نشر موقع المسلم الذي يشرف عليه المتطرف التكفيري ناصر العمر، مقالاً للشيخ المتطرف هو الآخر عبدالعزيز العبداللطيف ووضعه الأخير في موقعه الشخصي أيضاً مقالة تحت عنوان (ابن جبرين والرافضة وانفلونزا الخنازير!) هاجم فيه الشيعة لأن بعضهم أقاموا دعوى على ابن جبرين الذي أفتى بوجوب قتل الشيعة.
ولكن قبل أن نعرض ما قاله هذا التكفيري، نورد نبذة عنه مستلّة من موقعه الإلكتروني، فهو الآن أستاذ مشارك، عُيّن معيداً سنة 1404هـ، ثم محاضراً سنة 1407هـ، ثم أستاذ مساعداً سنة 1414هـ، ثم أستاذ مشاركاً سنة1427هـ، ولا يزال كذلك. وهو من مواليد الرياض 1960، وخريج كلية اصول الدين بالرياض وجامعة محمد بن سعود، حصل من الجامعة درجة الدكتوراه في تخصص العقيدة سنة 1414 هـ مع مرتبة الشرف الأولى! والرجل أوكلت له مهمة إعداد مناهج قسم العقدية في المرحلة الجامعية والدراسات العليا، وشارك ضمن فريق تأليف العلوم الشرعية للمرحلة الثانوية بوزارة التربية والتعليم. لذا لا نعجب كيف أن التطرف والتكفير في صلب المؤسسة الوهابية، ترضعه لطلاب المدارس منذ نعومة أظفارهم، وتؤجج على العداوات والحروب والقتل والفتن بين المواطنين.
اتهم الشيخ الوهابي عبدالعزيز العبداللطيف (الروافض) بأنهم (أراب الإغتيالات والتصفيات) وأنهم يسعون لـ (إبادة أهل الإسلام ديناً وقربة).
ووصف العبداللطيف الشيعة بأنهم حمقى وأهل زعارة، وأنهم أهل كذب وخيانة وغدر وفجور، وسوء خلق وطيش ونزق. واعتبر رفع دعوى على ابن جبرين الذي يتعاطى العلاج في ألمانيا بأنها (من كيد الرافضة) الذين هم (قوم بهت وغدر). ودعا الى (مجاهدتهم كالمنافقين، وكشف مكرهم، وفضح ضلالهم، وردّ شبهاتهم، فإن المواقف الرخوة والضعيفة لا تزيد القوم إلا تسلطاً وبغياً وإفساداً، وما حادثة البقيع في المدينة النبوية - خلال الشهور الماضية - إلا أنموذج صارخ لجرائم الرافضة وإفسادهم في حرم المدينة النبوية، وامتهان قبور البقيع!).
وانتقد العبداللطيف بشكل ضمني مواقف الحكومة الرخوة تجاه الشيعة في المملكة، وكأنه لم يكن مستكفياً حتى الآن بما حلّ بهم من قمع واضطهاد وتمييز طائفي مقيت مضى عليه أكثر من قرن من الزمان، أي منذ وقوع المنطقة تحت قبضة الوهابية التكفيرية.. بل أنه سخر من مقولات الداخلية القمعية (الضرب بيد من حديد).. يقول: (لقد تعوّدنا سماع "الضرب بيد من حديد" تجاه أحداث ووقائع دون هذه الحادثة بكثير، لكن مع حادثة البقيع هل انقلب الأمر؟ فحل "الصفح" محل "الضرْب"، واسْتُبدِل "ملمس الحرير" بـ "يد الحديد"؟!).
ودافع الشيخ التكفيري الوهابي العبداللطيف عن استاذه في التكفير الشيخ ابن جبرين، واعتبر رفع الدعوى عليه في ألمانيا لما سببته فتاواه من قتل لعموم الشيعة وغيرهم، مجرد (شغب) جاء به (الرافضة) إزاء فتواه في تكفيرهم. وأضاف: (العلامة ابن جبرين هو امتداد لجمهور أئمة الإسلام الذين كفروا الرافضة).
وقال العبداللطيف بشأن شيعة المملكة بأنهم خرجوا على قوانين البلاد (مع أنها قوانين بشرية يعتريها الذهول والنقصان) محرضاً عليهم الحكومة لتمارس المزيد من القمع والإرهاب، لأنهم خارجون عن الإسلام: (فكيف بهؤلاء الروافض الذين يدّعون الإسلام وهم خرقوا النظام وحلوا السياج، فقد خرجوا عن أصول الإسلام وفروعه، وناقضوا وطعنوا في مصادر القرآن والسنة النبوية؟! أفلا يستحق هؤلاء العقوبة التي تردعهم؟!).
ورغم كل ما قاله وكل ما فعلته حكومته المتطرفة، فإنه يقول بأن (الرافضة) في المملكة يعاملون بالعدل والإنصاف، ومن دلالة الإنصاف أن (الرافضي) (يعيش على الرفض ويموت عليه)! أي أن الوهابي يصبح منصفاً إن منح حق الحياة للمواطن الشيعي، وهذا نفس اللفظ الذي استخدمه من قبل التكفيري الآخر سفر الحوالي في ردّه على مطالب الشيعة في عريضتهم (شركاء في الوطن).
والغريب أن رفع دعوى ضد ابن جبرين تم في المانيا (وليس في السعودية، فالسعودية لا تعتبر التكفير جريمة ولا فتاوى القتل اعتداءاً ولو فعلت لوضعت معظم مشايخ الوهابية في السجون!) ومن قبل جهات شيعة عراقيين تضرروا من فتاوى الوهابية.. ومع هذا، فإن مجرد رفع الدعوى القضائية يعني إثباتاً أن ليس بين عشرات الملايين من الشيعة شخصاً معتدلاً! يقول التكفيري العبداللطيف في نتيجته هذه التالي: (هذا الحدث يجلي تهافت دعوى أن في القوم معتدلين، فإن ذلك وهم وسراب يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، بل هو من الممتنعات كمنتظر الرافضة، وغوث الصوفية... ووقائع الأحداث المعاصرة تقرر ذلك بصدق وجزم فأصحاب الدعاوى العريضة منهم في ألمانيا وبريطانيا ونحوها من دول الغرب لا يقلون تعصباً ونزقاً عن إخوانهم القابعين في بلاد الإسلام، وشعارات الحرية والتعددية والتسامح والإنسانية ومشتقاتها - مما يكثر ترداده في الغرب – إنما تلاك وتطوّع لمذهب القوم ضد خصومهم).
واقرأ هذا العدوان والبهتان كدليل أيضاً، فهو يزعم أولاً أن الشيعة يحرمون لحم الجمل (وهذا كذب صراح) ويرتب عليه التالي: (فأي اعتدال عند قوم يحرمون لحم الجمل، لأن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - ركبت وقاتلت على جمل! وأي تعصب وحمق أشد من تعصبهم وحمقهم إذ لا يذكرون اسم العشرة بل يقولون تسعة وواحد، وإذا بنوا أعمدة أو غيرها لا يجعلونها عشرة!).
بقي شيء يذكرنا به هذا الشيخ التكفيري، وهو عنوان مقالته التي تضمنت جملة (انفلونزا الخنازير)...
ويضيف مهدداً الشيعة بالإبادة حين يقول بأن العالم اليوم يريد استئصال انفلونزا الخنازير ولو ادى الى استئصال الأخيرة وإبادتها: (فهل لحق الرافضةُ الرعبَ من فتوى العلامة ابن جبرين واعتراهم الذعر من كابوس "إبادة" قد تصيبهم كما أصابتْ خنازير هذا العصر؟!).
ولن نسفّ إلى ما سفّ إليه هذا الرجل، لأنّ ما كتبه لا يخرج عن القول (وكل إناء بالذي فيه ينضح)، ولم يحد قيد أنملة عن خط اعوجاج سلكه من كان قبله، من المؤسسين لهذه المدرسة التكفيرية، وإن كان من موقف يلزم البوح به فهو نوجّهه إلى النظام السعودي الذي رعى، وشجّع، وحمى، ودافع، وموّل هذه الجماعات التكفيرية التي تمثّل صورة واقعية عن النظام نفسه، في استبداده، وواحديته، وإقصائيته. لقد حان الوقت كي يتحمل النظام السعودي وحده كل ما يصدر من فتاوى، وبيانات، ومقالات تكفيرية، لأنه المسؤول عنها، وهو من يغطي التكفيريين، ولابد أن يلاحق النظام في كل أرجاء العالم لقطع دابر قطعانه التكفيريين، لأن إخراس تلك الاصوات الناشزة في الأمة يبدأ من إرغام النظام السعودي على كف ألسنة أبواقه في الداخل، فلا بد من مقاضاة النظام في محاكم دولية ورصد كل فتاوى التكفير الصادرة من علماء المؤسسة الدينية الرسمية والمشايخ التكفيريين الذي يحظون بدعم النظام.
فما صدر عن الكلباني ليس جديداً، ولن يكون الأخير، وهو ليس سوى أداة بيد العائلة المالكة التي عيّنته، ولا يجب الفصل بين التكفيريين ورعاتهم من حكّام هذا البلد. ومن الخطأ أن نقصر بيانات الإدانة والشجب على من أصدر الفتوى، بل لا بد من تجريم الطبقة الحاكمة من الملك والأمراء الكبار، لأنهم المسؤولون عما يصدر عن أزلامهم وغلمانهم.
لا يجوز تبرئة الطبقة الحاكمة من فتاوى التكفير، فيما تحاسب هذه الطبقة عموم الشيعة وغيرها من الطوائف الإسلامية في هذا البلد على قضايا ذات طبيعة دينية محضة، فلنتعامل مع العائلة المالكة بمنطقها، خصوصاً وأنها ترى نفسها ممثلة للعقيدة السلفية، وقد قالها وزير الداخلية بأن الدولة سلفية، إذاً ليتحمّل هو ومن يعلوه ويدنوه مسؤولية ما يهجر به سلفيوهم من فتاوى التكفير، ودعوات الإبادة الجماعية، وإذا كان القضاء المحلي عاجزاً عن إقامة ميزان العدل، فإن اللجوء إلى كل محاكم الدنيا خيار متاح.