الحديث عن الجمهورية الإسلامية في إيران يمكن عده أبرز وأوضح مثال على ما أقصده بالعينات السيئة. فالكاتب أمام هذه الفئة إن ما قرر أن يطرح رأيه في الجمهورية سيحتار بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن يسب ويلعن ويهاجم الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني وبكل ما أوتي من ألفاظ ومفردات وضيعة ليحصل بذلك على رضا وقبول بعض المعقدين ممن يحملون البُغض القومي في قلوبهم، أو أن يرضى على نفسه اتهامات التخوين والسباب والشتيمة إن ما قرر ليكون في معسكر المؤيدين والمعجبين بالجمهورية وأدائها.
فأنت يا من تدافع عن موقف الجمهورية لن تكون بحاجة لتبرر وجهة نظرك لِم الإيرانيون على حق مثلاً في تحديهم للأميركيين أو الاستخدام النووي، فالسبب بيّن وهو أن الفرس المجوس دوماً خونة ويريدون السوء بنا وينتظرون اللحظة الحاسمة لبسط نفوذهم. لهذا وبمجرد أن تمدح، ترى نفسك تلقائياً صُنفت بمعسكر الخونة، والجاسوس الأكبر، والحزبي الأعظم والصولاغي الدموي، لكن وفي المقابل لو مرغت أنفك في تراب أقدام الأميركيين لكان ذلك عندهم لزوم الديموقراطية والفكر الانفتاحي، وتهمة الانتماء للخارج لا تخطر على بال احد!
بصراحة أراها مفارقة عجيبة غريبة بل وغبية إلى حد بعيد، فكيف نصدق أنهم أعداؤنا مع أن الواقع يكشف غير ذلك. فالحقائق تقول بأنهم هم من أيدوا قضية العرب الأولى سواء بطردهم السفارة الاسرائيلية وإحلال الفلسطينية بدلا عنها، أو بدفاعهم عن حق الجنوب باسترداد أراضيه، أو وقوفهم إلى جانب الحق السوري في الجولان، أو دفاعهم عن الغزاوية في محنتهم، فلِم نترك كل هذه الشواهد على الأرض ونتمسك بشكوك تصدير الثورة!
ثم لِم لا تكون لنا المواقف نفسها من الأميركيين مثلاً ونتوقف عن المزيد من التنازلات ونرفع رؤوسنا عن السجود الطويل للمخطط الأميركي! فلو كانت المهارة السياسية هي المعيار، فالفريقان لهما وجهتا نظر محترمة على اعتبار أن لنا مصالح مع الجميع والسياسة عِلم المصالح فلا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، أما إن كانت سوء السريرة هي الراية فالأمر قائم وتصلح كتهمة للاثنين معاً!
أليس من الحماقة السياسية أن ندس رؤوسنا في التراب وننكر واقعنا التاريخي والجغرافي والعسكري والأمني الممتد لآلاف الأعوام؟ فالجمهورية دولة قوية سواء صدقنا الحقيقة أم تجاهلناها! فنحن نشتري مصالحنا، فهي وكما موجودة عند الغرب وجيراننا العرب، كذلك هي موجودة مع الإيرانيين. وهم كذلك يريدون مصالحهم وهي عندنا كما هي عند غيرنا.
أما القول بأن الإيرانيين على صواب دائماً كتهمة تُلحق ببعض الكتاب، فهذا قول باطل ساذج لا يستقيم مع العقل والمنطق، فالجمهورية وكأي دولة أخرى تُخطئ في تعاملاتها وتصيب، والساسة والكتاب عندهم يتجاوزون حدودهم بالضبط كما يحدث هنا، فأين المشكلة؟
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
hasabba @ hotm ail.com