بعد انتهاء الاختبار الإلهي لنبيه داوود ع وما حصل فيه من خطأ انتبه اليه وتداركه سريعا ، جاء الخطاب الإلهي مبينا له دوره ومنبها له عن اي زيغ قد يحرفه عن سبيل الله ، وإن شأت قل كان الاختبار عن طريق الملائكة هو من اجل اتمام تسديده وتثبيته على الصراط المستقيم ويكون عبرة لمن بعده .
فخاطبه الله ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ ) ، اي جعلناك خليفة الله في ارضه وهو سنة الله التكوينية التي اثبتها اول ما وجد الخلق حيث قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ، وداوود ع احد خلفاء الله في ارضه ،
والخليفة هو من يخلف غيره في شؤونه ويمثله في تحقيق ارادته ، ولا شك ان الحكم العادل والقضاء الحق من مقتضيات عمل خليفة الله في ارضه ولذلك قال الله تعالى ( فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) فالهوى والحق قد يتقاطعان ، ولعل الهوى يصد عن الحق وهذا يؤدي الى أن يخرج الحكم عن الحق وبالتالي لا يؤدي الخليفة دوره فيما استخلف فيه .
ومن هنا نفهم اهمية ملكة العصمة التي يسدد الله بها انبيائه ورسله واصفيائه ممن جعلهم حجة على الناس . ولكن حيث ان العصمة لا تسلب الاختيار ولا تغير تكوين الطبع البشرية فلا بد من الاسترشاد بالحكمة والعقل والشرع في منهج الحياة والسير على الصراط المستقيم .
فأذا مال الانسان بهواه عن الحق ، فهذا يعني انحرافه عن الصراط المستقيم ، واستقامة الصراط المستقيم لا تكون إلا باتباع الحق ،
والصراط المستقيم في الدنيا متمثل بأمرين هما : 1- حجة الله في ارضه 2- وبالتشريع الإلهي الذي يحكم به
ولقد أمر الله خلقه بعبادته فقال ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) وجعل الله عبادته متحققة من خلال اتباعهم للصراط المستقيم فقال تعالى ( وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ / سورة يس )
فأذا مال عن الحق بأتباع الهوى من هو حجة الله على خلقه والذي هو احد اركان الصراط المستقيم ، انحرف هو ومن يتبعه ، وتخلف نظام الهداية عن غايته وبدل ان يصل بهم الى كمالهم ينحدر بهم الى خسرانهم وانهار بهم في نار جهنم ، لان السائر على غير هدى لا يزيده السير إلا بعدا ، ولذلك قال الله تعالى منبها وملخصا لهذه الحيثية الخطيرة في آخر خطابه مع عبده داوود ع ( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ )
الى هنا ننتهي من بحث وتفصيل مطالب هذه الآيات المباركة اذا وفقنا الله وأصبنا الحق والله اعلم
الباحث الطائي
التعديل الأخير تم بواسطة الباحث الطائي ; 03-06-2021 الساعة 10:23 AM.