابه «حتى لا ننخدع» حيث يقول: «إنّهم ]أي الصحابة [قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيّه(صلى الله عليه وآله) وإقامة دينه وشرعه، وجعلهم وزراء نبيّه(صلى الله عليه وآله)، وورثتهِ من بعده، وحبهم ديناً وإيماناً وبغضهم كفراً ونفاقاً، وأوجب على الأمّة موالاتهم جميعاً وذكر محاسنهم وفضائلهم، والسكوت عمّا شجر بينهم»(حتى لا ننخدع، ص 6). في الوقت الذي نرى أنّ هذا الكلام مخالف للكتاب والسنّة.
3. أسئلة بلا إجابة
وهنا لا يقبل أي عاقل منصف أن يغمض عينيه أمام كلام يفتقد الدليل، ويطرح هذه الأسئلة على نفسه:
ويخبرنا الله سبحانه وتعالى في قرآنه المجيد حول نساء النبي(صلى الله عليه وآله): (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة مُّبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)
فبأي معنى فسّرنا الصحابة ـ وهناك معان عديدة سنذكرها ـ لا شك في أنّ نساء النبي(صلى الله عليه وآله) هنّ من أجلى مصاديقه، ومع هذا فالقرآن يصرح بأنّه تعالى لن يتغاضى عن ذنوبهن، بل سيضاعف لهنّ العذاب ضعفين أيضاً.
فهل نقبل بالآية أم نأخذ بكلام المنزّهين لهم بدون قيد وشرط ؟
ويحدثنا القرآن الكريم أيضاً عن خطأ ابن نوح(عليه السلام) شيخ الأنبياء: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح...) وحذّر الله تعالى نوحاً من أن يشفع له. فأيّهما أهم، ابن النبي أم أصحاب النبي؟
ويخبرنا القرآن الكريم عن زوجتَي النبي نوح ولوط(عليهما السلام): (فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)، فهاتان المرأتان خانتا زوجيهما (نوحاً ولوطاً) وتعاونتا مع الأعداء. ولم يستطع هذان النبيّان(عليهما السلام) أن يشفعا لهما.
ألم تصرح هذه الآية: بأن ملاك صلاح الأفراد وعدمه هو الإيمان والعمل، وهذا الملاك سار في ابن النبي أو زوجته في حال فساد العمل.
فهل يصح في هذه الحالة أن نغض أبصارنا ونقول: «إنّ محبّته دين وإيمان، ومخالفته كفر ونفاق; لأنّه من الصحابة»، حتى وإن التحق فيما بعد بصفوف المنافقين، وآذى قلب النبي(صلى الله عليه وآله) وخان المسلمين؟
أفهل يقبل عاقل أو مفكر هذا الكلام؟
فإذا قال أحدهم: إنّ طلحة والزبير كانا في البداية صالحين، ولكن عندما جاءت حكومة تخالف هواهما ورافقا زوجة النبي (عائشة) وبعد أن بايعا الإمام علياً(عليه السلام) عندما بايعه المسلمون قاطبة، عندها سقطا فأشعلا نار حرب الجمل التي كانت ضحاياها سبعة عشر ألفاً من المسلمين، لقد انحرفا عن الطريق المستقيم، وكل هذه الدماء العظيمة التي أريقت سيتحملون وزرها
ويسألون عنها يوم القيامة.
أليس هذا الكلام بعيداً عن الصواب؟
أم هل قول شخص: إنّ معاوية إنسان ظالم بسبب تخلفه عن مبايعة الإمام(عليه السلام) وعدم اعترافه بالحق الذي أقرّه عامة المسلمين وخاصتهم، وإشعاله نار الحرب في صفين التي راح ضحيتها أكثر من مئة ألف إنسان أريقت دماؤهم، قول غير صائب.
فهل يمكن أن نغض البصر عن هذه الحقائق المرة في التاريخ، ولا يوجد أي عاقل يقبل بتلك التوجيهات عندما يمر بهذه الحوادث المؤسفة جدّاً؟
فهل حبّ هؤلاء الأشخاص ـ كما يقول عبد الله الموصلي ـ دين وإيمان وبغضهم كفر ونفاق؟
فهل وظيفتنا السكوت أمام هذه المخالفات والتي تسببت في قتل الآلاف من البشر؟ أي عقل يحكم بذلك؟ القرآن يتحدث عن وجود جماعة من المنافقين حول النبي(صلى الله عليه وآله)، فهل نغفل عن هذه الآيات؟
من هم الصحابة الذين أحيطوا بهالة من القداسة؟
لعلماء السنّة تعابير وتعاريف مختلفة تماماً حول معنى الصحابة:
1 . وسّع بعضهم معنى الصحابة إلى حدّ يشمل كل من رأى النبي(صلى الله عليه وآله)، وقد ذكر هذا المعنى «البخاري» حيث يقول: «من صحب النبي(صلى الله عليه وآله)أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه»(صحيح البخاري، ج 4، ص 188 ).
ويرى أحمد بن حنبل ـ وهو من علماء السنّة المعروفين ـ معنى الصحابة واسعاً أيضاً فيقول: «أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) كل من صحبه شهراً أو يوماً أو ساعةً أو رآه»(أصول السنّة، أحمد بن حنبل، ج 1، ص 40; أسد الغابة، ج 1، ص 7 ).
2 . وبعضهم اختار معنى أضيق من سابقه، مثل: القاضي أبو بكر محمّد بن الطيّب حيث يقول: «مع أنّ المعنى اللغوي للصحابي عام، إلاّ أن عرف الأمّة بأنّ هذا المصطلح لا يطلق إلاّ على من صاحب النبي(صلى الله عليه وآله)فترة زمنية يعتدّ بها، لا أن يكون قد خدم النبي(صلى الله عليه وآله) لمدّة ساعة، أو رافقه لعدّة خطوات، أو سمع عنه حديثاً».
3 . وبعضهم ذهب إلى دائرة أضيق من سابقه، مثل: سعيد بن المسيب حيث قال: «صحابة النبي(صلى الله عليه وآله) هم فقط الأشخاص الذين رافقوه لمدّة لا تقل عن سنة أو سنتين، وشارك رسول الله(صلى الله عليه وآله) في غزوة أو غزوتين»( تفسير القرطبي، ج 8، ص 237).
هذه التعاريف وتعاريف أخرى نتجنب ذكرها تحاشياً لإطالة الكلام في نقلها ـ لا تبيّن بشكل دقيق وواضح الأشخاص الذين تشملهم هذه القداسة، ولكن أغلبهم اختار ذاك المعنى الواسع، ولا يؤثر اختلاف المعنى هذا في بحوثنا، إضافة إلى وجود نقوض كثيرة سنأتي على ذكرها فيما بعد. وهم الذين رافقوا النبي(صلى الله عليه وآله) مدة طويلة.
5. الدوافع الأساسية لعقيدة التنزيه
هناك شبه بين الاعتقاد بالقداسة المميزة للصحابة والعصمة التي لم ترد لا في كتاب الله سبحانه وتعالى ولا في سنّة نبيّه(صلى الله عليه وآله)، بل ما هو موجود في الكتاب والسنّة والتاريخ خلافه، حتى أنّه قيل: إنّ هذا الاعتقاد لم يكن موجوداً في القرن الأول، بل ظهر في القرون اللاحقة، فلابدّ من البحث عن سبب ذلك وما هو دليله.
هناك عدّة أدلة تبين سبب هذا الاعتقاد:
1. إنّ أفضل الأدلة على عقيدة تنزيه الصحابة ـ كما جاء في البحوث السابقة ـ هو توهّم بعضهم أنّه إذا فقد هؤلاء الصحابة كل قداستهم انقطعت العلاقة بينهم وبين النبي(صلى الله عليه وآله); لأنّ كتاب الله وسنّة النبي(صلى الله عليه وآله)وصلتنا عن طريقهم.
ولكن الجواب عن هذا الكلام واضح; لأنّه لا يوجد شخص يعتقد بإنّ جميع الصحابة ـ لا سمح الله ـ منحرفون وكذّابون; لأنّه يوجد بين هؤلاء أفراد كثيرون مورد اعتماد وثقة، ونفس هؤلاء يمكن أن يكونوا حلقة وصل مع النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، كما نقول ذلك فيما يتعلق بأصحاب أهل البيت(عليهم السلام).
والملفت للنظر أنّه وبعد مضي عدّة قرون ظلت المشكلة كما هي، إضافة إلى أننا اليوم نتصل بعصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) عن طريق عدّة وسائط، ولكن لا يوجد أحد يقول: إنّ جميع هذه الوسائط ثقة وصادقة القول، وأنّهم مقدسون،
وإذا لم نقل هكذا فديننا يضمحل، بل إنّ الجميع يقول: لابدّ أن تؤخذ الروايات من الأشخاص العدول والثقات، ولأجل هذا ألّفت كتب الرجال لمعرفة الثقات من غيرهم.
والآن ما هو المانع من إجراء هذه الضوابط مع الصحابة، كما نجريها مع الآخرين؟
2. يرى بعضهم أنّ «الجرح» ببعض الصحابة يضعف من مقام نبي الإسلام(صلى الله عليه وآله) الشامخ، وعليه فلا يجوز التعرض إليهم.
ويجب أن نسأل من يتمسك بهذا الدليل: ألم ينتقد القرآن هؤلاء
المنافقين المحيطين بالنبي(صلى الله عليه وآله) بشدّة ويفضحهم؟ فهل وجود المنافقين بجوار الصحابة المخلصين، الصادقين للنبي(صلى الله عليه وآله) يقلل من مقامه العظيم السامي؟!
والخلاصة: إنّ الصالح والفاسد موجود دائماً وعلى مرّ الزمان، وحتى في عصر الأنبياء العظام(عليهم السلام)، ومع ذلك فالفاسد لم يسيء إلى مقامهم السامي.
3. إنّ التعرض للصحابة بالجرح والنقد لأعمالهم سيؤدي إلى الحط من مكانة الخلفاء الأوائل، فلأجل حفظ مكانتهم لابدّ من التأكيد على قداسة الصحابة وصونهم، حتى لا يتمكن أحد من أن يضع الأفعال التي وقعت في بيت مال المسلمين وغيرها في زمن عثمان تحت طائلة الاستفسار، وبالتالي يتعرض الخليفة للنقد والتساؤل على أفعاله. ومن خلال هذه الوسيلة يتمكنون حتى من توجيه جميع تصرفات معاوية ومخالفاته لزعيم المسلمين الإمام علي(عليه السلام)، وإشعاله لنار الحروب الدامية، وقتل المسلمين، ليبقوه بعيداً عن دائرة نقد النقاد.
والواضح من هذا الكلام: أنّ السياسيين في القرون الأولى هم الذين جذّروا هذه القداسة، كما حصل في تفسيرهم لآية (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)بالحكام في كل زمان، لتشمل بالمفهوم الواسع للكلمة كل الحكّام الظلمة من بني أمية وبني العباس، وكان هذا نتيجة للتخطيط السياسي لهؤلاء الحكّام. وأنا لا أتصور أنّ نتيجة هذا الكلام تتلاءم مع طبع المعتقدين بقداسة جميع الصحابة.
4. البعض يعتقد بقداسة الصحابة بسبب ورود الأوامر في بعض الآيات القرآنيّة والأحاديث النبوية.
والظاهر أنّ هذا أفضل توجيه، ولكن عندما نناقش هذا الدليل يتضح أنّه لا وجود للإطلاق في تلك الآيات أو الروايات على ما يدّعونه، وأهم آية يتمسكون بها هي: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
فبعض مفسّري أهل السنّة ذكروا في ذيل الآية رواية عن حميد بن زياد، أنّه قال: «قلت يوماً لمحمد بن كعب القرظي، ألا تخبرني عن أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) فيما كان بينهم، وأردت الفتن، فقال لي: إنّ الله تعالى قد غفر لجميعهم، وأوجب لهم الجنّة في كتابه، محسنهم ومسيئهم، قلت له: وفي أي موضع أوجب لهم الجنّة ؟ قال: سبحان الله! ألا تقرأ قوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار)»(التفسير الكبير للفخر الرازي، ج 16، ص 171 ).
والملفت للنظر، أنّ الآية تقول: إنّ نجاة التابعين مشروطة باقتدائهم بالصحابة في الأعمال الحسنة لا السيئة، ومفهومها أنّ الجنّة مضمونة للصحابة، فهل يفهم من هذا الكلام أنّهم أحرار في ارتكابهم للمعصية؟
فهل يمكن للنبي(صلى الله عليه وآله) الذي جاء لهداية الناس وإصلاحهم أن يستثني أصحابه فيما يرتكبون من معاص!! في الوقت الذي يخاطب فيه القرآن نساء النبي(صلى الله عليه وآله) ـ اللاتي يعتبرن من أكثر الصحابة قرابة له: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة مُّبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)
والأمر المهم في الموضوع: إنّ أي إبهام في هذه الآية ترفعه الآية: التاسعة والعشرون من سورة الفتح التي تتعرض لوصف أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)الحقيقيين حيث تقول: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ...).
فهل الأشخاص الذين أشعلوا نار الفتنة والحرب في صفين والجمل ضد الإمام الفعلي في ذلك الوقت، وقتلهم لعشرات الآلاف من المسلمين مصداق للصفات السبع المذكورة في هذه الآية؟
وهل كانوا رحماء فيما بينهم؟ وهل كانت شدّتهم على الكفّار أم على المسلمين؟
وفي ذيل الآية يذكر الله سبحانه وتعالى بجملة المقصد والمقصود بشكل واضح (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا). فالوعد بالمغفرة والأجر العظيم لهؤلاء الذين يتصفون بالإيمان والعمل الصالح لا غيرهم.
فهل قتلة المسلمين في حرب الجمل والمشعلون غيرها، والعابثون ببيت المال، كما حدث في عهد عثمان هم من الصالحين؟!
والملفت للنظر أنّ الله سبحانه وتعالى قد عاتب بعض أنبيائه العظام(عليهم السلام)وآخذهم بسبب تركهم للأولى، وقد أخرج النبي آدم(عليه السلام)من الجنّة بسبب تركه للأولى.
النبي يونس(عليه السلام) بقى مدّة في بطن الحوت بسبب تركه للأولى، وسجن في ظلمات ثلاث.
النبي نوح(عليه السلام) عوتب بسبب شفاعته لابنه (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح)، أفهل يعقل أن يكون أصحاب نبي الإسلام(صلى الله عليه وآله) مستثنين من هذا القانون!!
6. هل جميع الصحابة عدول بلا استثناء؟
كما ذكرنا أنّ غالبية أهل السنّة يقولون: إنّ جميع الصحابة الذين عاشوا في عصر النبي(صلى الله عليه وآله) أو الذين أدركوه وكانوا معه فترة من الزمن عدول بلا استثناء، والقرآن يشهد على ذلك.
وللأسف تمسك هؤلاء الأخوة ببعض الآيات القرآنيّة التي تصبّ في مصلحتهم وتغافلوا عن بقية الآيات الأخرى، الآيات التي تستثني هذا الأمر،
ونحن نعلم بأنّ جميع العمومات لها استثناءات عادة.
ونحن نقول: ما هي هذه العدالة التي يبيّن القرآن المجيد خلافها في عدّة مواضع!! ومن هذه المواضع ما جاء في سورة آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)، حيث تشير إلى الأشخاص الذين فرّوا في معركة أحد وتركوا النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) لوحده في مقابل الأعداء.
ونستفيد من خلال هذه الآية وبشكل واضح أنّه كانت هناك مجموعة قد فرّت، وتذكر كتب التواريخ أنّ عددهم كان كبيراً، وأنّ الشيطان قد أغواهم وغلبهم بسبب الذنوب التي ارتكبوها، إذن الذنوب السابقة أدّت إلى الفرار من الزحف، وهو من الذنوب الكبيرة، مع أنّ ذيل الآية يقول: إنّ الله سبحانه وتعالى قد غفر لهم، ولكن مغفرة الله لهم بسبب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) لا يعني كونهم عدولاً، وأنّهم لم يرتكبوا ذنباً، بل القرآن يصرح بأنّهم ارتكبوا ذنوباً عدّة.
وما هي هذه العدالة التي يعرف الله سبحانه وتعالى بعضهم بعنوان «فاسق» حيث يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
والمعروف بين المفسرين أنّ الآية تتعلق بالوليد بن عُقبة، عندما أرسله النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ومجموعة لقبيلة بني المصطلق; لأخذ الزكاة، فعاد وقال: إنّهم امتنعوا عن دفع الزكاة وارتدوا عن الإسلام، قسم من المسلمين اقتنعوا بكلام الوليد، وتهيؤوا للهجوم عليهم وقطع رؤوسهم، ولكن نزلت الآية الشريفة لتحذّر المسلمين بوجوب التحقيق في الخبر الذي يأتي به الفاسق، حتى لا تصيبوا قوماً بسوء وتندموا فيما بعد.
والنتيجة: أنّه وبعد التحقيق تبيّن أنّ قبيلة بني المصطلق مازالت على إيمانها، وأنّها كانت تستعد لاستقبال الوليد، لا للهجوم على الوليد والارتداد عن الإسلام، ولكن الوليد ـ وبسبب خصومته معهم ـ اتخذ هذا الأمر ذريعة للوشاية بهم عند رسول الله ونقل له خبراً غير صحيح.
فمع أنّ الوليد كان من صحابة النبي(صلى الله عليه وآله) بمعنى أنّه من الأشخاص الذين أدركوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكانوا في خدمته، إلاّ أنّ القرآن وصفه بالفاسق، فهل هذا يتفق مع عدالة جميع الصحابة؟
ما هي هذه العدالة عندما يقوم بعضهم بالاعتراض على النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)حين أراد توزيع الزكاة؟ وقد نقل القرآن المجيد هذا الاعتراض في سورة التوبة: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ)
ما هي هذه العدالة حيث يتحدث القرآن المجيد عن حرب الأحزاب في سورة الأحزاب (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا) فبعضهم كان يتصور أنّ النبي(صلى الله عليه وآله)سيهزم في هذه المعركة، وأنّهم سيقتلون، وسيقضى على الإسلام، أو تلك الرواية التي ينقلها الشيعة والسنّة في القصّة المعروفة حين كان النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) يحفر الخندق فوجد صخرة وقام بتحطيمها، عندها وعدهم بفتح الشام وإيران واليمن فقابلوا هذا الخبر بالاستهزاء.
ألم يكن هؤلاء من الصحابة؟!
والأعجب من ذلك ما جاء في الآية التالية حيث تقول: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا...) أي: يطالبون أهل المدينة بالرجوع وعدم القتال مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أو ما قام به بعضهم من طلب الاستئذان من رسول الله(صلى الله عليه وآله) للهروب من ميدان المعركة: (... وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَة إِن يُرِيدُونَ إِلاّ فِرَاراً)(1). فكيف لنا أن نغض النظر عن كل هذه الأعمال ولا نقبل بانتقادهم.
والأسوأ من هذا كله قيام بعض الصحابة باتهام النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)بالخيانة، فهذا هو القرآن الكريم يحدثنا في سورة آل عمران عن ذلك: (وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْس مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(2)، حيث ذكروا لشأن نزول الآية سببين:
الأول: بعضهم قال: إنّها إشارة إلى أصحاب «عبد الله بن جبير» الذين كانوا متمركزين في جبل «العينين» في معركة أحد، فحين أوشك المسلمون على الانتصار على الأعداء ترك الرماة مع عبد الله مواقعهم لجمع الغنائم، مع أنّ الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) قد أمرهم بعدم ترك مواقعهم مهما كان، والأسوأ من هذا العمل هو ما قالوه من أنّهم يخافون أن لا يراعي النبي(صلى الله عليه وآله) حالهم في تقسيمه للغنائم، وهناك عبارات ذكروها يخجل القلم من ذكرها.
والثاني: ذكره «ابن كثير» و«الطبري» في ذيل تفسيرهما للآية: إنّه كانت هناك قطيفة(قطيفة: قطعة قماش.
) حمراء ثمينة قد فقدت في غزوة بدر، فقام بعض الجهّال باتهام النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) بالخيانة، ولم تمض فترة حتى عثر عليها، وتبيّن أنّ أحد أفراد الجيش قد أخذها.
فهل نسبة هذه الأمور جميعها إلى النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) تتوافق مع العدالة؟
فإذا جعلنا وجداننا قاضياً فهل يقبل أن يكون هؤلاء الأشخاص عدولاً وطاهرين، بحيث لا يحق لأحد أن ينتقد أعمالهم؟
ونحن لا ننكر أنّ أكثر أصحاب وأتباع النبي(صلى الله عليه وآله) كانوا أحراراً وطاهرين، ولكن أن نعطي حكماً كلياً بأنّ جميعهم قد طهّروا بماء التقوى والعدالة، وأنّه ليس لأحد الحق في التعرض لأعمالهم بأي نقد، فهذا في الحقيقة مدعاة للحيرة بشكل فاضح.
ما هي هذه العدالة؟ التي تجيز لبعض الأفراد الذين يعدونه من صحابة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) في الظاهر كمعاوية بأنّه يجيز لنفسه سبّ ولعن الصحابة العظام كعلي(عليه السلام)، ويأمر جميع الناس بالقيام بهذا العمل في البلدان وبلا استثناء؟ ولابدّ من الانتياه لهذين الحديثين:
1. نقرأ في صحيح مسلم وهو من أكثر الكتب اعتباراً عند أهل السنّة: «عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبّه، لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم»( صحيح مسلم، ج 14، ص 1871، كتاب فضائل الصحابة. وكذلك كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج 7، ص 60. والفضائل الثلاثة التي ذكرت للإمام علي(عليه السلام)في الحديث هي: عبارة عن حديث المنزلة، وحديث (لأعطين الراية غداً...)، وآية المباهلة.).
2. ونقرأ في كتاب «العقد الفريد» الذي كتبه أحد علماء السنّة (ابن عبد ربّه الأندلسي): «ولمّا مات الحسن بن علي(عليهما السلام) حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن علي بن أبي طالب(عليه السلام) على منبر رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقيل له: إنّهاهنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه. فأرسل إليه ]معاوية[ وذكر له ذلك فقال: إن فعلت لأخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه! فأمسك معاوية عن ذلك حتى مات سعد فلما مات سعد لعنه على المنبر وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر ففعلوا، فكتبت أم سلمة زوج النبي(صلى الله عليه وآله) إلى معاوية: «إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم; وذلك أنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه، وأنا أشهد أنّ الله أحبّه ورسوله» فلم يلتفت ]معاوية[ إلى كلامها»(العقد الفريد، ج 5، ص 114و 115 دارالكتب العلمية. وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب، ج 2، ص 228. تأليف محمّد بن أحمد الدمشقي الشافعي، (توفي في القرن التاسع الهجري).).
فهل هذه الأعمال القبيحة تتلاءم مع العدالة؟ هل يجيز أي إنسان عاقل أو عادل لنفسه أن يقوم بسبّ أو لعن ـ وخصوصاً بتلك الصورة البشعة والواسعة ـ هذه الشخصية العظيمة، حيث يقول الشاعر العربي:
أعلى المنابر تعلنون بسبّه وبسيفه نصبت لكم أعوادها
7. أصناف أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)
يمكن تصنيف أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) بشهادة آيات القرآن الكريم إلى خمسة أصناف رئيسية:
1. الطاهرون والصالحون: هؤلاء مجموعة مؤمنة ومخلصة، دخل الإيمان إلى أعماق قلوبهم، لم يتوانوا لحظة في التضحية والإيثار في طريق الله وإعلاء كلمته، كما أشارت إليهم الآية القرآنيّة في سورة التوبة: (رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
2. المذنبون من المؤمنين: وهؤلاء على الرغم من أنّهم يتصفون بالإيمان والعمل الصالح إلاّ أنّهم تزل أقدامهم ويخلطون العمل الصالح بالسيء، ويعترفون بذنوبهم، ويرجون أن يشملهم العفو والمغفرة، وقد أشارت الآية الثانية بعد المائة من سورة التوبة إلى ذلك تباعاً بعد أن ذكرت المجموعة الأُولى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ...)
3. العصاة: وقد عبّر القرآن عن هؤلاء بالفسّاق، وقد أشار لذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وقد ذكرت التفاسير الشيعية والسنية مصاديق لها.
4. المتظاهرون بالإسلام: هؤلاء كانوا يدّعون الإسلام ولكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم وقد أشار القرآن لذلك في قوله تعالى: (قَالَتِ الاَْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ).
5. المنافقون: وهم أشخاص عاشوا بين المسلمين بروح النفاق، فبعضهم كان معروفاً وبعضهم غير معروف، ولم يكن لهم دور في مواجهة الإسلام وتقدم المسلمين، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ...)
ولا شك في أن هؤلاء جميعهم قد رأوا النبي(صلى الله عليه وآله) وصاحبوه وعاشروه، وكثير منهم قد شارك في الغزوات، وأي تعريف للصحابة فهو منطبق على جميع هذه المجموعات الخمسة، فهل يمكن أن يكون جميع هؤلاء طاهرين ومن أهل الجنّة؟
أليس من المناسب هنا ومع هذا التصريح في الآيات القرآنيّة أن نختار خط الاعتدال، ونقسّم الصحابة إلى مجموعات خمس طبق التقسيم القرآني، فنقدم كامل الاحترام للطاهرين وأصحاب الأعمال الحسنة، ونضع كل مجموعة في مكانها اللائق، ونحترز من الغلو والتعصب والإفراط؟ وأن نكون منصفين في قضائنا؟
8. شهادة التاريخ
يواجه المعتقدون وأنصار فكرة قداسة جميع الصحابة مشاكل كثيرة بسبب هذا الاعتقاد، ومن جملتها المشاكل التاريخية العظيمة، لأننا لا نستطيع أن نعتبر جميع الصحابة الذين حدثت بينهم معارك شديدة ـ كما نراه في الكتب التاريخية المعروفة والمعتمدة عندهم وحتى أحاديث كتب الصحاح ـ عدولاً وصالحين ومقدّسين; لأنّه يكون من قبيل الجمع بين الأضداد، واستحالته من البديهيات العقلية.
وإذا تجاوزنا حربي «الجمل» و«صفين» الذين خطط لهما كل من طلحة والزبير ومعاوية في مقابل إمام المسلمين علي(عليه السلام)، ولم نغض النظر عن الحقائق التي لا محيص من الاعتراف بخطأ وجناية مشعلي هذه الحروب، فهناك شواهد كثيرة لدينا في التاريخ نقتصر على ذكر ثلاثة منها:
1. يذكر البخاري المحدث المعروف في صحيحه في كتاب التفسير: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل ]يقصد عبدالله بن سلّول أحد قادة المنافقين[ قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت عن أهلي إلاّ خيراً ... فقام سعد بن معاذ ]صحابي معروف[ أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ... سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، قالت: ]أي عائشة [وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين، قالت: فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، قالت: فلم يزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا»(صحيح البخاري، ج 5، ص 57 و 58 .
)، فهل كان كل هؤلاء الصحابة صالحين؟
2. يقول العالم المعروف البلاذري في «الأنساب»: «قام عثمان بعزل سعد بن أبي وقاص والي الكوفة ونصب مكانه الوليد بن عقبة، وطلب الوليد من عبد الله بن مسعود مفاتيح بيت المال، فألقى ابن مسعود المفاتيح إليه وقال له: من غيّرَ غيّرَ الله ما به، ومَن بدّلَ أسخط الله عليه، وما أرى صاحبكم إلاّ وقد غيّر وبدّل، أيُعزَلُ مثل سعد بن أبي وقاص ويولى الوليد،.. فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وقال: إنّه يعيبك ويطعن عليك، فكتب إليه عثمان يأمره بإشخاصه... وقدِم ابن مسعود المدينة وعثمان يخطب على منبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلمّا رآه قال: ألاّ أنّه قَدِمت عليكم دُوَيْبة سوء، من تمشِ على طعامه يقي ويسْلَحْ، فقال ابن مسعود: لستُ كذلك، ولكني صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم بدر ويوم بيعة الرضوان، ونادت عائشة: أي عثمان أتقول هذا لصاحب رسول(صلى الله عليه وآله)؟، ثم أمر عثمان به فأخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً... ويقال: احتمله يحموم غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الأرض فدُقَّ ضلعه»(انظر أنساب الأشراف، ج 6، ص 147; وتاريخ ابن كثير، ج 7، ص 136 و 183، حوادث سنة 32، (مع اختصار).).
3. ينقل البلاذري في نفس كتاب «أنساب الأشراف»:«كان في بيت المال بالمدينة سَفَط فيه حلي وجوهر فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك، وكلَّموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء، وإن رَغِمَت اُنوف أقوام. فقال له علي(عليه السلام): إذاً تُمنع من ذلك ويحال بينك وبينه.
وقال عمّار بن ياسر: اُشهد الله أنّ أنفي أول راغم من ذلك.
فقال عثمان: أعليّ ياابن المتكاء تجترئ؟ خُذوه! فاُخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه، ثم اُخرج فحُمل حتى اُتي به منزل أم سَلَمة زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلّى وقال: الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله»(أنساب الأشراف، ج 6، ص 161 و 162.
)، يشير بذلك إلى ما تعرض له من المشركين في بداية الدعوة.
ونحن لا نرغب بنقل مثل هذه الحوادث المؤلمة في التاريخ الإسلامي، ويمكن أن يكون ذكر هذا القدر من الأحداث ليس مناسباً لولا إصرار الأخوة على تقديس جميع الصحابة وجميع أعمالهم.
والآن هل يمكن توجيه تلك الشتائم والأذى والألم الجسدي الذي تعرض له ثلاثة أشخاص من خيرة الصحابة وأطهرهم وهم: (سعد بن معاذ وعبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر)؟ حيث ضُرب أحدهم حتى تهشّمت أضلاعه، وضُرب الآخر حتى غاب عنه الوعي وفاتتهُ صلاته.
أفهل هذه الشواهد التاريخية ـ وهي ليست قليلة ـ تسمح لنا أن نغلق أعيننا أمام هذه الحقائق؟ ونقول: إنّ جميع الصحابة صالحون وأعمالهم كلها صحيحة، ونؤسس جيشاً باسم «جيش الصحابة» وندافع عن جميع أعمالهم بدون قيد أو شرط؟