حركة حجر بن عدي واصحابه:
كانت اهم الثورات الشيعية هي: ثورة الحسين بن علي(ع) مع فاجعة كربلاء، ثورة التوابين، حركة الكيسانية بزعامة المختار بن ابي عبيد، وثورة زيد بن علي بن الحسين. وكان لهذا مقدمات في ايام معاوية ابرزها اعتقال حجر بن عدي الكندي وارساله مع رفاقه الى الشام واعدامهم.
وكان حجر بن عدي صحابيا من زعماء قبائل كندة، شارك في فتوح الشام تحت لواء خالد بن الوليد، ثم عاد الى العراق بعداليرموك واستقر بالكوفة. وبعد احداث الفتنة الكبرى ارتبط بايمان بالامام علي(ع)، وحافظ على اخلاصه لقضيته، فكان ان عارض بشدة اقدام الحسن بن علي(ع) على التصالح مع معاوية.
روى البلاذري ان حجر بن عدي لم يزل: ((منكرا على الحسن بن علي صلحه، فكان يعذله على ذلك ويقول: تركت القتال ومعك اربعون الفا ذوو نيات وبصائر في قتال عدوك)).
وكان معاوية قد اسند اولا ولاية الكوفة الى المغيرة بن شعبة، وقد مكث المغيرة في منصبه تسع سنوات، لم يتوقف خلالها حجر بن عدي عن النيل من معاوية وعده مغتصبا للخلافة.
وتمكن المغيرة، بصبره وحبه للعافية، من تجنب الصدام مع حجروشيعة الكوفة، ثم ان نشاط هؤلاء لم يتعد الكلام الى الافعال.لكن بعد وفاة المغيرة تبدلت الاحوال، فقد اسندمعاوية ولايتهاالى زياد بن ابيه.
مارس ابن ابيه سياسة عنيفة جدا بالكوفة، ونال في خطبه واحاديثه من الامام علي ابن ابي طالب وآله(ع). وسعى، في الوقت نفسه، الى استمالة حجر ومهادنته حيث قال له:
((ياابا عبدالرحمن ان الامر الذي كنا فيه مع علي كان باطلا، وانما الامر مانحن فيه الان)).
لم يهادن حجر زياد، وتمسك بمواقفه في تعلقه بالامام علي وآله(ع) ورفضه لمعاوية، فتهدده زياد وضغط عليه، وكان من عادة زياد امضاء ستة اشهر من كل سنة في البصرة والبقية في الكوفة، واعتاد المعارضون ((الشيعة))على التردد على بيت حجر، او الاجتماع في المسجد ((فيذمون معاوية ويشتمونه،ويذكرون زيادا فيتنقصونه)).
وقبل ان يصل الحال الى الثورة اعتقل زياد حجرا واصحابه الكبار، ولم يتجرا على البطش بهم بل بعث بهم الى معاوية، وكان عدد الزعماء الذين رافقوا حجر اربعة عشر رجلا:وقبل تسييرهم الى الشام كتب زياد محضرا رسميا حول ما حدث بالكوفة، وضع عليه شهادات عدد من كبار شخصيات هذه المدينة، وجاء فيه(ان حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة،ودعا الى الحرب والفتنة، وجمع اليه جموعا يدعوهم الى نكث البيعة، وخلع امير المؤمنين معاوية، فكفر باللّه كفرة صلعاء،واتى معصية شنعاء)).
سير زياد المعتقلين الى معاوية ليحكم فيهم، ويبدو ان ارسالهم اليه قد احرجه، لا سيما وان جل اعوانه كانوا آنذاك من القبائل اليمانية، ولهذا تحرك معاوية بسرعة وسرية كاملة،فما ان عرف بوصول المعتقلين الى مرج عذراء، خارج دمشق، حتى بعث من يتولى اعدامهم، واثارت عملية الاعدام رنة حزن في الشام والعراق والمدينة المنورة.
ويمكن ان نرى، في ما جرى في مرج عذراء، سابقة خطيرة مهدت الطريق امام يزيد بن معاوية في خرق حرمات المسلمين دون ان يعباء ب آثار ذلك او بردات فعل المسلمين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر جاء مصرع حجر محرضا للثاءروالثورة، وحين سيجد اهل الكوفة الفرصة المناسبة سيحاولون الانتقام من السلطة الاموية، كما سنرى.
ثم ان المعارضة التي كانت تتفجر احداثها بالكوفة اخذ زعماؤهاالان يتطلعون نحو تسمية واحد من ابناء الامام علي(ع)لقيادتهم، والدعوة له، وكان المرشح البديهي هناالحسين بن علي(ع). وفي الحقيقة ليس في مصادرنا ما يحدثنا عن وجوداتصالات واعمال تنسيق بين حجر بن عدي والحسين بن علي(ع).
ومهما يكن الامر كانت حركة حجر بن عدي حركة المعارضة الشيعية الاولى للحكم الاموي، فالاحداث التي تقدمتها ارتبطت جميعا بالعصر الراشدي، وبالحقبة الانتقالية من هذا العصر الى عصر الدولة الاموية، وشكلت هذه الحركة، في الوقت نفسه موعد اعادة تشكيل الحزب الشيعي كحركة معارضة للحكم الاموي. ومن هذا الباب يمكن القول ان قيام الحزب الشيعي المعارض للسلطة الاموية كان عام (51 ه).
توقف الشيعة عن النشاط العلني بعد مقتل حجر بن عدي، لكن ماان توفي معاوية بن ابي سفيان وتسلم يزيد ابنه السلطة حتى تجدد النشاط الشيعي، ولا شك ان انتشار اخباررفض الحسين بن علي(ع) بيعة يزيد قد كانت له ابعد الاصداء في الكوفة.