|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 1,037
|
بمعدل : 0.30 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى القرآن الكريم
﴿يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ} لا يُنافي الحقائق العلميَّة
بتاريخ : يوم أمس الساعة : 08:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
أحدهم يسأل السؤال التالي:
هل تشير الآية القرآنية: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ..﴾(1) إلى أنَّ الشمس تدور حول الأرض فيحصل الشروق والغروب، خلافاً للحقائق العلمية في أن الليل والنهار يحصلان بدوران الأرض حول الشمس، أم أنَّ معنى الآية لا يفيد ذلك؟
الجواب:
الآية لم تكن بصدد بيان الكيفية التي تكون عليها حركة الشمس والكيفيَّة التي تكون عليها حركة الأرض، وليست بصدد بيان المنشأ الذي تنتج عنه ظاهرة الشروق والغروب وإنَّما هي بصدد الاحتجاج على نمرود بشيء وجداني يشاهده عامة الناس وهو أنَّ الشمس تطلع من جهة المشرق وتغيب عن الأنظار في جهة المغرب، فهي تتحدَّث عمَّا يشاهده الناس من موقعهم في الأرض ولا تتحدث عن منشأ حصول هذه الظاهرة الكونية وكيفيَّة حدوثها.
فقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾ ليس معناه أنَّه تعالى يحمل الشمس فيضعها في جهة المشرق بل معنى ذلك أنَّ الشمس تظهر للناس من جهة المشرق وأنَّ ظهورها للناس من جهة المشرق مُسببٌ في المآل عن قضاء الله وتقديره، فهو تعالى مَن قدَّر لهده الظاهرة الكونيَّة أنْ تكون كذلك، فالمراد من قوله: ﴿اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ﴾ هو أنَّه تعالى السببُ وراءَ ظهور الشمس للناس من جهة المشرق، فالآيةُ المباركة لا تتحدَّث عن الأسباب الموضوعيَّة لنشوء هذه الظاهرة الكونيَّة، وإنَّما تتحدَّث عن أنَّ هذه الظاهرة مُسبَّبةٌ عن الله تعالى تماماً كما هو المراد من مثل قوله تعالى:﴿وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾(2) وقوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾(3) فالآيةُ الأولى لا تتحدَّث عن مقوِّمات الحياة وكيفية نشوئها ولا تتحدَّث عن الأسباب الموضوعيَّة لحدوث ظاهرة الموت، وإنَّما هي بصدد الحديث عن أنَّ الحياة والموت مُسبَّبان في المآل عن الله جلَّ وعلا، وكذلك فإنَّ الآية الثانية لم تكن بصدد الحديث عن كيفيَّة الإنبات للزرع ومساراته وأسبابه وعوامل النمو وقانونه، وإنَّما هي بصدد الحديث عن أنَّ إنبات الزروع مُسبَّبٌ في المآل عن أمر الله تعالى وتقديره.
وخلاصة القول: إنَّ معنى: ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾ هو أنَّ الشمس تطلع على الناس من جهة مشرقهم وأما لماذا تطلع من جهة المشرق، فذلك ما لم تتصدَّ الآية لبيانه لخروج ذلك عن غرضها، فالغرض من الآية هو الاحتجاج بظاهرة كونية مشهودة وليست بصدد تفسير هذه الظاهرة.
وهنا يحسنُ بنا التنبيه على أنَّ معنى أشرقت الشمس ليس هو أنَّها كانت مُعتمة مظلمة ثم أضاءت وليس معناه أنَّها كانت في موضع ثم انتقلت إلى جهة الشرق بل معنى ذلك هو أنَّ الشمس قد ظهر ضوؤها للناس من جهة المشرق بعد أن لم يكن ظاهرا لهم، وكذلك فإنَّ معنى غروبها ليس هو انطفاء نورها بل معنى ذلك أنَّها غابت عن الأنظار بعد أن كانت ظاهرة، فالشمس في تمام الأحوال على حالها منيرة ولكن الناس تارة يشاهدونها في جهة المشرق وتارة يشاهدونها متعامدة على رؤوسهم، وتارةً يشاهدونها في جهة المغرب، وتارة تغيبُ تماماً عن أنظارهم، فالشروق والغروب والظهور والاختفاء إنَّما هو بالقياس إلى الناس ومواقعهم.
تماماً كما يُقال ظهرت لنا معالمُ بغداد فإنَّ ذلك ليس معناه أنَّ بغداد قد انتقلت من موقعها بل معناه أنَّنا صرنا في موقعٍ تبدو منه معالمُ بغداد كذلك هو معنى طلعت الشمس فإنَّ معناه أنَّها أصبحت مرئيةً لنا. فالشمس قبل رؤيتنا لها وبعد رؤينا لها محتفظة في كلا الحالين بمسارها ونورها، وأمَّا الشروق والغروب والطلوع والاختفاء فإنَّما هو بلحاظ الرائي وليس بلحاظ المرئي. يعني أنَّ إسناد الشروق والغروب إلى الشمس إنَّما هو بلحاظ الناظر للشمس.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
13 / جمادى الآخرة / 1446ه
15 / ديسمبر / 2024م
1- سورة البقرة / 258.
2- سورة آل عمران / 156.
3- سورة الواقعة / 64.
|
|
|
|
|