استضافت مؤسسة الإمام المهدي المنتظر (عج) ـ في دورة خاتم النبيين (ص) الأولى لنقد الفكر الوهابي ـ الأستاذَ في الحوزة العلمية في النجف الشيخ حبيب الأسدي حفظه الله ورعاه ، ليلقيَ محاضرة حول [الإمامة الإلهية] ، وقد أبدع سماحته في هذا الجانب .
ـ وقد ارتأيت ألاّ تبقى مثل هذه المحاضرة الرائقة محبوسة وبعيدة عن أيدي المؤمنين أيدهم الله تعالى ، لذلك تمَّ كتابة المحاضرة لنشرها حتّى يستفاد منها المؤمنون أكثر فأكثر .
الإمامة والخلافة الإلهية
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين .
السلام عليكم ـ جميعاً ـ ورحمة الله وبركاته .
حديثنا في الإمامة والخلافة .
الإمامة والخلافة عند العامة لا يمكن القول إنّها جعل إلهي ، وإنما هي جعل بشري ، فلذلك تارة تحدث في آراء يُسمّون بأهل الحل والعقد ، أو إيصاء من الخليفة السابق للخليفة اللاحق ، فهذه كلها متفرّعة عن أنّ الإمامة عندهم هي جعل بشري ، وليس جعلاً إلهياً .
يمكن لنا ـ أثناء المحاورات ، وأثناء المناظرات ـ أن نسأل المخالفَ هذا السؤال : هل الإمامة جعل إلهي ، أم جعل بشري ؟
بطبيعة الحال سيقول : نحن نؤمن بأنّ الإمامة جعل بشري ، وليست جعلاً إلهياً .
حينئذٍ يستحسن كثيراً أن نصدمه بهذه القضية وهذا الاقتراح ، فنقول : ما رأيكم بأن نرجع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى والمؤمن والمسلم لا يجد أيّ معارضة لكتاب الله ، فإنّه يفترض نفسه دائماً موافقاً لكتاب الله .
طبعاً هو سيقول : نعم ؛ نحن نؤمن بكتاب الله .
حدثت ذات مرّة محاورة بيني وبين مجموعة من علماء كردستان في سنة 1997 أو 1998 ، وكان في مقرّ اتحاد علماء كردستان في السليمانية ، هذا الاتحاد يضم فيه أكثر من 1300 ملّة بين إمام جامع وجمعة وخطيب وعالم وغير ذلك ، وكان رئيس الاتحاد محمد أمين الجمجمالي ، وكان رئيس مجلس الفتوى وأعضاء مجلس الفتوى موجودين ، وأتذكّر منهم : أبو بكر وجّاخي ، عبد الله برخي ، وعبد المجيد كويري وغيرهم ، ذهبت إلى هذا المكان برفقة أحد المسؤولين السياسيين وكان الممثل لجلال الطالباني للشؤون الدينية وهو المرحوم الأستاذ مجيد إبراهيم ، فكان يضم هذا المجلس معظم علماء كردستان في مناطق الاتحاد الوطني الكردستاني .
فعرَّفني أمامهم بأنني أستاذ في الحوزة العلمية في قم المقدّسة ، فبدأت الكلمات حول أهمية الوحدة بين المسلمين ، والتقارب ، ولم أتفاعل مع هذا الكلام أبداً ، وكنت أقتنص الفرصة حتى أستطيع الحديث معهم ، فقلت لهم : هذا الكلام للسياسيين ، يستطيعون أن يجاملوا بما شاؤوا ، ونحن أهل علم ، فأنا طالب علم ، لكن يمكن المحاورة بالمقدار الذي أعرفه ـ وإلاّ حينما أخرج سيكون قد بقي في قلبي شيئاً عليكم بما أنني شيعي وأنتم سنة ، وكذلك أنتم ، بما أنكم سنة وأنا شيعي فسيبقى في قلبكم شيء .
كان هناك شخص اسمه " ملا فاتح " قال : صحيح ، فكلام السياسي كله مجاملات ، والخلاف بيننا وبينكم خلاف حقيقي وواقعي ، وأصل الخِلاف بيننا وبينكم في (الإمامة) ، والقول بعصمة الإمام وأن عدد الأئمة اثنا عشر ، وبقية الأمور كلها تتفرّع عن هذه المسألة .
قلت له : جيد ، لا مانعَ أن نفتحَ ـ الآن ـ بحثاً بالمقدار الذي أعرفه باعتبار أنّني طالب صغير ، وأنتم أهل العلم ، ولكن لديّ عدة شروط .
فقالوا : تفضّل .
قلت : التحكيم للوجدان ، ولا تناقشوني في النتائج ، وإنّما يكون النقاش في المقدّمات .
قالوا : صحيح ، الحقّ معكم .
قلت : أعدكم ألّا أستعمل التقية معكم ، لذلك أسألكم أول سؤال وهو: الإمامة بجعل إلهي أم بجعل بشري ؟
قالوا : طبعاً الجعل بشري .
قلت : نرجع إلى كتاب الله ؟
قالوا : نعم نرجع إلى كتاب الله ، فليس لدينا غير كتاب الله .
قلت : يقول الله تعالى : { إني جاعل في الأرض خليفة } هذا الجعل بشري أو إلهي ؟
فسكت القوم ، فانتظرت منهم الجواب ، ولكن خيّم الوجوم عليهم .
قلت : يقول تعالى { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } هل هذا الجعل إلهي أم بشري ؟
يقول تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } هل هو جعل إلهي أو بشري ؟
فظهر وفُهم أنَّ الجعل إلهي بشكل واضح .
فهذا أول أمر انتزعناه منهم أنَّ الإمامةَ هي جعل إلهي وليست جعلا بشريا ، فهي كالنبوّة ، ومن هنا ؛ فإذا كان جعلاً إلهياً فحتّى الأنبياء أنفسهم لا يستطيعوا أن يقوموا بمهمّة جعل الخليفة من بعدهم ، وجعل الإمام من بعدهم .
لاحظوا قضيّة إبراهيم عليه السلام { وإذ ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماما } إبراهيم عليه السلام كان حينئذٍ نبياً ، ومع ذلك لم يستطع أن يجعل نفسه إماماً ، وإنّما احتاج إلى جعل من الله سبحانه وتعالى .
فقال أحد الحاضرين : الإمامة هنا ـ في الآية ـ هي نفسها النبوة .
فقلت : أسألكم سؤالاً : مفهوم الخلافة ومفهوم النبوة ، إذا رجعنا إلى المعاجم اللغوية والكتب اللغوية ، نجد أن المفهومين مفهوم واحد ، بمعنى أنَّ هذين اللفظين مترادفان ، أم أن هذا مفهوم وهذا مفهوم آخر ؟
فلاحظ أنّ كلامنا حول الاختلاف والاتحاد من حيث المفهوم والمعنى ، وليس حول المصداق ، أنَّ هذا النبي هو إمام أو لا .
فإذا كانت الخلافة والنبوة مفهوم واحد ، فهذا خلاف ما في الكتب اللغوية قاطبة ، فإذا أردت أن تجعلَ المفهومين واحداً ، فإنَّك بحاجة إلى قرينة قطعية ، بمعنى أنَّ قولك : "الإمامة في هذا المورد بمعنى النبوة" ، يحتاج إلى قرينة قطعية ، لأنَّ الظاهر من الكلام هو أنَّ الخلافة شيء والنبوة شيء آخر .
فتوحيد معنى الخلافة والنبوة كلام فارغ لا دليل عليه ، فالقائل بهذا الكلام مطالب بالدليل ، وليس القائل بالاختلاف المفهومي مطالب الدليل ، فانتبه لأنه هو صاحب الدعوى .
فقال أحدهم : بلى ، المفهومان يختلفان ، فأكمل .
فقلت : إذاً : الإمامة في القرآن إلهية ، وليست بشرية ، وبالتالي فهي تابعة للجعل الإلهي ، فغاية ما نحتاجه في تعيين المصاديق إلى النصّ من قِبل المعصوم السابق .
فقال أحدهم : الخلافة مختومة مثل النبوة .
فقلت : هذا ادعاء فارغ أيضاً ، فبما أنّ النبوة شيء والإمامة شيء آخر ، وقد دلَّ الدليل القطعي على ختم النبوة ، ولم يدل الدليل القطعي على ختم الإمامة والخلافة ، فتفضّل واذكر لنا دليلاً على أنَّ الخلافة قد خُتِمَتْ ؟
فسكت ، لأنّه لا جوابَ لديه .
هذا الجواب الأول ، والجواب الثاني قوله تعالى : { إني جاعل في الأرض خليفة } أليس هذا الجعل كلّيا ؟ أليست كلمة {جاعل} اسم فاعل ؟ فهذا يقتضي التلبُّس بالمبدأ على نحو الدوام ، فأصل الجعل موجود ، ودليل الرفع مفقود ، فإذا بقينا على ظواهر الآيات القرآنية فإنَّ الأرضَ لا تخلو من خليفة لله تعالى ، فالقائل بأنَّ الأرض تخلو من خليفة لله هو المطالب بالدليل ..
فلاحظوا أنَّه هو صار مطالباً بالدليل ، فأنت الآن لست في مقام الدعوى ، فهو بطريقة السؤال يكون هو المرغم على الجواب وطالبه بالجواب ، وعليك أن تسجِّل عليه ملاحظات ومستمسكات ، فيلزم أن يكون لديك ذاكرة قوية أو ورقة ، فتقول : لقد اعترف أنَّ الإمامة عنده جعل بشري ، وليس جعلاً إلهياً ، فهو بهذا خالف القرآن وهو يدّعي أنّه يؤمن بكتاب الله سبحانه وتعالى ، فطبعاً هو في هذه الحالة سيكون مبتدعاً لأنه مخالف لقضية أساسية لكتاب الله ، فهذه الأمور كلها سجِّلها ، ولكن اجعلها في النتائج أخيراً ، ولا تجعلها مبعثاً للاختلاف فيما بينك وبين المحاور من البداية ، لأنَّه سيصير البحث حينئذٍ جدلياً ، وستخيّم حالة الخصومة على الحالة العلمية ، فيفقد البحثُ اتّزانه ، ولكن سجّلها كمستمسكات في ذهنك ، أولا ثانياً ثالثاً .. وبعدها قبل أن تنتهي المحاورة قل : تبيّن لنا النقاط الكذائية ، كيت وكيت وكيت .
إذن : الخلافة جعل إلهي ، ولا تخلو الأرض منها ، يبقى عندنا أنَّ هذا الجعل الإلهي للإمامة ، ما هي شروطه ؟
حينئذٍ نستطيع أن ندخل في البحث عنها في الآيات القرآنية .
ولكن قبل أن ندخل في هذه القضية ، نحن عند التتبع للآيات القرآنية التي تتحدث عن الإمامة ، نجد أنَّ الإمامة في القرآن إمامتان لا ثالث لهما ، قوله تعالى { جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } ، وقوله تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } ، فإنَّك لن تجد في القرآن إمامة ثالثة .
وفي وقتها في المحاورة ، سألتهم هذا السؤال ، فرأيت من المناسب أن أتحدّاهم ، لأنّه بالتتبع لا توجد إمامة ثالثة أبداً ، فلا إمامة غير تلك الإمامتين .
فحينئذٍ ؛ نلاحظ النتيجة : فمَنْ ثبت أنّه من مصاديق الإمامة الأولى فبها وإلاّ فهو من مصاديق الإمامة الثانية ، أي أنَّه بما أنَّ الإمامة تدور بين هاتين الإمامتين ، ولا ثالث لهما ، وتستطيع أن تتحداهم بخلاف ذلك ، فمن ثبت أنّه من قبيل الأئمة الذين جعلهم الله { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا..} ، وإلاّ فهو من قبيل قوله تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } ومَنْ هم الذين يجعلهم الله ؟ لاحظوا الآية { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } أي لا يهدون بأمر غير الله ، ولا أمر أنفسهم ، هل فاقد الشيء يكون معطياً ؟ دائماً حاول ابداع أسئلة وأخذ الجواب منهم ، خصوصاً إذا كانت الأسئلة بديهية وحاصرة ، هل فاقد الشيء يكون معطياً ؟ طبعاً لا ، لأن واجد الشيء هو الذي يكون معطياً ، فالهادي إلى أمر الله يجب أن يكون عالماً به ، لأنه لا يهدي إلى أمر الله ويكون جاهلاً به ، فتبيّن أنّه عالم بأمر الله تعالى .
سؤال : هذا أمر الله ، المعلوم لدى هذا الإمام ، هل هو مقيّد ومعيّن بدرجة معينة أم أنّه مطلق ؟
طبعاً مطلق ، { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } فهم عالمون بأمر الله كلّه ، وهنا انتبهوا أنَّ الشخص الذي يدّعي أنَّ الآية ليست مطلقة عليه أن يقدِّم الدليل لأنَّ ظاهر الآية هو الاطلاق ، فالقائل بأنّها مقيدة هو المطالب بالدليل ، لأنَّه على أيّ أساس يدّعي انّ الآية مقيدة ؟ فما هو الدليل على التقييد ؟ فأمر الله سبحانه وتعالى الذي يهدي به ، إمَّا أن يكون أمرا تكوينياً او أمراً تشريعياً ، فهذه تفاصيل فلتبقَ في بالكم .
( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة ) فالحلال ثابت ، أمّا تفاصيل الأحكام { قد فصّلنا الآيات لقوم .. ) { ونفصِّل الآيات .. } فهنا آيتان أحدها بالفعل الماضي {فصّلنا} وأخرى بالمضارع {ونفصِّل} أي أن التفصيل مستمرّ .
فلاحظوا أنَّ الآيات التي تتحدث عن آيات الأحكام فإنها تعطي الحكم بشكل إجمالي ، أو جُملي بسيط ، ثم في ذيل الآية {ونفصِّل الآيات لقوم .. } يعلمون ـ يوقنون وإلى غير ذلك .
إذن : عندنا إمام من طبيعته أن يهديَ بأمر الله ، فهل هو يهدي أو يضلّ ؟ إذ لا شيء ثالث بينهما ، فإذا كان يهدي فهو لا يضل . فهذا يعني أنه معصوم من الضلالة .
ومَنْ أخبرنا عن هدايته ؟ هل أخبرنا فلان وعلان أو إجماع وشهرة أو .. ؟ أم أخبرنا بذلك ربّ العالمين أنّهم لا يهدون إلا بأمره . فهذا من حيث المادة (الهدى) ، مختصراً .
ثم هذه المادة (الهدى) مطلقة أو مقيّدة ؟ طبعاً مطلقة ، فهذا يعني أنَّهم يهدون مطلقاً ، أي بما في ذلك أعلى درجات الهداية ، لأنَّ فاقد الشيء لا يكون معطياً .
فإذا كان هادياً فهذا فرع كونه مهتدياً ، فبما أنّه هادٍ مطلقاً ، فهو مهتدٍ مطلقاً أيضاً ، فبما أنّه بأعلى درجات الهداية ، فهذا متفرّع عن أنّه في أعلى درجات الاهتداء .
وطبعاً سيكون لديك خارطة ومجموعة من الآيات التي ترتبط بالمسألة {ومن يهدي الله فلا مضل له..} وإلى غير ذلك من الآيات ، تتعلق بقضية الهداية .
لاحظوا : (الهدى) وكل تفرعاته ومسائله الكثيرة الداخلة في أمر الله تعالى ، فهي نفس معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وأحكامه وحججه وآياته ، فهذا كله داخل في {أمرنا} والهداية به . هذا كله بحث حول مادة (الهدى) .
أما هيئة ( الهدى ) ما هي ؟
يقول تعالى { يهدون بأمرنا } أنه فعل مضارع ، والفعل المضارع يستدعي الاستمرارية والتجدد ، فهذا يعني أنَّ لدينا أئمة يهدون دائماً بأمر الله تعالى .
فالقائلون إنَّ الأئمة يقفون عند حد ، فهذا خلاف الظاهر ، فطبيعة الإمام ما دام إماما أنّه دائماً وأبداً يهدي بأمر الله سبحانه وتعالى .
ومن هنا يتأسس لدينا : أنَّ الإمام عالم بأمر الله كله ، ويهدي إلى أمر الله وحده ، ولا يهدي إلى أمر شيء آخر ، فإن ثبت أن الإمام هو من هذا القبيل ، يعني متصل بالله تعالى وملهم من الله ويهدي إلى أمر الله لا إلى ما سواه ، فمن هنا نعرف أنَّ مَنْ لم يثبت فيه هذه الصفات ، فهو من القبيل الثاني من الأئمة { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} .
وعليه ؛ فمَنْ لم يكن إمامه إماماً هادياً بأمر الله تعالى وعالماً بأمر الله وعاصما معصوماً هاديا مهتديا ، فإمامه من الأئمة الذين يدعون إلى النار ، فكل مَنْ إئتمَّ به فهو ممّن قد استجاب إلى دعوة الداعي إلى النار .
إذن : هو قد أُقحِمَ في النار ، أو أنّه هو الذي استجاب لهذه الدعوة ؟ طبعاً أنّ أولئك دعوا إلى النار ، وهؤلاء قد استجابوا .
ويمكن لنا الوقوف على بقية الآيات ، مثلاً اختر هذه الآية : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } .
فصدر الآية تدل على أنّه ما كان ليجعله إماماً إلا بعد أن أتمَّ الابتلاء بكلمات الله سبحانه وتعالى ، والحال أنه كان نبياً ، تستطيع من خلال البحوث في كتب المفسّرين أو من خلال تحقيقك الخاص أن تقيمَ الدليل على أنه كان نبياً قبل ذلك ، فتى يذكره يُقال له إبراهيم ، أما هنا يقول { ومن ذريتي } ومتى كان عنده ذرية ؟ { الحمد لله الذي رزقني على الكبر إسماعيل وإسحاق } ، والحال أنّه لمَّا بُشِّرَ بالذرية تعجَّبَ ، فظاهر الآية { ومن ذريتي } أنَّ الذرية موجودة ، ويساعد على ذلك أنَّه الآيات الأخرى التي تقول أنّه على الكبر رزقه الله إسماعيل وإسحاق ، وفي كبره لمَّا أُبلِغَ أنّه سيكون له ذرية اعتبر هذا الامر عجيباً وتعجّب من ذلك زوجته ، أليس كذلك ؟ لأنّه قد بلغ به العمر ذلك المبلغ ، فهذا يعني أنّه صار إماما على كبره ، يعني : أنه كان نبياً ومعصوماً ويوحى إليه من الله وبالغ تلك المنزلة العظيمة بل كان من المرسلين ، ومع كل ذلك لم يكن إماماً ، ولكنه حينما أُبتلي بكلمات الله { فأتمهن } يعني لمَّا أتمّهن تماماً { قال جاعلك للناس إماما } هذا يعني أنّ للإمامة شروطاً ، طبعاً فلا بُدَّ من الشروط قد يكون صاحبه بلغ مبلغاً عظيماً ، وأصبح نبيا ومن المرسلين ـ ويمكن أن يكون من أولي العزم ـ ، ولكنه مع ذلك لم يتم الابتلاء ولم يحصل فيه تلك الشرائط التي بها يكون للناس إماما بجعل من الله سبحانه وتعالى .
أضف إلى ذلك نقطة أخرى : إنَّ علم الكلام في أغلب الأحيان هو وليد ردة فعل ، وفي أغلب الأحيان ليس قائماً على أمور برهانية ، بل هو قائم على أمور مشهورات وغير ذلك ، في أذهان الكثير من علماء الكلام أنَّ الإمامة هي القيادة والزعامة السياسية ، ولكن هنا إبراهيم عليه السلام لمَّا جعله الله تعالى إماماً هل صار زعيمَ دولة ؟ أو زعيم محافظة أو مدينة أو قرية ؟
إذن : هذا يتنافى مع عدم امتلاكه لأيّ منصب قيادي ، وحتى الزعامة الدينية بالمعنى المتعارف ـ يعني مرجعية دينية ـ لأنّه مجهول عند الأغلب ، نعم هو معروف عند بعض أصحابه وأهله ، ولكن لم يُذكر في القرآن أنه كان صاحب أمة وأتباع وإلى غير ذلك ، ولكن الظاهر أنّ أتباعه كانوا متفرقين .
إذن العنصر المقوِّم للإمامة ليس وجود مجتمع متّبع ، ولا وجود زعامة وقيادة سياسية وما إلى ذلك ، فهو إمام بالفعل وليس بالترشيح ، غاية الأمر أنَّ الإمامة التي عنده لكي تأخذ مجراها القيادي والزعامة في الأمة ، فهذا يحتاج إلى توجّه الأمة إليه ، وأن تطيعه وتنقاد له وهكذا ، فآدم عليه السلام { إني جاعل في الأرض خليفة } فالمصداق الأول للآية هو آدم عليه السلام ، فالجعل هنا كلّي ، وآدم عليه السلام كان مصداقاً للآية الكريمة ، فلا تغفل عن هذا الأمر ليقولَ لك أنَّ الآية نزلت على آدم عليه السلام فقط ! فالمورد لا يخصص الوارد ، والآية لم تقُل أن الله جعل آدم خليفة ، وكما تعرف إنه لم يكن زعيماً ولا سلطاناً .
لاحظوا أنّه ممكن أيضاً أن الآيات الشريفة تشهد على بعضها البعض وتصدق بعضها البعض ، الهداية بأمر الله ، تستطيع أن تربط هذه القضية بآيات أخرى ، فإذا رأوا أنَّ الشيعيَ كلامه قرآني ومحاججاته كلها بالقرآن ، وأنه يحاجج الخصم بالقرآن ، فستنتهي تلك المزعمة الفاسدة أنَّ الشيعة ليسوا أهل قرآن وما إلى ذلك .
ثم هم يدّعون دائماً قائلين : نحن نطيع كتاب الله ، وحفّاظ لكتاب الله ، وإذا دخلت في قضيّة الأحاديث ، فهذا بحث متلاطم الأمواج ولا تصل إلى مطلوبك في أغلب الأحيان ، لأنّك بحاجة إلى أدوات كثيرة ، وأكثر الأحيان يدخل الإنسان في جدليات لها أول ولا تالي لها ، فالاحتجاج العقلي يكون في القضايا البديهيات ، ولا تدخل معه في النظريات وسيقول لك إن هذه فلسفة ونحن لا نأخذ بالفلسفة ، فاحتج عليه بالبديهيات مثل (فاقد الشيء لا يعطيه) بكلام بسيط ، وأمثال ذلك .
التعرُّف على أمر الله سبحانه وتعالى ، مثلاً سورة القدر الشريفة ، { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر } ، ولو أن الكلام ليس حول هذه السورة لكن تأمّلوا في قوله { تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } أي لا يبقى أمر إلا وتنزله الملائكة والروح .
فالملائكة تتنزّل في كل ليلة القدر ما دامت هناك ليلة قدر ، وإجماع المسلمين على أن ليلة القدر مستمرة وموجودة ، فلا أحدَ يقول : إن ليلة القدر كانت في زمن النبي وقد انتهت .
فبما أنَّ لدينا ليلة قدر فالآية تقول : { تنزّل الملائكة } فهل تتنزل بعض الملائكة أو كل الملائكة ؟ طبعاً {الملائكة} جمع محلّى بأل ، والجمع المحلّى بأل يفيد العموم الاستغراقي ، والادعاء بأن المقصود بعض الملائكة يحتاج إلى قرينة قطعية .
قوله {تنزل} تحتاج إلى مُنزَل عليه أو لا ؟ لأنّ التنزل من الأفعال الإضافية ، فهل يمكن تصوّر أن الملائكة تنزل في ليلة القدر على لا شيء ، طبعاً لا ، لأنّ هذا لا يليق بمقامات الملائكة { ما ننزل الملائكة إلا بالحق } ومع ذلك تستطيع الاعتماد على آية أخرى تفسِّر على مَنْ تنزل الملائكة ، { ينزل الملائكة بالروح على من يشاء من عباده } فتكون النتيجة : إنَّ عبداً لله تعالى اختاره الله وشاءه أنزل عليه كل أوامر الله سبحانه وتعالى في كل ليلة قدر من كل سنة ، فأصبح لديه جميع ما لدى مجموع ما لدى الملائكة من الأمور ، والملائكة المكلَّفون بتدبير عالم الخلق أو لا ؟ يقول تعالى {فالمدبّرات أمرا} فطبعاً الله يدبّر الأمور من وراءهم .
فإذن : تتنزّل جميع الملائكة في كل ليلة قدر من كل سنة ، فيصبح محيطاً جامعاً عالماً بجميع أمر الله كله ، وهذا هو الإمام المذكور في قوله تعالى {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا} .
إذن : لا تخلو الأرض من إمام ، فأين المفرّ ؟ فأين المفرّ ؟
فهذه الخطوط العامة أخواني، ولا أريد الخوض في التفاصيل لأنّها تأخذ مساحة من الوقت ، فيوجد أمور وشروط ذكرها بعض علماء الكلام لا علاقة لها بالإمامة بالجعل الإلهي ، نعم لها علاقة بالإمامة السياسية أو بالزعامة العامة باعتبار أنَّ بعضهم أو الأكثر يقول : الإمام هو رئيس الدين والدنيا ، والمقصود برئيس الدين ـ في الأعم الأغلب ـ هو الزعامة الدينية ، فهل الزعامة الدينية يُشترط أن يكون صاحبها معصوماً ؟ طبعا لا .
طبعاً في أثناء الحديث ، هذا الذي كان رئيس لجنة الفتوى ، قال : تبيّن الآن أن أخواننا الإمامية والشيعة يعتقدون بأنَّ الخلافة لأئمتهم هي الخلافة الكبرى ، وقد تفاجئ بهذا المطلب .
فهل صار الخلاف بيننا وبين العامة خلاف في زعامة سياسية ؟ أو أكبر وأعظم من ذلك ؟ فمن صغريات ومصاديق ومستحقات الإمامة الكبرى أن يكون رئيس الدين والدنيا ، أما مقامه ومنزلته فهي أرفع وأشمل وأعظم من كل ذلك .
فإذا كان لدى أمة نبي معصوم ، هل يمكن لهذه الأمة أن تذهب وتنتخب إماماً وخليفة للدين ؟ أم ترجع إلى النبي ؟ طبعاً إلى النبي ، لأنّ الإنسان الكامل كامل في هذه الأمور ، ومن هذه الكمالات أن يكون رئيس الدين والدنيا .
طبعاً وهو في هذه الحالة ، حكى أحدهم بالكردي : إمامة أبو بكر وعمر إمامة ضلال ؟
بالتأكيد هذه تورد مشكلة ، لأنَّه عندما تذكر الأسماء ستجلب المشاكل ، لأنك طعنت بربّهم حينئذٍ ، لأنّهم يتعاملون مع أبي بكر وعمر على أنهم ثوابت ، وكل شيء غيرها متغيّرات ، وربما انتخابهم لأبي بكر لأنه الند الأعظم في وجه الإمامة الإلهية ، ولو كان لديهم قليلاً من التراخي لتركوا ابا بكر وعمر وذهبوا إلى غيرهم .
رجع "ملا فاتح" قائلاً : نحن سلَّمنا أن الإمامة إمامة إلهية وجعل إلهي .
قال : ومن الذي يقول أن أهل البيت هم الذين جعلهم أئمة هداية ؟ وإلاّ فنحن معك في الإمامة الإلهية .
أقول : طبعاً هو اعترف حينئذٍ ببطلان خلافة خلفائه ، واعترف أنهم أئمة ضلالة ، وأنهم دعاة إلى النار ، وهذه الأمور كلها تم تسجيلها ، ولكن أنتم تلاحظون هل أنّ من المناسب أن تطرحوا هذه الأمور والمستمسكات أو لا ؟ فهذه تابعة للحكمة التي لديك ، وما هي المناسبة ، فإذا كانت حلقات وجلسات مفتوحة ، فلا تفاجئوهم بهذه الأمور ، بل اتركوهم يتوصّلون تلقائياً إلى هذه الحقائق إذا كان هناك مجال لهدايتهم ، فأحيانا تفيد الصدمة وأحياناً لا تفيد ، فينبغي للإنسان أن يكون مراقباً لهذه الأمور ، ولكن بما أن هدفنا الأسمى هو الهداية لله سبحانه وتعالى وإقامة الحجّة عليهم ، وأيضاً من أهدافنا الأساسية تقوية ضعفاء الشيعة ، ارجعوا إلى الروايات التي تتحدث عن تقوية ضعفاء الشيعة ، فهناك روايات رائعة في تقوية ضعفاء الشيعة أمام النواصب .
ـ حديث الثقلين : فإذ أردنا الاعتماد على حديث ، فإنه يكفيك هذا الحديث عن كل حديث ، وقد أجمع العامة على تصحيح حديث الثقلين ، وأيضاً أجمعوا على هجره ، وأجمعوا على ضعف حديث (كتاب الله وسنتي) ، وإن كان المفاد صحيح ولكن من حيث اللفظ أجمعوا على ضعفه ، ومع ذلك أجمعوا على الاعتداد به وجعله محور ديني أساسي عندهم ، والحال انه بالإجماع ضعيف السند عندهم ، وحديث (كتاب الله وعترتي) صحيح بإجماعهم ، وهو متواتر معنوي على الأقل ، وبعضهم ادّعى له التواتر اللفظي ، ولو لبعض صوره ، لأن له صوراً عديدة .
وأنتم لاحظوا في حواراتكم هل من المناسب أن تجعلها صدمة لهم أو لا ؟ فإذا كان وهابياً فاصدمه ، وأمّا إذا كانوا معتدلين باحثين عن الحقيقة اطرح عليهم طريقة التساؤل بالطريقة اللطيفة العفوية ، أنّه عجيب غريب أنكم لماذا أجمعتم على العمل بحديث ضعيف بإجماعكم وهو (كتاب الله وسنتي) ـ وتنبّه على أنّنا نؤمن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، بينما الكلام كحديث ـ و (كتاب الله وعترتي) رغم أنّ هذه القضية بطبيعة الحال تواجه مجابهة وصد عظيم جداً من المخالفين والسلاطين ومع ذلك كان هذا الحديث ثابت ووصلنا بشك متواتر على الأقل بالمعنى ، ومع ذلك فقد هجرتموه جميعاً ، فما القضية وما السر ؟ فكيف أنت تدعي أنَّك تؤمن بالسنة النبوية ، أليس حديث (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وقد جهد الظالمون لإخفاء هذه السنّة ، وما استطاعوا إخفائها ، ومع ذلك قد وصل إلينا متواتراً ومجمعاً على صحته ، فالبعض ادعى الاجماع على صحته ، ومن خالف في ذلك فالحجة التي أبرزها هي حجة ضعيفة .
إشكال: أنتم تقولون إنَّ الإمامة أصل من الأًصول ، فتحتاج المسألة إلى آية محكمة ليست متشابهة .
الجواب : طبعاً لا يصحّ لنا الاعتماد على آية إلاّ إذا كانت محكمة ، والاستشهاد بآية على آية ، وربط الآيات ببعضها البعض تجعل القضية واضحة جداً ، فسؤالك له وجوابه لك دليل على هذا ، فقد عبرنا مسألة التشابه والإجمال وغير ذلك ، فهذه المسألة قد انتهت ، فبهذه الطريقة التي اتّبعناها فلا مجال للإجمال والتشابه.
إشكال : إن تصرف المخالفين بحديث الثقلين إنّما هو من جهة المعنى ، بمعنى عدم لزوم اتباع الكتاب والعترة ، وإنّما كان الرسول يُرشد إلى العناية بالعترة .
الجواب : هذا أيضاً الذي يذهب إلى هذا المعنى ، فإنَّه يعترف بأنّه يذهب إلى خلاف الظاهر ، لاحظوا كيفية الاستدلال بحديث الثقلين :
يقول صلى الله عليه وآله : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، فلاحظوا في كلمة (لن تضلوا) وهي نافية تأبيدية ، فتنفي الضلالة عمّن تمسَّك بهما ، وقوله (تمسكتم) هو من التمسك ، فأين الاعتناء وأين التمسك ؟ بحيث أن المتمسك بهما يكون معصوماً من الضلال ـ وذلك بنصّ الحديث ـ .
أخواني فكِّروا في هذه الأمور (ستفترق أمتي ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة) يعني أن نسبة النجاة والنجاح هي 1 من 73 .
إذن : كل واحد من الـ 73 نسبة كونه من ******ن ومن أهل الجنة هو 1 من 73 ، فهذا يعني أن الكل متّهم ، والكل مشتبه ، فكيف يخرج من هذا الاشتباه وهذا الاتهام ؟
لا يخرج من هذا الاتهام إلا بدليل قطعي يقيني أليس كذلك ؟ باعتبار أن جميع هؤلاء يتّبعون أئمة ، فنسأل هذا السؤال : هل ترك الله سبحانه وتعالى الأمة بلا إمام معصوم في نفسه عن الضلال والإضلال ؟ والحاجة مماسّة إلى وجود معصوم عن الضلال والإضلال إلى يوم القيامة ، فكيف نحصِّل اليقين بأنَّنا الفرقة ******ة ؟ فطبعاً نحتاج إلى أدلة قوية ، وبراهين قوية ، ونصعد من نسبة الـ 1 إلى الـ 73 .
إذن : القضية ليس فيها أي تسامح ، ويتلخَّص الأمر بالبرهان {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} .
ينبغي طرح هذه المسألة لوحدها ، حتّى يُشكِّل خوفاً لدى الطرف الآخر من المخالفين .
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي لن يفترقا ) تعال الآن للكتاب ، ما هي أوصاف الكتاب ؟ هل الكتاب يقبل الخطأ ؟ هل يقع فيه الباطل ؟ بل كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من عزيز حميد ، فلو كان أهل البيت عليهم السلام ـ وهم عدل القرآن والذين لا يفارقون القرآن ـ يتطرَّق إليهم الباطل بأن يفعلوا صغيرة من الصغائر ، أو كبيرة من الكبائر ، أو يشتبهوا في حكم الله فقد تطرَّقوا إلى الباطل ، فافترقوا عن القرآن الكريم بذلك أو لم يفترقوا ؟ طبعاً تفرّقوا ، مع أن النبي صلى الله عليه وآله يقول (لن يفترقا) .
أحكام الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، هل هي أحكام ظاهرية أو أحكام واقعية ، فإن كان أهل البيت عليهم السلام يتّبعون الأحكام الظاهرية وأنه قد يصيب وقد يخطئ ، فطبعاً قد وقع الافتراق بينهم وبين القرآن ، والحال أنّ النبي يقول (لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ) .
ومن هنا ثبتت عصمتهم .
الإشكال : السنة فيها مؤيدات أكثر ، فالسنة تتوفر فيها كل الشروط من العصمة وعدم الخطأ و.. ؟
الجواب : ما هي السنة ؟ تارة نتكلم عن السنة الواقعية ، صحيح ، أي ما نعلم بحتمية صدوره عن المعصوم ، طبعاً الكل يدّعي وصلاً بليلى ، ولا تقرّ ليلى لهم بذاك ، فكلامنا هل هو أمام السنة الواقعية أو السنة الظاهرية ؟ طبعاً كل هذه حكايات عن السنة الواقعية .
قد تحلف بالله مليون مرة بأنها صادرة من النبي ، ولكن هل كلها محكمات وليس فيها متشابهات ؟ هل جميعها مبيّنات ليست فيها مجملات ؟ هل جميعها مطلقات وليست بحاجة إلى مقيِّدات ؟ وهل جميعها عمومات قد تطرأ عليها التخصيص ؟
الإشكال : هذا الكلام يرد على الاستدلال بالقرآن الكريم أيضاً .
الجواب : طبعاً نحن لا ندّعي أننا نقف على القرآن الكريم ونعلم به جميعاً ، ولكننا نأخذ بالمحكم ، لذلك آية آية، ومن هنا السنة ليست عاصمة ، نعم السنة الواقعية عاصمة ، بل السنة العاصمة هي السنة الواقعية التي تستطيع بها أن تعرف هذا العام أين يُخصص وأين لا يُخصص ؟ وهذا المطلق متى يقيد وأين لا يُقيد ؟ وهذا المجمل متى يبين؟ وهذا المتشابه أين حلّه؟ نعم السنة إذا كانت قطعية فلا بأس في المسائل التي تحتاج القطع .
مسألة أخرى في حديث الثقلين : لقد وصف الله سبحانه وتعالى القرآن بأوصاف ، {تبياناً لكل شيء} ، ويقول : { ما فرّطنا في الكتاب من شيء } { و كل شيء أحصيناه كتاباً } .
هنا معلومة صغيرة.. هذا ليس القرآن بل هو الكتاب المبين ، والكتاب المبين جعله الله تعالى قرآناً ، {حم والكتاب المبين إنّا جعلناه قرآنا عربيا} فالشيء بعد الجعل هو نفس الشيء قبل الجعل أم غيره ؟ طبعاً غيره ، ولكن هل هي مغايرة تامة أم مغايرة بوجه ؟ لا بُدَّ أنها مغايرة من وجه ، فقد صار القرآن قرآناً ، واكتسى بكسوة العربية بالألفاظ ، وإلّا فلو بقينا مع الكتاب المبين فهي { ما فرَّنا في الكتاب من شيء } ، ويقول { وكل شيء أحصيناه في كتاب مبين } ، والآن تعال إلى سورة الدخان حيث يقول تعالى { حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا } أو سورة الزخرف ، فأصبح قرآنا .
فمظهر الكتاب المبين هو القرآن ، والنتيجة أنّ الكتاب المبين موجود في القرآن ، وحقائق القرآن كلها هي عبارة عن الكتاب المبين ، فالقرآن هو المرتبة النازلة ـ لان التنزيل غير الكتاب المبين ـ والكتاب المبين هو الرتبة الصاعدة للقرآن .
إذن : { ما فرّطنا في الكتاب من شيء } {تبياناً لكل شيء} تعالوا معي فنقول : إن كان أهل البيت عليهم السلام كبقية الناس يعلمون أشياء ولا يعلمون أشياء ، إذن : وقع الافتراق بينهم وبين القرآن فيما لا يعرفون أو لا ؟ طبعاً وقع ، وهذا خلاف قول النبي (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ، ومن هنا : تعرف وجه التساوي بين قوله تعالى { وكل شيء أحصيناه كتابا } وقوله { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } .
فحديث الثقلين يغني عن كل حديث ، لأنّه ما من مطلب يتعلق بإمامة أهل البيت عليهم السلام أو مزية من حيث الحجية إلا ويوجد في حديث الثقلين .
إشكال : إذا كان الافتراق لا يقع ، فالآن القرآن موجود ، فأين المهدي ؟ فقد وقع الافتراق ؟
الجواب : هذه جدليات ، أولاً :العنصر المقوِّم للحجية ـ أي حجية الخليفة ـ هل هو وجوده أو ظهوره ؟ فطبعاً وجوده ، فالنبي صلى الله عليه وآله عندما كان في المدينة أو في المسجد هل كان ظاهراً لأهل مكة ؟ طبعاً لا ؛ بل حتى وهو في المسجد هل هو ظاهر لجيرانه ؟ طبعاً لا ، فإذا كانت قضية الظهور هي المقوِّمة للحجية لانثلمت حجية النبي صلى الله عليه وآله ، لأنَّه في مكان محدود وزمان محدود ، فهل هذا يعني عدم حجيته ؟
يعني إبراهيم عليه السلام عندما جعله إماما ، فهل يؤثر في إمامه أنّ أكثر أهل الأرض كانوا جاهلين بإمامته أو لا ؟ هل خفي عليهم أو لا ؟ وكذا غيبات الأنبياء ، بالإضافة إلى أنَّه الآن .. هل النبي حجّة علينا أو لا ؟ مع أنّه الآن غائب عنّا !!
الآن كتاب الله موجود أو لا ؟ يقول الله تعالى { إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون } فلو كان أهل البيت قد خلى منهم مقامهم ولا يوجد منهم أحد فقد وقع الافتراق بينهم وبين القرآن ، لو أنه لا يوجد من أهل البيت عليهم السلام مَنْ يمثِّلهم ويكون قريناً وعدلاً للقرآن ، معناه أنه وقع الافتراق بينهم وبين القرآن ، وهذا خلاف قوله صلى الله عليه وآله {ولن يفترقا} ، فثبت وجود الإمام عليه السلام .
وقد مرَّ سابقاً أنّ الجعل موجود في قوله تعالى { إني جاعل في الأرض خليفة } فالجعل موجود ، فعلى الشخص الذي ينكر أن يثبت ان الجعل قد انقطع .
نعم قد حرم الناس أنفسهم من كثير من منافع الظهور وإقامة العدل بظلمهم ، ولكنه غائب فلو ظهر عليه السلام وانقاد له الخلق لظهرت أعظم المنافع .
والحمد لله رب العالمين
تنبيه : تم تصحيح المحاضرة بصورة أولية سريعة ، ولم يتم التدقيق . وشكراً