وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به.
*صلاة التراويح والصراع بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والشيعة الروافض.
التراويح جمع ترويحة وهي في الأصل اسم للجلسة مطلقاً، ثم سميت بها الجلسة بعد أربع ركعات في ليالي رمضان، لاستراحة الناس بها، ثمّ سُميت كل أربع ركعات ترويحة، وهي أيضاً اسم لعشرين ركعة في الليالي نفسها.
قال ابن منظور: والترويحة في شهر رمضان سُميت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات. وفي الحديث صلاة التراويح، لاَنّهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين. والتراويح جمع ترويحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، تفعيلة منها، مثل تسليمة من السلام[1]. *ما هي البدعة؟
للبدعة معنيان:
1- لغوي عام وهو المحدث مطلقاً عادة أو عبادة.
2- معنى شرعي خاص وهو: الزيادة في الدين أو النقصان منه الحادثان بعد الصحابة بغير إذن الشارع لا قولاً ولا فعلاً ولا صريحاً ولا إشارة، وهي -أي البدعة في المعنى الشرعي الخاص- التي أشار إليها صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)[2] وقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد[3]. *المراد من قول عمر رضي الله عنه (نعمة البدعة)
لو سألت مبتدعاً من أي طائفة كانت عن فعل يفعله وينسبه إلى الدين هل يعدّه هذا المبتدع بدعة أو قربة، فسيجيبك على الفور (بل قربة) ويتهم من يصف فعله بأنه بدعة بالتشدد والتنطع!
فهل يتصور عاقل أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أراد بقوله (نعمة البدعة) المعنى الشرعي المذموم في الشرع؟!
حتى لو كنت شيعياً لن تتصور أنّ مبتدعاً يرتضي أن يصف فعلته بالبدعة، فكيف ونحن أمام رجل من سادة المسلمين وخيارهم شاء الشيعة ذلك أم لم يشاؤوا؟!
إذن أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مقولته تلك المعنى اللغوي العام.
يقول ابن كثير: (فإنّ كل محدثة بدعة، والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية كقوله (فإنّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم نعمت البدعة)[4]. ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري قوله: (والمحدث على قسمين محدث ليس له أصل إلا الشهرة الشهوة والعمل بالإرادة فهذا باطل وما كان على قواعد الأصول أو مردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة)[5]. *مشروعية صلاة التراويح عند أهل السنة
روي في باب قيام رمضان عدة روايات مسطّرة في كتب السنة، وهي مؤكدة لشرعية صلاة التراويح بلا ريب، غير أنّ البعض قد يقول: فأين إذن شرعية إقامتها جماعة؟
أقول:
روى البخاري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك[6]. ففي هذا دلالة صريحة على أنّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قد صلى التراويح جماعة، لكنه خشي المداومة عليها كي لا تُفرض عليهم.
فكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أقامها جماعة من جديد لا يعني أنه ابتدع شيئاً جديداً بعد أن لم يكن.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما قيام رمضان فإنّ رسول الله سنه لأمته وصلى بهم جماعة عدة ليال وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى لكن لم يداوموا على جماعة واحدة لئلا تفرض عليهم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة فلما كان عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد وهو أبى بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين حيث يقول (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ (يعنى الأضراس لأنها أعظم في القوة، وهذا الذي فعله هو سنة لكنه قال نعمت البدعة هذه فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله يعنى من الاجتماع على مثل هذه وهى سنة من الشريعة)[7]. ويقول أيضاً: (وهذا الاجتماع العام لما لم يكن قد فعل سمّاه بدعة في اللغة ، وليس ذلك بدعة شرعية، فإنّ البدعة الشرعية التي هي ضلالة هي ما فُعل بغير دليل شرعي كاستحباب ما لم يحبه الله، وإيجاب ما لم يوجبه الله، وتحريم ما لم يحرمه الله، فلا بد مع الفعل من اعتقاد يخالف الشريعة، وإلا فلو عمل الإنسان فعلاً محرّماً يعتقد تحريمه لم يقل: إنه بدعة)[8]. ويقول أيضاً: (وكان النبي قيامه بالليل هو وتره يصلى بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة لكن كان يصليها طوالا ، فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أبى بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة يوتر بعدها ويخفف فيها القيام فكان تضعيف العدد عوضا عن طول القيام وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة فيكون قيامها أخف ويوتر بعدها بثلاث وكان بعضهم يقوم بست وثلاثين ركعة يوتر بعدها وقيامهم المعروف عنهم بعد العشاء الآخرة)(8).
وقد روى الحاكم بإسناده عن أبي طلحة بن زياد الأنصاري قال: سمعت النعمان بن بشير على منبر حمص يقول: (ثم قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين إلى نصف الليل ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح وكنا نسميها الفلاح وأنتم تسمون السحور).
وعلّق الحاكم على الحديث قائلاً: (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وفيه الدليل الواضح أنّ صلاة التراويح في مساجد المسلمين سنة مسنونة وقد كان علي بن أبي طالب يحث عمر رضي الله عنهما على إقامة هذه السنة إلى أن أقامها)[9]. *مشروعيتها عند الشيعة الروافض
عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب رسول الله ص الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله ص إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا[10]. وهذا نص صريح في جواز الزيادة في رمضان بل وهذا الإمام جعفر الصادق نفسه يدعو إلى الزيادة ويمارسها شخصياً.
وعن محمد بن يحيى قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسُئل هل يُزاد في شهر رمضان في صلاة النوافل؟ فقال: نعم، قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بعد العتمة في مصلاه فيُكثر، وكان الناس يجتمعون خلفه ليصلّوا بصلاته، فإذا كثروا خلفه تركهم ودخل منزله، فإذا تفرق الناس عاد إلى مصلاه فصلى كما كان يُصلّي، فإذا كثر الناس خلفه تركهم ودخل منزله، وكان يفعل ذلك مراراً[11]. وفي هذا دلالة صريحة على جواز الزيادة في صلاة النوافل وعلى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاها جماعة بالمسلمين لكنه لما رأى كثرتهم تركهم ودخل منزله، وقد بينّت بعض الأحاديث سبب عدم استمرار رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على صلاتها في المسجد وهو خشيته أن تُفرض على المسلمين، فلما توفي صلوات الله وسلامه عليه وانقطع الوحي رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ علة المنع من الجماعة انتفت فدعا لصلاة الجماعة ووافقه على ذلك الصحابة، فأين الابتداع في الدين؟!
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلى العتمة صلى بعدها، يقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ثم يخرج أيضاً فيجيئون ويقومون خلفه فيدخل ويدعهم مراراً، قال: وقال لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان[12]. *محاكمة الفكر الشيعي الرافضي
قيل قديماً (كما تدين تُدان وبالمكيال الذي تكيل يُكال لك).
فالشيعة الروافض مقولتهم في عمر: جمعت بين حق وباطل، بين حق في الاحتراز من البدعة وعدم الزيادة في الدين، وباطل في بهتانهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كعادتهم في ذلك، وفي تنزيل مفهوم شرعي صحيح على فعل لا يصح تنزله عليه.
وأظن أنّ من حقنا أن نحاكم هذا الفكر المنحرف الذي أشهر منذ ظهوره سهام التكفير والتبديع لصحابة رسول الله ولجمهور المسلمين المتبعين لهم.
ومن نكد الزمان أن ترى هذه الفئة المكفّرة المبدّعة تصرخ بكل قوتها إذا ما نالها تكفير أو تبديع ممن خالفها، وتتهم من تشاء بأنه وهابي خارجي يكفر المسلمين!!
فيا عجباً كيف انقلب الزمان، حتى صار من كفّر وبدّع أصحاب رسول الله وكثير من أهل بيته من غير الشيعة الروافض هم أرباب الاعتدال والحكمة، وهم الناطقون باسم العدالة والاعتدال.
لقد أرانا القدر في دنيانا عجباً.. !!!!!
وتبدأ المحاكمة بإعلان كبار علماء المذهب أنّ كل محدثة بدعة، وأنّ هذه البدعة لا تكون إلا ضلالة وخروج عن الهدى إلى الانحراف.
يقول السيد المرتضى: البدعة: الزيادة في الدين أو نقصان منه من إسناد إلى الدين[13]. ويقول الحلي في المختلف: كل موضع لم يشرع فيه الأذان فإنّه يكون بدعة[14]. ويقول المحدّث البحراني: الظاهر المتبادر من البدعة لاسيما بالنسبة إلى العبادات إنّما هو المحرّم، ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين -عليهما السلام-: «إنّ كلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار»[15]. وقال المحقق الاشتياني: البدعة إدخال ما علم أنّه ليس من الدين في الدين ولكن يفعله بأنّه أمر به الشارع[16]. فإذا تقرر هذا، فإليكم التهمة وعليكم الحكم:
*ابتداع الشيعة الروافض لعيد النيروز:
النيروز لم يكن في يوم من الأيام من أعياد المسلمين بل هو من أعياد المجوس، ومن المحزن حقيقة أن يدّعي الشيعة الروافض أنّ الاحتفال بهذا العيد وتقديسه كان من مستحسنات علي رضي الله عنه وأرضاه – برأه الله من ذلك.
ذكر ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه المذكور ما نصه
(وأتى علي عليه السلام بهدية النيروز، فقال عليه السلام: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، اليوم النيروز، فقال عليه السلام: اصنعوا لنا كل يوم نيروزاً)[17]. وفي وسائلالشيعة ج: 3 ص: 335 نجد باباً بعنوان (باب استحباب غُسل يوم النيروز) فيه هذه الرواية:
عن المُعلّى بن خُنيس عن الصادق عليه السلام في يوم النيروز قال: إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك.. الحديث!
وفي وسائلالشيعة ج: 8 ص: 172 أيضاً وتحت باب (استحباب صلاة يوم النيروز والغسل فيه والصوم ولبس أنظف الثياب والطيب وتعظيمه وصب الماء فيه) نجد هذه الرواية:
عن الصادق عليه السلام في يوم النيروز قال: إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك، وتكون ذلك اليوم صائماً، فإذا صليت النوافل والظهر والعصر فصلّ بعد ذلك أربع ركعات تقرأ في أول كل ركعة فاتحة الكتاب وعشر مرات إنا أنزلناه في ليلة القدر، وفي الثانية فاتحة الكتاب وعشر مرات قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وعشر مرات قل هو الله أحد، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وعشر مرات المعوذتين، وتسجد بعد فراغك من الركعات سجددة الشكر وتدعو فيها يُغفر لك ذنوب خمسين سنة!!
وفيه أيضاً ج: 10 ص: 468 تحت باب (استحباب صوم يوم النيروز والغُسل فيه ولبس أنظف الثياب والطيب) نجد الرواية التالية:
عن الصادق عليه السلام في يوم النيروز قال: «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائماً..» الحديث!
وهكذا يكون الاستحداث في الدين مفتوح على مصراعيه ما دام المتحدّث عنه ليس عمر بن الخطاب!
[1]لسان العرب: ج2، مادة «روح». [2]متفق على صحته: البخاري في الصلح (2697)، ومسلم في الأقضية (1718). [3]علقه البخاري في البيوع وفي الاعتصام. ووصله مسلم في الأقضية (18-1718). [6]البخاري في صلاة التراويح. [7]كتاب مجموع الفتاوى، الجزء 22، صفحة 234. [8]مختصر منهاج السنة النبوية 2/863. [10]تهذيبالأحكام ج: 3 ص: 57 بَابُ فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالصَّلَاةِ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى النَّوَافِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ. [11]تهذيبالأحكام ج: 3 ص: 61. [13]الشريف المرتضى: الرسائل: 3|83. [14]الحلي في المختلف: 2|131. [15]يوسف البحراني، الحدائق: 10|180. [16]الاشتيانـي: بحر الفوائد: 80. [17]من لا يحضرهالفقيه ج: 3 ص: 300.