فإنهم كانوا عالمين بحرمتها فلماذا يخطب فيهم؟!
ويصف أن من يفعلها (رجال) من الصحابة أنفسهم، أوليسوا منزهين مرضيين فلماذا يفعلون حراما، لو فعلها واحد لقبلنا، لكنهم جماعة رجال باعتراف أبي حفص!! وفعلهم لها أقوى من التصريح بجوازها، فألزمنا الخصم.
ثم أين الملازمة بين السكوت والعلم !!
الأمر الأخير: إن الظن لا يغني عن الحق شيئا، فبطل الإحتمال الأول، وبقي احتمالان.
أما الإحتمال الثاني:
فهو احتمال مبني على دعوى باطله، وهي سكوت الأمة عن بدعة عمر، إذ حكم الأمة في السكوت حكم الجماعة الحاضرة عند الخطبة، وهو –الدمشقي نفسه- معترف بخلاف جماعة لهذه البدعة حيث قال في حجج المجوزين:
( الرَّابعُ : أن الأمَّةَ مجمعة على أنَّ نِكَاحَ المتعة كَانَ جَائِزاً في الإسْلامِ ، وإنَّمَا الخلافُ في النَّسْخِ ، فَنَقُولُ لو كان النَّاسِخُ موجوداً ، لكان إمَّا معلوماً بالتَّواتُرِ أو الآحاد ، ولم يعلم بالتَّواتُرِ؛ لأنَّه كان يلزمُ منه كونُ عليٍّ ، وابن عباس ، وعمران بن الحُصَيْنِ منكرين لما عرف ثبوته بالتَّواتُرِ في دين محمَّدٍ عليه السلامُ ، وذلك يوجب تكفيرهم ، ويكون باطلاً قطعاً)
أقول: اليقين بكونه جائزا والشك في الناسخ –حسب فرضه- يوجب استصحاب الجواز بلا شك، هذا أولا وبدون إطالة.
وقد أوقع نفسه في ورطة أخرى، فإما أن يكفر عمر أو يكفر ابن عباس وعلي عليه السلام !! وهذا باعترافه
فأين سكوت الأمة ؟!
نتيجة الإحتمال الثاني: أن هذا الحكم مختص بعمر ومن سكت معه ... ونتركه لفطنة القارئ !!.
وأما الإحتمال الثالث:
فتوقفهم المحتمل في حكمها له من المناشئ القوية الكثير، واقواها جلبة عمر في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وفي زمن غصبه للخلافه، مع قوة دواعي وقوع اللبس في أذهانهم وخليفة المسلمين بعظمته ينهاهم عن أمر لا شك أن نبي الله صلى الله عليه وآله قد أجازه !! ويكفي تصور ذلك للتصديق به.
على أن هذا التوقف منهم مما لا اصل له، إذ لم يكونوا ساكتين بأجمعهم كما اعترف به غير واحد، فكيف يكونوا متوقفين بأجمعهم !
ثم إن المسكين الدمشقي ورط نفسه أكثر بقوله:
( فإن قيل : الرَّجْمُ غير جائز مع أنَّ الصَّحابةَ ما أنكروا عليه حين ذكر ذلك! "، ولما سكتَ ابْنَ عباسٍ عنه في مسألة المُبَاهَلَة ثم ذكرها بعد موت عمر وقال : من شاء باهلته فقيل له : هلاّ قلت هذا في زمن عُمَرَ ، فقال : هِبْتُه ، وكان أمْرَأً مُهاباً .
فالجوابُ لعلَّهُ ذكر ذلك على سبيل الزَّجْرِ والتهديدِ والسِّيَاسة ، ومثلُ هذا جائز [ للإمام ] عند المصلحةَ كقوله عليه السَّلامُ « مَنْ مَنَعَ الزَّكاةَ فإنَّا نَأخُذُهَا مِنْهُ وَشَطْر مالِهِ » وأخذ شَطْرِ المالِ غير جائز لكنَّه قال ذلك للزَّجر فكذا ههنا )
أقول: ونعم الحجة الدامغة، فلم لا يكون قوله في المتعة على سبيل التهديد والسياسة لا الفتوى فسكتوا عنه، ونقله النهي عن النبي (صلى الله عليه وآله) كنقله آية الرجم من واد واحد ...كلاهما كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله !! ...وكذلك سكت عنه من خدع به أو داهنه أو خاف منه .
ثم قال:
( وأمَّا سكوت ابن عباس ، فكَانَ سكوت رجل واحد في خلائق عظيمة ، فلا يُشْبِهُ سكوت الخَلاَئِقِ العظيمة عند رجل واحد )
أقول: إذا ثبت السكوت من ابن عباس في مورد المباهلة فهل يلتزم بكفره !!
وهل يفرق بين الجماعة والواحد في حال الكفر والخوف
وكم من جماعة سكتوا عند واحد وواحد لم يسكت عند كثيرين
ومن هؤلاء الساكتون!! ومن هم المعترضون ؟!!
قال الثعلبي في تفسيره 3: 287:
(ولم يرخص في نكاح المتعة إلاّ عمران بن الحصين وعبد الله بن عباس وبعض أصحابه وطائفة من أهل البيت) فقط !!
فتبين أن الإجماع –السكوتي- مخروق بمخالفة جماعة من كبار الصحابة قولا وعملا وهو من أقوى الأدلة على الجواز.
وأن الإحتمالات في موقف عمر وجماعته وموقف علي عليه السلام وصحبه ثلاثة:
أن يكون عمر صادقا وعلي كاذبا ... فليزم كفر علي عليه السلام وحاشاه.
أن يكون عمر كاذبا وعلي صادقا ... فليزم كفر عمر كما فرض الدمشقي النعماني.
أن يكون أحدهما مشتبها (وهو محمل حسن حتى السنة لم يلتزموا به)... فيلزم الرجوع لأعلمهما وليس عمر قطعا لأن النساء أفقه منه باعترافه !!
أن يكون كلاهما مشتبهين ... وهو بعيد لم يفرضه أحد .