بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قولي .عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله .
ومن تقوى الله عز وجل أن يهتمَّ المسلمُ بأمور المسلمين ، كما ورد في الحديث النبوي الشريف ؛ الذي رواه العموم والخصوص .
طبيعة الثقافة الإسلامية ، والفكر الإسلامي ، تفرض على المسلم أن يتجاوز أنانياته ؛ فيستشعر آلامَ الآخرين وآمالَهم ، فإن الله عز وجل ، كما نص عليه القرآن الكريم ﴿ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ البقرة/195 ] . كما أن رحمته عز وجل ﴿ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ الأعراف/56 ] .
والإحسان إلى الآخرين يأخذ أكثر من شكل وأكثر من صورة ، لذلك سأتحدث في محورين ؛ مستفيداً من بعض ما جاء من الروايات عن النبي وآله ( عليهم السلام ) .
المحور الأول : وجوب الاهتمام بأمور المسلمين :
1 - الإمام الصادق ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) يروى عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أنه قال ؛ في ما يتعلق بوجوب الاهتمام بأمور المسلمين ، قال : من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم )(١)
وهذه الصيغة لا تُحمل ، كما يعرفه المتخصصون في هذا الباب ، على نفي الإسلام حقيقةً ؛ جملةً وتفصيلاً ، على الإنسان الذي يقصر في الاهتمام بأمور المسلمين ، وإنما ينثلم كمالُ إسلامِه . بمعنى أن كمال حقيقة الإسلام حُرِم منها، ويُحرم منها ، الشخصُ الذي لا يبالي المسلمين من مصائب وهموم ؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن لا يهتم بأمور المسلمين ، ولم يقصر في جانب من الجوانب ، بالتالي إما أنه لم يأمر بمعروف واجبٍ عليه ، أو لم ينهَ عن منكرٍ واجب عليه ، أو لم يفِ بما يجب عليه ، أو يقع في مخالفةٍ شرعيةٍ من المخالفات .
معنى الاهتمام بأمور المسلمين :
والمقصود بالاهتمام هو : أن تجعل هموم الآخرين جزءً من همومك .
أ - فمثل ما أن الإنسان إذا ابتلي بمصابٍ يصيبه الهمُّ والغمُّ . كذلك ما يقع على الآخرين ، حتى في حدود أنه مريض . هذا الإنسان المسلم مريض ، أن تهتم به يعني أن تدعو الله ، أن ينشغل قلبك بما اشتغل به في مرضه هذا . فإذا كنت تعرف طبيباً لا يعرفه ، من الاهتمام به أن ترشده إلى أن هذا الطبيب قد ينفعك في رفع هذا الداء الذي حلَّ بك .
ب - هذه المشكلة الفلانية التي واجهها في المسائل المادية والمعنوية أن ترشده ؛ لأن ( الدين النصيحة (٢)وأن هذا من باب الإحسان ، كما ورد عن الامام الصادق ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) .
.
2 - الإمام الصادق ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) لَمَّا سُئِل ، أو كان يتحدث عن قول الله عز وجل ؛ على لسان عيسى ( عليه السلام ) ، ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ [ مريم / 31 ] ، الإمام يشرح يقول : أي نفاعاً ، يعني كثير النفع . حيثما حل ، في أي مكان ، في أي زمان ، البركة تعني النفع ، يعني لا يكون الإنسان قليل النفع للآخرين ، بل هو يبذل ما آتاه الله عز وجل من الخيرات والبركات مادياًّ ومعنوياًّ ، مثل ما ينفع بها نفسه لا يقبل أن يكون أنانياًّ ؛ فيحتكرها لنفسه فقط ، مع قدرته على إيصال هذا النفع للآخرين ، وكون الآخرين ينتفعون به .
المكافأة على الاهتمام بأمور المسلمين :
مكافأة هذا النوع من الاهتمام ، هذا النوع من الشغل الذي يفترض بنا أن ننشغل بها ، عديدةٌ جداًّ .
في هذا الباب نفسه الذي يروي الشيخ الكليني ( رضوان الله عليه ) في كتاب الأصول ، أصول الكافي ، يروي بالإسناد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أنه قال . يعني ما الذي يكافئ اللهُ عز وجل به من يهتم بأمور المسلمين ، وهذا إطار عام ، التطبيقات كثيرة جداًّ . يعني لا يمكن أن نشير إلى أن هذا الاهتمام بهذه المسألة وحدها هو المصداق الوحيد للاهتمام بأمور المسلمين .كل أمر من أمور المسلمين عموماً يدخل تحت هذه القاعدة .
نعم ، قد تكون ثمة قضايا تحمل أولوية على غيرها من القضايا ؛ لسبب أو لآخر ، وسنشير إلى بعضها .
يقول ( صلى الله عليه وآله ) ، كما في الخبر : أنسك الناس نسكاً ) ؛ أي : أشدهم تعبداً ، أكثرهم حملاً أو انطباق عنوان العبادة عليه ( أنصحهم جيباً ) يعني أكثر الناس نصيحةً . والإنسان كيف يكون ناصحاً ؛ يعني يحمل الرغبة في جوانحه للآخرين أن يكونوا على الشيء الذي يتمناه لهم ، هكذا ، حتى إذا إلى نظر الآخرين نظرةً ناقدةً ينظر وينقد ليس من باب التشفي ، بل من باب الإشفاق . هذه الروح تفرض عليه شكلَ أداءِ النصيحة . يعني إذا أراد أن ينصح الآخرين سيختار أفضل السبل في تقديم النصيحة لهم ، كما جاء في الخبر عنهم ( عليهم أفضل الصلاة والسلام ) (٣).
إذا خيرت بين أن ، يعني أوتيت إمكانية النصح والوعظ سراًّ وعلناً ، لماذا أختار النصيحة العلنية . النصيحة العلنية مع إمكان النصيحة السرية المؤثرة لا ينبغي أن نلجأ إليها ؛ لأن فيها تشهيراً ؛ بشكل أو بآخر .
نعم ، لو كان الأمر هاماًّ والنصيحة السرية غير متوفرة ، لأي سبب من الأسباب ، بالإمكان الانتقال إلى النصيحة العلنية ، مع مراعاة الضوابط الشرعية بكل جوانبها ، وتقديمها على الوجه المطلوب فـ( أنسك الناس نسكاً أنصحهم جيباً ، وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين (٤)
هو ينظر من الناحية القلبية إلى جميع المسلمين كما لو كانوا نفسه ، قلبه تجاههم لا يحمل الغل ولا الحقد ولا الإزعاج ، بل إن ما يصيبه من الأذى يصيبه . لذلك هو كثير الاهتمام بشؤونهم ، كثير الاشتغال من الناحية النفسية بهم .
هذا في ما يتعلق بالمكافآت الشكل الأول من أشكال المكافأة الكبيرة جدا .
الشكل الثاني الذي أيضا ورد في الأخبار . سفيان بن عيينه ؛ أحد أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : عليك بالنصح للهِ في خلقه فلن تلقاه بعملٍ أفضل منه )(٥) يعني أفضل الإعمال التي يمكن أن تكون مقبولة عند الله عز وجل ، هي أن تنصح ؛ لوجه الله ، في أوساط خلقه ، لأن الخلق عيال الله ، كما سنأتي على ذكره ، فإن أحب عيال الله كان حبيبا لله عز وجل . فلنختر حتى في مقام النصح ، حتى في مقام الاهتمام ، نختار الأسلوب الأفضل ، والطريقة الفضلى ؛ لأن هذا يعيننا على تقليص دائرة الأخطاء التي تقع فيها الأمة ، وما أكثر الأخطاء التي وقعت فيها الأمة في التاريخ البعيد ، وفي التاريخ القريب ، وفي الوضع الحالي . لذلك يحتاج الناس أن يتناصحوا فيما بينهم ، ويقدم كل واحد منهم النقد المناسب ، بالطريقة المناسبة ، وفي المكان المناسب ، وللأشخاص المناسبين ، من أجل تقويم مسيرة هذه الأمة ، وليس من أجل أهداف أخرى ليست لوجه الله عز وجل . كما الخبر يشير إليه .
الشكل الثالث من أشكال المكافأة العظيمة التي يحب يتقبلها الله عز وجل مكافأةً ، أو يكافئ الله عز وجل بها مَن يقوم بهذا العمل في هذا الاتجاه .
عن أبي عبد الله ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الخلق عيال الله ، فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله ، وأدخل على أهل بيت سروراً )(٦)ليكن لك تجاوز ، أو امتداد خارج ذاتك ، فلا تكن أنانياًّ . أشعر قلبك الرحمة تجاه خلق الله ؛ فإن ذلك محرابٌ نتعبد فيه لله عز وجل .
ولننظر إلى كل خلق الله على أن الله عز وجل يريد منا أن نراعي مصلحتهم ، وبالتالي ندخل همومهم إلى جانب همومنا ؛ فإن الله سبحانه وتعالى سيتقبل منا هذا ، ويجعله عملاً صالحاً يكافئنا عليه .
هذا في هذا الشكل الأول من أشكال الاهتمام بأمور المسلمين ( خدمة الخلق ) .
الشكل الثاني : التنافس
ليس المطلوب فقط أن نستشعر هموم الآخرين ، بل أن نجعله مجالاً وميداناً ومضماراً ينافس فيه بعضُنا بعضاً ؛ لأن هذا من أشكال التنافس في الخير ، وليس من أشكال التنافس المذموم الذي يولِّد العصبيةَ ، ويولِّد الإحنَ والمحنَ بين الناس .
فقد ورد عن سيف بن عميرة ، قال : حدثني مَن سمع أبا عبد الله ( عليه أفضل الصلاة السلام ) ، يقول : سُئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : مَن أحب الناس إلى الله ؟ ) لاحظوا أن الاهتمام بأمور المسلمين يُدخل الإنسانَ في الرعيل الأول ، المقبولين عند الله ، أحب الخلق إلى الله ، ليس محبوباً فقط ، بل من الصنف المحبوب ، الأكثر محبوبيةً . سئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أحب الناس إلى الله ؟ قال : أنفع الناس للناس )(٧)
طبعاً هذا الشعور لو حمله كل واحد من المسلمين سيقل التنافس المذموم ، الذي للأسف الشديد يحيط بنا من القريب والبعيد .
كثيرٌ من الناس يترجمون الاهتمام بأمور المسلمين بطريقة فتنوية ، بطريقة مزعجة ، بطريقة مضرة . لذلك تتمنى وتلِح على الله عز وجل أن يكف أيدي هؤلاء وهؤلاء عن أن يقدموا النصح للمسلمين ! لأن ما يريد ما يعلنون أنه نصيحة هو في الحقيقة يؤدي بالأمة كلها إلى فضائح ، وإلى مشاكل
هذا التشظي لا يصب بالتأكيد ، ليس من الاهتمام به بأمور المسلمين أن ندافع عن قضايانا بأساليب ووسائل شريرة ، وسائل قبيحة ؛ لأن الضحية ستكون هي القضايا الكبرى . وستكون الأمةَ في مجموعها .
لذلك تجد أن بعض هؤلاء يثيرون التشكيك في كل من يدعو إلى المحافظة على أن تبقى قضايا الأمة الكبرى في صدارة الاهتمام
المحور الثاني : كيف نهتم بأمور المسلمين ؟
يعني ما هي الوسائل والغايات التي تعيننا على هذا المعنى ؟
ثمة وسائل عديدة ، ذكرت النصوص الشرعية هذه الأشكال .
الأمر الأول : التعبير عن الاهتمام بالتعاون والتضامن بين المسلمين
كما جاء في الخبر عن الإمام الصادق ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) راوياً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : مَن أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ، ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم )(٨)
لا يجوز للإنسان المسلم أن يقف مكتوف اليد واليدين ، وهو قادر على أن يقدم النصح .
طبعاً ، ليس بالضرورة أن تقدم النصح بالطرائق التي تلحق بك الضرر ، حتى الكلمة الطيبة ، النصيحة المعلوماتية المعرفية ، تقديم المشورة في ما يتعلق بأداء الجهاد في سبيل الله في هذه القضية أو تلك القضية أو تجاوز هذه المحنة أو تلك ، هذا يعتبر شكلا من أشكال التناصر .
يعني ليس من التناصر إذا وقع خلاف بين مسلم ومسلم أن نقوم بعملية التحريش وصب الزيت على النار ، بدل أن نسعى لأن نكون مصلحين بين الأخوين المختلفين ، وبين فئتين من الناس ، طائفتين من المسلمين ، أن نأتي ونغذى هذا الطرف على حساب هذا الطرف ، أو هذا الطرف على حساب هذا الطرف ، بل ينبغي أن نجمع بينهما بالحسنى ، أن نجمعهما على كلمة التقوى التي يريدها الله عز وجل ، إن كان ثمة حقٌّ لهذا سلبه هذا نعيده بالحسنى ، أو إذا كان هذا الذي سلب الحق على هذا نعيده ، وأيضاً إليه لكن بالحسنى .
لكن للأسف الشديد ما نجده في أشكال كثيرة مما يسمى أنه ( تناصر ) هي أفعال لا تصب في اتجاه الاهتمام بأمور المسلمين .
التلاعب بالفتوى الدينية :
ولذلك تجد أن عندنا نوعين من الخطابات ، في يوم من الأيام ممن يتصدى للفتوى في هذه البقعة الفلانية الإسلامية أو تلك البقعة ، نفس الفقيه ، هذا الذي يتصدى للفتوى ؛ بغض النظر هو فقيه أو لا ، هذه الأيام يفتي الفقيه وغير الفقيه ، الكل يفتي ! يعني لم يبق للفتوى حرمة ، هذا الشخص نفسه يفتي بحرمة فعلٍ هنا ، ثم يفتي بفعل الأمر نفسه على نحو الوجوب هنا ، دون أن تتغير الظروف !!
والأمثلة على ذلك كثيرة ، وأصبحت مدعاة للسخرية . للأسف الشديد أصبح يتندر بها القاصي والداني . يعني خلال هذه السنتين فقط انكشف الوضع على ما يمكن أن يسمى ( عار ) على الثقافة ، وعلى الإعلام ، وعلى الفتاوى للأسف الشديد التي يتحرك بها أصحاب هذا الزعم أو ذاك ، والنتائج ستكون كارثية . وقد بدأت تكون كارثية .
وللأسف الشديد هذا له تداعيات خطيرة .
الثاني من أشكال الاهتمام بأمور المسلمين هو رد العدوان على المسلم .
بمعنى أن المسلم لو تعرض إلى عدوان معنوي أو مادي . وكان المسلم قادرا ، على رد العدوان عليه . وجب عليه أن يناصر في هذا الحد .
فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما جاء في الخبر . طبعاً كل هذا الباب كل هذه التفريعات تدخل تحت عنوان قرآني كبير هو ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [ التوبة / 71 ] ، أو ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [ الحجرات / 10 ] . هذان الأصلان وغيرهما من الأصول تنطوي وتنضوي تحتها كل هذه الأحاديث .
يقول ( صلى الله عليه وآله ) : من رد عن قوم من المسلمين ( أي جماعة من المسلمين ) عاديةً ( أي شكل من أشكال العدوان ) في لفظ : عادية ماء أو نار ) يعني كل شكل من أشكال العدوان ، العدوان البارد أو العدوان الحار نسميه ، يعني حروب باردة أو ساخنة ، في التعبير اليوم ، ( أوجبت له الجنة )(٩)
يكافئ الله عز وجل من يستشعر هذا الشعور بأن يجعله من أهل الجنة .
الشكل الثالث ، من أشكال الاهتمام بأمور المسلمين ، هي أن تكون مواقف المسلمين المتناصحة ، مبنية على أسس مدروسة ، منظمة ، مرتبة ، لا أن يكون الانتصار عشوائياًّ ، كما شاهدنا بعض أشكاله في هذه الأيام ، فحصلت انتكاسات كبيرةٌ جداًّ .
بالعكس أحياناً التناصر والاهتمام بطريقة غير محسوبة وغير مدروسة يترتب عليها ضرر ؛ ولذلك موارد النهي عن استشارة الأحمق ( فإن الأحمق يريد أن ينفعك فيضرك )(١٠).
صحيح ، قد تكون حسنةً ، لكن للأسف الشديد أحمق لا يحسن دراسة الأمور ، والآية القرآنية ماذا تقول ﴿ رَبِّ! أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ [الإسراء/80] .
ينبغي أن ندخل في كل القضايا بوعي ، ونخرج منها أيضاً بوعي .
ورد عن أبي عبد الله الصادق ( عليه والصلاة والسلام ) ، في قول الله عز وجل ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ [البقرة/83] ، قال قولوا للناس ، ولا تقولوا إلا خيراً ) لا تتكلمنَّ في شيء إلا بعد أن تحرز أنه مصداق من مصاديق الخير ، يعني ( حتى تعلموا ما هو )(١١) يعني : الكلام في أمر ما دون أن تحيط بأطرافه وما ينبغي أن يحاط به قد يترتب عليه ضررٌ أكثرُ مما يترتب عليه من النفع . وحينذاك سيكون التدخل سلبياًّ .
بعض الناس يقول : أنا ما كنت أعلم ! أي من الأول لو أنك كنت تعلم ما تدخلت . لكن لما تتدخل في أمر حتى بنية الإصلاح ، تتدخل وأنت لم تلم بأطراف المسألة ، لا تكون مصلحاً في مثل هذه المسألة ، بل تكون - نعوذ بالله - مصداقاً للمفسد .
وعن الامام الباقر ( عليه الصلاة والسلام ) ، أنه قال : في قول الله عز وجل ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ [البقرة/83] يعطيناً تطبيقاً آخر ، قال : قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم )(١٢)يعني تعامل مع كل قضية من قضايا المسلمين كما لو كنت أنت المعنيَّ بها ، فلا تتعجل في تقديم المشورة ، ولا في تقديم نصح ، ولا في تقديم شكل من أشكال الانتصار ، إلا بعد أن تضع نفسك في موضع مَن تريد أن تنتصر على ، فإذا رأيت أن هذا النصح ، وهذه المعونة ، تصب في مصلحتك ، تقدم بها وإلا كُفَّ . وإذا كان الأمرُ غامضاً انتظر من هذا الذي تريد أن تهتم به أن يقدم لك النصح الذي يصب في مصلحتك .
وهكذا شكلٌ من أشكال الانتصار .
وقد ورد عن علي ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ، وهذا يعطينا قاعدة عامة في كيفية التعبير عن الاهتمام بأمور المسلمين ، وسأشير بعد قليل إلى زكاة الفطرة كمصداق من مصاديق الاهتمام بأمور المسلمين .
يقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كما في الخبر : نعم وزير الإيمانِ العلمُ ) الوزير يعني المعين ، والوزراء ؛ المنصب الرسمي هذا ، إنما سمي وزير لأنه يعين ، لأن المسؤول الكبير ، لأنه لا يتحمل أن يقوم بمباشرة كل الأمور ، يوكل بعض المهمات إلى فلان ، فيقول هذا وزير ومعين في الجانب الفلاني ، فلان في الجانب الفلاني . كذلك الإيمان ، الإيمان يحتاج له وزراء ، يعني يحتاج الإيمان إلى أن يعزز بصفة أخرى ؛ صفةٍ حسنةٍ . قال : نعم وزير العلم ) المؤمن إذا كان عالماً لا يمكن أن يكون مثل المؤمن إذا لم يكن عالماً ﴿ قُلْ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟! ﴾ [الزمر/9] . المؤمن إذا كان عالماً استطاع أن يوازن بين شكل العبادة هذا وبين الشكل الآخر العبادة وأيهما هو المقرِّب أكثر إلى الله . كما ذكرنا ( أحب الخلق إلى الله ) ، إذا خيرت بين أن تكون حبياً لله أو تكون أحب إلى الله ، العالم يختار يكون أحب إلى الله ، وليس مجرد حبيب لله . فـ( نعم وزير الإيمان العلم ) .
ثم يقول ( ونعم وزير العلم الحلم ) الحلم هنا المقصود به العقل . أيضاً إذا استطعنا أن نجمع إلى الإيمان العلم ، وإلى هذا وذاك العقل ، القدرة ، البصيرة ، التي تعيننا على الدخول في التفاصيل التي تجعل هذا الأمر أولى ، قد يكون ذاك ؛ من حيث الظاهر ، أهم بالشكل العاجل ، لكن سيكون ذاك أهم على المدى البعيد .
.
وقد قدم أهلُ العقلِ النصحَ ، لكن ثمة للأسف الشديد من يتعجل المكاسبَ الشخصيةَ والفئويةَ والحزبيةَ لمصلحته على حساب مجموع هذه الأمة فـ( نعم وزير العلم ) .
( ونعم وزير الحلم الرفقُ ) ليس دائماً الأمور تُحل بالاستعجال وحرق المراحل . ثمة قضايا يُفرَض على العاقل أن يتأنى فيها ؛ لأن ما جاء سريعاً لا يمكن تثبيته في العادة ؛ إلا ما شاء الله ، يحتاج إلى زمن لتثبيته ، فما جاء سريعاً يزول سريعا .
( ونعم وزير الرفق اللينُ )(١٣) أيضاً نحتاج . ولعل الفرق بين الرفق واللين في الجانب الظاهري والجانب المضموني .
بهذا ننتهي عن الأصل العام .