أسرة آل الحكيم من الأسر المعروفة ومشهورة في النجف الأشرف ( )، إذ تعد من البيوتات ذات المكانة العلمية والاجتماعية المتميزتين، ذاع صيتها في العراق وطار في الأفاق لاسيما في عهد عميدها المرجع الديني الأعلى السيد الإمام محسن الحكيم، وهي من الأسر العلوية التي تعود نسبها إلى الحسن المثنى ومنه الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب(ع)( )، وتنتهي إلى أسرة الطباطبا المعروفة والمنتشرة في العالم الإسلامي، والمعروف عنها في العراق أنها أسر تنتهي إلى جد واحد هو السيد إبراهيم الطباطبا( ) وهو الثائر العلوي في العصر العباسي وقد حاربه الخلفاء العباسيين حتى ثأر عليهم وقتل على أيديهم، وهو ابن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر، ومن هذه الأسر آل الحكيم وال بحر العلوم في النجف الأشرف وأسرة آل صاحب الرياض والسادة الحجة وآل البروجرديين في كربلاء.
وبرز منها السيد الإمام محسن بن السيد مهدي بن السيد صالح بن السيد احمد بن السيد محمود الطباطبائي الحكيم (1888- 1970)، عرف اليتم صغيراً، فقد توفي والده في جبل عامل بلبنان، حيث كان وكيلا للمرجعية الدينية النجفية، ابتدأ السيد الحكيم حياته العلمية بقراءة القران الكريم وحفظه ودرس عند أخيه الأكبر السيد محمود الحكيم مقدمات العلوم الدينية وبعدها مرحلة السطوح، ثم حضر عند الشيخ الخراساني وكان عمره حين حضوره لديه ثمانية عشر عاما، وبعد ثلاث سنوات من الحضور توفي الشيخ الخراساني، فانتقل السيد الحكيم إلى درس الشيخ ضياء الدين العراقي في الفقه والأصول، كما حضر لدى الشيخ علي باقر آل صاحب الجواهر، وحضر عند الشيخ حسين النائينئ أما درس الأخلاق فقد حضره لدى الفقيه المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي( ).
من أولى مواقفه السياسية متحدياً السلطات من أجل مصلحة العليا للشعب العراقي وجه السيد محسن الحكيم عام 1949 صفعة قوية للملك فيصل الثاني الذي لم يكن قد جلس على العرش بعد وللحكومة حين رفض استقبال الملك وحاشيته عند زيارتهم إلى النجف الأشرف، فإربك الحكومة وجعلها تتخبط، فقد جاء رئيس بلدية المدينة، النجف الاشرف واخبر السيد محسن الحكيم بأن الملك سيزور المدينة بعد يومين، لكن السيد الحكيم اخبره بأنه لن يخرج إلى استقبال الملك ثم جاء القائمقام وطلب من السيد محسن الحكيم الحضور في استقبال الملك، فرفض أيضا، فجاء متصرف لواء كربلاء عبد الرسول الخالصي، وقال من ضمن حديثه " سيدنا هذه اهانة لي وأنا شيعي، ولكن السيد الحكيم لم يوافق على إبداء الاستعداد للحضور، وبعد نقاش طويل، انتفض السيد محسن الحكيم قائلا " نحن لسنا جزءا من زخرف الحضرة حتى يأتي الملك ويطلعونه على الزخارف، لقد اجتمعت به في المرة الأولى قبل عام لوجود احتياجات لدى الناس ذكرناها له، ولكن يبدو إن القضية ليست جدية حيث لم يتم لحد ألان تنفيذها، وإنما الأمر لا يعدو الدعاية، وأنا لست مستعدا أن أكون جزءا من زخرف الحضرة "( ).
ومن مواقفه السياسية هي سفرته إلى العتبات المقدسة في الكاظمية وسامراء التي توصف بالتاريخية، ويرجع السبب في هذه الزيارة إلى توتر العلاقة بين المرجعية الدينية والحكومة العراقية آنذاك الممثلة برئيس الوزراء أحمد حسن البكر، وكان ذلك في 7/10/1963، والهدف من هذه السفرة تحريك الضغط الجماهيري على السلطات العراقية، فقد عانى العراق في تلك الفترة من أزمات منها أتساع الأفكار الإلحادية وسيطرة بعض العناصر المخالفة للإسلام بتوجهاتها، نتيجة للإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم في شباط 1963، فقد أثبتت هذه الزيارة قوة المرجعية الدينية لاسيما السيد الحكيم، واتساع مداها على الآفاق وبدأت مواقف السيد محسن الحكيم الداعية للدفاع عن حقوق الشعب أمام الحكومة ولاسيما منها ما يمس العقائد الإسلامية، فقد عارض السيد الحكيم الحكومة في العهد الملكي، حينما شرعت قانونا للأحوال الشخصية المخالف للشريعة الإسلامية، مما اجبرها على تقديمه لمجلس النواب آنذاك، فأرسل الإمام الحكيم ولده السيد يوسف للاتصال بالنواب وإبلاغهم استنكار المرجع لهذا القانون ووجوب إلغائه، وإصدار رأي صريح بهذا الشأن، مما حدا بالنواب إلى معارضته فاضطرت الحكومة إلى إحالته على اللجنة التي وضعت لدراسته وإعادة النظر فيه، فكانت هذه نهايته( ).
وأيضا فقد طلب السيد محسن الحكيم من جماعة العلماء في بغداد تقديم مذكرة إلى عارف، تتضمن طلبات الشعب وبشكل واضح وهي خمسة طلبات تتلخص في :
1ـ إلغاء قانون الأحوال الشخصية وإعادة المحاكم الشخصية.
2ـ مراعاة شعور الأمة في وضع الدستور الذي يخالف أحكام القران والسنة المطهرة.
3 ـ خلق روح العدالة والمساواة وعدم التمييز بين أبناء الشعب العراقي.
4 ـ مكافحة الانحلال الخلقي، وإيقاف هدم كيان الأمة الاجتماعي.
5 ـ تعديل مناهج التعليم والتربية والحث على التحلي بالخلق الإسلامي الكريم( ).
ومن المواقف التي أصبحت منعطفا تاريخيا في العلاقة بين المرجعية والحكومة من جهة وبين المرجعية والجماهير العراقية من جهة أخرى، هو حقن دماء الشعب الكردي الذي يطالب بحقوقه، لاسيما بعد إن عقد عبد السلام عارف مؤتمر علماء الإسلام من اجل إصدار فتوى تحرض على أن الأكراد (بغاة يجب قتالهم)، وطلبوا من الإمام الحكيم تأييد الفتوى لكنه رفض وقال" على أي أساس، ما دامت الحكومة غير شرعية فلا يجوز قتالهم"( ) ومقابل مؤتمر عبد السلام، دعا السيد محسن الحكيم إلى تجمع كبير للعلماء في كربلاء المقدسة للإعلان عن رأيه المعارض لفتوى إبادة الأكراد، وحقنا لدماء المسلمين منهم، وقد عقد الاجتماع بمناسبة أربعينية الإمام الحسين "عليه السلام " في العشرين من صفر من عام 1964، وأعلن في ذلك التجمع الكبير رفض الحكيم مقررات مؤتمر عارف واصدر فتوى تحريم قتل الأكراد واستمر السيد الحكيم بموقفه الرافض التعاون مع السلطات، الذين بدءوا في التضييق على الشعب العراقي بأكمله وفرض ضغوط على المرجعية الدينية، بهدف إذعانها لأرائهم، ولاسيما الضغط على حيث واجه التحدي بكل إصرار وصمود من اجل كسر شوكتهم، حتى بعد الأزمات التي عصفت بالمرجعية الدينية وسيق على أثرها كواكب من أبناء المراجع وزعماء العشائر إلى دوائر الأمن، وتسفير طلبة الحوزة العلمية، وبدأت التهم المضللة تلاحقهم، وكشف ذلك عن الصراع بين أبناء الشعب العراقي ورجال الانقلاب وأعوانهم( ).
وبعد وفاة الإمام الحكيم تعرض أبناءه حالهم حال باقي العراقيون القتل والإبادة والتهجير ففي يوم الأربعاء المصادف 18/ 5/1983 أعدم ستة من أفراد عائله آل الحكيم وفيما بعد وخلال سياسة النظام وسيطرته على مقاليد الحكم بالقوة، نفذ إعدام الوجبة الثانية منهم في 5/ آذار/ 1985م، إذ أعدم عشرة شهداء من أبناء هذه الأسرة ولم تنحصر تضحيات أسرة آل الحكيم على الإعدام فقط، إنما هناك من توفي تحت التعذيب أو في ظروف غامضة مثل السيد غياث الحكيم نجل السيد جاسم الحكيم، كما استشهد أحد مرضى العائلة وهو حجة الإسلام السيد محمد حسين الحكيم نجل آية الله السيد محمد علي الحكيم بإبرة مسمومة بعد نقله من سجن أبو غريب إلى مستشفى الرشيد العسكري، وبقيت عائلة السيد محسن الحكيم ترزح في أقبية ودهاليز النظام العراقي، يتنقلون بهم من دوائر الأمن إلى الأقسام المغلقة إلى الأقسام الخاصة في سجن أبي غريب.