ألقى نجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله حجة الإسلام والمسلمين فضيلة السيد أحمد الشيرازي دام عزّه كلمة قيّمة بجمع من طلاب كربلاء المقدسة (مدرسة العلاّمة ابن فهد الحلّي قدّس سرّه)، فاستهلها باﻵية الشريفة التالية: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» (1) وقال: إن العادة والتعوّد على الشيء يجعل الإنسان يألف ذلك الشيء، سواء كان خيراً أو شراً. فالبعوضة ربما لا يتجاوز طولها سنتيمتراً واحداً، والشاة ربما يكون طولها أحياناًً أكثر من نصف المتر، فالناس لا يخافون إذا رأوا بعوضة طولها سنتيمتر واحد ولا يخافون إذا رأوا شاة طولها أكثر من نصف المتر، ولكنهم قد يخافون إذا رأوا بعوضة بطول نصف المتر، ويكون سبب خوفهم أنهم لم يألفوا ولم يروا بعوضة بهذا الطول، أي إن هذا اﻷمر يكون عندهم غير طبيعي. واﻷمر نفسه يجري في اﻷمور المعنوية وفي اﻷمور النفسية أيضاً.مثلاً: هنالك أشخاص يرتكبون عملاً محرّماً معيناً كالاغتياب، وهؤلاء يعرفون أن الغيبة عمل محرّم ويريدون تركه لكنهم لا يستطيعون ذلك بسهولة ﻷنهم تعوّدوا عليه. وبعض الناس يستمع إلى الغناء وهو يعرف أن الغناء والاستماع إليه حرام ولكنه لا يستطيع تركه ﻷنه قد تعوّد عليه.هذه المعادلة تجري في الجانب اﻹيجابي أيضاً. فمثلاً من عوّد نفسه على أداء الصلاة الواجبة في أول وقتها تراه يغتم أو يضيق صدره إذا تأخّر عن أدائها في أول وقتها في يوم ما.وقال: ينقل عن بعض المقدّسين من العلماء اﻷتقياء رضوان الله تعالى عليهم أنهم كانوا يعملون كل شيء خالصاً لوجه الله تعالى، حتى في اﻷكل والشرب والنوم. فمثلاً عن كيفية جعل النوم لله تعالى قال أحدهم:إني قد رأيت أن النوم مضيعة للعمر وللوقت الثمين، ولكن بما أن عدم النوم يسبب أمراضاً لجسمي لذلك قرّرت أن أنام بعض الساعات وذلك لكي يتقوّى جسمي على أداء الواجب المطلوب منّي تجاه الله عزّ وجلّ. وهكذا قرّرت في اﻷكل والشرب والسفر والسياحة وغيرها من أمور الحياة.وتساءل فضيلته: كيف تمكّن هؤلاء العلماء اﻷتقياء من الوصول إلى هذه الدرجة الرفيعة وهي جعل اﻷعمال كلّها خالصة لوجه الله تعالى؟فأجاب: إن وضع برنامج روحي يومي يجعل اﻹنسان يرتقي الدرجات الرفيعة في الجانب الروحي، ومنها محاسبة النفس يومياً، وهو أمر أكّدته الروايات الشريفة عن أهل البيت اﻷطهار صلوات الله عليهم.وأضاف: هنالك أمر سهل جداً وفي الوقت نفسه مؤثر جداً أيضاًُ يمكن درجه ضمن البرنامج الروحي اليومي وهو تخصيص وقت معيّن وإن كان مدّته خمس دقائق، يقرّر اﻹنسان فيه أن يكون عمله لله تعالى. فمثلاً إذا دخل عليه أحد في هذا الوقت المعيّن وسلّّم عليه فليقرّر أن يردّ السلام بنيّة الامتثال لما أمر الله تعالى به من وجوب ردّ السلام. ومن ثم ليصمم على توسيع دائرة هذا الوقت يوماً بعد يوم، وهكذا حتى يكون العمل لله تعالى في كل الجوانب واﻷمور مألوفاً عنده دائماً.وأكّد دام عزّه: إن التعوّد على الصلاح وجعل اﻷعمال كلّها خالصة لوجه الله تعالى يعتبر بالنسبة لغير رجال الدين أمراً محموداً ومحبوباً، ولكنه يكون بدرجة كبيرة من اﻷهمية بالنسبة لرجال الدين؛ ﻷن رجل الدين لا يؤثّر على نفسه فقط ولا يدخل الجنة وحده. فهو بالمعنوية التي يحملها وبسلوكه يجعل الناس أيضاً يدخلون الجنة، والعكس بالعكس أيضاً.وختم فضيلته كلمته بقوله: كان أحد المراجع الكبار قدّس سرّه يقول: كان الناس الطيّبون في الزمن الماضي أكثر من زمننا الحاضر وذلك ﻷن العلماء اﻷتقياء كانوا في الماضي أكثر مما في الزمن الحاضر، فكان الناس يتأثّرون بهم وبسلوكهم فيجعلون سلوكهم وأعمالهم كسلوك وعمل علماء زمانهم.
____________________________