كيف يمكن للعراقيين، الذين لا يكادون يودعون حبيبا سقط في انفجار انتحاري حتى يفجعوا بآخر، فهم انجذاب شرائح عربية واسعة إلى قتلتهم؟!
أعداد متصفحي وناقلي ومادحي بيان ما تسمى بـ«دولة العراق الإسلامية» عبر الإنترنت، والذي تبنت فيه هذه الجماعة المسؤولية عن تفجيرات الأحد الماضي في بغداد، توحي أن عبارات فارغة كتلك التي تحملها بيانات هؤلاء القتلة لا تزال تجذب عربا كثيرين، بل وتجنّدهم، وإن ادعى البعض غير ذلك.
لم يعد مجديا التمترس وراء عبارات من نوع إدانة الاحتلال الأميركي لتحميله المسؤولية. لقد تكرّس الانقسام وبات القتلة علنيين وبالغي الصراحة في التعبير عن أهدافهم ووسائلهم إلى حدّ التباهي بها، كما في البيان الأخير لـ«القاعدة».
بعد الأزمة التي وقعت بين العراق وسوريا إثر تفجيرات أغسطس (آب) الماضي، تتجدد ملامح الأزمة اليوم مع تحميل مسؤولين عراقيين دول الجوار مسؤولية إيواء وتمويل عمليات هذه الجماعات الإرهابية التي يبدو أنها وعلى أبواب الانتخابات البرلمانية العراقية نشطت ميدانيا وإعلاميا أيضا..
تقول الأرقام إن عدد المواقع الإرهابية في الإنترنت ارتفع من 12 موقعا عام 1998 إلى 5000 موقع في عام 2009، وهي أرقام تثبت حقيقة أن مركز الجذب الفعلي للمتعاطفين مع تنظيم القاعدة في العراق كانت مواقع هذه الجماعات عبر الإنترنت ورسائل الفيديو التي كانت تبث إما إلكترونيا أو عبر بعض القنوات الإخبارية، وهو ما تحاول هذه الجماعات إعادة إحيائه اليوم..
إنها حقيقة على العرب مواجهتها كما على العراقيين فهمها والبناء عليها.
يبدو العراق اليوم خارج المنظومة التي ألفها العرب سواء من حيث تركيبته السياسية أو الاجتماعية. وعلى قدر ما يثير النموذج العراقي الحالي قلق محيطه يبرز ما يسمى بـ«المقاومة»، سواء أكانت بعثية أم قاعدية، وتلقى هذه المقاومة صدى في المجتمعات العربية ولدى نخب وإعلام يشكل بمجمله حاضنة فعلية لها، سواء لأسباب سياسية أو اجتماعية.
هذا الصدى وإن كان في مستوى هو أدنى من ذلك الذي سجلته في سنوات الاحتلال الأولى لكنه ما زال صدى ملحوظا. التفجير اليوم تماما كما تفجيرات الأربعاء الدامي لم تستهدف أميركيين على الإطلاق. الهدف كان عراقيا ومدنيا، والغريب كل الغرابة أن لا يشكل هذا الأمر حسابا لدى المحتفلين بالتفجير الاجرامي. الأمر عينه ينطبق على الكثير من وسائل الإعلام ومواقع (غير إرهابية) على الإنترنت، لا يبدو أن شكوكا ساورت الكثير منها حول إرهابية العمل ودمويته. وهو أمر سيضاعف مأزق وسائل الإعلام هذه مع العراقيين، وسيضعها مرة أخرى في مواجهة طموحاتهم بعيش طبيعي وبانتخابات هادئة.
هناك حقائق جديدة في المشهد العراقي اليوم، والواضح أن استيعاب هذا الواقع يلاقي «مقاومة» لن تسفر سوى عن مزيد من الدماء المراقة، وهي دماء يخشى إن استمر الحال أن تراق في غير العراق أيضا.