لا يوجد فرق
و هذا نسخ لأمهات تفاسير اهل السنة
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق
يقول تعالى ذكره: مَثَّل الله مثلاً للذين كفروا من الناس وسائر الخلق امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا، وهما نوح ولوط فخانتاهما.
ذُكر أن خيانة امرأة نوح زوجها أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس: إنه مجنون. وأن خيانة إمرأة لوط، أن لوطا كان يُسِرّ الضيف، وتَدُلّ عليه. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سلمان بن قيس، عن ابن عباس، قوله: { فَخانَتاهُما } قال: كانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تَدُلّ على الضيف.
حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا إسماعيل بن عمر، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قيس، قال: سمعت ابن عباس قال في هذه الآية: أما امرأة نوح، فكانت تخبر أنه مجنون وأما خيانة امرأة لوط، فكانت تَدُلّ على لوط.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عامر الهمداني، عن الضحاك { كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صَالِحَيْنِ } قال: ما بغت امرأة نبيّ قط { فَخانَتاهُما } قال: في الدين خانتاهما.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً للَّذِينَ كَفَرُوا امْرأةَ نُوح وَامْرأةَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صَالِحَيْنِ فَخانَتاهُما } قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، فكان ذلك من أمرها وأما امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطاً أحد خبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء { فَلَمْ يُغُنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً }.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن أبي سعيد، أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية { فَخانَتاهُما } قال: في الدين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله { كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صَالِحَيْنِ فَخانَتاهُما } قال: وكانت خيانتهما أنهما كانتا مشركتين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: عبيد بن سليمان، عن الضحاك { فَخانَتاهُما } قال: كانتا مخالفتين دين النبيّ صلى الله عليه وسلم كافرتين بالله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، قال: سألت سعيد بن جبير: ما كانت خيانة امرأة لوط وامرأة نوح؟ فقال: أما امرأة لوط، فإنها كانت تدلّ على الأضياف وأما امرأة نوح فلا علم لي بها.
وقوله: { فَلَمْ يُغْنيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } يقول: فلم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما من الله لما عاقبهما على خيانتهما أزواجهما شيئاً، ولم ينفعهما أن كانت أزواجهما أنبياء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرأةَ نُوحٍ وامْرأةَ لُوط }... الآية، هاتان زوجتا نَبِيِّي الله لما عصتا ربهما، لم يغن أزواجهما عنهما من الله شيئاً.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرأةَ نُوحٍ وامْرأةَ لُوطٍ }... الآية، قال: يقول الله: لم يغن صلاح هذين عن هاتين شيئاً، وامرأة فرعون لم يضرّها كفر فرعون.
وقوله: { وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } قال الله لهما يوم القيامة: ادخلا أيتها المرأتان نار جهنم مع الداخلين فيها.
* تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
قال تعالى: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي في مخالطتهم المسلمين، ومعاشرتهم لهم أن ذلك لا يجدي عنهم شيئاً ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلاً في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَـٰلِحَيْنِ } أي نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلاً ونهاراً، يؤاكلانهما ويُضاجعانهما ويعاشرانهما أشدّ العشرة والاختلاط { فَخَانَتَاهُمَا } أي في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجد ذلك كله شيئاً، ولا دفع عنهما محذوراً، ولهذا قال تعالى: { فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لكفرهما { وَقِيلَ } أي للمرأتين: { ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَٰخِلِينَ } وليس المراد بقوله: { فَخَانَتَاهُمَا } في فاحشة بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور.
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق
ضرب الله تعالى هذا المثل تنبيهاً على أنه لا يُغْني أحدٌ في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرّق بينهما الدِّين. وكان اسم امرأة نوح والهة، واسم امرأة لوط والعة؛ قاله مقاتل. وقال الضحاك عن عائشة رضي الله عنها: إن جبريل نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط والهة. { فَخَانَتَاهُمَا } قال عكرمة والضحاك: بالكفر. وقال سليمان بن رقية عن ابن عباس: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه. وعنه: ما بَغَت امرأة نبيّ قط. وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القُشَيريّ. إنما كانت خيانتهما في الدِّين وكانتا مشركتين. وقيل: كانتا منافقتين. وقيل: خيانتهما النميمة إذا أوحى (الله) إليهما شيئاً أفشتاه إلى المشركين؛ قاله الضحاك. وقيل: كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنّت لتُعْلِم قومها أنه قد نزل به ضيف؛ لما كانوا عليه من إتيان الرجال. { فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما ـ لمّا عَصتَا ـ شيئاً من عذاب الله؛
* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق
{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } قد تقدّم غير مرّة أن المثل قد يراد به إيراد حالة غريبة يعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة، أي: جعل الله مثلاً لحال هؤلاء الكفرة، وأنه لا يغني أحد عن أحد { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ } هذا هو المفعول الأوّل، و { مثلاً } المفعول الثاني حسبما قدّمنا تحقيقه، وإنما أخر ليتصل به ما هو تفسير له، وإيضاح لمعناه { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَـٰلِحَيْنِ } وهما نوح ولوط، أي: كانتا في عصمة نكاحهما { فَخَانَتَاهُمَا } أي: فوقعت منهما الخيانة لهما. قال عكرمة، والضحاك: بالكفر، وقيل: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون، وكانت امرأة لوط تخبر قومه بأضيافه، وقد وقع الإجماع على أنه ما زنت امرأة نبيّ قطّ. وقيل: كانت خيانتهما النفاق، وقيل: خانتاهما بالنميمة { فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي: فلم ينفعهما نوح ولوط بسبب كونهما زوجتين لهما شيئًا من النفع، ولا دفعا عنهما من عذاب الله مع كرامتهما على الله شيئًا من الدفع { وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدخِلِينَ } أي: وقيل لهما في الآخرة، أو عند موتهما: ادخلا النار مع الداخلين لها من أهل الكفر والمعاصي. وقال يحيى بن سلام: ضرب الله مثلاً للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تظاهرتا عليه. وما أحسن من قال: فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرشد أتمّ إرشاد، ويلوّح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين، وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله، فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا،