الانسحاب الأمريكي من المدن العراقية المتوقع في الثلاثين من حزيران الحالي ما هي مبرراته وأهدافه ؟ وماذا يخفي وراءه ؟ أسئلة تختلج في نفس المواطن العراقي الذي بات لا يصدق ما يقال وغير مستغرب مما يجري ..
المواطن العراقي الضحية يعيش الآن مرحلة انسحاب الاحتلال الأمريكي من مدنه وقصباته وهو يرزح في ظل أزمات متوالية لا يبدو لها حل في المنظور القريب أزمات تثقل كاهله يضاف لها خشيته وقلقه للمصير المجهول الذي يؤول إليه حال بلده .. المواطن العراقي يشهد الانسحاب خارج المدن وهو لا يزال كأنما يعيش اليوم الأول للحرب فسوء الخدمات والمعاناة اليومية والاختناقات والفوضى وانقطاع التيار الكهربائي المستمر منذ عقود والفساد الإداري والمالي المستشري الذي لم يكن يوما يتوقع حدوثه بهذه الفداحة حتى في الأحلام ..
على أية حال يبدو إن اوباما قد عقد العزم على سحب قواته وهذه إستراتيجية مدروسة بدقة وتعني لهم في التكتيكات العسكرية إعادة انتشار جديد ولكن هذه المرة خارج المدن ضمن قواعد عسكرية لتفادي عدة أمور سوف نشرحها لاحقا .. بينما اعتبرتها الحكومة الحالية عودة للسيادة , واعدت المهرجانات للاحتفاء بهذه المناسبة ..
ومن حقنا الآن أن نسأل الحكومة وإعلامها الذين كانا ومنذ عدة سنوات يؤكدان إن العراق هو صاحب السيادة الكاملة في كل ما يدور على الساحة العراقية وهذا ما فهمه اغلب أبناء هذا الشعب فما الذي جرى الآن ليكون يوم الانسحاب من المدن هو يوم السيادة فأين إذن التصريحات الإعلامية الرنانة بان العراق يمتلك السيادة الكاملة على هذه الأرض , حتى أن ديباجة الاتفاقية الأمنية التي وقعتها الحكومة الحالية مع الولايات المتحدة في تشرين الثاني 2008 نصت على هذه الفقرة (( وإذ يؤكدان أن مثل هذا التعاون مبنى على أساس الاحترام الكامل لسيادة كل منهما وفق أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ورغبة منهما فى التوصل إلى تفاهم مشترك يعزز التعاون بينهما، دون تجاوز سيادة العراق على أرضه ومياهه وأجوائه، وبناء على كونهما دولتين مستقلتين متكافئتين ذواتى سيادة )) فإذا كان يوم الثلاثين من حزيران الحالي هو يوم السيادة !! إذن هل يعني هذا إن الاتفاقية الأمنية قد وقعت والعراق منزوع السيادة وقتها .. وهل يعني ذلك إن الاتفاقية الأمنية باطله لأنها وقعت بين طرفين احدهما لم يحصل على السيادة إلا في الثلاثين من حزيران 2009 أي بعد مرور سبعة أشهر تقريبا على توقيع الاتفاقية ..
إن ما يفهم من هذا الانسحاب ليس كما تروج له الحكومة بل هو إعادة تنظيم وتموضع القوات المنتشرة على طول البلاد وعرضها لان اوباما قد فهم الدرس فوجود آلاف القوات الأمريكية داخل المدن بستنزفها ويعرضها لضربات المقاومة بين حين وآخر.. فالإستراتيجية الجديدة تعتمد على حصر هذه القوات داخل قواعد كبيرة ومعدة إعدادا جيدا طويل الأمد يجنبها الخسائر البشرية ويقلل من نفقاتها العسكرية الهائلة خاصة وان أمريكا تعيش الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة .. ليظل دور القوات الأمريكية هو مراقبة الوضع في العراق وتقديم المشورة والتدخل العسكري إذا تطلب الأمر , وهي بذلك تبقى المهيمنة على زمام الأمور ومن ثم زج الجيش العراقي مكان القوات الأمريكية ليحل محلها فمن المحتمل أن يواجه هذا الجيش الألغام والآثار التي تركها الوجود الأمريكي ونقصد المليشيات والمنظمات المسلحة المتوقع أنها تحاول سد الفراغ الذي سوف يتركه انسحاب القوات الأمريكية كما إن بعض الدول الإقليمية أيضا سوف تحاول ملء الفراغ الذي سوف يحصل ..إن وجود هذه المليشيات والنظام السياسي الذي زرعته أمريكا المقترن بالطائفية والمحاصصة والتوافقية كلها تبقى ارض هشة لبركان ربما يثور في أية لحظة ..
إننا نعتقد إن على الحكومة إذا كانت فعلا تريد لهذا البلد الاستقرار والأمن هو بتقديم وتهيئة الظروف الموضوعية الملائمة للقوى الوطنية الحقيقية لملء الفراغ وتعاونها مع هذه القوى وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية وبخلافة فان محاولة مسك العصا من طرف واحد لصالح الحزبية والفؤية فقد أثبتت الأيام فشل هذا الأسلوب كما اثبت بما لا يقبل الشك فشل المشروع الطائفي والتوافقي ..
إن السيادة والاستقلال لا تمنح بل تؤخذ وليس بالضرورة باستعمال السلاح بل بالفكر السياسي الذي لا يعرف التهميش أو الإقصاء ويحتضن القوى الوطنية الذي ثبت ولاءها لبلدها , إن الدروس المستخلصة من الانسحاب هو الضعف الأمريكي الواضح فان انسحابها علامة على انكفائها فان الثعابين إذا انكفأت تدخل في جحورها لتفادي نهايتها ..
حتى لو يكن كذلك فان أمريكا مرادها من العراق في النهاية أن تكون أراضيه وأجوائه قواعد دائمة للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وان تكون من ناحية أخرى قاعدة استخبارية لجهاز الموساد الإسرائيلي وان تتمكن أمريكا أخيرا من تسليم صناعة النفط وآباره إلى كبرى الشركات النفطية العالمية ...