المبحث الأول : أقوال العلماء في التوسل
التوسل لغة :
يقول ابن منظور الأفريقي في مادة ( وسل ) الوَسِيلةُ المَنْزِلة عند المَلِك والوَسِيلة الدَّرَجة والوَسِيلة القُرْبة ووَسَّل فلانٌ إِلى الله وسِيلةً إِذا عَمِل عملاً تقرَّب به إِليه والواسِل الراغِبُ إِلى الله قال لبيد أَرى الناسَ لا يَدْرونَ ما قَدْرُ أَمرِهم بَلى كلُّ ذي رَأْيٍ إِلى الله واسِلُ وتوَسَّل إِليه بوَسيلةٍ إِذ تقرَّب إِليه بعَمَل وتوَسَّل إِليه بكذا تقرَّب إِليه بحُرْمَةِ آصِرةٍ تُعْطفه عليه والوَسِيلةُ الوُصْلة والقُرْبى وجمعها الوسائل قال الله تعالى أُولئك الذين يَدْعون يَبْتَغون إِلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ الجوهري الوَسِيلةُ ما يُتَقَرَّبُ به إِلى الغَيْر والجمع الوُسُلُ والوسائلُ والتَّوْسيلُ والتَّوسُّلُ .[1]
1 – الإمام أحمد بن حنبل :
يقول أبو الحسن المرداوي الحنبلي في الإنصاف :
يجوز التوسل بالرجل الصالح على الصحيح من المذهب ، وقيل يستحب . قال الإمام أحمد للمروذي : يتوسل بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في دعائه ، وجزم به في المستوعب وغيره ، وجعله الشيخ تقي الدين كمسألة اليمين به قال والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته والصلاة والسلام عليه وبدعائه وشفاعته ونحوه مما هو من فعله أو أفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع إجماعا وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى : ((اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ))[2] .
وتبني الإمام أحمد بن حنبل وعدم الاعتراض عليه من قبل العلماء مع اشتهاره عن الإمام أحمد يدل على الإجماع وقبول مسألة التوسل والتسالم عليه وخصوصا ان لو كان هناك مخالفة لقبول فكرة جواز التوسل لرأينا التشنيع عليه وخصوصا في مسـألة تتعلق في التوحيد ,كما رأينا في أي مسألة من مسائل التوحيد على سبيل المثال مسألة خلق القرآن حيث أنهم كفروا كثير من الناس إلى ان وصل الأمر إلى تكفير من لم يكفر من يقول بخلق القرآن .
ولا بأس أن نذكر مثال على ذلك :
قال أبو نعيم الإصبهاني بشأن أبي حنيفة : قال بخلق القرآن ، واستتيب من كلامه الرديء غير مرة ، كثير الخطأ والأوهام .[3] .
وما في اللوح المحفـوظ وما في المصحف وتـلاوة الناس وكيفما وُصف ، فهو كلام الله غير مخلوق ، فمن قال مخلوق ، فهو كافر بالله العظيم ، ومن لم يكفره فهو كافر ... الخ .[4]
يقول الألباني:
وأما ما عدا هذه الأنواع من التوسلات ففيه خلاف والذي نعتقده وندين الله تعالى أنه غير جائز ولا مشروع لأنه لم يرد فيه دليل تقوم به الحجة وقد أنكره العلماء المحققون في العصور الإسلامية المتعاقبة مع أنه قد قال ببعضه بعض الأئمة فأجاز الإمام أحمد التوسل بالرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم وحده فقط وأجاز غيره كالإمام الشوكاني التوسل به وبغيره من الأنبياء والصالحين ولكننا - كشأننا في جميع الأمور الخلافية - ندور مع الدليل حيث دار ولا نتعصب¨
أقول : نحن نريد من الألباني أن يبين لنا من من العلماء في الأزمنة المتعاقبة أنكر التوسل ؟ بل نقول انه لا يوجد عالم واحد قال بحرمة التوسل قبل ابن تيمية وحتى من تبعه لا يوجد عالم يعتد به أنكر التوسل إلا البعض الذي اخذ من ابن تيمية بل إن محمد بن عبد الوهاب أجاز التوسل .
وأما ما صرح به انه لا يتعصب ويدور مدار الدليل نحن نقول لا يوجد دليل واحد على حرمة التوسل إلا أن أتباع محمد بن عبد الوهاب قاسوا آيات تتكلم عن الأصنام النجسة ومن يعبدها على قبر الرسول الطاهر ومن يذهب إلى قبره احتراما وموالاة وإجلالا له وحبا لمقامه وهذا أمر خطير نسأل الله أن يعافينا منه .
فلو كان التوسل من الأمور التي تدل على الشرك لرأينا الرد على من قال بجواز أو استحباب التوسل وإنما هناك تسالم على قبول كلماتهم بالتوسل وهذا يسمى عند المدرسة السنية الإجماع السكوتي ولم نرى أحد قال بأن التوسل محرم أو بدعة أو شرك قبل ابن تيمية .
ويقول ابن تيمية :
واتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أو قبر غيره من الأنبياء عليهم السلام والصالحين الصحابة وأهل البيت عليهم السلام وغيرهم أنه لا يتمسح به ولا يقبله بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود.[5]
في حين أن الثابت عن إمام مذهبه وقدوته الذي جعله هو وغيره إماما له في العقيدة يصرح بمشروعية كل ما ذكر بأن العلماء اتفقوا على عدم مشروعيته, يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال ناقلا عن أبيه : سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله جل وعز؟ فقال: لا بأس بذلك.[6]
وقال الذهبي في معجم شيوخه:
وقد سئل أحمد بن حنبل عن مس القبر النبوي وتقبيله , فلم ير بذلك بأساً , رواه عنه ولده عبد الله بن أحمد.[7]
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأساً , واستبعد بعض أتباعه صحة ذلك , ونقل عن بن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين وبالله التوفيق.[8]
وقال العيني في عمدة القاري:
وقال شيخنا زين الدين وأما قول الشافعي ومهما قبل من البيت فحسن. إلى أن قال: وقال أيضا وأخبرني الحافظ أبو سعيد ابن العلائي قال : رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفاظ : أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وتقبيل منبره فقال : لا بأس بذلك , قال : فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية , فصار يتعجب من ذلك ويقول : عجبت أحمد عندي جليل يقوله هذا كلامه أو معنى كلامه , وقال : وأي عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به وإذا كان هذا تعظيمه لأهل العلم فكيف بمقادير الصحابة وكيف بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.[9]
أقول : وتشكيك بعض الحنابلة في ذلك كما نقل ذلك ابن حجر العسقلاني جوابه واضح جداً , فقد نقله عبد الله بن أحمد مباشرة عن إمامهم , وكتاب العلل ومعرفة الرجال عندهم من الكتب المعتمدة المعتبرة المتداولة فيما بينهم.
2 - قال العلامة السمهودي :
(( وقد يكون التّوسّل به صلى الله عليه (وآله) وسلم بطلب ذلك الأمر منه بمعنى أنّه صلى الله عليه (وآله) وسلم قادرٌ على التّسبّب فيه بسؤاله وشفاعته إلى ربّه فيعود إلى طلب دعائه وإن اختلفت العبارة. ومنه قول القائل له: أسألك مرافقتك في الجنّة -الحديث-، ولا يُقصد منه إلاّ كونه صلى الله عليه (وآله) وسلم سبباً وشافعاً.))[10]
وقال في وفاء الوفا :
في توسل الزائر وتشفعه به صلى الله عليه (وآله) وسلم إلى ربه تعالى واستقباله صلى الله عليه (وآله) وسلم في سلامه ، وتوسله بدعائه .
ثم قال :
اعلم أنّ الاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وبجاهه وبركته إلى ربه تعالى من فعل الأنبياء والمرسلين ، وسيرة السلف الصالحين ، واقعٌ في كل حال ، قبل خلقه صلى الله عليه (وآله) وسلم وبعد خلقه ، في حياته الدنيوية ، ومدة البرزخ ، وعرصات يوم القيامة .[11]
3 – الإمام الطبراني صاحب التصانيق والمعاجم الثلاثة :
قال الذهبي في تاريخ الإسلام :
عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو الفضل بغدادي مسند كبير القدر وعن أبي بكر بن أبي علي قال : كان ابن المقرئ يقول : كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ في مدينة الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم فضاق بنا الوقت فواصلنا ذلك اليوم فلما كان وقت العشاء حضرت القبر وقلت : يا رسول الله الجوع . فقال لي الطبراني : اجلس فإما أن يكون الرزق أو الموت فقمت أنا وأبو الشيخ فحضر الباب علوي ففتحنا له وإذا معه غلامان بزنبيلين فيهما شيء كثير وقال : يا قوم شكوتموني إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فإني رأيته فأمرني بحمل شيء إليكم .[12]
4 – أبي علي الخلال :
"أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين بن محمد بن رامين الإستراباذي قال أنبأنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول : ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهّل الله تعالى لي ما أحب .[13]
5 – الآلوسي :
يقول الآلوسي في روح المعاني :
... وبعد هذا كلـه لا أرى بأساً في التوسـل إلى الله بجاه النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم عند الله تعالى حياً وميتاً ، ويراد معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى ، مثل أنْ يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته ، فيكون معنى قول القائل : إلهي أتوسل إليك بجاه نبيك صلى الله عليه (وآله) وسلم أنْ تقضي لي حاجتي ، إلهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي ، ولا فرق بين هذا وقولك : إلهي أتوسل برحمتك أنْ تفعل كذا ، إذْ معناه أيضاً : إلهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا ، بل لا أرى بأساً بالإقسام على الله تعالى بجاهه صلى الله عليه (وآله) وسلم بهذا المعنى ، والكلام في الحرمة كالكلام في الجاه ، ولا يجري ذلك في التوسل والإقسام بالذات ، نعم لم يعهد التوسل بالجاه والحرمة عن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم .[14]
وقال أيضاً :
إنّ التوسل بجاه غير النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لا بأس به أيضاً إنْ كان المتوسل بجاهه مما علم أنّ له جاهاً عند الله تعالى كالمقطوع بصلاحه وولايته ... الخ .[15]
6 – محي الدين النووي يقول في المجموع في شرحه على المهذب :
... ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، ويتوسل به في حق نفسه ، ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى ، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له ، قال : كنت جالساً عند قبر رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : (( ولو أنهم إذْ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما )) ، وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ، ثم أنشأ يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه **** فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه **** فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف ، فحملتني عيناي ، فرأيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في النوم فقال : يا عتبي الحق الأعرابي فبشره بأنّ الله قد غفر له .[16]
7 - تقي الدين ابن قدامة المقدسي :
ويستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وصاحبيه وما يقال عند الزيارة
فصل : ويستحب زيارة قبل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ) وفي رواية ( من زار قبري وجبت له شفاعتي ) رواه اللفظ الأول سعيد ثنا حفص سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر وقال أحمد في رواية عبد الله عن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ) وإذا حج الذي لم يحج قط يعني من غير طريق الشام لا يأخذ على طريق المدينة لأني أخاف أن يحدث به حدث فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطريق ولا يتشاغل بغيره ويروى عن العتبي قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فجاء إعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :
( يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم )
( نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم )
ثم انصرف الإعرابي فحملتني عين فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في النوم فقال : عتبي الحق الإعرابي فبشره أن الله قد غفر له ... )[17]
8 - الطحطاوي الحنفي :
قوله فيتوسل إليه بصاحبيه ذكر بعض العارفين أن الأدب في التوسل أن يتوسل بالصاحبين إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه (وآله) وسلم ثم به إلى حضرة الحق جل جلاله وتعاظمت أسماؤه فإن مراعاة لواسطة عليها مدار قضاء الحاجات .[18]
9 - محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في سبل السلام:
بشأنْ ما ورد من توسل عمر بالعباس : وهذه القصة دليل على الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وبيت النبوة ، وفيه فضيلة العباس وتواضع عمر ، ومعرفته لحق أهل البيت صلى الله عليهم .[19]
10 - محمد بن محمد العبدوي القيرواني المالكي في المدخل:
فمن توسل به أو استغاث به أو طلب حوائجه منه فلا يرد ولا يخيب ، لما شهدت به المعاينة والآثار .
إلى أنْ قال : فالتوسل به صلى الله عليه (وآله) وسلم هو محط إهمال الأوزار وأثقال الذنوب والخطايا ، لأنّ بركة شفاعته عليه صلى الله عليه (وآله) وسلم وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب ، إذْ أنها أعظم من الجميع ، فليستبشر من زاره ، وليلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم من لم يزره ، اللهم لا تحرمنا شفاعته بحرمته عندك آمين رب العالمين .[20]
11 - التاج السبكي في شفاء السقام :
اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى ، وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين ، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين ، وسيرة السلف الصالحين ، والعلماء والعوام من المسلمين ، ولم ينكر ذلك أحد من أهل الأديان ، ولا سمع به في زمن من الأزمان ، حتى جاء ابن تيمية ، فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار ، وابتدع ما لم يُسبق إليه في ساء الأعصار ، ولهذا طعن في الحكاية التي تقدم ذكرها عن مالك ، فإنّ فيها قول مالك للمنصور : استشفع به ، ونحن قد بينا صحتها ، ولذلك أدخلنا الاستغاثة لما يعرض إليها مع الزيارة ، وحسبك أنّ إنكار ابن تيمية للاستغاثة والتوسل قول لم يقله عالم قبله ، وصار به بين أهل الإسلام مثله ، وقد وقفت له على كلام طويل في ذلك ، رأيت من الرأي القويم أميل عنه إلى الصراط المستقيم ، ولا أتتبعه بالنقض والإبطال ، فإنّ دأب العلماء القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين تقريب المعنى إلى أفهامهم ، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه ، ورأيت كلام هذا الشخص بالضد من ذلك ، فالوجه الإضراب عنه [21]. شفاء السقام ص 171 ط. مكتبة جوامع الكلم / القاهرة سنة 1984م
قال السبكي بعد ذلك :
وأقول : إنّ التوسل بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم جائز في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته ، مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة ، وهو على ثلاثة أنواع :
النوع الأول :أنْ يتوسل به ، بمعنى أنّ طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه أو ببركته ، فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة ، وقد ورد في كل منها خبر صحيح .
أما الحالة الأولى قبل خلقه فيدل لذلك آثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، اقتصرنا منها على ما تبين لنا صحته ، وهو ما رواه الحاكم أبو عبد الله بن البيع في المستدرك على الصحيحين ، أو أحدهما ، قال : حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ، حدثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنضلي ، حدثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ، حدثنا إسماعيل بن مسلمة ، أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم لما اقترف آدم عليه السلام الخطيئة قال : يارب ، أسألك بحق محمد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يارب ، لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك ، ورفعت رأسي ، فرأيت على قوائـم العرش مكتوباً : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك . فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إليّ إذْ سألتني بحقه ، فقد غفرت لك ، ولولا محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم ما خلقتك .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب .
ورواه البيهقي أيضاً في دلائل النبوة ، وقال : تفرد به عبد الرحمن ، وذكره الطبراني وزاد فيه : وهو آخر الأنبياء من ذريتك .
وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضاً عن علي بن حماد العدل ، حدثنا هارون بن العباس الهاشمي ، حدثنا جندل بن والق ، حدثنا عمرو بن أوس الأنصاري ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عباس قال : أوحى الله إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى ، آمن بمحمد صلى الله عليه (وآله) وسلم ، وأمر من أدركه من أمتك أنْ يؤمنوا به ، فلولا محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم ما خلقت آدم ، ولولاه ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب ، فكتبت عليه لا إلي إلا الله فسكن . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . انتهى ما قاله الحاكم .[22]
قال السبكي أيضاً أثناء نقله لكلمات الحنابلة في استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم :
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن إدريس السامري في كتاب المستوعب ، باب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم : وإذا قدم مدينة الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم استحب أنْ يغتسل لدخولها ، ثم يأتي مسجد الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم ، ويقدم رجله اليمنى في الدخول ، ثم يأتي حائط القبر فيقف ناحيته ، ويجعل القبر تلقاء وجهه ، والقبلة خلف ظهره ، والمنبر عن يساره ، وذكر كيفية السلام والدعاء إلى آخره ، ومنه : اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك صلى الله عليه (وآله) وسلم : (( ولو أنهم إذْ ظلموا أنفسهم جاءوك )) الآية ، وإني قد أتيت نبيك مستغفراً ، فأسألك أنْ توجب لي المغفرة ، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك صلى الله عليه (وآله) وسلم .
قال السبكي بعد ذلك : وذكر دعاءاً طويلاً ثم قال : وإذا أراد الخروج عاد إلى قبر رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فودع .
قال السبكي :
أنظر إلى هذا المصنف من الحنابلة الذين الخصم متمذهب بمذهبهم كيف نص على التوجه بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ، وكذلك أبو منصور الكرماني من الحنفية قال : إنْ كان أحد أوصاك بتبليغ السلام تقول : السلام عليك يا رسول الله ، من فلان بن فلان يستشفع بك إلى ربك بالرحمة والمغفرة فاشفع له [23].
قال السبكي :
زيارته صلى الله عليه (وآله) وسلم إنما هي لتعظيمه والتبرك به ، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه ، كما أنا مأمورون بالصلاة عليه والتسليم ، وسؤال الوسيلة وغير ذلك ، مما يعلم أنه حاصل له صلى الله عليه (وآله) وسلم بغير سؤالنا ، ولكن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أرشدنا إلى ذلك لنكون بدعائنا له متعرضين للرحمة التي رتبها الله تعالى على ذلك .
ثم قال :
فإنْ قلت : الفرق أيضاً أنّ غيره لا يخشى فيه محذور ، وقبره صلى الله عليه (وآله) وسلم يخشى من الإفراط في تعظيمه أنْ يُعبد .
قلت : هذا كلام تقشعر منه الجلود ، ولولا خشية اغترار الجهال به لما ذكرته ، فإنّ فيه تركاً لما دلت عليه الأدلة الشرعية بالآراء الفاسدة الخيالية ...الخ .[24]
وقال السبكي أيضاً :
فصار لفظ الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم له معنيان:
أحدهما : أنْ يكون مستغاثاً .وثانيهما :أنْ يكون مستغاثاً به ، والباء للاستعانة ، فقد ظهر جواز إطلاق الاستغاثة والتوسل جميعاً ، وهذا أمر لا يُشك فيه ، فإنّ الاستغاثة في اللغة طلب الغوث ، وهذا جائز لغة وشرعاً من كل من يقدر عليه بأي لفظ عبر عنه الخ .[25].
12 - الإمام القسطلاني:
حكاية وقعت له وتشفّع فيها بالنّبيّ صلى الله عليه (وآله) وسلم فقُضيت له حاجته.
قال:
(( ووقع لي أيضاً في سنة خمس وثمانين وثمنمائة في طريق مكّة ، بعد رجوعي من الزّيارة الشّريفة لقصد مصر ، أنْ صُرعت خادمتنا غزال الحبشيّة ، واستمرّ بها أيّاماً ، فاستشفعتُ به صلى الله عليه (وآله) وسلم في ذلك ، فأتاني آتٍ في منامي ، ومعه الجنّي الصّارع لها فقال: لقد أرسله لك النّبيّ صلى الله عليه (وآله) وسلم فعاتبه وحلّفته أن لا يعود إليها ، ثمّ استيقظتُ وليس بها قلبة* كأنّما نشطت من عقال ، ولا زالت في عافية من ذلك حتّى فارقتها بمكّة سنة أربع وتسعين وثمن مائة ، والحمد لله ربّ العالمين.))[26]
13 – محمد بن عبد الوهاب في مسائله وفتاواه :
العاشرة- قولهم في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين: وقول أحمد: يتوسل بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم خاصة, مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق, فالفرق ظاهر جداً, وليس الكلام مما نحن فيه, فكون بعض يرخص بالتوسل بالصالحين وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم , وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه, فهذه المسألة من مسائل الفقه, ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور إنه مكروه فلا ننكر على من فعله, ولا إنكار في مسائل الاجتهاد, لكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى, ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات, وإغاثة اللهفات, وإعطاء الرغبات فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً, ولكن يقول في دعائه: أسألك بنبيك, أو بالمرسلين, أو بعبادك الصالحين, أو يقصد قبر معروف أو غيره يدعو عنده, لكن لا يدعو (إلا) الله مخلصاً له الدين, فأين هذا مما نحن فيه؟[27]
14 – محمد بن المنكدر :
قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه:
قرأنا على أبي غالب وأبي عبد الله ابني البناء , عن أبي الحسن بن مخلد , أنبأنا أبو الحسن بن خزفة , أنبأنا محمد بن الحسين بن محمد, حدثنا بن أبي خيثمة , حدثنا مصعب بن عبد الله , حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي , قال : كان محمد بن المنكدر يجلس مع أصحابه قال فكان يصيبه صمات فكان يقوم كما هو حتى يضع خده على قبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم , ثم يرجع فعوتب في ذلك, فقال : إنه يصيبني خطرة , فإذا وجدت ذلك استغثت بقبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وكان يأتي موضعا من المسجد في السحر يتمرغ فيه ويضطجع , فقيل له : في ذلك فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في هذا الموضع , أراه قال في النوم.[28]
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء:
وقال مصعب بن عبد الله , حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي قال: كان المنكدر يجلس مع أصحابه فكان يصيبه صمات , فكان يقوم كما هو حتى يضع خده على قبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم , ثم يرجع فعوتب في ذلك , فقال : إنه يصيبني خطر، فإذا وجدت ذلك استعنت بقبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم , وكان يأتي موضعا من المسجد يتمرغ فيه ويضطجع , فقيل له في ذلك , فقال إني رأيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في هذا الموضع.[29]
15 - الحافظ أبو علي النيسابوري :
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب:
وقال الحاكم : سمعت أبا علي النيسابوري يقول : كنت في غم شديد , فرأيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في المنام كأنه يقول لي : صر إلى قبر يحي بن يحي , واستغفر, وسل, تقض حاجتك, فأصبحت ففعلت ذلك , فقضيت حاجتي.[31]
16 - محمد بن إسحاق بن خزيمة وجماعة من مشايخ أهل الحديث:
قال الحاكم في تاريخ نيسابور:
وسمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة , وعديله أبي علي الثقفي , مع جماعة من مشايخنا , وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا عليه السلام بطوس , قال : فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها , وتضرعه عنها ما تحيرنا.[32]
17 – الحافظ ابن حبان البستي :
قال في كتاب الثقات :
علي بن أبي طالب أبو الحسن من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم.[33]
إلى أن قال : ومات علي بن موسى الرضا عليه السلام بطوس من شربة سقاه إياها المأمون , فمات من ساعته , وذلك يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين وقبره بسنا باذ , خارج النوقان , مشهور يزار بجنب قبر الرشيد , قد زرته مراراً كثيرة, وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا أستجيب لي وزالت عني تلك الشدة , وهذا شي جربته مراراً فوجدته كذلك , أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه (وآله) وسلم وعليهم أجمعين.[34]
18 - الحافظ الفقيه ابن عبد البر الأندلسي المالكي:
وقال الحافظ ابن عبد البر أثناء تقريره لبعض الأحاديث التي شرحها في التمهيد:
وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ووطئها وقام عليها وفي هذا دليل على صحة ما كان القوم عليه من صريح الإيمان.[35]
وقال في شرح حديث آخر في التمهيد أيضا: وفي هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء عليهم السلام والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم.[36]
19 - القاضي عياض اليحصبي :
قال القاضي عياض في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه (وآله) وسلم أثناء الحديث عن تعظيم الرسول الأكرم صلى الله عليه (وآله) وسلم :
ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته من مكة والمدينة ومعاهده , وما لمسه صلى الله عليه (وآله) وسلم أو عرف به.[37]
إلى أن قال : وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل , وتردد بها جبريل وميكائيل , وعرجت منها الملائكة والروح , وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح , واشتملت تربتها على جسد سيد البشر صلى الله عليه (وآله) وسلم , وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه (وآله) وسلم ما انتشر , مدارس آيات , ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات , ومعاهد البراهين والمعجزات , ومناسك الدين , ومشاعر المسلمين , ومواقف سيد المرسلين صلى الله عليه (وآله) وسلم , ومتبوأ خاتم صلى الله عليه (وآله) وسلم , حيث انفجرت النبوة , وأين فاض عبابها , ومواطن مهبط الرسالة , وأول أرض مس جلد المصطفى صلى الله عليه (وآله) وسلم ترابها , أن تعظم عرصاتها , وتتسنم نفحاتها , وتقبل بوعها وجدرانها :
يا دار خير المرسلين ومن به **** هدي الأنام وخص بالآيات
عندي لاجلك لوعة وصبابة **** وتشوق متوقد الجمرات
وعلي عهد إن ملأت محاجري **** من تلكم الجدران والعرصات
لأعفرن مصون شيبي بينها **** من كثرة التقبيل والرشفات
لولا العوادي والأعادي زرتها **** أبداً ولو سحباً على الوجنات
لكن سأهدي من حفيل تحيتي **** لقطين تلك الدار والحجرات
أزكى من المسك المفتق نفحة **** تغشاه بالآصال والبركات[38]
20 - الحافظ عبد الحق الأشبيلي في كتاب العاقبة :
وأعلم أن قبور الصالحين لا تخلو من بركة وأن زائرها والمسلم عليها والقارئ عندها والداعي لمن فيها لا ينقلب إلا بخير ولا يرجع إلا بأجر , وقد يوجد لذلك إمارة ويبدو منها بشارة.[39]
ويستحب لك رحمك الله أن تقصد بميتك قبور الصالحين ومدافن أهل الخير فتدفنه معهم وتنزله بإزائهم وتسكنه في جوارهم تبركا بهم وتوسلا إلى الله تعالى بقربهم , وأن تجتنب به قبور من سواهم ممكن يخاف التأذي بمجاورته والتألم بمشاهدته.[40]
21 - الحافظ أبو الفرج بن الجوزي :
صنف ابن الجوزي كتاباً مستقلاً في مناقب معروف الكرخي , وعقد فيه فصلاً قال فيه : الباب السابع والعشرون في ذكر فضيلة زيارة قبره وتجربة إجابة الدعاء عند قبره.[41]
22 – الإمام القرطبي صاحب التفسير :
قال القرطبي في تفسيره :
أمره صلى الله عليه (وآله) وسلم أن يستقوا من بئر الناقة دليل على التبرك بآثار الأنبياء والصالحين وإن تقادمت أعصارهم وخفيت آثارهم.[42]
وقال في التذكرة :
قال علماؤنا : ويستحب لك – رحمك الله – أن تقصد بميتك قبور الصالحين ومدافن أهل الخير فندفنه معهم وتنزله بإزائهم و تسكنه في جوارهم تبركا بهم وتوسلاً إلى الله عز وجل بقربهم و أن تجتنب به قبور من سواهم ممن يخاف التأذي بمجاورته والتألم بمشاهدة حاله حسب ما جاء في الحديث.[43]
23 – محيي الدين النووي إمام الشافعية في زمانه وشارح صحيح مسلم :
قال : قوله : فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه , قال: ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له, يعني القدح الذي شرب منه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم هذا, فيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم , وما مسه أو لبسه أو كان منه فيه سبب وهذا نحو ما أجمعوا عليه, وأطبق السلف والخلف عليه من التبرك بالصلاة في مصلى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في الروضة الكريمة ودخول الغار الذي دخله صلى الله عليه (وآله) وسلم وغير ذلك.[46]
وقال أيضا أثناء شرح بعض الأحاديث : قال القاضي : ورواه الهروي في مسلم فقال خسروانيه : وفي هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم.[47]
وقال ابن كثير في البداية والنهاية:
علي بن نصر الأربلي الفقيه الشافعي أول من درس بأربيل في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وكان فاضلاً ديناً انتفع به الناس وكان قد اشتغل على الكيا الهراسي وغيره ببغداد وقدم دمشق فأرخه ابن عساكر في هذه السنة وترجمه ابن خلكان في الوفيات وقال قبره يزار , وقد زرته غير مرة ورأيت الناس ينتابون قبره ويبركون به وهذا الذي قاله ابن خلكان مما ينكره أهل العلم عليه وعلى أمثاله ممن يعظم القبور.[48]
24 - الحافظ الذهبي:
قال الذهبي في معجم شيوخه :
وقد سئل أحمد بن حنبل عن مس القبر النبوي وتقبيله فلم ير بذلك بأساً , رواه عنه ولده عبد الله بن أحمد.
قال الذهبي بعد ذلك : فإن قيل : فهلا فعل ذلك الصحابة ؟! قيل : لأنهم عاينوه حياً وتملوا به وقبلوا يده وكادوا يقتتلون على وضوئه واقتسموا شعره المطهر يوم الحج الأكبر , وكان اذا تنخم لا تكاد نخامته تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجهه , ونحن فلما لم يصح لنا مثل هذا النصيب الأوفر ترامينا على قبره بالالتزام والتبجيل والاستلام والتقبيل , ألا ترى كيف فعل ثابت البناني , كان يقبل يد أنس بن مالك ويضعها على وجهه ويقول : يد مست يد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم . وهذه الأمور لا يحركها من المسلم إلا فرط حبه للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إذ هو مأمور بأن يحب الله ورسوله أشد من حبه لنفسه وولده والناس أجمعين ، ومن أمواله ومن الجنة وحورها , بل خلق من المؤمنين يحبون أبا بكر وعمر أكثر من حب أنفسهم ، حكا لنا جندار انه كان بجبل البقاع فسمع رجلاً سب أبا بكر فسل سيفه وضرب عنقه ، ولو كان سمعه يسبه أو يسب أباه لما استباح دمه ، ألا ترى الصحابة من فرط حبهم للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قالوا : ألا نسجد لك ؟ فقال : لا.
فلو أذن لهم لسجدوا له سجود إجلال وتوقير لا سجود عبادة كما قد سجد إخوة يوسف عليه السلام ليوسف ، وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلا بل يكون عاصياً ، فليعرف أن هذا منهي عنه , وكذلك الصلاة إلى القبر.[49]
وقال في سير أعلام النبلاء :
فمن وقف عند الحجرة المقدسة ذليلاً مسلماً مصلياً على نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم فيا طوبى له , فقد أحسن الزيارة وأجمل في التذلل والحب وقد أتى بعبادة زائدة على من صلى عليه في أرضه أو في صلاته , إذ الزائر له أجر الزيارة وأجر الصلاة عليه والمصلي عليه في سائر البلاد له أجر الصلاة فقط , فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشراً , ولكن من زاره صلوات الله عليه وأساء أدب الزيارة أو سجد للقبر أو فعل ما لا يشرع فهذا فعلاً حسناً وسيئاً , فيعلم برفق والله غفور رحيم, فوالله ما يحصل الانزعاج لمسلم والصياح وتقبيل الجدران وكثرة البكاء إلا وهو محب لله ورسوله , فحبه المعيار والفارق بين أهل الجنة وأهل النار.[50]
25 - شمس الدين الجزري :
أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي الشافعي , المتوفى سنة ( 833 هـ ) أحد كبار علماء السنة المعروفين , قال فيه السيوطي : الحافظ المقرئ , شيخ الإقراء في زمانه.[51]
قال الحافظ الملا علي القاري الحنفي في مرقاة المفاتيح أثناء حديثه عن الخطيب التبريزي صاحب كتاب مشكاة المصابيح :
قال شيخ مشايخنا , علامة العلماء المتبحرين , شمس الدين محمد الجزري في مقدمة شرحه للمصابيح المسمى بتصحيح المصابيح : إني زرت قبره بنيسابور , وقرأت بعض صحيحه على سبيل التيمن والتبرك عند قبره , ورأيت آثار البركة ورجاء الإجابة في تربته.[52]
26- الحافظ ابن حجر العسقلاني :
وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إلى ذلك , فهو حجة التبرك بآثار الصالحين والتنبيه على من يظن به الفساد في الدين.[53]
وقال أيضا ناقلاً كلام أبي القاسم بن الورد في أصله :
والذي يظهر لي أن البخاري لحظ قوله تعالى } اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ{ [54] أي أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه سواء كان يكف عنه العذاب أو لا يكف استصلاحا للقلوب المؤلفة , فكأنه يقول يؤخذ من هذا التبرك بآثار الصالحين.[55]
وقال أيضا ناقلاً كلام ابن الملقن في شرحه لأحد الأحاديث : وفيه التبرك بآثار الصالحين.[56]
وقال أيضاً :
ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين وبالله التوفيق.[57]
27 - الخطيب الشربيني أثناء بحث له في تسوية القبور :
.... قال ابن شهبة : وقد يؤيده ما ذكره الشيخان في الوصايا أنه تجوز الوصية لعمارة قبور الأنبياء عليهم السلام والصالحين , لما فيه من إحياء الزيارة والتبرك فإن قضيته
الفهرست
¨ التوسل ج1 ص43 رقم 3 .
[1] لسان العرب ج11 ص724 .
[2] الإنصاف فيما ترجح من الخلاف ج2 ص 456 ط. دار إحياء التراث العربي / بيروت .
[3] كتاب الضعفاء لأبي نعيم الإصبهاني ص 154 .
[4] العقيدة للإمام أحمد بن حنبل برواية مسدد بن مسرهد المطبوع مع العقيدة برواية الخلال ص 60 .
[5] مجموع فتاوي ابن تيمية ج 27 ص79 .
[6] العلل ومعرفة الرجال ج2 ص492 رقم3243 ط. المكتب الإسلامي / بيروت-دار الخاني / الرياض سنة1408هـ - 1988م.
[7] معجم شيوخ الذهبي ج1 ص45,46 ترجمة (أحمد بن عبدالمنعم بن أحمد) ط. دار الفكر / بيروت سنة 1418هـ 1997م وج1 ص73 ط. مكتبة الصديق / الطائف.
[8] فتح الباري ج3 ص 475 ط. دار المعرفة / بيروت سنة 1379هـ.
[9] عمدة القاري ج9 ص241
[10] وفاء الوفا ج4 ص 1374-1375.
[11] وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ج4 ص 1371 ط. دار الكتب العلمية / بيروت – دار الباز للنشر والتوزيع / مكة المكرمة ط.4 سنة 1404هـ- 1084 م .
[12] تاريخ الاسلام ج1 ص2808 .
[13] تاريخ بغداد ج1/ص120 باب ( ما ذكر في مقابر بغداد المخصوصة بالعلماء والزهاد ) أقول رواة السند كلهم ثقات من المحدثين ، وذكره ابن الجوزي في المنتظم ج9/ص88 في ترجمة الإمام موسى الكاظم عليه السلام.
[14] تفسير روح المعاني ج4 ص 187 ط. دار الفكر / بيروت .
[15] تفسير روح المعاني ج4 ص 188 .
[16] المجموع شرح المهذّب ج8 ص 274 ط. دار الفكر / بيروت .
[17] المغني في فقه الإمام احمد ج3 ص599 .
[18] حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 360 ط. مكتبة البابي الحلبي / القاهرة سنة 1318هـ .
[19] سبل السلام ج2 ص 168 ، 169 ط. دار الكتب العلمية / بيروت سنة 1408هـ- 1988م .
[20] المدخل ج1 ص 257
[21] شفاء السقام ص 171 ط. مكتبة جوامع الكلم / القاهرة سنة 1984م
[22] شفاء السقام ص 171 ، 172 .
[23] شفاء السقام ص 70 .
[24] شفاء السقام ص 90 ، 91 .
[25] شفاء السقام ص 188
* أي: داء وتعب.
[26] المواهب اللّدنيّة للإمام القسطلاني ج4 ص594-595.
[27] فتاوى ومسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب المسألة الرابعة عشر متفرع منها المسألة العاشرة .
[28] تاريخ مدينة دمشق ج56 ص51 , وراجع وفاء الوفا للسمهودي ج4 ص1406 ط. دار الكتب العلمية / بيروت – دار البارز للنشر والتوزيع / مكة المكرمة ط.4سنة 1404هـ - 1984م.
[29] سير أعلام النبلاء ج5 ص 358 , 359
[30] تاريخ الإسلام
[31] تهذيب التهذيب ج11 ص261 رقم 479 ط. دار الفكر / بيروت
[32] تهذيب التهذيب ج7 ص339 رقم 628 ط. دار الفكر / بيروت
[33] كتاب الثقات لابن حيان ج8 ص456 رقم 14411 ط. دار الفكر / بيروت سنة 1395هـ - 1975م .
[34] كتاب الثقات لابن حيان ج8 ص456 , 457
[35] التمهيد في شرح الموطأ ج6 ص228 ط. وزارة عموم الأوقاف والشئون الإسلامية / المغرب سنة 1387 هـ
[36] التمهيد في شرح الموطأ ج13 ص67.
[37] الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج2 ص619 ط. دار الكتاب العرب / بيروت؟
[38] الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج2 ص622 , 623 , 624.
[39] العاقبة في ذكر الموت لعبد الحق الاشبيلي ص218 ط. مكتبة دار الأقصى / الكويت سنة 1406هـ - 1986م.
[40] طبقات المفسرين للسيوطي ص79 ط. مكتبة وهبة / القاهرة سنة 1396هـ.
[41] مناقب معروف الكرخي لابن الجوزي ص199 ط. دار الكتاب العربي / بيروت
[42] تفسير القرطبي ج10 ص 47.
[43] التذكرة للقرطبي ص 105.
[44] تفسير القرطبي ج10 ص 47.
[45] التذكرة للقرطبي ص 105.
[46] شرح النووي على صحيح مسلم ج13 ص 178.
[47] شرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص 44.
[48] البداية والنهاية ج12 ص287 حوادث سنة 187
[49] معجم شيوخ الذهبي ج1 ص45,46 ط. دار الفكر / بيروت سنة 1418 هـ - 1997م.
[50] سير أعلام النبلاء ج4 ص 484 ط. مؤسسة الرسالة / بيروت سنة 1413 هـ.
[51] طبقات الحفاظ ص 549 رقم 1183.
[52] مرقاة المفاتيح ج1 ص 17.
[53] فتح الباري ج1 ص 569 .
[54] سورة التوبة : 80 .
[55] فتح الباري ج3 ص 138 , 139
[56] فتح الباري ج3 ص 144 .
[57] فتح الباري ج3 ص 475 .
يتبع