أن من ألطف ما يثير الضحك والغثيان في الوقت نفسه هو استغلال إعلام بعض الأنظمة الديكتاتورية التي تملك خلافات سياسية مع أنظمة ديكتاتورية أخرى للأوضاع الراهنة في المنطقة ، وخصوصا بعد سقوط تلك الأنظمة القمعية المخالفة لسياستها كسقوط ثمار جوز الهند من أعالي النخيل ، فترى آلتهم الإعلامية تسعى لاستثمار الأحداث لأجل تقوية وتعزيز منهجيتهم السياسية، غافلين أن الثورات الشعبية تأتي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والكبت والقمع الممارس على الشعوب والظلم والاستبداد بالسلطة ، إلا أن غفلتهم لم تكن سائبة إلى أبعد الحدود فتراهم يمنعون في الوقت نفسه تسيير مظاهرات منظمة من قبل المعارضة تأييدا لانتصار ثورات تلك الشعوب التي أدعت نصرتها في آلتها الإعلامية وكل هذا خشيةً من أن يؤدي ذلك إلى بث روح كسر الخوف وبث الحماس في القيام بثورة مماثلة لدى شعوبهم فتطيح بكراسيهم.
ولكن على أي حال فأن ما نحب أن نشير إليه هو أن هذه الأنظمة (الغبية) تعتقد نفسها (ذكية) حين تقوم بمنع المعارضة من تسيير مظاهرات منظمة تأيدًا لانتصار شعوب المنطقة ، بينما واقع الحال أن مجرد بث أخبار ثورات الشعوب المجاورة في أجهزتها الإعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة هو في حد ذاته كافي لتشجيع شعوبها وبث الحماس وروح كسر الخوف للقيام بثورة مماثلة مع الاستفادة من التحليلات الإعلامية التي قدمتها لهم هذه الأنظمة الديكتاتورية بنفسها.
كما يدور في البال أن كل نظام عندما يسقط فأنه يورّث ترسانته العسكرية التي دوّخ العالم بالتباهي بها ليلاً ونهارا لتذهب في يوم وليلة إلى النظام الجديد!
وعليه فأن من الظريف أن نتفرج على أنظمة ديكتاتورية تحفر قبرها بنفسها دون أن تلتفت إلى خطورة الكلمة التي تلقيها في هدم مستقبلها في الحكم.
هذا إلى جانب انطباق المثل الشعبي القائل: (أن تيساً غافلا عن عورته المكشوفة دائما... قد صرخ حينما قفز الخروف من النهر و انكشفت عورته في ذلك الحين: رأيت ، رأيت ، لقد رأيت عورتك أيها الخروف!!) ...
هذا المثل بكل ما فيه من الطرافة والعبرة ينطبق على واقعنا اليوم على بعض الأنظمة الديكتاتورية التي تصرخ برؤية تعرية الديكتاتور المصري "محمد حسني مبارك" ، غافلةً عن انكشاف عورتها دائما طوال الزمن ، وممارستها لنفس أساليب الظلم والاستبداد التي ينتهجها الديكتاتور المصري إن لم تكن قد تفوقت عليه ، كالافتقار إلى انتخبات حرة ونزيهة للوصول إلى مناصبها القيادية المتلبسة بالديموقراطية في ظل غياب المراقبة الدولية المستقلة ، بالإضافة إلى انتهاكاتها السيئة لحقوق الإنسان وقتلها المتعمد للعديد من الأشخاص المحتجين ضد الحكومة ، إلى جانب التعذيب والجلد والاغتصاب لغالبية أصحاب الاحتجاج السياسي ، والاعتقال التعسفي في صفوف الناشطين من الطلبة ، ناهيك عن الفساد الحكومي وانتشار البطالة في صفوف مواطنيها وقلة الاستقلال القضائي والمحاكمات العادلة ، وقمع المظاهرات بكل قسوة وغلظة بواسطة قوات الأمن بالملابس المدنية والعملاء السريين للنظام ، فترى تورطها الواضح والجلي بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وتدمير ممتلكاتهم الخاصة مع منع أهالي السجناء من إجراء الاتصالات الهاتفية وإزالة وتحطيم الأطباق الفضائية من على أسطح المنازل ، وحصر البث الإذاعي والتلفزيوني على الحكومة وبالتالي السيطرة على توجيه إعلام الصوت والصورة لتشبيع المواطنين بالفكر السياسي للحكومة ، وعدم إتاحة المجال لوسائل الإعلام الدولية للعمل بحرية في البلاد بالإضافة إلى سجن وتعذيب وتغريم العديد من الصحفيين والمحررين والناشرين الذين يقدمون تقاريراً لوسائل الإعلام الأجنبية عبر الإنترنت ، وتهديد ومضايقة واعتقال الأفراد الذين نشروا تعليقات تنتقد الحكومة على شبكة الانترنت عن طريق الشبكات الاجتماعية مثل مواقع فيسبوك ، تويتر ، ويوتيوب وحجبها هذه المواقع في بعض الأحيان إلى جانب حجب المدونات المحلية والعديد من المواقع الغربية ، وتقييد سرعة الإنترنت لتصعيب رفع وتنزيل ملفات الفيديو ....إلخ
وبعد كل هذا اتحفتنا بعض الأنظمة الديكتاتورية بقبولها بدور "التيس" لتصرخ في وجه حسني مبارك الذي لعب دور "الخروف" في المسرحية التي تعرض الآن على جمهور العالم!