مرحلة الاعداد لمرتبة الصديق. مريم العذراء نموذجا.
الحلقة السابعة .
مصطفى الهادي
في الإنجيل (العهد الجديد) تم استبدال كلمة ((صديق)) بكلمة ((قديس)) كما أسلفنا ونظرا للتماهل في هذا الكلمة واستخدامها فقد عمدت الكنيسة إلى منح هذا الوسام لكل من ترغب في منحه له من المجرمين والمنحرفين وسفاكي الدماء ولازلت لهذا اليوم تمنح هذه الميزة لمن تشاء (1) حتى أنها أصبحت مثل جائزة نوبل ، التي تمنحها الداوئر الصهيونية لمن يسيرون في ركبها . وكان آخر من مُنحت له هو (الأم تيريزا)) المبشرة النصرانية في الهندي حيث رسمتها الكنيسة الكاثوليكة الرومانية على أنها ((قديسة)) (2)ونصبت لها تمثالا وسط تماثيل القديسين التي تملأ أروقة الفاتيكان ، مستندين في ذلك على فقرة في الإنجيل تقول : ((هكذا كانت قديما النساء القديسات أيضا المتوكلات على الله )) رسالة بطرس الرسول الأولى ، 3 : 4
هذا النص هو الذي أعطى للكنيسة الحق بأن ترسم النساء أيضا قديسات. ولا ندري كيف نجمع بين هذا النص ونص آخر في نفس الإنجيل يحرم على المرأة أن تقرأ الإنجيل أو تلمسه ويمنع دخولها للكنائس وإذا أرادت أن تعلم شيئا وجب عليها أن تسأل زوجها فيعلمها (3).
فكيف تكون المرأة قديسة بعد ذلك وهي مدخل الشيطان إلى الإنسان وأنها شر من الشيطان وأن الصالح ينجو منها. بينما نرى القرآن يأتي مصححا لهذه المفاهيم الخاطئة فيطلق لقب ((الصديقة)) على أم السيد المسيح عليه السلام فيقول تعالى حاكيا عنها : (( وأمه صدّيقة)) ولم يقل قديسة .
لنأخذ هذا المفردة (( وأمه صديقة)) لنجعلها مقياسا لمعرفة شروط من يحمل هذه الميزة الخطيرة ، فقد اشبع الله تعالى شخصية مريم عليها السلام من كل جوانبها قبل ولادتها وحتى إنجابها للسيد المسيح حاكيا عنها أشياء مذهلة وكرامات ليست مفتعلة لا تزال حتى اليوم في قرآن يُتلى فبعد أن تكاملت الشروط الإلهية في شخصية مريم استدعى تعالى مفردة من قاموس مفرداته الإلهية ليضفيها على مريم فتصبح بذلك الصدّيقة الطاهرة .
ولم تتوفر هذه الشروط في أي شخصية نسوية أخرى أو في أي زمن من الأزمان إلا في صديقة أخرى هي ابنت رسول الله ((فاطمة الزهراء)) بضعته وروحه التي بين جنبيه ،سلام الله عليهم أجمعين .
شروط الصديقية كما نراها في شخصية مريم العذراء البتول.
لا نريد هنا في هذا البحث أن نبحث في شخصية الصديق علي بن أبي طالب عليه السلام والمؤهلات التي حملها لكي يحضى بلقب صدّيق فذلك أشهر من نار على علم عند الشيعة وهو من أوضح الواضحات في كتبهم وقسما لا يستهان بيه من مصادر خصومهم ، وعدم ذكرنا لها يأتي لعدم إيمان المخالفين لأكثر ما ورد من أحاديث في حق علي (ع) وإيمانهم الأعمى بأحاديث دونت في العهد الأموي لم ينزل الله بها من سلطان على قاعدة : (( لا تجدون فضيلة لعلي بن ابي طالب إلا وتأتوني بمناقض لها )).
وإنما سوف نبحث في شخصية الصديقة مريم العذراء ومن خلال القرآن الذي لايأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ، لنرى ومن خلال شخصية مريم والمزايا التي تمتعت بها والكرامات التي أحاطت بشخصها ، لنرى هل إن من انتحل كلمة ((الصدّيق )) حاز ولو على واحدة من هذه المزايا ، أو أحاطت به كرامة واحدة من هذه الكرامات ، وأقول مسبقا : لا ولا كرامة .
قال تعالى حاكيا عن مريم واصفا إياها بصفات أهلتها لتحمل شرف (( الصديقة)) والبداية كان نذر أم مريم لله تعالى بما في بطنها : ((إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت ... وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى... ))
أولا : أن مريم الصديقة كانت منذورة لله تعالى ، فهل كان أبو بكر الصديق منذورا لله تعالى منذ أن كان في بطن أمه ؟؟
الله هو الذي شاء أن تكون الأم حامل (بمريم) بنت وليس ولد ، لكي يعدها إعدادا خاصا يؤهلها لحمل نبي الله عيسى .
تمعن معي في هذه الخطوات المهمة ، الله يتعهد مريم وهي في بطنها ثم يتقبلها بقبول حسن ، لكي يُنجب منها نبيا . كما فعل بأم موسى ، وأم عيسى وأم محمد آمنة بنت وهب ، أرحام مطهرة وأصلاب طاهرة يتقلبون في الساجدين . كما أن أم إبراهيم تم إعدادها بخصوصية عالية لتنجب صديقا قبل أن يكون نبيا ، ونبيا قبل أن يكون إماما
وعندما ولدت مريم : تقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله) .
فهل تعهد الله أم ابو بكر كما تعهد أمهات الصديقين ؟فهل تقبل الله ولادة ابو بكر بقبول حسن ؟ وهل انبته الله نباتا حسنا ؟ وهل تكفل ابو بكر نبي مثل زكريا ؟ وهل نزل الرزق على أبي بكر عندما كان في محراب الأصنام والأوثان ساجدا لها من دون الواحد القهار؟ لسنا نسخر بل هذه شروط إعداد الصدّيق .
بينما علي بن ابي طالب كفله رسول الله (ص) من لدن أن كان فطيما يغذوه بريقه الشريف ويرفع له في كل يوم علما من أخلاقه كما يصف ذلك أمير المؤمنين (4) فكان عليا يسمع الوحي ولا يراه عندما كان النبي (ص) يُجاور في غار حراء .
الله أعطى للصديق الأكبر (عليا) هذه الأذن الواعية التي يسمع بها (( وتعيها أذنٌ واعية )) فماذا يعني كل ذلك غير الأذن الإلهي في مسيرة علي (ع) نحو الصديقة الكبرى .
علي الساجد في محراب النبوة منذ نعومة أظفاره ومنذ الإطلالة الأولى لهذا الدين الحنيف . ففي اللحظة التي كان فيها عليا ساجدا لرب العالمين ، كان الصديق المزعوم (( عبد الكعبة ابن ابي قحافة )) ساجد للأصنام والأحجار من دون الواحد الجبار.
فهلا تمعنت عزيز القارئ في مرحلة الإعداد ؟ الأول : يسمع الوحي ويسجد لله تعالى لا ثالث لهما إلا خديجة زوج النبي (ص) .
والثاني لا يزال ساجدا لصنم من حجر يعب الخمر ويعاقر القمار سائرا على خطا مجتمع يأد البنات وينكح الأمهات ويمارس كل الرذائل والموبقات . فمن الذي كان متجها في مسيرته نحو الصديقية ؟
قال الراغب (والصديقون هم قوم دون الأنبياء في الفضيلة) وذلك من قوله تعالى : فاؤلئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء. لنساء 69.
المراجع .
1- ففي سنوات قليلة مثلا ، منح البابا يوحنا بولس الثاني سمة القداسة لأكثر من (450) من الأموات صفة القداسة .
2 - صحيفة صن سنتينل عدد 3 تشرين الأول ، أكتوبر 1997 الولايات المتحدة الأمريكية .
3 - رسالة بولص كورنثوس الأولى 35:14 قال : لتصمت نساؤكم في الكنائس لانه ليس مأذونا لهنّ ان يتكلمن بل يخضعن كما يقول الناموس ايضا. ولكن ان كنّ يردن ان يتعلمن شيئا فليسألن رجالهنّ في البيت لانه قبيح بالنساء ان تتكلم في كنيسة. فإذا كان كذلك فمن الذي رسمها قديسة ووضع ذلك في الانجيل كنص مقدس ؟؟؟
4- وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، وكنت اتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه (ص) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوّة . فهل تكلم أبو بكر الصديق عن نفسه بمثل ما تكلم به علي وهو الصادق المصدق .؟؟