من أخطر السلوكيات على المؤمن أن يقع بسلوكه تحت طائلة قوله تعالى..( إن الذين يحادون الله ورسوله كُبِتوا كما كُبِت الذين من قبلهم)..والمُحادّة هنا تعني الخصومة والممانعة لله ولرسوله، وقد يُخاصم الإنسان ربه من حيث لا يدري فيقع في الشر والإثم جزاءً بما كسب من الفِعل الأثيم والإجرام الفاضح...الكبت تعددت معانيه لدى المفسرين، منهم من قال أنه الغيظ والكمد، ومنهم من قال الذُلّ، ومعنى الآية أن الله سيُعاقب الذين يُمانعون ويخاصمون الله ورسوله بالذلّ والغيظ...
ولكن يبقى السؤال:
كيف نعلم أننا ممن يحادون الله ورسوله أم لا؟
مفهوم المحادة في معناه الأصيل يعني..(المخالفة)..والمخالفة عند المفسر الكبير الإمام الطبري تعني..(التبديل والتحويل في أحكام الله)..فيفرضون على أنفسهم –والناس- حدوداً غير حدود الله، وأحكاماً ما أنزل الله بها من سُلطان، رغم أن هذه الأحكام قد تؤذي البشر، ولكن تمسكهم بها "دليل محادة" فيكون العقاب هو أن يكمدوا ويكثر غيظهم ويُذلّون في الأرض.
سيدخل ضمن نطاق المحادين لله من فرض على الناس أحكاماً وفتاوى قاطعة جازمة في أمور وشئون تحتمل الخِلاف، ولكن بتشددهم وتنطعهم يُحادون الله فتخرج أفعالهم على صور شتى تحمل الأذى والظلم لأنفسهم وللناس..
في هذا الزمان أرى أن المُحادة قد انتشرت وفَشت بين الناس، خاصةً أولئك الذين يفرضون آرائهم على الآخرين بالقوة والعُنف، وسماتهم أنهم لا يقبلون الحوار ولا أن يُقدموا على التحقق من صحة آرائهم بالسؤال، فالسؤال –لديهم-يعني الشك في الدين، وهم ممن لا يشكون لذلك فهم ممن لا يسألون، وإذا سألوا سألوا شيخهم ومُفتيهم، فهم على مذهبه حتى لو دخل نار جهنم سيدخلوه!
الدين ليس هكذا..بل هناك قواطع وجوازم وقِيَم ومُشتركات عامة إنسانية إذا تحققت في النفس ظهرت صورة الإنسان صورة دينية ربّانية سَمِحة..فالمؤمن لا يكذب ولا يسرق ولا يقتل ولا يُؤذي ولا يَظلم ..فإذا جاءه الحُكم من "أشياخه" وكان يحمل في مضامينه التعدي على هذه الحدود فينبغي مراجعتها فوراً لئلا يقتل نفساً بغير علمٍ ولا هُدى، ولا أن يكذب دون أن يتبين ويتحقق، ولا أن يسرق دون أن يُراعي حُرمة الناس في أموالهم، ولا أن يؤذي دون أن يرى في هذا الإنسان الحرية، ولا أن يظلم دون يُراعي الحقيقة وأولها حقيقة نفسه وموقفه.
الدين ليس عسير الفهم بل هو يسير ، إذ لو كان عسيراً لكان للناس فُسحة في دينهم بأن يُخطئوا ولا يحاسبهم ربهم على ما فعلوه، ولكن الله عدل وأنذرنا جميعاً بأن المُخطئ سينال عقابه والصادق البرئ سينال ثوابه، ومن هنا يأتي اليُسر، أن الحلال بيّن والحرام بيّن..فالكذب والقتل والظلم حرام ..الكذب هو الآفة التي يستهين بها بعض الناس ..وربما لا يعلمون أنها كانت السمة العامة والملمح الأول لليهود وللكافرين في القرآن-ليس كل اليهود فالخطاب القرآني فيهم ليس عام- وقد خص عباده المؤمنين بالصدق، وأن التحري والتحقيق من صفات المؤمنين..فلماذا إذاً نستحل الكذب وإطلاق الإشاعات في حق المخالفين ونحن نعلم حجم هذه الجريمة التي جعلها الله الجريمة رقم ..(3)..في القرآن..هل –حينها-سنكون من الصادقين بعد أن خدعنا أنفسنا وتوهمنا بأننا ننصر دين الله بالكذب..؟
أكثر من يحادون الله الآن هم من ..(الكاذبين)..فسائر الحروب الأهلية من ليبيا إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان جميعها كانت صناعة حصرية لهؤلاء الكذّابين الأفّاقين، فصدق عليهم قول ربهم أنهم يحادون الله وأنه سيكبتهم ويزرع في قلوبهم الذُلّ والغيظ..ولن نبذل الجهد في التعرف عليهم بعد الآن فبالإمكان أن نراهم في الشاشات وفي مواقعهم وفي الشارع.. أن من صفاتهم ..(الغِلظة -وسُرعة الغضب -والضيق من الآخر- واحتكار الحق –والتقليد والآبائية)..هؤلاء هم أخطر على أنفسهم من أعدائهم، وهم أخطر على الدين من أعدائه، فلو أنفق أعداء الدين حتى يوم القيامة كي يُشوّهوا هذا الدين ما استطاعوا ولكن شاء الله أن يكون هؤلاء الكذّابين هم المشوِّهين للدين، وأن انتصارهم لأنفسهم أغلى- لديهم- من الانتصار لله.