بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيعة ومحن أهل البيت (عليهم السلام)
تحدث أصحاب التاريخ والسِّيَر عن محن أهل البيت ( عليهم السلام ) وأطالوا الحديث فيها ، ووضع الشيعة فيها كتباً مستقلّة سَمَّوُا الكثير منها بأسماء تدل عليها ، مثل : ( مُثِير الأحزان ) و ( نَفَسِ المَهمُوم ) و ( الدمعةُ السَّاكِبة ) و ( لَوَاعِجُ الأشجان ) و ( رِيَاض المَصائِب ) و ( اللَّهُوف ) و ( مَقَاتِلِ الطالِبِيِّين ) ، وما إلى ذلك من الكتب المشجية والحزينة .
وتكاد تتفق كلمة الباحثين القدامى والمتأخرين على أن الأمويين إنما نكلوا بأهل البيت ( عليهم السلام ) أخذاً بثارات بدر وأحد ، لأن الرسول الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) قتلا في هاتين الحربين شيوخ الأمويين وساداتهم .
ويستشهدون على ذلك بما تَمَثَّل به يزيد بن معاوية عندما قتل الحسين ( عليه السلام ) ووضع رأسه الشريف بين يديه وقال :
ليتَ أشياخِي بِبَدرٍ شَهِدُوا ** جَزَعَ الخَزْرَجِ من وَقْعِ الأَسَلْ
لأَهَلُّوا واسـتَهَلُّوا فَرَحاً ** ثُمَّ قَالوا : يا يزيدَ لا تشـلْ
والبحث في محن أهل البيت ( عليهم السلام ) واسع المجال ومتشعِّب الأطراف .
فقد ظهرت آثار هذه المحن في العقيدة ، والسياسة ، والأدب ، والتقاليد ، وما زالت تفعل فعلها إلى اليوم ، لأن محن أهل البيت ( عليهم السلام ) ومحن الناس جميعاً ابتدأت منذ تغيَّر نظام الحكم عند المسلمين .
فكان الحكم في عهد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) يقوم على مبدأ أن كل شيء لله ، فالمال مال الله ، والجند جند الله ، ومعنى هذا أن الناس جميعاً متساوون في الحقوق ، لأن الله للجميع ، وبعده بأمد قصير تغير هذا النظام وأصبح كل شيء للحاكم ، فالمال مال الحاكم ، والجند جند الحاكم ، والناس كلهم عبيد الحاكم .
فقال معاوية بن أبي سفيان : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما أخذتُ فَلِي ، وما تركتُهُ للناس فبالفضل مني .
ولا بد من التساؤل : لماذا ذُعِر الناس لمحن أهل البيت ( عليهم السلام ) وتحدثوا فيها وأطالوا الحديث أكثر من غيرها ؟ ويمكننا الجواب : بأن محنهم ( عليهم السلام ) كانت أقسى المحن جميعاً ، وبأنها في نظر المسلمين هي محن الإسلام نفسه .
فقد أوصى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وبالغ في الوصاية بأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وواساهم بكتاب الله ، وشبَّهَهُم بسفينة نوح ، واعتبر التعدي عليهم تعدياً عليه بالذات ، وهذا السبب يرجع إلى الدين ، ولا شيء يوازي احترام العقيدة الدينية وتقديسها عند المسلمين وبخاصة في ذاك العهد .
وقد رأى الناس في هذه المحن مورداً خصباً للتشهير بالحاكم وإثارة الجماهير ، ولا شيء كالخطوب والمآسي تستدعي عطف الناس وتثير إشفاقهم ورحمتهم ، وكلنا يعرف كيف استغلَّ معاوية قميص عثمان لتأليب أهل الشام على الإمام علي ( عليهم السلام ) .
فالشيعة أذاعوا تلك المحن وبكوا واستبكوا الناس وفاء لأئمَّتِهِم ( عليهم السلام ) ، وَلِبَثِّ الدعوة لهم ونشر مبادئهم ( عليهم السلام ) ، وأذاعها كل ناقم ومعارض للأنظمة السياسية تبريراً لنقمته ومعارضته ، ودعماً لأقواله وحجته تظلَّمَتِ الأمة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وفي الوقت نفسه عبر بمحنهم عن ثورته على الفساد .
إن محن أهل البيت ( عليهم السلام ) هي محن الشعب ، ومحن الشعب هي محنهم ( عليهم السلام ) ، وقد أعرب عن آلامه بما ألمَّ بهم لإثارة العواطف ، لأن من أساء إليهم فبالأحرى أن يسيء إلى غيرهم .
ولأنهم المجموعة الكريمة الطيبة التي يرى فيها الشعب مثاله الأعلى ، ويتمنى أن تقوده هي أو من يماثلها في الصفات والمؤهلات ، وإلا فإن الثورة على النظام الجائر محتمة لا محالة .
واقعة الطف :
وقد كانت الأسباب الأولى لِمِحَن أهل البيت ( عليهم السلام ) هي مِحَنٌ سياسية ، وبعد حدوثها تركت أثراً بارزاً في حياة طائفة كبيرة من المسلمين ، كانت ولا تزال تدين بالولاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) .
فكارثة كربلاء وهي أفظع ما حل بأهل البيت ( عليهم السلام ) من كوارث ، فقُتل فيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وسبعة عشر شاباً وطفلاً من أهله ، وأكثر من سبعين رجلاً من أصحابه فيهم الصحابي والتابعي .
هذه الحادثة جعلت كربلاء مزاراً مقدساً عند الشيعة يفد إليها في كل سنة مئات الألوف لزيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من أنحاء البلاد ، وفي كثير من الأحيان يوصي الشيعة في الهند ، وإيران ، وأطراف العراق أن ينقل رفاته من بلده ليدفن في كربلاء ، وذلك رغبةً في ثواب الله وجزائه .
وتُحيِي الشيعة في كل سنة ، وفي كل مدينة ، ووفي كل قرية من بلادهم ذكرى مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الثلث الأول من شهر محرم الحرام .
وفي بعض أيام السنة يجتمعون للاحتفال بهذه الذكرى ، فيروي الخطيب بعض أخبار كربلاء ومأساتها ، ويعدِّدُ المناقب والسوابق لشهدائها ( رضوان الله عليهم ) ، وينوح عليهم شعراً ونثراً ، ويسمُّون هذه المحافل بمجالس التعزية ، وقد وضعوا لها كتباً خاصة .
وما زال شعراء الشيعة ، منذ قتل الحسين ( عليه السلام ) إلى يومنا هذا يَنظُمُون القصائد الطوال ، ويصوِّرون فيها الحوادث الدامية التي جرت في كربلاء ، وهي من عيون الشعر العربي في الرثاء .
الخلاصة :
فالشيعة إنما يقدسون أرض كربلاء ، ويُحيُون يوم عاشوراء ، لأنها في نظرهم رمز الجهاد المقدس في سبيل الحرية والكرامة ، وعنوان التضحية ضد الظلم والطغيان ، فإحياؤها كذلك ثورة على الظلم والطغيان .