كثر الكلام حول حقيقة السعادة ومنابعها ،فمنهم من قال :انها المال والجاه ،ومنهم قال:انها الحب والاولاد الى غير ذالك ولكن اذا اخذنا بعين الاعتبار
ان السعادة تنبع من داخل النفس فسندرك ان الحياة الروحيه هي التي توصل الى السعاده،فالذي يمتلك روحا عرفانيه لا يتألم للأمور الدنيويه،فلايحزن
على مافاته ولا يفرح بما أتاه،ولا يقلق ولا يضعف امام الامور الدنيويه. روي عن الامام علي عليه السلام قال (( بالإيمان يرتقي الى ذروة السعادة ونهاية الحبور)) وروي عنه عليه السلام: (دوام العبادة برهان الظفر بالسعاده).
روي في الحديث القدسي قال الله تعالى ( يا احمد ! هل تدري أي عيش أهنأ..!؟ وأي حياة أبقى ..!؟
قال:اللهم !لا .قال:
اما العيش الهنيء ،فهو الذي لايفتر صاحبه عن ذكري ،ولا ينسى نعمتي،ولا يجهل حقي. يطلب رضاي في ليله ونهاره
وأما الحياة الباقية، فهي التي يعمل صاحبها لنفسه، حتى تهون عليه الدنيا وتصغر في عينه،وتعظم الآخرة عنده،ويؤثر
هواي على هواه ، ويبتغي مرضاتي ،ويعظم حق عظمتي،ويذكر علمي به ويراقبني في الليل والنهار عند كل سيئة ومعصية،وينفي قلبه عن كل ما اكره ،ويبغض الشيطان ووسواسه،ولا يجعل
لإبليس على قلبه سلطانا وسبيلا،فإذا فعل ذالك اسكنت قلبه حبا، حتى اجعل قلبه لي، وفراغه واشتغاله ،وهمه وحديثه،من النعمة التي
انعمت بها على اهل محبتي من خلقي، وافتح عين قلبه وسمعه،حتى يسمع بقلبه،وينظر بقلبه الى جلالي وعظمتي وأضيق
عليه الدنيا، وابغض اليه مافيها من اللذات وأحذره من الدنيا ومافيها كما يحذر الراعي غنمه من مراتع الهلكة،
فإذا كان هكذا يفر من الناس فرارا ، وينقل من دار الفناء الى دار البقاء،ومن دار الشيطان الى دار الرحمن.
" يا أحمد ولأزينًنه بالهيبة والعظمه ،فهذا هو العيش الهنيء والحياة الباقية "
ولو اردنا ان ندرس حياة الاشخاص السعداء لوجدنا ان الاولياء اسعد الناس بما هم فيه من فقر وبلاء وحرمان .
فالإمام علي عليه السلام يسعد بالقرص اليابس والثوب الخشن، بينما نجد الكثير من الاغنياء لا يشعرون بطعم السعادة مع ماعندهم من ثروات طائلة..
إضاءة
هناك خطرا كبيرا يهددنأ في اثناء سيرنا في الطريق الروحاني ، وهو البحث عن العجائب والاسرار وعن كل ماهو غريب.
فكثير من الاشخاص كانت لهم ميول روحانية، غير انهم انحرفوا عن الطريق وتوقفوا عند ذالك الجانب الخفي من الامور ،
محاولين بكل وسيلة ان يكشفوا عن اسراره ، وهذا الانحراف هو اشد الاخطار التي تهدد السائر في الطريق الروحاني،
فإنه اذا وقع فيه اصبح من العسير عليه التخلص منه فيما بعد ان الطريق الروحي يسير بنا في وضح النهار ، وليس
المقصود منه ان نكتسب قوى خارقه كرؤية العوالم الخفيه ، او السماع عن بعد، او اكتساب اي قوة خارقه اخرى ،
فالبعض لا يرغب في الصلاة والذكر
الا في الظلام يترقبون الأنوار الخاطفة او نقط من النور . او الذين يستغرقون في التامل بغية ان يذهب بهم في
اعماق العالم غير المرئي ،فلا شك في انهم لن يتقدموا بعيدا في الطريق الروحي اذ كل مايحصلون عليه مجرد امور
هامشيه وشطحات تبعدهم عن جوهر العالم الروحاني وتلهيهم عن تحري حقائقه وجواهره .
اما من يحبون الله من قلوبهم ،فإنهم ينشدون سعادتهم فيه وحده، ويتطلعون الى القرب منه اكثر فأكثر حتى يصبح
هو محور حياتهم كلها ،بعد ان حولوا انظارهم بعيدا عن طريق العالم المليئ بالتجارب والعثرات والمغريات .
على هذا النحو يسير الانسان في الطريق الروحاني ويتقدم ويحس بأنه قد وجد اعجوبة الاعاجيب اعني السعادة الابدية .