اقتباس :
|
وماتفسيركم انتم لهذه الايه؟
|
تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ)
قيل في معنى الآية وتأويلها وجوه أحدها أن يكون معنى الله يستهزئ بهم ويجازيهم على استهزائهم, والعرب تسمي الجزاء على الفعل باسمه وفي التنزيل
{ وجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى: 40]
{ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } [النحل: 126]
وقال عمرو بن كلثوم:
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا
وإنما جاز ذلك لأن حكم الجزاء أن يكون على المساواة وثانيها: أن يكون معنى استهزاء الله تعالى بهم تخطئته إياهم وتجهيله لهم في إقامتهم على الكفر وإصرارهم على الضلال والعرب تقيم الشيء مقام ما يقاربه في معناه قال الشاعر:
إِنَّ دَهراً يَلُفُّ شَمْلِي بِجُملٍ لَزَمانٌ يَهُمُّ بِالإِحسَانِ
وقال آخر:
كَمْ أُنَاسٍ في نَعِيمٍ عُمِرُوا في ذَرَى مُلْكٍ تَعَالى فَبَسَقْ
سَكَتَ الدَّهرُ زَماناً عَنْهُمُ ثُمَّ أَبْكَاهُمْ دَماً حِينَ نَطَقْ
والدهر لا يوصف بالسكوت والنطق والهم وإنما ذكر ذلك على الاستعارة والتشبيه وثالثها: أن يكون معنى الاستهزاء المضاف إليه تعالى أن يستدرجهم ويهلكهم من حيث لا يعلمون وقد روي عن ابن عباس أنه قال في معنى الاستدراج: أنهم كلما أحدثوا خطيئة جدد الله لهم نعمة وإنما سمي هذا الفعل استهزاء لأن ذلك في الظاهر نعمة والمراد به استدراجهم إلى الهلاك والعقاب الذي استحقوه بما تقدم من كفرهم ورابعها: أن معنى استهزائه بهم أنه جعَلَ لهم بما أظهروه من موافقة أهل الإيمان ظاهر أحكامهم من الموارثة والمناكحة والمدافنة وغير ذلك من الأحكام وإن كان قد أعدَّ لهم في الآخرة أليم العقاب بما أبطنوه من النفاق فهو سبحانه كالمستهزئ بهم من حيث جعل لهم أحكام المؤمنين ظاهراً ثم ميّزهم منهم في الآخرة وخامسها: ما روي عن ابن عباس أنه قال: يفتح لهم وهم في النار باب من الجنة فيقبلون من النار إليه مسرعين حتى إذا انتهوا إليه سُدَّ عليهم وفتح لهم باب آخر في موضع آخر فيقبلون من النار إليه مسرعين حتى إذا انتهوا إليه سد عليهم فيضحك المؤمنون منهم فلذلك قال الله عز وجل:
{ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } [المطففين: 34]
وهذه الوجوه الذي ذكرناها يمكن أن تذكر في قولـه تعالى:
{ ويمكرون ويمكر الله } [الأنفال: 30] و { يخادعون الله وهو خادعهم }
.....................................
تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ)
والله تعالى لا يجوز عليه حقيقة الاستهزاء لأنها السخرية على ما بيناه ومعناها من الله هو الجزاء عليها وقد يسمى الشيء باسم جزائه كما يسمى الجزاء باسم ما يستحق به كما قال تعالى:
{ وجزاء سيئة سيئة مثلها }
وقال:
{ ومكروا ومكر الله }
وقال:
{ وإن عاقبتم فعاقبوا }
والأول ليس بعقوبة والعرب تقول: الجزاء بالجزاء. والأول ليس بجزاء (والبيت الاول شاهد بذلك) (؟) وقيل إن استهزاءهم لما رجع عليهم جاز أن يقول عقيب ذلك: { الله يستهزىء بهم } يراد به ان استهزاءهم لم يضر سواهم وانه (دبر) عليهم واهلكهم. يقول القائل: أراد فلان أن يخدعني فخدعته: أي دبر علي امراً فرجع ضرره عليه.
وحكي عن بعض من تقدم أنه قال اذا تخادع لك انسان ليخدعك فقد خدعته
وقيل ايضاً: إن الاستهزاء من الله: الاملاء الذي يظنونه إغفالا وقيل: إنه لما كان ما اظهره من اجراء حكم الاسلام عليهم في الدنيا بخلاف ما أجراه عليهم في الآخرة من العقاب وكانوا فيه على اغترار به كان كالاستهزاء وروي في الاخبار أنه يفتح لهم باب جهنم، فيظنون أنهم يخرجون منها، فيزدحمون للخروج، فاذا انتهوا إلى الباب، ردتهم الملائكة حتى يرجعوا، فهذا نوع من العقاب، وكان الاستهزاء، كما قال الله تعالى: { كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها }