وكونهم محكومين بأنّهم كانوا تحت إمرة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) لا يدل على انهم شيعة علي (ع) ، كما أنّه ليس كلّ من صلّى خلف علي أو قاتل في جيش علي هو شيعي بالضرورة ، لأنّ الامام علي (ع) يعتبر الخليفة الرابع للمسلمين ، فالكلّ يقبله بهذا الاعتبار لا باعتبار أنّه معصوم وأنّه الخليفة بعد رسول الله (ص) مباشرة .
وكونهم محكومين بأنّهم كانوا ممّن ارسلوا الى الحسين (ع) برسائل تدعوه للمجيء الى الكوفة لا يدل على أنهم شيعة الحسين (ع) ، لانهم كانوا يتعاملون مع الحسين (ع) باعتباره صحابيا وسبط الرسول (ص) ، وله اهليّة الخلافة والقيادة ، لا باعتبار أنّه امام من الائمة الاثني عشر ، وأنّه معصوم ، وأنّه هو أحقّ بالخلافة من غيره .
مضافا الى هذا مواقفهم من الحسين (ع) ومن معه يوم عاشوراء تدل على انهم ليسوا بشيعة له من قبيل منعهم الماء عليه ، فيخاطبهم برير الهمداني بقوله : … وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه قد حيل بينه وبين ابن رسول الله ! فقالوا : يا برير قد اكثرت الكلام ، فاكفف والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله ( يقصد عثمان بن عفّان ) .. فهل هذا جواب شيعي ؟!
ثم ان الشيعة في الكوفة يمثّلون سبع سكّانها ، وهم (15) الف شخص ، كما نقل التاريخ ، وحدود (12) الف زجّوا في السجون ، وقسم منهم اعدموا ، وقسم منهم سفّروا الى الموصل وخراسان ، وقسم منهم شرّدوا ، وقسم منهم حيل بينهم وبين الحسين (ع) مثل بني غاضرة ، وقسم منهم استطاعوا ان يصلوا الى الحسين (ع) .
اذن شيعة الكوفة لم تقتل الحسين (ع) ، وانّما أهل الكوفة ـ من غير الشيعة ـ قتلوا الحسين (ع) بمختلف قومياتهم ومذاهبهم .
صحيح ان اكثر الشيعة في الكوفة ، لكن لا اكثر الكوفة شيعيّة !
والدليل على ان الشيعة كانوا اقليّة في الكوفة ، هو عدّة قضايا : منها ماذكرته جميع التواريخ من ان علياً لما تولّى الخلافة اراد ان يغيّر التراويح ، فضجّ الناس بوجهه في المسجد وقالوا : واسنّة عمراه !
ومنها : في الفقه الاسلامي اذا قيل هذا رأي كوفي ، فهو رأي حنفي لا رأي جعفري .
وللمزيد من الفائدة نذكر لكم نص كلام السيد محسن الامين في كتابه اعيان الشيعة : 1/585 . ..:
« حاش لله أن يكون الذين قتلوه هم شيعته ، بل الذين قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين ، وبعضهم أجلاف أشرار ، وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حب الدنيا إلى قتاله ، ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد . أما شيعته المخلصون ، فكانوا له أنصاراً ، وما برحوا حتى قتلوا دونه ونصروه بكل مافي جهدهم إلى آخر ساعة من حياتهم ، وكثير منهم لم يتمكن من نصره أو لم يكن عالماً بأن الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه ، وبعضهم خاطر بنفسه وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على الكوفة وجاء لنصره حتى قتل معه ، أما ان أحداً من شيعته ومحبيه قاتله فذلك لم يكن ..وهل يعتقد أحد إن شيعته الخلص كانت لهم كثرة مفرطة ؟ كلا ، فما زال أتباع الحق في كل زمان أقل قليل ويعلم ذلك بالعيان وبقوله تعالى : " وقليل من عبادي الشكور " .