العصمة وضرورتها في الإمامة تبعاً لضرورة الإمامة بعد النبوّة،
بتاريخ : 10-07-2009 الساعة : 11:59 AM
السلام عليكم
تعتقد الإماميّة أنّ العصمة مطلقة في النبيّ والإمام، وتعني أنّه معصوم عن الذنب ومنزَّه عن الخطأ والنسيان والسهو، ولا يتلبّس بالجهل والغفلة، سواء كان ذلك قبل البعثة أو الإمامة أو بعدهما، فهو إنسان كامل لا يعتريه النقص البشريّ، ولا يغلب عليه الميل النفسيّ، من ولادته إلى مماته، فهو معصوم في معتقده، وفي أفعاله الدينيّة، وفي تكاليفه الشرعيّة، وفي تبليغه للأحكام الشرعية الإلهيّة، ومستقيم في طباعه.
وتأتي العصمة وضرورتها في الإمامة تبعاً لضرورة الإمامة بعد النبوّة، ولهذا استدلّ الإماميّة على وجوب الإمامة بقاعدة اللطف، أي أنّ الإمامة لطفٌ من الله عزّوجلّ كما هي النبوّة لطف منه تعالى.
واللطف فيض إلهيّ؛ لأنّ المولى حينما خلق الإنسان أراد له أن يصل إلى منتهى كماله الإنسانيّ، ولما كان الإنسان ملهماً بنوازع الخير والشر: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاها * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (1)
، فهو ميّال إلى الداني ويترك ما جُعل سبباً لكماله، فمِن لطفه سبحانه ورحمته الواسعة أن يهيّئ له سُبل الهداية؛ ولهذا فقد أرسل الأنبياءَ ليتكفّلوا بهداية الإنسانيّة.
وبنفس هذا التأسيس، تأتي الحاجة للإمام المعصوم بعد غياب النبيّ باستثناء الوحي، فاللّطف الذي هو فيض من المولى وأدى إلى مجيء النبوة، لا ينقطع هذا اللطف حين غياب النبيّ؛ لأن الداعي باقٍ والحاجة مستمرّة.
ومن ضرورات العصمة للإمام، أنّ وجود الإمام في وسط الأُمّة يمثّل خطّاً طبيعيّاً للرسالة وامتداداً لنبيّها، فعلى هذا الأساس يكون عاملاً لبناء الرسالة ومرجعاً لهداية الناس؛ ذلك لأنّ الهدف من حركة الإنسان ووجوده هو الوصول إلى أرقى المراتب في الكمال الإنسانيّ، وإذا كان هذا هو الهدف فهو إذاً بحاجة إلى إمام معصوم يربط بين عالَم الغيب المتعالي والنوع الإنسانيّ المحتاج.
ومن هذا المنطلق تأتي مسألة قبول الأُمّة لإرشاداته؛ لأنّه الممثّل للنبوّة، وتتأكّد الطاعة والقبول لشخصه فيما إذا كان معصوماً، أمّا إذا كان غيرَ معصوم فسوف يُبرَّر للأُمّة عدمُ طاعتها له، وعدمُ قبولها أوامرَه، وإذا لم تصدّقه الأُمّة فسيؤدي هذا الأمر بطبيعة الحال إلى ضلال الأُمّة وعدم تحقّق الغرض الإلهيّ.
ولا يوجد أيُّ مانعٍ مِن أن يكون الإمام معصوماً، ما دام المولى سبحانه قادراً على تحقيق ذلك، ولا يوجد محذور عقليّ في نفس القابل وهو الإمام، وقد ثبت ذلك في عصمة الأنبياء عليهم السّلام.
وتأتي مسألة أُخرى، وهي أنّ الشريعة التي جاء بها النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله هي شريعة خالدة وعامّة لكل البشر وعلى مختلف الأزمنة وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (2)،
إذاً، فهو مشروع لكلّ الأُمم. وإذا كان بهذه السعة وهذا الامتداد، فلابدّ من وجود عُمرٍ يمتدّ بامتدادها من أجل أن يساير النبيُّ مشروعَه حتّى اكتماله واقتطاف ثماره، ولمّا كان عمر النبيّ قصيراً ومحدوداً في مدّته؛ فلابدّ أن يَلحقَ عمرَ النبيّ عمرٌ آخَرُ أطول منه، يمتاز بنفس الطاقات والصفات والمؤهّلات حتّى تحقيق الغرض الإلهيّ.
وحيث لا يمكن أن يكون هذا القائد نبيّاً؛ لأنّه لا نبيَّ بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيبقى الأمر محدوداً بالإمام المعصوم، وهذا الأمر تؤكّده كثير من الشواهد القرآنيّة والأحاديث النبويّة (3).
قال السيّد المرتضى:
فأمّا الطريق الذي يُعلَم به أنّ الأئمّة عليهم السّلام لا يجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة، فهو أنّ الإمام إنّما آحتِيج إليه لجهةٍ معلومة، وهي أن يكون المكلَّفون عند وجوده أبعدَ مِن فعل القبيح وأقربَ مِن فعل الواجب، فلو جازت عليه الكبائر لكانت علّةُ الحاجة إليه ثابتةً فيه، وموجِبةً وجودَ إمامٍ يكون إماماً له، والكلام في إمامته كالكلام فيه، وهذا يؤدّي إلى وجود ما لا نهاية له من الأئمّة، وهو باطل، أو الانتهاء إلى إمام معصوم، وهو المطلوب.
وممّا يدلّ أيضاً على أنّ الكبائر لا تجوز عليهم، أنّ قولهم قد ثبت أنّه حجة في الشرع كقول الأنبياء عليهم السّلام، بل يجوز أن ينتهي الحال إلى أنّ الحقّ لا يُعرَف إلاّ من جهتهم، ولا يكون الطريق إليه إلاّ من أقوالهم، وإذا ثبت هذا جملةً جرَوا مَجرى الأنبياء عليهم السّلام فيما يجوز عليهم وما لا يجوز، فإذا كنّا قد بيّنا أن الكبائر والصغائر لا يجوز على الأنبياء عليهم السّلام قبل النبوّة ولا بعدها، لِما في ذلك من التنفير عن قبول أقوالهم، ولما في تنزيههم عن ذلك من السكون إليهم، فكذلك يجب أن يكون الأئمّة عليهم السّلام منزَّهين عن الكبائر والصغائر قبل الإمامة وبعدها، لأنّ الحال واحدة (4).
وهناك مَن يذهب إلى أن البديل للإمام المعصوم هو الأُمة، فعقل الأُمة ووعيها ورُشدها الإسلاميّ ووجود المصلحين والأخيار فيها، يؤهّلها للقيام بدور الإمامة بدل الشخص المعصوم، والأُمة كنائبةٍ لتولّي رعاية الشريعة وحفظها لاتختار الباطلَ ولا تنحدر نحو الهاوية، بفعلِ وجودِ عواملَ شرعيّةٍ مرّة، وعُقلائيّة أُخرى.
ويعترض هذا التوجيه سؤالٌ هو: هل يجوز على الأُمة الخطأ والنسيان والتضليل والانحراف أم لا ؟
بالتأكيد سيكون الجواب إيجابياً، فلا يَتَصوّر أحدٌ عدمَ نسيان الأُمّة وعدم خطئها واختلافها، فلو نظرنا إلى الحقائق القرآنيّة التي تحدثت عن اختلاف الأُمم في الماضي ـ قال تعالى: وَمَا آخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُم (5)،
وقال أيضاً: وَلاَ تَكُونُوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِمَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ (6)،
لاَنتهَينا إلى عدم عصمة الأُمم وعدم عصمة الأُمة الإسلاميّة بشكل خاصّ؛ لوجود الاختلافات والانقسامات التي أصابتها بعد غياب صاحب الرسالة، فضلاً عن كونها أُمّةً لا تختلف في طبائعها وميولها عن باقي الأمم، وأنّ الاختلاف الذي يكون سبباً لتمزّقها لابدّ له من مرجع ورئيس يحسم بقرار المعصوم ذلك النزاعَ والاختلاف، وعدم صلاحيّة فئة من الأُمّة لرفع الظلم والفساد عن الأُخرى، لادّعاء الثاني بأنّها تريد رفعَه عن أُختها أيضاً.
--
1 ـ الشمس: 7 ـ 8.
2 ـ الأنبياء:107.
3 ـ مسند أحمد بن حنبل 79:1 ، 87 و 32:3 و 369:6.
4 ـ تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى 22.
5 ـ البقرة:213.
6 ـ آل عمران:105