لما كانت الساحة السياسية العراقية معرضا لمشاريع القوى السياسية واطروحاتها التي تعتقد من شأنها تقويم الوضع العراقي وعلى كافة الصُعد وتحقيق ما هو فيه صلاح الواقع الاجتماعي للشعب العراقي والارتقاء به الى اعلى المستويات , هذه المشاريع والمنجزات السياسية كانت تترجم حسب طبيعة فهم المجتمع العراقي على نحوين وكل نمط من المجتمع له رصيد معين في ذلك الفهم فتارةً تكون ترجمة منجزات التيارات السياسية حسب نوعية احتياج الناس فعلى ذلك الاساس تحدد طبيعة التيار السياسي هل انه قدم منجز ام لا وتارة اخرى تترجم المنجزات حسب طبيعة المرحلة التي يمر بها البلد والتي تحتم على المهتمين بالشان العراقي من الساسة بتقديم مشاريع سياسية تخدم البلد على الصعيد السياسي وتثبت اركان الحكومة العراقية وتحقيق استقلالية تامة للبلد فهذا الفهم انبرم عليه شريحة معينة من المجتمع العراقي التي ترى ان المخاض الذي يمر به العراق يحتاج الى جهود ترسم بها سياسة البلد العامة
وهذا الاتجاه كان يسلكه المجلس الاعلى في برامجه ومشاريعه السياسية فعلى سبيل المثال قضية التنمية والاعمار فلا يمكن العمل بهذا الجانب برؤية ضيقة وبسيطة حيث ان العديد من الدول وخاصة الدول الاستثمارية لايمكن لها التعاقد مع العراق وارسال شركاتها المختصة بمختلف الجوانب ما لم تصل الى قناعة تامة باستقرار العراق على المستوى الامني والسياسي واطمئنانها بعدم حدوث انقلابات عسكرية وسياسية لان مسالة التعاقد قضية ليست بالسهلة وخاصة ما يتعلق بالجانب المالي وهذه الدول الى فترة قريبة كانت تنظر للعراق بانه عبارة عن كيان قلق ولايمكن عقد معه أي مشاريع تجارية او عمرانية او أي مشاريع اخرى فالمجلس الاعلى كان ينظر للامور بمنظار واسع ويرى ان النهوض بالواقع العراقي لايتم الا من خلال تحقيق سيادة واستقلال العراق وتحقيق الاستقرار السياسي ولا سيما قضية اخراج العراق من البند السابع كانت من اهم مصاديق سيادة واستقلال العراق لكي يعطي المجلس الاعلى انطباع للدول الاخرى وخصوصا الدول التي يمكن الانفتاح عليها بمختلف الميادين التجارية والصناعية وغيرها ان العراق اصبح مهيأ لئن يكون كأي دولة اخرى مثل دول الخليج الامارات وقطر التي بفترة وجيزة تحولت الى دول تضاهي الدول الغربية بالواقع الخدمي والتجاري والعمراني حتى اصبحت ساحة لابداعات الشركات الاجنبية .
اما اذا اردنا الحديث عن الانتخابات وخاصة انتخابات مجالس المحافظات فهي ايضا كانت من انجازات المجلس الاعلى وكيف كان يسعى من اجل اقرار قانون مجالس المحافظات الذي يعتبر من ارقى الانظمة التي يتم بها ادارة المحافظات بطريقة لامركزية واخراج العراق من ظلمة المركزية والقرار الواحد الذي ادفع العراق ثمنا باهضا طيلة الفترة السابقة فهذا ايضا يصب في قضية الاستقرار السياسي لانه كان بمثابة افشال مشروع الانقلاب والاطاحة بالحكومة العراقية لان العراق لم يعد ذلك البلد الذي تحكمه دائرة ضيقة ومجموعة متفردة بالقرار واذا ما تعرضت الى ضربة خارجية او داخلية سينهار العراق برمته .
اما على الصعيد الاجتماعي فكان المجلس الاعلى له دور في اقامة علاقات وطيدة مع مختلف شرائح ومكونات الشعب العراقي وباختلاف طوائفه وقومياته فنرى انه يمد جسور العلاقة مع المكون السني وكانت لقيادات المجلس الاعلى زيارات متكررة الى المناطق السنية في ظل اجواء ودية تحمل في طياتها نسف نظرية تقسيم العراق وتناحر ابنائه فيما بينهم وهكذا مع الطائفة المسيحية والايزيدية, وعلى المستوى القومي اقامة علاقات فريدة من نوعها مع الجانب الكردي كانت تصب في مصلحة البلد , ناهيك عن اقامة علاقات خارجية مع العديد من الدول من اجل اظهار صورة مشرقة للعراق الجديد لكي يحتل مكانة مرموقة بين الدول .
ونحن في الوقت الذي نشيد بدور المجلس الاعلى وما قدمه من انجازات في بناء العراق نهيب بالشعب العراقي بان يكون له نظرة ثاقبة لتشخيص من هو الاجدر لقيادة العراق ودراسة خطواته بمقياس مصلحة البلد المستقبلية .
د. نزار كامل الحلي