في مقابل هذه الإنسانية الرفيعة ، تفاجؤك صورة منفِّرةٌ رسمتها مخيلة بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله بأنه قاسٍ لاينبض قلبه بالعاطفة، ولا تدمع عينه على أحد ! وأنه حاقدٌ يعذَّب بدقِّ المسامير بالأيدي الى الحائط ، ويسمل عيون آخرين بمسامير الحديد المحماة ، ويقطع أيديهم وأرجلهم ويتركوهم ينزفون حتى يموتوا ، ثم يحرقهم بالنار!! نعم، كل ذلك لأجل تبرير قسوة حكام قريش !
كيف نصدقهم في أن النبي صلى الله عليه وآله كان قاسي القلب ؟!
قالت عائشة -كما تعودنا بطعنها برسول الله صلى الله عليه واله- كما في مسند أحمد:6/141:
(ثم دعا سعد(بن معاذ)قال: اللهم إن كنت أبقيتَ على نبيك(ص)من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك . قالت فانفجر كَلْمُهُ (جرحه) وكان قد برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص ، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله(ص). قالت عائشة: فحضره رسول الله(ص)وأبو بكر وعمر ، قالت: فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل رحماء بينهم !
قال علقمة: قلت أي أمَّهْ ، فكيف كان رسول الله(ص) يصنع ؟ قالت:كانت عينه لاتدمع على أحد! ولكنه كان إذا وَجَدَ فإنما هو أخذ بلحيته)!!
ومقصود عائشة أن أبا بكر وعمر أكثر رقةً وإنسانيةً من النبي صلى الله عليه وآله فقد كانا يبكيان وينتحبان على سعد بن معاذ ، عندما كان يحتضر في خيمته في المسجد ، أما النبي صلى الله عليه وآله فلم يكن يبكي على أحد ، بل كان إذا تأثر أو غضب ، يشدُّ بشعر بلحيته كمن يريد أن ينتفها !!
معاذ الله ، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله ! وكيف يصدق عاقل أن النبي العطوف الرحيم صلى الله عليه وآله كان بهذه الصفة ، وقد روى الصحابة بكاءه في مناسبات عديدة ،
ففي البخاري:8/186: (فلما دخلنا ناولوا رسول الله(ص) الصبي ونفسه تقلقل في صدره ، حسبته قال كأنها شِنَّة ، فبكى رسول الله (ص) ، فقال سعد بن عبادة: أتبكي؟ فقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء ).
وكيف نصدق أن عمر كان أرق منه ؟! وغلظته وشدته مضرب المثل ! وهو الذي كان ينهى عن البكاء على الميت ، ويضرب عليه بالسياط ؟!
إن هذه الرواية وأمثالها في مصادر المسلمين نفثات شيطان سيئة ، تشوه شخصية النبي صلى الله عليه وآله الذي استطاع بتعليم ربه أن يطلق من منطقة الجزيرة القاحلة القاسية ، أعظم مد حضاري إنساني وأرحمه بالبشرية ، وأقله كلفة على الإطلاق حيث لم يتجاوز مجموع الذين قتلوا في معاركه من الطرفين ست مئة شخص !
بينما بلغت خسائر المسلمين في حرب الجمل وحدها التي سببتها عائشة صاحبة هذه المقولة في تمرُّدها مع طلحة والزبير على الخليفة الشرعي ، عشرين ألف قتيل !!
ماذا قال مفسروهم وفقهاؤهم في آية العقوبة والمحاربة ؟
إذا رجعت في مصادرهم الفقهية الى بحث نهي النبي صلى الله عليه وآله عن المُثْلَة ، أو الى تفسير قوله تعالى:وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. (النحل:126) أو تفسير قوله تعالى: إنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أيديهم وأرجلهم مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.(المائدة:33)
اقشعرَّ بدنك مما ينسبونه الى النبي صلى الله عليه وآله من القتل والتمثيل بالناس !!
مخالفين بذلك ما رووه ورويناه من أن النبي صلى الله عليه وآله عندما رأى تمثيل قريش وآل سفيان بجثة عمه حمزة في أحد، وأخبروه أن هنداً أم معاوية قطعت كبده ولاكت قطعة منه فلم تستطع مضغها فلفظتها !
قال صلى الله عليه وآله إنه سيقتص بالتمثيل بهم ، فنزل قوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ . فقال النبي صلى الله عليه وآله : أصبر أصبر . ونهى المسلمين عن المثلة حتى بالكلب العقور !
ففي مجمع الزوائد:6/120:
(أحزنه ما رأى به فقال: لئن ظفرت بهم لأمثِّلَنَّ بثلاثين رجلاً منهم، فأنزل الله عز وجل في ذلك:وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ، إلى قوله: يمكرون ... ولما نزل القرآن عفا رسول الله(ص) وتجاوز ، وترك المُثَل ). انتهى.
وفي نهج البلاغة:3/77: (يابني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون قتل أمير المؤمنين ، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي ، أنظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة ، ولا يُمَثَّل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور). انتهى.
لكنَّ رواة السلطة مع ذلك، نسبوا الى النبي صلى الله عليه وآله أنه بعد يوم أحد بثلاث سنوات قتل أشخاصاً ومثَّل بهم ، وسَمَلَ عيونهم !
أي فقأها بمسمامير محماة ، وتركهم عطاشى حتى ماتوا ، بل رووا أنه أحرقهم بالنار !! وأن ذلك كان في السنة السادسة للهجرة ، أي بعد معركة أحد بثلاث سنوات ! (تفسير القرطبي:2/146).
كل ذلك لتبرير فعل أبي بكر ، وإحراقه رجلين بالنار !
وقد ارتكب كل فقهائهم نسبة هذه التهمة الى النبي صلى الله عليه وآله مع الأسف !
وحجتهم أن البخاري وغيره رووها عن رواة موثوقين !
قال البخاري في صحيحه:1/64:
(عن أنس قال: قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتَوَوُا المدينة ، فأمر لهم النبي(ص) بلقاح ، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها ، فانطلقوا ، فلما صحُّوا قتلوا راعي النبي (ص)واستاقوا النعم ، فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم ، فلما ارتفع النهار جئ بهم فقَطَعَ أيديهم وأرجلهم وسُمِّرتْ أعينهم ، وأُلقوا في الحرة ، يستسقون فلا يسقوْن ) http://www.dorar.net/hadith?skeys=%2...2&st=a&xclude=
.وقال بخاري في:5/70: (فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتركوا في ناحية الحرة ، حتى ماتوا على حالهم . قال قتادة بلغنا أن النبي(ص) بعد ذلك كان يحثُّ على الصدقة ، وينهى عن المُثْلة ). انتهى.
ومقصوده أن النبي صلى الله عليه وآله تاب بعد ذلك ، وكان ينهى المسلمين عن المثلة ، ويحث على التصدق ويتصدق ليغفر له الله ما ارتكبه من المثلة !!
وقال بخاري في:4/22: (فبعث الطلب فما ترجَّل النهار حتى أتيَ بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ، ثم أمر بمسامير فأحميت فكحَّلهم بها ، وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون ، حتى ماتوا ) .
وروى مثله أبو داود:2/331 .وقال في عون المعبود:12/15 قال المنذري: وأخرجه البخاري، ومسلم والنسائي (بمسامير)جمع مسمار... (فكحَّلهم) أي بتلك المسامير المحماة . (وما حسمهم) الحسم الكي بالنار لقطع الدم ، أي لم يَكْوِ مواضع القطع لينقطع الدم بل تركهم .
ورواه مسلم:5/102، وفيهفجئ بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم ، وسمِّرت أعينهم ، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا ... وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون). ورواه أبو داود:1/602، والترمذي:2/431
وفي سبل الهدى:6/116: ( قال أنس كما عند ابن عمر: خرجت أسعى في آثارهم مع الغلمان حتى لقي بهم رسول الله (ص) بالرغابة بمجتمع السيول ، فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها ) .
(قال جرير: فكانوا يقولون الماء ، ويقول رسول الله(ص): النار ! وقد حكى أهل التواريخ والسير: أنهم قطعوا يدي الراعي ورجليه وغرزوا الشوك في عينيه حتى مات ، وأدخل المدينة ميتاً ! وكان اسمه يسار وكان نوبياً. وكان هذا الفعل من المرتدين سنة ست من الهجرة. وفي بعض الروايات عن أنس: أن رسول الله (ص) أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم) !!
زعموا أن الله تعالى وبَّخ نبيه صلى الله عليه وآله على ما ارتكب !
قال الشوكاني في نيل الأوطار:7/331:
(وعن أبي الزناد: أن رسول الله(ص)لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار ، عاتبه الله في ذلك فأنزل: إنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا.. الآية. (المائدة:33). رواه أبو داود والنسائي ... حديث أبي الزناد مرسل ، وقد سكت عنه أبو داود ، ولم يذكر المنذري له علة غير إرساله ، ورجال هذا المرسل رجال الصحيح ، وقد وصله أبو الزناد من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمر ، عن عمر ، كما في سنن أبي داود في الحدود ، ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس: أن ناساً أغاروا على إبل رسول الله(ص)وارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي رسول الله(ص) مؤمناً فبعث في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم قال: فنزلت فيهم آية المحاربة ... وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر ، أن الآية نزلت في العرنيين) . انتهى.
يقصد الشوكاني أن النبي صلى الله عليه وآله ارتكب ذنْب سمْل العيون والمُثلة ، فعاتبه الله وأنزل آية حكم المحاربين المفسدين بقطع الأيدي والأرجل فقط !
وقال الطبري في تفسيره:6/285: ( حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: ذاكرت الليث بن سعد ماكان من سمل رسول الله (ص) أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا ! فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله (ص) معاتبةً في ذلك ، وعلَّمَه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي ، ولم يسمل بعدهم غيرهم . قال: وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو فأنكر أن تكون نزلت معاتبة ، وقال: بلى كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم ، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم ، فرفع عنه السمل).انتهى.(والدر المنثور:2/278).
ومناقشة الوليد بن مسلم للَّيث ، وهما من كبار الرواة عندهم ، تدل على شكهم واستغرابهم نسبة المعصية والتوبيخ الإلهي الى النبي صلى الله عليه وآله ! بل نجد أن بعضهم تبرع بنفي ذلك ، واكتفى بنسبة نية ذلك فقط الى النبي صلى الله عليه وآله !
قال الطبري في تفسيره:6/285: (عن السدي قال: فبعث رسول الله (ص) فأتي بهم يعني العرنيين فأراد أن يسمل أعينهم ، فنهاه الله عن ذلك ، وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزلها الله عليه) . انتهى .
وقال الشافعي في الأم:4/259وإذا أسَرَ المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق ، ولم يجاوزوا ذلك إلى أن يمثلوا بقطع يد ، ولا رجل ولاعضو ولا مفصل ، ولا بَقْر بطن ، ولا تحريق ولا تغريق ، ولا شئ يعد مثلة . وما وصفت لأن رسول الله(ص)نهى عن المثلة وقتل من قتل كما وصفت .
فإن قال قائل: قد قطع أيدي الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم ، فإن أنس بن مالك ورجلاً رويا هذا عن النبي(ص) ، ثم رويا فيه أو أحدهما أن النبي (ص) لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلة .
أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح أن هبَّار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله(ص)بشئ فبعث النبي(ص)سرية فقال: إن ظفرتم بهبَّار بن الأسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه . ثم قال رسول الله(ص): سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل ، إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه . وكان علي بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح . أخبرنا ابن أبي يحيى، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن حسين قال: والله ما سَمَلَ رسول الله(ص) عيناً ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم ). انتهى.
ومقصود الشافعي أنه ثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بإحراق هبَّار بن الأسود بالنار ثم ندم وسحب أمره ، وهبَّار هذا تعرض لزينب ابنة النبي صلى الله عليه وآله في طريق هجرتها الى المدينة ، ونخس راحلتها وألقاها عنها فأسقطت جنينها !
كما ثبت عند الشافعي أن النبي صلى الله عليه وآله قد سمل أعين الذين سرقوا الإبل وقتلوا رعاتها ، لأنه يرجح رواية بخاري وغيره من رواة السلطة ، على رأي الإمام زين العابدين عليه السلام الذي نفى نسبة ذلك الى جده رسول الله صلى الله عليه وآله وحلف على نفيه !
وقال ابن حجر في فتح الباري:1/294: ( قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المُثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثلة . وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ . قلت: يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه . وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة وقد حضر الأمر ثم النهي . وروى قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ، ولموسى بن عقبة في المغازي: وذكروا أن النبي(ص)نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة ، وإلى هذا مال البخاري ، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي ) . انتهى.
يقصد ابن حجر أن نهي النبي صلى الله عليه وآله عن المثلة كان بعد نزول آية حد المحارب في سورة المائدة ، التي هي آخر سورة من القرآن ، وقد نزلت قبيل وفاة النبي ! ومعناه أنه صلى الله عليه وآله لم ينه عنها في السنة السادسة بعد قصة العرنيين !
بينما قال ابن نجيم في البحر الرائق:1/202: (والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر ، وأراد بالنهي المتأخر ما ذكره البيهقي عن أنس قال: ما خطبنا رسول الله(ص) بعد ذلك خطبة إلا نهى فيها عن المثلة ). انتهى.
أقول: وكل غرضهم من ذلك إثبات أن النبي صلى الله عليه وآله ارتكب المثلة في قصة العرنيين ، ونهى عنها بعدها مباشرة ، أو بعدها بثلاث سنوات !!
والصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله لم يرتكب المُثْلة ، وأنه نهى عنها في أحد
الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله لم يرتكب شيئاً من ذلك ، وأنه قد يكون نوى بعد مقتل حمزة وتمثيل بني أمية به ، أن يقتص منهم ، فأنزل الله تعالى ترجيح الصبر بقوله تعالى:وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَاعُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.(النحل:126) فاختار النبي صلى الله عليه وآله الصبر وأمر به المسلمين به ، ونهاهم عن المثلة التي نووها .
وكان ذلك في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة، قبل قصة العرنيين بأربع سنوات ، وقبل فتح مكة بست سنوات. وقد رواه الجميع واتفقت عليه الرواية عن أهل البيت عليهم السلام !
(راجع: تفسير القمي:1/123 ، وص392 ، وتفسير العياشي:2/274 ، والتبيان: 6/440 ، وقال: ذكره الشعبي وقتادة وعطاء. ومجمع البيان:6/135 و211 ، وجوامع الجامع:2/313 ، وشرح الأخبار:1/ 275 و:3/230، وذخائر العقبى ص 180و182 ، ومناقب آل أبي طالب:1/166، والهداية الكبرى ص 346 ، والعمدة ص 453 ، وإقبال الأعمال:3/83، ومستدرك الوسائل:2/257 ، وتفسير الميزان:12/203 ) .
وممن وافقنا منهم أو أورد رواية نزولها في أحد:
الحاكم في المستدرك:3/197 ، وابن حزم:10/377 ، والشوكاني في نيل الأوطار:8/172 ، وابن أبي شيبة في المصنف:8/485 ، والابيهقي في سننه:6/376، والطبراني في الكبير:11/52، ومحمد بن سلمة في شرح معاني الآثار:3/183، والمحاملي في أماليه ص 128، وابن حبان في صحيحه:2/239، والدار قطني في سننه :4/64، وابن حجر في فتح الباري :7/286، والزيلعي في نصب الراية:2/366، وابن أبي الحديد في شرح النهج:4/64و:15/17، والمناوي في فيض القدير:6/367 ، والنحاس في معاني القرآن:4/51 و112، والواحدي في أسباب النزول ص 192، والهيثمي في مجمع الزوائد:6/ 119 ، عن أبي هريرة ، وضعفها بصالح بن بشير ، وفي ص120، وضعفها بأحمد بن أيوب بن راشد).
والطبري في تفسيره:14/253، وقال: (وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية وقيل هي منسوخة أو محكمة)وكأنه رجح نزولها في أحد .
لكن القوم لايريدون الإعتراف بنزولها في أحد حتى لو رووه بسند صحيح !
بل حتى لو رواه البخاري كما شهد الثعالبي ، ولكنهم لايريدونه لأنه يكذب ما نسبوه الى النبي صلى الله عليه وآله من مُثلةٍ في قصة العرنيين في السنة السادسة ، وهم بحاجة الى هذه النسبة من أجل أبي بكر !!
قال السيوطي في الدر المنثور:4/135: (وأخرج ابن سعد ، والبزار ، وابن المنذر، وابن مردويه ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل ، عن أبي هريرة أن النبي(ص)وقف على حمزة حين استشهد فنظر إلى منظر لم ير شيئاً قط كان أوجع لقلبه منه ، ونظر إليه قد مثل به فقال: رحمة الله عليك ، فإنك كنت ما علمت وصولاً للرحم ، فعولاً للخيرات ، ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من أرواح شتى! أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك. فنزل جبريل والنبي (ص)واقف بخواتيم النحل:وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَاعُوقِبْتُمْ بِهِ.. الآية، فكفَّر النبي (ص)عن يمينه وأمسك عن الذي أراد وصبر .
وأخرج ابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص)يوم قتل حمزة ومُثِّل به: لئن ظفرت بقريش لامثلن بسبعين رجلاً منهم فأنزل الله: وإن عاقبتم.. الآية. فقال رسول الله(ص): بل نصبر يارب ، فصبر ونهى عن المثلة .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن جرير ، عن الشعبى قال: لما كان يوم أحد وانصرف المشركون فرأى المسلمون بإخوانهم مُثْلَةً، جعلوا يقطعون آذانهم وآنافهم ويشقون بطونهم ، فقال أصحاب رسول الله(ص): لئن أنالنا الله منهم لنفعلن ولنفعلن، فأنزل الله: وإن عاقبتم .. الآية ، فقال رسول الله(ص): بل نصبر. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلها بمكة ، إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة يوم أحد ، حيث قتل حمزة ومُثِّلَ به ، فقال رسول الله(ص): لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلاً منهم ، فلما سمع المسلمون ذلك قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، فأنزل الله: وإن عاقبتم فعاقبوا.. إلى آخر السورة ).
ولكن السيوطي مع كل هذه الروايات ، مال مع جمهورهم الذين لهم غرض في إثبات أن النبي صلى الله عليه وآله قد مثَّل بالعرنيين ، ورجح أن نزول آية العقوبة تأخر الى فتح مكة في السنة الثامنة !
قال في الدر المنثور:4/135: ( قوله تعالى: وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به.. الآية. أخرج الترمذي وحسَّنه ، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والحاكم وصحَّحه ، والبيهقي في الدلائل ، عن أبي بن كعب قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً ومن المهاجرين ستة منهم حمزة ، فمثلوا بهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربََينَّ عليهم ، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، فقال رسول الله(ص): نصبر ولا نعاقب كفوا عن القوم إلا أربعة) . انتهى. (وذكر نحوه في لباب النقول ص121).
كما رووا نزولها في فتح مكة وقَوَّوه وصححوا حديثه:كما في مسند أحمد: 5/135 والترمذي: 4/362، والحاكم:2/359 و466 ، والطبراني في الكبير: 3/144، والشوكاني في نيل الأوطار:8 /172، وابن كثيرفي تفسيره:2/614.
وأخيراً ، لوسلمنا صحة رواياتهم في نزول آية العقوبة في مكة، فلا تنافي رواية نزولها في أحد قبل خمس سنوات ! فليتهم سلكوا هذا المسلك العقلائي في الجمع بينها ، كما في هامش تفسير الجلالين ص510 ، قال:
(وظاهر هذا تأخر نزولها إلى الفتح ، وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد ، وجمع ابن الحصار بأنها نزلت أولاً بمكة ، ثم ثانياً بأحد، ثم ثالثاً يوم الفتح، تذكيراً من الله لعباده). انتهى.
ولكنهم لايريدون تكذيب جماعتهم في نسبة سَمْل العيون الى النبي صلى الله عليه وآله !! فروايتهم لاترد حتى لو لزم منها التنقيص من مقام النبي صلى الله عليه وآله ، والتناقض !
قال الطبري في تفسيره:6/283: (وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال: أنزل الله هذه الآية على نبيه(ص)معرفة حكمه على من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً ، بعد الذي كان من فعل رسول الله ( ص ) بالعرنيين ما فعل.... وقلنا: كان نزول ذلك بعد الذي كان من فعل رسول الله(ص)بالعرنيين ما فعل لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله (ص) بذلك) . انتهى .
أن سعيد بن جبير نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد سمل عيون أحد لقوله: (فما مثَّل رسول الله(ص) قبل ولا بعد ) ، وقد فهم النفي من عبارة ابن جبير ، لكن مقصوده بقوله إن النبي صلى الله عليه وآله ما فعل إلا في قصة العرنيين لا قبلها ولا بعدها ، إثباتها ونفي ما عداها ، وليس النفي المطلق .
وأصل رواية ابن جبير في تفسير الطبري:6/281 ، عن ابن شقيق قال: (حدثني سعيد بن جبير عن المحاربين ، فقال: كان ناس أتوا النبي(ص) فقالوا: نبايعك على الإسلام ، فبايعوه وهم كذَبَة وليس الإسلام يريدون . ثم قالوا: أنا نجتوي المدينة ، فقال النبي(ص): هذه اللقاح تغدو عليكم وتروح ، فاشربوا من أبوالها وألبانها . قال: فبينا هم كذلك إذ جاء الصريخ ، فصرخ إلى رسول الله (ص) فقال: قتلوا الراعي ، وساقوا النَّعم ! فأمر نبي الله فنودي في الناس أن: يا خيل الله اركبي . قال: فركبوا لاينتظر فارس فارساً . قال: فركب رسول الله (ص) على أثرهم ، فلم يزالوا يطلبونهم حتى أدخلوهم مأمنهم ، فرجع صحابة رسول الله (ص) وقد أسروا منهم ، فأتوا بهم النبي(ص) فأنزل الله: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله... الآية ، قال: فكان نفيهم أن نفوهم ، حتى أدخلوهم مأمنهم وأرضهم ، ونفوهم من أرض المسلمين ، وقتل نبي الله منهم وصلب وقطع وسمل الأعين . قال: فما مثَّل رسول الله (ص) قبل ولا بعد . قال: ونهى عن المثلة ، وقال: لاتمثلوا بشئ . قال: فكان أنس بن مالك يقول ذلك ، غير أنه قال: أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم ) . انتهى.
فقد صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله قتل منهم وصلب وقطع وسمل الأعين ، حتى بعد نزول آية المحاربة ، وأنه لم يكن فعل ذلك من قبل ولا فعله بعده ، بل نهى عن المثلة !
فقول ابن جبير أشد من قول غيره ! لأنه ينسب الى النبي صلى الله عليه وآله أنه سمل عيونهم وصلبهم حتى بعد نزول آية المحاربة ، وأنه ندم عليه ونهى عن المثلة !!
كما نسبت الرواية الى النبي صلى الله عليه وآله عن لسان أنس أنه أحرقهم بالنار ، وورد ذلك عن أنس في عدة مصادر ، وقد شابه أنس أبا الزناد الموظف عند بني أمية والذي قال عن النبي صلى الله عليه وآله : (فلما وُعظ ونُهِيَ عن المثلة ، لم يعد )!!(تفسير القرطبي:6/149) .
شهادة من الثعالبي على تحريف نسخة البخاري !
قال في تفسيره:3/448: (أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة وغيره في يوم أحد ، ووقع ذلك في صحيح البخاري وغيره ، وقال النبي(ص): لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بثلاثين ، وفي كتاب النحاس وغيره بسبعين منهم ، فقال الناس: إن ظفرنا لنفعلن ولنفعلن ، فنزلت هذه الآية ، ثم عزم على النبي(ص) في الصبر عن المجازاة بالتمثيل في القتلى. ويروى أنه عليه السلام قال لأصحابه: أما أنا فأصبر كما أمرت فماذا تصنعون؟ فقالوا نصبر يا رسول الله كما ندبنا الله ) .
أقول: في كلام الثعالبي أمران مهمان ، أولهما ، أن إطباق أهل التفسير على نزول الآية وصدور النهي عن المُثْلة في أحد ، أي السنة الثالثة للهجرة . والإطباق يشبه الإجماع ، ويدل على غلبة اتجاه تنزيه النبي صلى الله عليه وآله عند قدماء مفسريهم .
وثانيهما ، أن البخاري قد روى ذلك في صحيحه ، ولا نجده في صحيحه ولا في باقي كتبه ، فلا بد أن تكون نسخة الثعالبي مختلفة ، وأن يتجه الإتهام الى النسخة التي بأيدينا ، وأنهم أسقطوا منها ذلك الحديث ، أو حذفوه !
واتهموا النبي صلى الله عليه وآله بأنه لم يَسْقِ الماء لمن قتلهم ومَثَّلَ بهم !!
قال ابن حجر في فتح الباري:1/294:
( واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للاجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لايمنع ! وأجاب: بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي(ص) ، ولا وقع منه نهي عن سقيهم . انتهى . وهو ضعيف جداً لأن النبي(ص) اطلع على ذلك ، وسكوته كاف في ثبوت الحكم ). انتهى.
أقول: كأن ابن حجر يوافق ابن تيمية في قوله عن كتاب الشفاء لعياض: غلا هذا المغيربي !! ويقول لعياض: لاتغالِ في النبي صلى الله عليه وآله فقد كان سمْل العيون بأمره وعلمه !!
( نقله عن ابن تيمية الشريف الدكتور محمود السيد صبيح في كتابه أخطاء ابن تيمية حق رسول الله وأهل بيته ، عن فهرس الفهارس:1/201 لعبد الحي كتاني ).
وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله رضي أن تحمل اليه رؤوس المقتولين
لكن أبا بكر كان أتقى منه فلم يرضَ بذلك !
قال السرخسي في المبسوط:10/131:
(قال: وأكره أن تؤخذ رؤوسهم فيطاف بها في الآفاق لأنه مُثْلة ، وقد نهى رسول الله(ص)عن المُثلة ولو بالكلب العقور ، ولأنه لم يبلغنا أن علياً صنع ذلك في شئ من حروبه ، وهو المتبع في الباب .
ولما حمل رأس يباب البطريق إلى أبي بكر كرهه ، فقيل إن الفرس والروم يفعلون ذلك ، فقال: لسنا من الفرس ولا الروم ، يكفينا الكتاب والخبر !
وقد جوَّز ذلك بعض المتأخرين من أصحابنا إن كان فيه كسر شوكتهم ، أو طمأنينة قلب أهل العدل ، استدلالاً بحديث ابن مسعود حين حمل رأس أبي جهل إلى رسول الله(ص) فلم ينكر عليه ). انتهى .
ومعنى قول أبي بكر: (يكفينا الكتاب والخبر): تكفينا الرسالة والإخبار بقتل الشخص ، ولا حاجة الى إرسال رأسه.. هذا ، ويطول الأمر لو أردنا استقصاء كلمات فقهائهم ، فيما نسبوه الى النبي صلى الله عليه وآله من ارتكابه المُثلة المحرمة !
أهل البيت عليهم السلام دافعوا عن النبي صلى الله عليه وآله وكشفوا كذب الرواة !
كشف الإمام محمد الباقر عليه السلام أن أنس بن مالك كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله لكي يبرِّرَ للحكام انتهاك حقوق الإنسان وتعذيب من خالفهم من المسلمين ، وقال إن النبي صلى الله عليه وآله عذب شخصاً فدقَّ مساميرَ في يده بالحائط !
فقد روى الصدوق رحمه الله في علل الشرائع:2/541 ، عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: ( إن أول ما استحل الأمراء العذاب لكذبة كذبها أنس بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه سمَّر يد رجل إلى الحائط ، ومن ثم استحل الأمراء العذاب !!).انتهى.
وهذا يضع يدنا على سبب حرصهم في صحاحهم على نسبة التعذيب والمُثْلة الى النبي صلى الله عليه وآله !!
وقد سُجِّلت على أنس بن مالك سوابق في هذا المجال ، منها ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج:4/74 ، قال: ( ناشد علي عليه السلام الناس في رحبة القصر ، أو قال رحبة الجامع بالكوفة: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه . فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بها ، وأنس بن مالك في القوم لم يقم ، فقال له: يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها؟ فقال: يا أمير المؤمنين كِبرْتُ ونسيتُ ! فقال: اللهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة !
قال طلحة بن عمير: فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه . وروى عثمان بن مطرف: أن رجلاً سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال: آليت أن لا أكتم حديثاً سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة ، ذاك رأس المتقين يوم القيامة ، سمعته والله من نبيكم ). انتهى.
وفي الفضائل لابن شاذان ص164: (عن سالم بن أبي جعدة قال: حضرت مجلس أنس بن مالك بالبصرة وهو يحدث ، فقال إليه رجل من القوم فقال: يا صاحب رسول الله ما هذه النمثة التي أراها بك؟ فإني حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: البرص والجذام لايبلو الله تعالى به مؤمناً ؟ قال: فعند ذلك أطرق أنس بن مالك إلى الأرض وعيناه تذرفان بالدمع، ثم قال: دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب نفذت فيَّ ، فعند ذلك قام الناس من حوله وقصدوه وقال: يا أنس حدثنا ما كان السبب؟ فقال لهم: إلهوا عن هذا...الخ.).
وفي خلاصة عبقات الأنوار للسيد الميلاني:3/258: (لقد كذب أنس بن مالك في قضية الطير المشوي ، كما هو ظاهر كل الظهور على من راجع مجلد حديث الطير من كتابنا . كما أنه كتم الشهادة عندما ناشده أمير المؤمنين عليه السلام في جماعة عن حديث الغدير، فكتم الشهادة ، معتذراً بالنسيان كاذباً ، فدعا عليه الإمام عليه السلام وسرعان ما ظهر عليه أثر دعوته....) . انتهى.
وقد تقدم من كتاب الأم للشافعي إنكار الإمام زين العابدين عليه السلام لزعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله سَمَل عينَ أحد !
ورواه الشافعي أيضاً في مسنده ص315:
(أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن على بن الحسين قال: لا والله ما سَمَل رسول الله (ص)عيناً ، ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم ). انتهى. http://www.islamweb.net/hadith/displ...639&pid=612757
ورواه البيهقي في سننه:9/70 ، وقال: (حديث أنس حديث ثابت صحيح ، ومعه رواية ابن عمر ، وفيهما جميعاً أنه سمل أعينهم ، فلا معنى لإنكار من أنكر ، والأحسن حمله على النسخ ). انتهى . ومعناه أن البيهقي لم يأخذ بشهادة الإمام زين العابدين عليه السلام ، ورجح شهادة أنس بن مالك وعبدالله بن عمر عليها !!
وتغافل عن شهادة ابن عباس التي تنزه النبي صلى الله عليه وآله ،
والتي رواها الطبري في تاريخه:2/208: (عن ابن عباس قال: إن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول الله(ص)وقول أصحابه: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به.. إلى آخر السورة ، فعفا رسول الله(ص)وصبر ونهى عن المثلة ). انتهى .
وتغافل عن شهادة ابن عباس التي رواها ابن هشام في سيرته:3/611، قال: (عن ابن عباس ، أن الله عز وجل أنزل في ذلك، من قول رسول الله(ص)وقول أصحابه: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به...الآية ، فعفا رسول الله (ص) وصبر ونهى عن المثلة ) . انتهى.
الأسئلة
1 ـ ذكرت مصادركم العديد من أخطاء النبي صلى الله عليه وآله وذنوبه ، ولم تعترف بأي خطأ أو ذنب لأبي بكر وعمر ، فهل تعتقدون عملياً بعصمتها ، وهل تستطيعون أن تجدوا ولو معصية واحدة لكل منهما ؟!
2 ـ هل تصدقون حديث عائشة الذي ينتقص من إنسانية نبينا صلى الله عليه وآله ، حيث جاء فيه: ( قالت: فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل رحماء بينهم ! قال علقمة: قلت أيْ أمَّهْ ، فكيف كان رسول الله (ص) يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ! ولكنه كان إذا وَجَدَ فإنما هو آخذ بلحيته ). ؟!
3 ـ ما هو مقصود عائشة من قولها عن أبي بكر وعمر (إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عز وجل: رحماء بينهم)؟!
4 ـ هل كانت عائشة وطلحة والزبير على حق في خروجهم على الخليفة الشرعي ، أم أخطأوا ، وهل تابت عائشة من خطيئتها ، وهل دفعت ديات الذين قتلوا من الطرفين بسببها ؟!
5 ـ بماذا رجحتم أحاديث نزول آية العقوبة بعد ذنب النبي صلى الله عليه وآله وتمثيله بالرعاة العرنيين ، على أحاديث نزولها في أحد؟ مع أن في هذه الصحيح وفي تلك الصحيح حسب موازينكم؟ وإذا وجدت أحاديث صحيحة متعارضة بعضها يطعن في النبي صلى الله عليه وآله وبعضهاينزهه ، فأيهما ترجحون ؟
6 ـ قال البخاري في:5/70: ( فأمر بهم فسمَّروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم . قال قتادة بلغنا أن النبي(ص) بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة ). انتهى. هل معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله عصى الله في سمل أعينهم والتمثيل بهم ثم تاب ؟!
7 ـ تكررت عبارة (سرقوا لقاحه) في أحاديث الباب ، فهل كانت الإبل ملكاً شخصياً للنبي صلى الله عليه وآله ؟ وهل تتصورون أنه غضب لنفسه ومثَّل بهم ؟!
8 ـ رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله هدر دم هبَّار بن الأسود ، لأنه روَّع ابنته زينب وأسقط جنينها ، وأمر بحرقه بالنار ثم تراجع عن حرقه وبقي حكمه بهدر دمه ، قال الشافعي في كتاب الأم:4/259: ( أن هبَّار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله(ص)بشئ ، فبعث النبي(ص)سرية فقال: إن ظفرتم بهبَّار بن الأسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه . ثم قال رسول الله(ص): سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل ، إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه) !
فهل يجري هذا الحكم على من روَّع ابنته الزهراء عليها السلام حتى أسقطت جنينها ؟!
9 ـ لماذا لاتقبلون نفي أهل البيت عليهم السلام رواية تمثيل النبي صلى الله عليه وآله بالعرنيين وغيرهم مع أن أهل البيت النبوي؟ عليهم السلام أدرى بما فيه ، وأعرف بسيرة أبيهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد أوصاكم النبي صلى الله عليه وآله بالثقلين القرآن والعترة ، فهل هي وصية مستحبة عندكم وليست واجبة ؟!
10 ـ ما رأيكم في قول الثعالبي: ( أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة وغيره في يوم أحد ، ووقع ذلك في صحيح البخاري وغيره ) . والثعالبي عندكم إمام جليل ، فهل أن نسخ المغرب الإسلامي من البخاري تختلف عن نسخه المشرقية ؟! وقد جاء في ترجمة الثعالبي في مقدمة تفسيره: (عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف ، يكنى أبا زيد ، ويلقب بالثعالبي الجزائري ، المغربي، المالكي . مولده: ذكر صاحبا شجرة النور الزكية ، والأعلام أنه ولد سنة 786 هـ جزماً ) وجاء في مقدمةتفسير ابن كثير: (الجواهر الحسان للثعالبي (ت876 ه ) مؤلفه أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الجزائري المغربي المالكي ، الإمام الحجة ، العالم ، الزاهد الورع ، وقد اعتمد في تفسيره على تفسير ابن عطية وأبي حيان وزاد عليهما ، وهو يذكر الروايات المأثورة بدون أسانيدها ، وإذا ذكر الإسرائيليات تعقبها بالنقد والتمحيص . وقد طبع الكتاب في الجزائر في أربعة أجزاء ). فما رأيكم ؟!
11 ـ ما رأيكم في اختلاف نسخ البخاري حتى المطبوعة منها، ففي نسخة طبعة حيدر آباد الهند مثلاً أن عمر قال عمر إن النبي ليهجر !
وهل صح عندكم أن نسخة البخاري كانت مسودة ، فصححوها من بعده ؟!
12 ـ ما رأيكم في قول ابن تيمية إن عياضاً قد غلا في النبي صلى الله عليه وآله في كتابه الشفاء ، وهل نفي عياض عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ترك الرعاة العرنيين ينزفون ويعضون الأرض من العطش ، ولم يسقهم ، غلوٌّ بالنبي صلى الله عليه وآله ؟! وهل الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام مغالٍ في جده رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه نفى كل ذلك ؟!
13 ـ هل تقبلون رواية السرخسي في المبسوط:?10/131 ، بأن أبا بكر لم يقبل بحمل رأس المقتول اليه ، بينما قبل ذلك النبي صلى الله عليه وآله ؟!!
14 ـ ما رأيكم في تكذيب أهل البيت عليهم السلام لمالك بن أنس ، وفي كتمانه فضائل علي عليه السلام ؟