بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
وصلّى الله على علّة الوجود النبيّ الأعظم محمّد وعلى أهل بيته الطّاهرين ولعنة الله تعالى جاحدي إمامتهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم ومخالفيهم إلى قيام يوم الدّين لا سيّما صنمي قريش وابنتيهما وأتباعهم ومن والاهم ومن مال إليهم
- قال وجه الله تعالى وكهف الورى ووريث الأنبياء والْمَثَل الأعلى وحجّة الله على أهل الدّنيا والآخرة والأولى الإمام المعصوم عليّ بن محمّد الهادي صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعلى آبائه وأبنائه المعصومين في قوله البليغ الكامل في زيارة أهل بيت النبوّة عليهم السّلام:
"أُشْهِدُ الله وَأُشْهِدُكُمْ أَنّي مُؤْمِنٌ بِكُمْ وَبِما آمَنْتُمْ بِهِ، كافِرٌ بَعَدُوِّكُمْ وَبِما كَفَرْتُمْ بِهِ، مُسْتَبْصِرٌ بِشَأنِكُمْ وَبِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكُمْ، مُوالٍ لَكُمْ وَلأَوْلِيائِكُمْ، مُبْغِضٌ لأَعْدائِكُمْ وَمُعادٍ لَهُمْ، سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ، مُحَقِّقٌ لِما حَقَّقْتُمْ، مُبْطِلٌ لِما أَبْطَلْتُمْ، مُطيعٌ لَكُمْ، عارِفٌ بِحَقِّكُمْ، مُقِرٌّ بِفَضْلِكُمْ، مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ، مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ، مُعْتَرِفٌ بِكُمْ، مُؤْمِنٌ بِإيابِكُمْ، مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ، مُنْتَظِرٌ لأَمْرِكُمْ، مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ، آخِذٌ بِقَوْلِكُمْ، عامِلٌ بِأَمْرِكُمْ، مُسْتَجيرٌ بِكُمْ، زائِرٌ لَكُمْ، لائِذٌ عائِذٌ بِقُبُورِكُمْ، مُسْتَشْفِعٌ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِكُمْ، وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ إِلَيْهِ، وَمُقَدِّمُكُمْ أَمامَ طَلِبَتي وَحَوائِجي وَإِرادَتي في كُلِّ أَحْوالي وَأُمُوري مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَعَلانِيَتِكُمْ وَشاهِدِكُمْ وَغائِبِكُمْ وَأَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ، وَمُفَوِّضٌ فِي ذلِكَ كُلِّهِ إِلَيْكُمْ وَمُسَلِّمٌ فيهِ مَعَكُمْ، وَقَلْبي لَكُمْ مُسَلِّمٌ، وَرَأيي لَكُمْ تَبَعٌ، وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يُحْيِيَ الله تَعالى دينَهُ بِكُمْ، وَيَرُدَّكُمْ في أَيّامِهِ، وَيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ، وَيُمَكِّنَكُمْ فى أَرْضِهِ.
فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ غَيْرِكُمْ، آمَنْتُ بِكُمْ وَتَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ أَوَّلَكُمْ، وَبَرِئْتُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَعْدائِكُمْ وَمِنَ الْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَالشَّياطينِ وَحِزْبِهِمُ الظّالِمينَ لَكُمُ، الْجاحِدينَ لِحَقِّكُمْ، وَالْمارِقينَ مِنْ وِلايَتِكُمْ، وَالْغاصِبينَ لإِرْثِكُمُ الشّاكّينَ فيكُمُ الْمُنْحَرِفينَ عَنْكُمْ، وَمِنْ كُلِّ وَليجَةٍ دُونَكُمْ وَكُلِّ مُطاعٍ سِواكُمْ، وَمِنَ الأَئِمَّةِ الَّذينَ يَدْعُونَ اِلَى النّارِ.
فَثَبَّتَنِي اللهُ أبَدًا ما حَييتُ عَلى مُوالاتِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَدينِكُمْ، وَوَفَّقَني لِطاعَتِكُمْ، وَرَزَقَني شَفاعَتَكُمْ، وَجَعَلَني مِنْ خِيارِ مَواليكُمْ التّابِعينَ لِما دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ، وَجَعَلَني مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثارَكُمْ، وَيَسْلُكُ سَبيلَكُمْ، وَيَهْتَدي بِهُداكُمْ وَيُحْشَرُ فى زُمْرَتِكُمْ، وَيَكِرُّ في رَجْعَتِكُمْ، وَيُمَلَّكُ في دَوْلَتِكُمْ، وَيُشَرَّفُ فِي عافِيَتِكُمْ، وَيُمَكَّنُ فِي أَيّامِكُمْ، وَتَقِرُّ عَيْنُهُ غَدًا بِرُؤْيَتِكُمْ"(1).
مصادر حديث الزّيارة الجامعة الكبيرة المقدّسة
- رواها الشّيخ الفقيه أبو جعفر ابن بابويه الصّدوق (381هـ)، في "من لا يحضره الفقيه": 2/ 419-422، ح3215، كتاب الزّيارات. وكتابه "عيون أخبار الرّضا عليه السّلام": 2/ 479-483، ح1، باب68.
- ورواها شيخ الطّائفة أبو جعفر الطّوسي (460هـ)، في "تهذيب الأحكام": 6/ 1070-1073، ح1، باب 46.
- ورواها من أعلام المخالفين شيخ الذّهبي إبراهيم بن المؤيّد الجويني الخرّاساني الشّافعي (730هـ)، في "فرائد السّمطين": 2/ 133-139، ح449، باب38.
- ورواها الشّيخ الحسن بن سليمان الحلّي (القرن 8هـ) في "المحتضر": ص357-364، ح343.
- ورواها شيخ الإسلام العّلامة المجلسي (1111هـ)، في "بحار الأنوار": 99/ 90-94، ح4، باب8.
- العلّامة السيّد عبد الله شبّر (1242هـ)، في "الأنوار اللّامعة": ص23-27.
- ورواها الشّيخ المحدّث عبّاس القمّي (1359هـ)، في "مفاتيح الجنان": ص620-626، فصل في الزّيارات الجامعة.
سند الزّيارة الجامعة الكبيرة واعتبارها
رئيس المحدّثين الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن موسى بن بابويه القمّي الصّدوق، قال: حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق (رضي الله عنه) ومحمّد بن أحمد السناني (رضي الله عنه) وعليّ بن عبد الله الورّاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب (رضي الله عنهما)، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الكوفيّ وأبو الحسين الأسدي (رضي الله عنهما)، قالوا: حدّثنا محمّد بن إسماعيل المكّي البرمكي (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا موسى بن عبد الله النخعي، قال: قلت: لعليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله تعالى وسلامه عليهم.
أقول: هذه الزيارة الجامعة الكبيرة المباركة المقدّسة، متنها وبلاغتها وصحّتها يكشف بالقطع واليقين صدورها من وجه الله تعالى وكهف الورى ووريث الأنبياء والمثل الأعلى والدّعوة الحُسنى وحجّة الله على أهل الدّنيا والآخرة والأولى الإمام المعصوم عليّ بن محمّد الهادي صلوات الله تعالى وسلامه عليه.
ومن ناحية أخرى، فلا نلتفت إلى أصحاب القلوب المريضة الّتي لم يطهّرها الله تعالى بالتّسليم المطلق لأهل الذِّكْر وأُولي الأمر عليهم السّلام، أصحاب منهج التّشكيك في مقامات أولياء النّعم وقادة الأمم عليهم السّلام، المهووسين بالسّند والسّند فقط؛ فالسّند أحد الطّرق لتحصيل الوثوق والإطمئنان بالمروي، فلا نلتفت لهم ولا نقيم لهم وزنًا.
كما أنّ نقل أساطين الدّين لهذه الزّيارة المباركة في كتبهم المعتبرة، واشتهارها بين شّيعة فاطمة الزّهراء أعلى الله برهانهم وقد ورد عنهم صلوات الله عليه: "خذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا، فإنّه لا ريب فيه"(2)؛ فممّا نقطع به أنّ هذه الزيارة الشّريفة معتبرة سندًا ومتنًا ولله الحمد والمنّة.
أقوال علمائنا الأبرار في الزّيارة الجامعة الكبيرة المباركة
- قال الشّيخ محمّد تقي المجلسي الأوّل (1070هـ) رضي الله عنه: "أنّه لا شكّ لي أنّ هذه الزيارة من أبي الحسن الهادي سلام الله عليه بتقرير الصّاحب عليه السلام، وأنّها أكمل الزيارات وأحسنها"(3).
- قال العلّامة محمّد باقر المجلسي (1111هـ) رضي الله عنه:"أنّها أصحّ الزّيارات سندًا وأعمّها موردًا، وأفصحها لفظًا وأبلغها معنى، وأعلاها شأنًا"(4).
- قال العلّامة الشّيخ أحمد الإحسائي (1241هـ) رضي الله عنه: "إنّ هذه الزّيارة الجامعة اشتهرت بين الشّيعة حتّى استغنت باشتهارها عن ذكر اثباتها وبيان سندها؛ فكانت متلقاة عند جميع الشيعة بالقبول من غير معارض فيها ولا رادّ لها مع ما كانت مشتملة عليه من المعاني الغريبة والأسرار المتصعّبة العجيبة الّتي كثير منهم ينكرونها في غير هذه الزيارة الشّريفة.
ولكن لأجل ما اشتملت عليه من الألفاظ البليغة والأمور البديعة والأسرار المنيعة والأحوال الشّريفة الرّفيعة الّتي تشهد للعقل السّليم بصحّة ورودها عن ذلك الإمام العظيم فإنّ على كلّ حقّ حقيقة وعلى كلّ صواب نورًا مع ما هي عليه عندهم من القبول بحيث لا يختلف فيه إثنان"(5).
- قال العلّامة السيّد عبد الله شبّر (1242هـ) رضي الله عنه: "إعلم أنّ هذه الزيارة قد رواها جملة من أساطين الديّن وحملة علوم الأئمّة الطاهرين وقد اشتهرت بين الشّيعة الأبرار اشتهار الشّمس في رابعة النهار وجواهر مبانيها وأنوار معانيها دلائل حقّ وشواهد صدق على صدورها عن صدور حملة العلوم الربانية وأرباب الأسرار الفرقانية المخلوقين من الأنوار الإلهيّة؛ فهي كسائر كلامهم الّذي يغني فصاحة مضمونه وبلاغة مشحونة عن ملاحظة سنده كنهج البلاغة والصّحيفة السجادية وأكثر الدعوات والمناجاة"(6).
ــــــــــــــــــــــ
(1) مقطع من الزّيارة الجامعة الكبيرة المقدّسة، راجع: مفاتيح الجنان الشّريف.
(2) عبد الله شبّر، الأصول الأصليّة، ص390، باب48.
(3) المجلسي الأوّل، روضة المتّقين، 5/ 452.
(4) المجلسي، بحار الأنوار، 99/ 101، باب8.
(5) أحمد الإحسائي، شرح الزّيارة الجامعة، 1/ 82.
(6) عبد الله شبّر، الأنوار اللّامعة، ص31.