شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 2710
|
الإنتساب : Feb 2007
|
المشاركات : 20,583
|
بمعدل : 3.09 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
البحرانية
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 23-04-2007 الساعة : 02:35 AM
(نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقه)!!
ما مدى صحة هذاالحديث
... !!!
لقد أورد هذه الرواية الآلوسي في روح المعاني من باب المعارضة والالزام للشيعة الذين ينكرون ويكذبون رواية ابي بكر الخاصة بعدم توريث النبي (صلى الله عليه وآله), وغرضه من ذلك الزعم أن حكم عدم التوريث روي عند الفريقين فلا مجال لانكار رواية ابي بكر من قبل الشيعة.
قال: مذهب اهل السنة أن الانبياء (عليهم السلام) لا يرثون مالاً ولا يورثون لما صح عندهم من الاخبار (يقصد رواية ابي بكر) وقد جاء أيضاً ذلك من طريق الشيعة فقد روى الكليني في الكافي عن ابي البحتري عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) انه قال: ان العلماء ورثة الانبياء وذلك أن الانبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وانما ورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشيء منها فقد اخذ بحظ وافر, وكلمة انما مفيدة للحصر قطعاً باعتراف الشيعة...الخ.
ولكنه ما أصاب الرمية هنا واعتمد على نوع من المغالطة, وسكن الى غفلة القارئ لا يهامه بأن للروايتين حد وسط واحد وهو أنهما وردتا بلسان الانشاء معاً دون الأخبار أي رواية ابي بكر (لا نورث ما تركناه صدقة) ورواية الامام الصادق (عليه السلام) التي اوردها, وكأنه لا يوجد احد سيرد عليه وينبه على ان رواية الامام الصادق(عليه السلام) سيقت مساق الخبر أي أنها جملة خبرية لا أنشائية يمكن أن يستفاد منها الحكم.
فان قوله (العلماء ورثة الانبياء) اخبار يكفي في صدقة في الواقع أن يكون للعلماء علم وحديث, وقوله (ان الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً) اوضح في الاخبار وعدم الانشاء لموقع (لم) التي تأتي لنفي الماضي, فهي اخبار عن أن الانبياء لم يقع منهم في الماضي توريث درهم ولا دينار تنزيها لمقام النبوة عن جمع المال, بخلاف لو جاءت الرواية بـ (لا) التي تنفي الماضي والمستقبل والتي يمكن أن يستفاد منها الانشاء. فلاحظ.
قال السيد الخوئي: فالرواية ناظرة الى أن شأن الأنبياء ليس أن يجمعوا درهماً ولا ديناراً او ليس همهم وحرصهم الى ذلك وجمع الاموال بل حرصهم ان يتركوا الاحاديث (العلم) وصرحوا (عليهم السلام) بذلك وان المتروك أي شيء في بعض الروايات, وقال لكن ورثوا الاحاديث ومن اخذ منها فانما اخذ بحظ وافر, وليست هي ناظرة الى أن الانبياء لم يتركوا شيئاً اصلاً من الدار والثياب, بل لا ينافي بترك درهم ودرهمين اذ ليس ذلك من قبيل الحرص بجمع المال والاّ فالأئمة (عليهم السلام) كانوا يتملكون الدار والثياب ويورثو نها للوارث (مصباح الفقاهة 3: 288).
فالمراد أذن ان الانبياء من حيث أنهم انبياء (مقام النبوة) لم يورثوا ذلك, فمقتضى ايراث النبوة هو العلم وما في مقامه, واما من حيث كونهم اباء واقرباء بالنسب فميراثهم غير ذلك وانما يدخلون تحت الحكم الشرعي العام للمكلفين فلا يستفاد من الرواية نفي لمطلق التوريث.
ثم أن ما جاء به من الرواية عن ابي البختري ضعيفة السند بابي البختري نفسه, والرواية الصحيحة هي صحيحة القداح الخالية من (انما), قال: (وان العلماء ورثة الانبياء, أن الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً, ولكن ورثوا العلم, فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر) (الكافي 1: 26) مع أنه قر حتى لو استفيد الحصر منهما فانه حصر غير حقيقي بل أضافي لان الأنبياء لم يورثوا العلم والاحاديث فقط بل ورثوا الزهد والتقوى وسائر الكمالات (الاجتهاد والتقليد للسيد الخميني: 33).
ثم حاول الآلوسي الاستدلال بشيء آخر, قال: والوراثة في الآية (( يرثني ويرث من آل يعقوب )) محمولة على ما سمعت (يقصد وراثة العلم) ولا نسلم كونها حقيقة لغوية في وراثة المال بل هي حقيقة فيما يعم وراثة العلم والمنصب والمال, وانما صارت لغلبة الاستعمال في عرف الفقهاء مختصة بالمال كالمنقولات العرفية, ولو سلمنا انها مجاز في ذلك فهو مجاز متعارف مشهور خصوصاً في استعمال القرآن المجيد بحيث يساوي الحقيقة ومن ذلك قوله تعالى (( ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا )) ثم اورد آيات اخر تصب المصب نفسه.
وقد أخذ هذا الاستدلال من القاضي عبد الجبار قبله, قال: فان قالوا: أطلاق الميراث لا يكون الا في الاموال قيل لهم: ان كتاب الله يبطل قولكم لانه قال: (( ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا )) والكتاب ليس بمال ويقال في اللغة: ما ورثت الابناء عن الاباء شيئاً افضل من ادب حسن, وقالوا: العلماء ورثة الانبياء وانما ورثوا منهم العلم دون المال...الخ.
فأجابه المرتضى (ره) في الشافي: وان الذي يدل على أن المراد بالميراث المذكور ميراث المال دون العلم والنبوة على ما يقولون ان لفظة الميراث في اللغة والشريعة لا يفيد اطلاقها الا على ما يجوز ان ينتقل على الحقيقة من الموروث الى الوارث كالاموال وما في معناها, ولا يستعمل في غير المال الا تجوزاً واتساعاً, ولهذا لا يفهم من قول القائل: لا وارث لفلان الا فلان, وفلان يرث مع فلان بالظاهر والاطلاق الا ميراث الاموال والاعراض (ويقصد الاعيان) دون العلوم وغيرها وليس لنا أن نعدل عن ظاهر الكلام وحقيقته الى مجازه بغير دلالة.
ثم قال: فأما اعتراضه على قولنا: أن اطلاق الميراث لا يكون الا في الاموال بقوله تعالى (( ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ))... الخ, فعجيب لان كل ما ذكر مقيد غير مطلق وانما قلنا ان مطلق لفظ الميراث من غير قرينة ولا تقييد يفيد بظاهره ميراث الاموال.
وتوضيحه: أن الارث حقيقة هو أنتقال مال المورث (ما يقبل الانتقال حقيقه أي الاعيان) الى الوارث, فاذا أستعمل في الاعراض (كالشجاعة والسخاوة والعدالة وغيرها من الاوصاف الغريزية والنفسية) يكون مجازاً ويحتاج الى قرينة (انظر التبيان 4: 482, 514, مصباح الفقاهة 5: 42).
فاذا جاء اللفظ مطلقاً من دون قرينة يصرف الى معناه المتبادر منه وهو وراثة المال, والتبادر علامة الحقيقة فاذا أبيت الا انه يستعمل في المال وغيره على الحقيقة قلنا أن الظاهر من قولهم فلان ورث فلان هو المال والعدول عن الظاهر الى غيره يحتاج الى دلالة وقرينة.
وبمثله رد العلامة الطباطبائي على الآلوسي, قال: واما قوله: ولا نسلم كونها حقيقة لغوية في وراثة المال الى آخر ما ذكره فليس الكلام في كونه حقيقة لغوية في شيء او مجازاً مشهوراً او غير مشهور ولا اصرار على شيء من ذلك, وانما الكلام في أن الوراثة سواء كانت حقيقية في وراثة المال مجازاً في مثل العلم والحكمة او حقيقة مشتركة بين ما يتعلق بالمال وما يتعلق بمثل العلم والحكمة تحتاج في ارادة وراثة العلم والحكمة الى قرينة صارفة او معينة.. الخ (الميزان 14: 24).
ومما مضى يتوضح لك أن الوراثة في الرواية مصب البحث وراثة مجازية لا حقيقية بقرينة ذكر العلم الذي هو عرض من الاعراض, فلا تعرض في الرواية للوراثة الحقيقية التي هي وراثة المال, ويفهم منه جواب ما قد يرد على الأذهان من السؤال عن مدى صدق الجملة الخبرية عن الانبياء أنهم لم يورثوا مالا في الماضي من أنها جاءت بلسان المجاز لبيان مقام النبوة ومدح العلماء ورفع شأن العلم, وهذا واضح.
ثم من كل ما تحصل يمكن أن نخرج ببحث أعمق اشار اليه بعض العرفاء, وهو أن هناك أرثان: ارث مادي تدل عليه كلمة (الارث) بالحقيقة, وإرث معنوي يستعار له كلمة الوارث لعلاقة المشابهة ويعين بالقرينة الدالة ولا منافاة بين كون الارث المعنوي اشرف من الارث المادي والوارث للمعنوي اعلى رتبة من الوارث للمادي.
فقد نقل المازندراني في شرح اصول الكافي ما هذا نصه:
وقد نقل شيخ العارفين بهاء الملة والدين عن بعض اصحاب الكمال في تحقيق معنى الآل كلاماً يناسب ذكره في هذا المقام, وهو: أن آل النبي (عليهم السلام) كل من يؤول اليه, وهم قسمان: الأول: من يؤول اليه: أوْلاً صورياً جسمانياً كأولاده ومن يحذو حذوهم من اقاربه الصوريين الذين يحرم عليهم الصدقة.
والثاني: من يؤول اليه أوْلاً معنوياً روحانياً, وهم أولاده الروحانيون من العلماء الراسخون والاولياء الكاملين والحكماء المتألهين المقتبسين من مشكاة انواره, سواء سبقوه بالزمان أو لحقوه ولا شك أن النسبة الثانية أكد من الأولى, واذا اجتمعت النسبتان كان نوراً على نور كما في الائمة المشهورين في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم اجمعين, وكما حرم على الأولاد الصوريين الصدقة الصورية كذلك حرم على الاولاد المعنويين الصدقة المعنوية, اعني تقليد الغير في العلوم والمعارف, ..الخ (شرح اصول الكافي 2: 25)
وعليه فالرواية ناظرة الى الارث المعنوي.
واخيراً... أن من يستدل بهذه الرواية ليس له الا أن يدعي في الحقيقة حصر الورثة بالعلماء واخراج الاولاد منهم ولكن يرده صريح القرآن قال تعالى: (( يرثني ويرث من آل يعقوب )) ولم يكن زكريا يطلب الا الولد, فالولد وارث بنص القرآن.
والاعتراض على هذا بأنه قد يكون طلب الولد العالم فيدخل في العلماء لا مجرد الولد, يرده قول الله على لسان زكرياً (( واني اخاف الموالي من ورائي )) فلا معنى لخوف زكريا (عليه السلام) من بني عمه أذا كان الارث هو العلم, لان العلم ليس مثل المال نحاز الى اشخاص ويحرم منه آخرين اذ يمكن أن يأخذ من العلم أي احد الى ما لا نهاية هذا اولاً, وثانياً يكون خوفه خلافاً لمقتضى النبوة الذي هو نشر العلم لا منعه, وثالثاً كان يجب أن يطلب الولد ليأخذ من علمه كما يأخذ الاخرين ويشاركهم في تراثه العلمي او ليكون اعلمهم لا أن يطلب الوارث ليمنع بني عمه ويحرمهم العلم.
فالمناسب لو كان الارث هو العلم أن يتمنى زكرياً(عليه السلام) لا أن يخاف.
|