هذه مجموعة جلسات وأبحاث جمعتها في 24 حلقة أضعها بين أيديكم الكريم إلتماسا للأجر والفائدة والله وليّ التوفيق ..
أبو مرتضى عليّ
حقيقة أحـــــوال آدم "ع" :
ذهبت الإمامية كافة إلى أن الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر، ومنزهون عن المعاصي، قبل النبوة، وبعدها. على سبيل العمد، والنسيان، وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل على الخسة والضعة ..
وخالفت الأشاعرة في ذلك، وجوزوا عليهم المعاصي.. وبعضهم : جوزوا الكفر عليهم، قبل النبوة، وبعدها، وجوزوا عليهم السهو والغلط ونسبوا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السهو في القرآن بما يوجب الكفر.؟
وقال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة / ج 2 ص 162 ما خلاصته: قال قوم من الخوارج وابن فورك من الأشعرية: إنه يجوز بعثة من كان كافرا. وقال برغوث المتكلم، من النجارية: لم يكن الرسول قبل البعثة مؤمنا بالله. وقال السدي: إنه كان على دين قومه (وهو الشرك) أربعين سنة. وقال بعض الكرامية: إن إبراهيم " ع " قال: أسلمت، ولم يكن قبل ذلك مسلما. وقال ابن حزم، في كتابه الفصل في الملل والأهواء ج 4 ص 1: فذهب طائفة إلى أن رسل الله يعصون الله في جميع الكبائر والصغائر، حاشا الكذب في التبليغ فقط، وهو قول الكرامية من المرجئة، وقول أبي الطيب الباقلاني، من الأشعرية، ومن اتبعه.. وهو قول اليهود والنصارى.. (إلى أن قال): وأما هذا الباقلاني، فإنا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني، قاضي الموصل: أنه كان يقول: إن كل ذنب دق أو جل، فإنه جائز على الرسل حاشا الكذب في التبليغ فقط. وقال: وجائز عليهم أن يكفروا. وقال: وإذا نهى النبي عن شئ، ثم فعله فليس دليلا على أن ذلك النهي قد نسخ، لأنه قد يفعله عاصيا لله تعالى. وقال: وليس لأصحابه أن ينكروا عليه، وجوز أن يكون في أمة محمد من هو أفضل من محمد " ص " مذ بعث، إلى أن مات. إنتهى كلام ابن حزم ! وقال الغزالي، في بحث أفعال الرسول من كتابه الموسوم بالمنخول في الأصول: والمختار ما ذكره القاضي (يعني الباقلاني): وهو أنه لا يجب عقلا عصمتهم، إذ لا يستبان استحالة وقوعه (أي العصيان) بضرورة العقل ولا بنظره، وليس هو مناقضا لمدلول المعجزة، فإن مدلوله صدق اللهجة فيما يخبر عن الله تعالى، لا عمدا ولا سهوا، ومعنى التنفير باطل، فإنا نجوز أن ينبئ الله كافرا ويؤيده بالمعجزة. واختاره فرقة الأزارقة من الخوارج (وليراجع الملل والنحل ج 1 ص 122 .. ونقل أبو رية في كتابه: أضواء على السنة المحمدية ص 42 عن كتاب: نهاية المبتدئين لابن حمدان: إنهم معصومون فيما يؤدونه عن الله تعالى، وليسوا بمعصومين في غير ذلك، من الخطأ، والنسيان، والصغائر، وقال ابن عقيل في الارشاد: إنهم لم يعتصموا في الأفعال، بل في نفس الأداء، ولا يجوز عليهم الكذب في الأقوال فيما يؤدونه عن الله تعالى. وهذا ينكره علماء الشيعة فإنهم أجمعوا على أن الأنبياء معصومون لا يخطئون، ولا يعتريهم السهو والنسيان، وهم مجمعون على أنهم معصومون في الكبر والصغر، حتى في أمور الدنيا. وقال الرازي في تفسيره الكبير ج 3 ص 7: واختلف الناس على ثلاثة أقوال: أحدها: قول من ذهب إلى أنهم معصومون من وقت مولدهم، وهو قول الرافضة. وثانيها: قول من ذهب إلى عصمتهم وقت بلوغهم، ولم يجوزوا منهم ارتكاب الكفر والكبيرة قبل النبوة، وهو قول كثير من المعتزلة. وثالثها: قول من ذهب إلى أن ذلك (يعني ارتكاب الكفر والكبيرة) لا يجوز وقت النبوة. أما قبلها فجائز، وهو قول أكثر أصحابنا، وقول أبي الهذيل العلاف، وأبي علي من المعتزلة. .. وكان إعتقادهم ذلك مبني على بعض الشبهات والإسرائليات التي جاءت بها صحاحهم ومسانيدهم ، وما جاؤوا به من تأويل مسترذل لظاهر الآيات وهذا بعض الردود عن تلكم الشبهات كما تراها الإماميّة الإثنى عشرية نقلا عن العترة "ع" والجواب على شبهة ( وعصى آدم ربه فغوى ):طه:115ـ
فقال بعضهم : فهم أن الأمر والنهي ليسا جازمين بحيث يترتب على المخالفة الغضب والمجازاة بل فهمه أمر إرشاد فقط ونهي إرشاد فقط.
وقال آخرون : ترك عين الشجرة التي نهي عنها وأكل من شجرة أخرى من جنسها .
قال الإمام أبو بكر بن فورك:
" كان هذا من آدم قبل النبوة، ودليل ذلك قوله تعالى : { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وإذا كان هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجهاً واحداً، لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم، فإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه وكانوا مأمونين في الأداء معصومين لم يضر ما قد سلف منهم من الذنوب". ...
وتقــــول الشيعة : بعصمة الأنبياء ونزاهتهم : من توفيقات الشيعة دفاعُهم عن عصمة الأنبياء عليهم السلام .. فمن العقائد التي يمتازون بها عن بقية المسلمين وعن اليهود ، أنهم يؤمنون بعصمة جميع الأنبياء عليهم السلام عصمة كاملة ، قبل بعثتهم وبعدها ، عن الذنوب الصغيرة والكبيرة . أما المسلمون غير أتباعأهل البيت عليهم السلام فقد تبنوا نظرياًّ عصمة الرسل من الأنبياء فقط، لكنهم حصروها في تبليغ الرسالة فقط ثم ما لبثوا أن تنازلوا عملياًّعن هذه العصمة المحدودة وقبلوا كثيراً من افتراءات اليهود على أنبيائهم ودوَّنوا الإسرائيليات في صحاحهم.
وهذا بعض من تأويل ما يوهم خطئهم وسهوهم : أمالي الصدوق : الهمداني على بن إبراهيم ، عن القاسم بن محمد البرمكي ، عن أبي الصلتالهروي ، قال : لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحدٌ إلا وقد ألزم حجته ، كأنه قد ألقم حجراً . فقام إليه على بن محمد بن الجهم فقال له : يا بن رسول الله ، أتقول بعصمة الأنبياء ؟ قال : بلى . قال : فما تعمل في قول الله عز وجل : وعصى آدم ربه فغوى ؟ وقوله عز وجل : وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه ؟ وقوله في يوسف : ولقد همت به وهم بها ؟وقوله عز وجل في داود : وظن داود أنما فتناه ؟ وقوله في نبيه محمد صلى الله عليه وآله : وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ؟ فقال مولانا الرضا عليه السلام : ويحك يا علي ، اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ، ولا تتأول كتاب الله برأيك فإن الله عز وجل يقول : وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم .
أما قوله عز وجل في آدم عليه السلام : عصى آدم ربه فغوى : فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه ، وخليفته في بلاده ، لم يخلقه للجنة ، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عز وجل ، فلما أُهبط إلى الأرض وجُعل حجة وخليفة عُصم بقوله عز وجل : إن الله اصطفى آدم ونوحاًوآل إبراهيم وآل عمران على العالمين . وأما قوله عز وجل : وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه: إنما ظن أن اللهعز وجل لا يضيق عليه رزقه ألا تسمع قول الله عز وجل : وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ، أي ضيق عليه ، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر . وأما قوله عز وجل في يوسف : ولقد همت به وهم بها : فإنها همت بالمعصية ، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله ، فصرف الله عنهقتلها والفاحشة ، وهو قوله : كذلك لنصرف عنه السوء يعني القتل . والفحشاء ، يعني الزنا ...أما داود : فما يقول من قبلكم فيه ؟ فقال علي بن الجهم : يقولون : إن داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورةطير أحسن ما يكون من الطيور ، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج إلى الدار فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح ، فصعد في طلبه فسقط الطير في دارأوريا بن حنان ، فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأةأوريا تغتسل ،فلما نظر إليها هواها ، وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته ، فكتب إلىصاحبه أن قدم أوريا أمام الحرب ، فقدم فظفر أوريا بالمشركين ، فصعب ذلكعلى داود ، فكتب الثانية أن قدمه أمام التابوت ، فقتل أوريا رحمه الله ،وتزوج داود بامرأته..؟
فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد نسبتم نبياًّ من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير ، ثم بالفاحشة ، ثم بالقتل !
فقال : يا بن رسول الله فما كانت خطيئته ؟فقال : ويحك إنداود إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقاً هو أعلم منه ، فبعث الله عز وجلإليه الملكيْن فتسورا المحراب فقالا : خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط . إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب . فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه . فلم يسأل المدعي البينة على ذلك ، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول : ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة حكمه ، لا ما ذهبتم إليه ! ألا تسمع قول الله عز وجل يقول : يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق .. إلى آخر الآية . فقلت : يا بن رسول الله ، فما قصته مع أوريا ؟ فقال الرضا عليهالسلام : إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعدهأبداً ، وأول من أباح الله عز وجل له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود ،فذلك الذي شق على أوريا . وأما محمد نبيه صلى الله عليه وآله وقول الله عز وجل له : وتخفي في نفسك ما الله مبديه ، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه : فإن الله عز وجلعرف نبيه أسماء أزواجه في دار الدنيا ، وأسماء أزواجه في الآخرة ، وأنهن أمهات المؤمنين ، وأحد من سمى له زينب بنت جحش ، وهي يومئذ تحت زيد بنحارثة ، فأخفى صلى الله عليه وآله اسمها في نفسه ولم يبده ، لكي لا يقول أحد من المنافقين ، إنه قال في امرأة في بيت رجل : إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين ، وخشي قول المنافقين ، قال الله عز وجل : والله أحق أنتخشاه ، في نفسك ... وإن الله عز وجلما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم ، وزينب من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفاطمة من علي عليه السلام . قال : فبكى علي بن الجهم وقال : يا بن رسول الله أنا تائبٌ إلى الله عز وجل..
** أتركُ التصريح بالحُكم لكم .. بعد المداولة مع البصيرة وإستشارة العقل **
والحمدّ لله ربّ العالميــــــــــــن .