|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 20643
|
الإنتساب : Jul 2008
|
المشاركات : 88
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
الأسرار الباطنية لصلاة الليل
بتاريخ : 10-08-2008 الساعة : 12:36 PM
لقد ورد تأكيد شديد في روايات أهل البيت (ع)على صلاة الليل، وقلما ورد تأكيد على فعل مستحب، مثل التأكيد على مستحبين: صلاة الليل، وصلاة الجماعة.. ولم يعهد في تاريخ الأولياء أو الصلحاء، أن ولياً اكتمل ووصل إلى ذروة التكامل، دون أن يكون من أهل الليل.. إن السفر إلى الله -عز وجل- له مركب، ومركبه صلاة الليل.. وقد ورد عن الإمام العسكري (ع): (الوصول إلى الله سفر، لا يدرك إلا بامتطاء الليل).
وعندما يوصي النبي (ص) علياً -والنبي يعلم أن علياً أول السابقين إلى صلاة الليل؛ تأسيا بأخيه المصطفى، الذي كان يلزم نفسه بالنافلة- ويقول له: (أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثمّ قال: اللهم أعنه!.. -إلى أن قال- وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل)!..
فالنبي (ص) طلب من الله -عز وجل- أن يعين علياً على صلاة الليل؛ لأنه حسب الظاهر أو الواقع، أن صلاة الليل تحتاج إلى مدد رباني.. فالإنسان له ظروف: قد ينام مرهقاً، أو ناعساً، أو مريضاً، أو ينام في ظروف لو خلي وطبعه؛ فإنه لا يقوم لصلاة الليل.. ولكن الله عز وجل له عناية لبعض أوليائه وعباده، فيوقظهم لصلاة الليل، وتراهم كما يعبر القرآن الكريم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}.
يبدو أن هنالك ملكوتا مبطنا وخفيا في صلاة الليل، والقرآن الكريم عندما يتناول موضوع صلاة الليل، يتناوله بإبهام فيقول: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}؛ فكلمة (عسى) فيها نوع من أنواع الطمع أو الأمل: أي لعله يبعثك ربك مقاماً محموداً.. إن التنكير في لغة العرب في بعض الحالات، يستعمل للإبهام.. فما هو هذا المقام المحمود؟..
إنه لم يذكر لا الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، ولا الرضوان الأكبر؛ إنه أمر مبهم.. وهذا وإن كان بحسب الظاهر خطاب للنبي (ص)، إلا أنه لو كان خطاباً خاصاً سرياً، لما ذكر في القرآن الكريم.. والعلماء يعتقدون بأن هذه الآية وأمثالها، عامة لجميع المسلمين.. والإمام الصادق (ع) يقول: (شرف المؤمن صلاته بالليل)؛ معنى ذلك أن هنالك درجة من الشرف والمنزلة والقرب، لا تنال لا بالجهاد، ولا بالأمر بالمعروف، ولا بالنهي عن المنكر، بل ولا حتى في الفريضة.. فهنالك شرف ومنزلة لا تنال، إلا بصلاة الليل.
يلاحظ أن الروايات الواردة عن أئمة الهدى (ع) -حسب الظاهر- هي من باب تطميع المسلمين، وتقرن بعض توفيقات النهار بصلاة الليل، فصلاة الليل تضمن رزق النهار.. إن هناك تناسبا بين الرزق، وبين صلاة الليل.. ولا ينبغي أن نجعل للرزق مفهوما مادياً بحتاً، متمثلاً بالنقد من الذهب والفضة.. فالرزق كل ما يأتي من قبل الله عز وجل: علماً نافعاً، وصدقة جارية، وذرية صالحة، وزوجة طيبة، وانشراحاً نفسياً، وما شابه ذلك من أرزاق، ومنها الدرهم والدينار.
وعليه، فإنه لا ينبغي أن يجعل الإنسان الأمر محصورا بذلك.. بل يلاحظ أن علياً (ع) في بعض الروايات، يجعل هنالك نسبة وترابطا بين الطاعة وترك المعصية، وبين التوفيق لصلاة الليل.. جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: إني قد حرمت الصلاة بالليل!.. فقال أمير المؤمنين (ع): (أنت رجل قد قيدتك ذنوبك).. أولاً يلاحظ بأن هذه شكوى، فالرجل يعيش حالة من الحرمان، بحيث دفعته هذه الحالة؛ لأن يقدم شكوى إلى طبيب النفوس علي (ع).. ومن هنا جعل الحرمان من صلاة الليل، من علائم البعد والخذلان للعبد.. فمن كان موفقاً لصلاة الليل ثم حرم -سواء بشكل مستمر أو بشكل متقطع- فإن هذه علامة من علامات السلب.
إن المداومة على صلاة الليل: أداء، أو قضاءً -بحيث يقضي الإنسان صلاة ليله في النهار- من شروط الإثمار الكامل.. في حديث عن الإمام الصادق (ع) يوصي بالاستغفار سبعين مرة (أستغفر الله ربي وأتوب إليه) في آخر الوتر من صلاة الليل.. ثم يقول -مضمون الحديث-: (من دام على ذلك سنة، كتب من المستغفرين في الأسحار).. معنى ذلك أنه حتى لو ترك صلاة الليل، أو حرم أو مات، أو ما شابه ذلك؛ فإن مقام أو وسام الاستغفار بالأسحار، قد علق على صدره.
يصل الأمر إلى أن الإمام الباقر (ع) يقول: (من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر.. فلا يبيتن إلا بوتر)؛ أي على الأقل يوتر، ومن ضمن صلاة الليل يأتي بصلاة الوتر، وقد يراد بذلك نافلة العشاء.. ولكن من الممكن أيضا أن يكون المراد بذلك، الوتر في صلاة الليل.. ويلاحظ أن الالتزام بهذا الأمر هو الذي يعطي ثماره، وخاصة أن صلاة الليل فيها ثقل لا يخفى.
فالإنسان الذي يحتمل هذا الثقل من غير فريضة، ومن غير إلزام؛ فإن هذه الحركة تدل على حالة من حالات التعبد، وشوق العبد لأن يتقرب إلى الله عز وجل، وخاصة إذا كان مكابداً في إحيائه الليل.. فإن هذه المكابدة وهذه المصارعة مع النفس بعين الله عز وجل، وهو الذي لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى.. والإمام الصادق (ع) يقولها في كلمة صريحة: (ليس منا، منْ لم يصلِ صلاة الليل)؛ أي الزمرة الخاصة.
إن صلاة الليل مستحب يمارس في جوف الليل، وفي خلوة من الأعين، وفي هدئة من الليل، حيث يقول الانسان: (إلهي!.. غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتّحات للسائلين.. جئتك لتغفر لي وترحمني).. إن القرآن أبهم الجزاء في دعوة الناس إلى هذا المستحب العظيم، عندما قال: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}.. إن ملكوت صلاة الليل، نور يغمر روح الإنسان المصلي في الليل، وعن السجاد -عليه السلام- أنه سئل: (ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها)؟.. -يبدو أن هذا النور يطغى حتى على عالم الملك، فيتعدى الملكوت.. ولهذا نرى حتى عامة الناس عندما ينظرون لبعض الوجوه، يميزون شيئا من النور والبركة في سيماء هؤلاء- قال (ع): (لأنهم خلوا بالله؛ فكساهم الله من نوره)!..
إن تعبير الخلوة مع الله في الليل، تعبير مغري ومرغب جدا، فالذي يصلي في الليل، يكسوه الله -عز وجل- من نوره.. وهذا التعبير، لا ينطبق على صلاة الجماعة.. حيث أن لكل عبادة نورا: فالنور الذي يعطى في الحج، لا يمكن أن يعطى في العمرة.. والنور الذي يعطى في صلاة الجماعة، لا يمكن أن يعطى في صلاة الليل.. وهكذا العكس صحيح.. ومن هنا فإن المؤمن يحاول أن يكون مجمعا للأنوار؛ بجمعه بين هذه المستحبات، التي يؤكد عليها الشارع.
إن من بركات صلاة الليل، ومن ملكوت صلاة الليل، وباطن هذه الصلاة، حالة تنقية أخطاء النهار.. فالإنسان في النهار: في زحمة من العيش، وفي السوق، وفي المدرسة، وفي الجامعة، وفي العشرة الاجتماعية؛ ينسى الحدود الربانية لا تعمدا (وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض.. ولكن سوّلت لي نفسي، وأعانني على ذلك سترك المرخى به عليَّ).. فالإنسان بصلاة الليل يعمل عملية تنظيف ليلي، لما اجترحه في النهار (إن الحسنات يذهبن السيئات).
يقول الإمام الصادق (ع): (صلاة المؤمن بالليل، تذهب بما عمل من ذنب بالنهار).. فالإنسان يوميا يخطئ، ويذنب عن غير عمد؛ وعندما يأتي الليل، يخلو مع ربه، وبقطرات من الدموع يتكلم مع ربه؛ فيعيد نشاطه، ويعيد طراوته ونظافته الباطنية.. ومن هنا يعلم أن صلاة الليل أيضا واجبة، بمعنى من المعاني.. صحيح أنها ليست واجبة فقهيا؛ ولكنها واجبة سلوكيا، كما كانت واجبة فقهيا على النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- كما يقال.
وكذلك من المحطات الملفتة في صلاة الليل، حالة الحديث مع رب العالمين، من خلال القنوت المطول في صلاة الليل.. قد يكون هنالك إنسان مذنب عاصٍ أخطأ بحقك، وإذا بك تقوم في جوف الليل -وقد أُعطيت أربعين منحة للاستغفار لأربعين مؤمنا- فيراك رب العالمين وأنت تتذكر ذلك العدو الذي أساء إليك، وتتذكر ذلك الصديق الذي أخطأ بحقك، وزوجتك، وولدك، ومن يعنيك أمره.. وإذا بك تقول: اللهم، اغفر لفلان!.. فتستغفر للأحياء والأموات.
إن هذه الحركة تجعل الرحمة الإلهية تغمرك من رأسك إلى قدمك، وكأني برب العالمين يقول: يا ملائكتي!.. انظروا إلى عبدي، حرم نفسه نوم الليل {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} وهو يدعو؛ لأن أغفر لذلك العبد الذي أساء بحقه.. فهل رب العالمين يتركك من دون مغفرة في هذا الموقف؟.. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أطولكم قنوتا في دار الدنيا، أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف)؛ فالنسبة بين الأعمال محفوظة في الدنيا وفي الآخرة.
إن البعض يصلي صلاة الليل في شهر رمضان، وفي شهر رجب، وفي شهر شعبان، ثم ينقطع؛ فيشكو أنه ما رأى نورا من صلاة الليل.. فالإمام الباقر -عليه السلام- يقول: (أحب الأعمال إلى الله عز وجل، ما داوم العبد عليه، وإن قلّ)؛ أي إلتزم بعمل قليل، ولكن لا تقطع ذلك العمل.. فالذي يقوم بالعمل المستحب ويتركه؛ قد يكون في ذلك نوع من أنواع الوهن والإعراض.. مثل إنسان يأتيك كل صباح، وتقدم له الطعام الهني، وتعطيه جائزة في كل يوم، وبعد شهر أو شهريين ينقطع عنك.. ماذا تقول عن هذا الإنسان؟.. أليس هذا زهدا عمليا في عطائك؟!.. أليس هذا إعراضا عمليا عما كنت تعطيه؟!.. إن ترك العمل بعد الالتزام به، يعده العلماء من موجبات سلب التوفيق.
إن البعض يشتكي ويقول: أنا أنوي قيام الليل؛ ولكني لا أستيقظ.. فماذا أعمل هؤلاء؟.. إن الشريعة أيضا في هذا المجال لها حل معروف: إن الذي يتخم في الليل، ويأكل كثيرا.. والذي يسهر في الليل بلا وجه، وينام متأخرا.. والذي ينام غير ناوٍ لقيام الليل؛ فمن الطبيعي أن هذا الانسان لا يوفق.
إن من التوصيات للتوفيق لقيام الليل: هو قراءة الآية الأخيرة من سورة الكهف قبل النوم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.. وقال النبي (ص): (من أراد شيئاً من قيام الليل، وأخذ مضجعه فليقل: "بسم الله، اللهم!.. لا تؤمني مكرك، ولا تنسني ذكرك، ولا تجعلني من الغافلين.. أقوم ساعة كذا وكذا".. إلا وكل الله -عز وجل- به ملكاً نبهه تلك الساعة)؛ أي بمشيئة الله يلقن نفسه، أن يستيقظ في الساعة الكذائية.. وعلى فرض أنه لم ينتبه، ثم قضى صلاة الليل بالنهار؛ أيضا سيكون من الفائزين، إذا علم الله -عز وجل- ذلك من نيته.
|
التعديل الأخير تم بواسطة عامر الموسوي ; 10-08-2008 الساعة 12:38 PM.
|
|
|
|
|