94- ... عن أبي سلمة قال : سألت أبا سعيد الخدري فقال : جاءت سحابة فمطرت حتى سال السقف وكان من جريد النخل فأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين ، حتى رأيت أثر الطين في جبهته .
ورد هذا الحديث في البخاري ، في كتاب الأذان ، باب السجود على الأنف ، وباب من لم يمسح جبهته ، وكتاب التراويـح ، باب التماس ليلة القدر ، وباب تحري ليلة القدر ، وكتاب الاعتكاف ، باب الاعتكاف في العشر الأواخر ، وباب من خرج من اعتكافه .
هذه الرواية تبين لنا أن الرسول لم يسجد إلا على الأرض .
جاء في المصنف في الأحاديث والآثار : أول من ألقى الحصى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب .
كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ، فأمر بالحصى فجيء به من العقيق فبسط في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم [1] .
لاحظ أن الصحابة أيضاً لم يقبلوا بفرش المسجد بالسجادة مثلاً ، بل فرشوه بما يجوز السجود عليه فتأمل .
راجع ج 1 ، ص 145 ، حديث 59 ، باب الصلاة على الحصير من كتاب الصلاة .
باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة
95- عن أبي موسى قال : مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت عائشة : إنه رجل رقيـق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ، قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فعادت فقال : مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
96- عن عائشة ... أنها قالت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه مروا أبا بكر يصلي بالناس ، قالت عائشة : قلت : إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يُسمِع الناس من البكاء ، فَمُر عمر فليصل للناس ، فقالت عائشة : فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس ، ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَهْ ! إنكن لأنتنَّ صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل للناس ، فقالت حفصة لعائشة : ما كنت لأصيب منك خيراً
97- ... عن حمزة بن عبدالله أنه أخبره عن أبيه قال : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قيل له في الصلاة فقـال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت عائشة : إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء ، قال : مروه فيصلي فعاودته ، قال : مروه فيصلي إنكن صواحب يوسف
أقول :
دار نقاش بين عالم سني وآخر شيعي فقال العالم السني للعالم الشيعي : إمامة وخلافة أبي بكر ثابتة وذلك عندما أمر الرسول الأكرم فقال مروا أبا بكر يصلي بالناس .
فأجابه العالم الشيعي فوراً وبلا تردد وقال : إن النبي ليهجر !
راجع ج 1 ، ص 201 ، حديث 92 ، باب حد المريض أن يشهد الجماعة من كتاب الأذان وكذلك : ج 3 ، ص 495 ، حديث 896 ، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة .
باب من دخل ليؤم الناس
98- عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم ؟ قال نعم ، فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فَتَخلَّص حتى وقف في الصف فصفَّق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر (رض) يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما انصرف قال : يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق ؟ من رابه شيء في صلاته فليُسبِّح فإنه إذا سبَّـح التُفِت إليه وإنما التصفيق للنساء
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب العمل في الصلاة ، باب ما يجوز من التسبيح ، وباب رفع الأيدي في الصلاة ، وكتاب السهو ، باب الإشارة في الصلاة ، وكتاب الصلح ، باب ما جاء في الإصلاح ، وكتاب الأحكام ، باب الإمام يأتي قوماً .
يقول ابن تيمية في منهاج السنة :
فهذا من أصح حديث على وجه الأرض [2]
يقول ابن حجر في شرحه :
... عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : اذهبوا بنا نُصلح بينهم .
فحانت الصلاة – أي صلاة العصر - ... أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم ... ، وأما قوله لأبي بكر أتصلي للناس فلا يخالف ما ذكر لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليـلاً ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة
نلاحظ أن الذي أمر أبا بكر بالصلاة هو بلال كما في الرواية ، أي أن الصحابة تصرَّفوا من تلقاء أنفسهم ، أقول : إن الصحابة أيضاً تصرفوا من تلقاء أنفسهم أثناء مرض الرسول الأكرم وقدَّموا أبا بكر إماماً للصلاة فيهم ، فكما أن الرسول الأكرم خرج من بيته أثناء مرضه ونحى أبا بكر عن إمامته وصلى بالناس فكذلك هنا أيضاً جاء يمشي في الصفوف يشقها شقاً ونحَّى أبا بكر عن إمامته للصلاة ، وكونه كان إماماً – أي أبي بكر – ومن كثرة التصفيق التفت فرأى الرسول وهو يشق الصفوف كان من واجبه أن لا يلتفت بعد تكبيرة الإحرام ، أي أنه قطع صلاته وهذا غير جائز وهو مأثوم أيضاً .
جاء في البخاري كتاب الأذان باب الالتفات في الصلاة عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة ، فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد – الاختلاس : الاختطاف بسرعة
وأبو بكر لم يلتفت وإنما قطع صلاته أي أن الشيطان أخذ صلاته برمَّتها !
باب إنما جعل الإمام ليؤتم به
99- عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال : دخلت على عائشـة فقلت : ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت بلى : ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أَصَلَّى الناس ؟ قلنا لا هم ينتظرونك ، قال : ضعوا لي ماءً في المخضب ، قالت : ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق ، فقال صلى الله عليه وسلم : أَصَلَّى الناس ؟ قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله ، قال : ضعوا لي ماءً في المخضب ، قالت : فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : أَصَلَّى الناس ، قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله ، فقال : ضعوا لي ماءً في المخضب فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال : أَصَلَّى الناس ، فقلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله ، والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء الآخرة ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلاً رقيقاً يا عمر صلِّ بالناس ، فقال له عمر أنت أحق بذلك ، فصلى أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خِفَّة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر ، قال : أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر قال : فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ، قال عبيدالله فدخلت على عبدالله بن عباس فقلت له : ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم : قال : هات : فعرضت عليه حديثها فما أنكر منه شيئاً غير أنه قال : أَسَمَّت لك الرجل الذي كان مع العباس ؟ قلت لا ، قال : هو علي
أقول :
الرسول الأكرم يأمر أبا بكر بالصلاة فيقول أبو بكر لعمر : يا عمر صَلِّ بالناس !
إعلم أن أمر الرسول واجب الاتباع ، فكونه أمر أبا بكر بالصلاة فالواجب إطاعة الأمر والعمل به ، أما أن يقدم عمر ليصلي بالناس فهذا مخالف لما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله
ثم أليس خروج النبي صلوات الله عليه وآله على تلك الحالة الصعبة وقيامه بتنحية أبي بكر عن مقامه دلالة واضحة على رفضه لإمامته ؟ أليس من المحتمل أنه قد أُخبر بأن أبا بكر يصلي بالناس وكما جاء في بعض الروايات أنه نحى الستر أو الحجاب ليتأكد من ذلك فرآه بأم عينيه وهو يصلي بالناس فطلب من العباس والإمام علي عليه السلام أن يخرجاه إلى المسجد ليقوم بإمامة المسلمين بنفسه !
100- عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصُرع عنه فجُحش شِقِّه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعوداً فلما انصرف قال : إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ، قال أبو عبدالله : قال الحميدي : قوله ( إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ) هو في مرضه القديم ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالساً والناس خلفه قياماً لم يأمرهم بالقعود وإنما يؤخذ بالآخِر فالآخِر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم
أقول :
جُعل الإمام ليكون متبعاً في جميع حركاته وسكناته ، فلو كبر فمن واجب المؤمنين التكبير وإذا ركع أو سجد أيضاً يجب اتباعه في ذلك ، ولا يجوز التأخير عن ركوع الإمام أو سجوده ، بل على المأمومين أن يأتوا بالركوع والسجود بعد الإمام مباشرة
جاء في البخاري كتاب الأذان باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام :
أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أما يخشى أحدكم أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار ؟ أو يجعل الله صورته صورة حمار !
أي يجب اتباع الإمام في جميع حركاته وسكناته وسنوافيك بالمزيد
باب إمامة المفتون والمبتدع
101- عن عبيدالله بن عدي بن خِيار أنه دخل على عثمان بن عفان (رض) وهو محصور فقال : إنك إمام عامة ونزل بك ما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم
وقال الزبيدي : قال الزهري : لا نرى أن يصلى خلف المخنث إلا من ضرورة لابد منها .
أقول :
إنما جعل الإمام ليؤتم به ، هذا مضمون الأحاديث التي مرت علينا في الصفحات السابقة
وأقول : إن اصطفاف المصلين خلف الإمام في الصلاة كاصطفاف الجنود خلف قائدهم ، وأميرهم في ساحة القتال ، أي أن الإمام يعتبر القائد والمأمومين هم الجنود ، فإذا طلب وأمر القائد بإطلاق النار فعلى الجنود الاستجابة للأمر فوراً ، ويكون هذا القائد مسموع الكلمة والأوامر ، ومن لم يستجب للأمر سيحول إلى محاكمة عسكرية وما أشبه كما هو المتعارف في أيامنا هذه ، وكذلك إمام الجماعة حال الصلاة فإذا كبر الإمام تكبيرة الإحرام فعلى المأمومين أن يكبروا بعده مباشرة ، وكذلك إذا ركع وسجد فمن واجب المأمومين أن يتبعوه مباشرة من حيث الركوع والسجود بلا فصل ، ولو خالف شخص ما من المأمومين فإنه سوف يخرج من حال صلاة الجماعة شاء أم أبى ، وتكون صلاته فرادى ، وهذا عقاب أو جزاء لمخالفته اتباع القائد أو الإمام إن أردنا تسميته بذلك كالجندي المخالف لأوامر سيده القائد
فالإمام هو القائد والقدوة الذي يتبع في جميع حركاته وسكناته في الصلاة
واعلم أخي الكريم أن كلمة المخنَّث كما في الرواية لها معنيين :
المعنى الأول : الذي يتكسَّر في مشيه وكلامه وينثني ويتشبَّه بالنساء في جميع الحركات والميوعة أيضاً
المعنى الثاني : المراد به من يُؤتى في دُبُره - والعياذ بالله - فكيف تقبل على نفسك أيها المسلم أن يكون هذا المخنث قدوة لك وإماماً وقائداً مطاعاً حال الصلاة ؟!
ورد في البخاري أيضاً :
عن ابن عباس (رض) قال : لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال : أخرجوهم من بيوتكم ، وأخرج فلاناً وأخرج عمر فلاناً [3]
أقول :
إن النبي الأكرم أمر بإخراج ونفي من يتشبه بالنساء ، فهل من المعقول أن يأمرنا حال الضرورة أن نصلي خلف هذا المخنث ؟!!
فالرسول الأعظم عندما نفى هذا المخنث فكأن علاجه أصبح ميئوساً منه ، لذا تراه قد أمر بنفي هؤلاء وذلك لعزلهم عن المجتمع الإسلامي كي لا يصيب هذا الوباء الآخرين .
ثم لاحظ هذه الروايات أنها لا تنهضم بعد المضغ ! فترى المسلم الواعي الذي يبحث عن الحق يلفظ ويقيء أمثال هذه الروايات !
ثم أليس من الأفضـل لك أن تُصلِّي فُرادى طالما لم يتواجـد الكُفء للإمامة ؟!
(194) لعبدالله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى 235هـ ، ج7 ، ص262 ، حديث 35897 .
(195) المجلد2 ، ج4 ، ص296 ، ط بيروت .
(196) كتاب الحدود ، باب نفي أهل المعاصي والمخنثين .