وفاة العلامة عبد العزيز الحكيم / آل الحكيم آل الفقاهه
بتاريخ : 30-08-2009 الساعة : 04:36 PM
وفاة العلامة عبد العزيز الحكيم
آل الحكيـــم: آل الفقــــاهــــة
سعود المولى
(أستاذ جامعي)
جريدة النهار، السبت 29 آب 2009
قالت الادارة الاميركية في نعيها للسناتور ادوارد كينيدي (توفى يوم وفاة السيد عبد العزيز) انه ابن "العائلة المنكوبة" اشارة الى مقتل شقيقيه الرئيس جون (1963) والسناتور روبرت (1968) اغتيالاً، وقبلهما شقيقهما الطيار جو الذي قتل ابان الحرب العالمية الثانية...
والحال أن العلامة السيد عبد العزيز الحكيم (توفى بالسرطان يوم الاربعاء 26 آب 2009) هو ابن عائلة أكثر من منكوبة. ولا نقول نحن الشيعة منكوبة انما نقول مظلومة إسوة بظلامة آل البيت الذين نكبوا بالقتل والاعتقال والمطاردة والسجن والتعذيب. ولم يذكر التاريخ عائلة نكبت بمثل ما نكب به أهل البيت غير عائلة الحكيم العربية العراقية. وأقول العربية العراقية لأن البعض يردد عن جهل انها عائلة فارسية بسبب اسمها "الطباطبائي" وهذا البعض يجهل ان الطباطبائي هو لقب نسبة الى آل طباطبا (الاسم الذي عرف به آل الحكيم حتى القرن السادس عشر، وآل بحر العلوم ينتسبون ايضاً الى طباطبا).
وهؤلاء السادة يعود نسبهم الى إبرهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبرهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. فابرهيم هذا هو أول من اشتهر بـ "طباطبا"، وقد عزا البعض سبب اشتهاره بهذا اللقب إلى أنّه كان يلفظ "القاف" طاءً، للثغة في لسانه، ولذلك كان يلفظ "قَبا" "طَبا"، وعرف إثر تكرار هذه الكلمة بـ "إبرهيم طباطبا"، وأولاده وأحفاده بـ "ابن طباطبا". وقال البعض الآخر: إن طباطبا تعني باللغة النبطية "سيد السادات"، وعندما أُطلق سراح إبرهيم من سجن أبي جعفر المنصور الدوانيقي (ت 775م)، وسكن العراق مرغماً، دعاه الأنباط المحلّيون في ما بين النهرين بهذا الاسم، والرأي الأخير أصح. وكان إبرهيم من أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام ومن رواة الحديث. أما ابن طباطبا الشهير في تاريخ الثورات فهو أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبرهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبرهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، عالم، وشاعر، وأديب...
ويذكر التاريخ أنه في سنة 199 هـ. ثار محمّد بن احمد بن إبرهيم طباطبا بالكوفة، يدعو إلى الرضا من آل محمّد والعمل بالكتاب والسنّة. وكان سبب خروج ابن طباطبا أنّ نصر بن شبيب - وكان متشيّعاً حَسَن المذهب - قد قَدِم حاجّاً، فأتى ابنَ طباطبا وذاكره مَقتلَ أهل بيته وغَصْبَ الناس ايّاهم حقوقهم، وقال: حتّى متى تُوطَأُون الخسفَ وتُهتَضَمُ شيعتكم ويُنزى على حقّكم؟! وأكثَر نصرٌ من القول في هذا المعنى إلى طباطبا مغضباً، فلقي في طريقه أبا السَّرايا: السَّريّ بن منصور - وكان الأخير قد خالفَ السلطة ونابذه، وكان علويّ الرأي ذا مذهب في التشيّع - فدعاه ابن طباطبا إلى نفسه، فأجابه أبو السرايا وتواعدا في الكوفة.ثمّ إنّ أبا السرايا مضى إلى الكوفة فدخلها وبايعه الناس من نواحي الكوفة، فوجّه إليه الحسنُ بن سهل زهيرَ بن المُسيّب في عشرة آلاف فارس وراجل، فخرج إليه ابن طباطبا وأبو السرايا، فالتقوا في قرية شاهي فهزموه واستباحوا عسكره. فلمّا كان الغد، مات محمد بن إبرهيم بن طباطبا فجأة.
فأسرة آل الحكيم هي اذن من الأسر العلوية، التي يعود نسبها إلى الامام الحسن بن علي بن أبي طالب من طريق ولده الحسن المثنى، و هي من العوائل العلمية العراقية الأصيلة (آل طباطبا)، حيث استوطن أجدادها العراق منذ أوائل القرن الثاني الهجري، ثم انتشروا بفعل الظروف السياسية والاجتماعية، التي مرت على العراق، في مختلف أنحاء العالم الاسلامي في اليمن وايران وشمال افريقيا وغيرها من البلدان. ولذلك فاننا نجد في اليمن زيوداً من آل الحكيم. وهي في العراق من الأسر المشهورة، التي ذاع صيتها خصوصاً في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري، وقد برز منها قبل ذلك علماء مشهورون بالطب والاخلاق والفقه والأصول، وعرف منهم في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، العالم الأخلاقي المعروف آية الله المقدس السيد مهدي الحكيم، والد الامام السيد محسن الحكيم ، والذي هاجر في أواخر حياته إلى بنت جبيل من قرى جبل عامل في لبنان بطلب من أهلها، و كان زميلاً في الدرس مع آية الله المجاهد، السيد محمد سعيد الحبوبي (بطل التصدي للاحتلال البريطاني والدفاع عن الدولة العثمانية في العام 1914-1915 وذلك قبل قيام مراجع الشيعة بقيادة ثورة العشرين التاريخية)... وقد تخرج السيد مهدي في الاخلاق على يد المقدس الشيخ حسين قلي همداني، صاحب المدرسة الأخلاقية المعروفة. وتوفي في لبنان يوم الجمعة 8 صفر سنة 1312هـ، وله في تلك البقاع مدفن يزار. وتحدرت منه عائلة الحكيم البنت الجبيلية والتي ما تزال في تلك الديار.. وتزوج السيد محسن من شقيقة السياسي اللامع والنائب والوزير المرحوم علي بزي.
وقد ذكـرت كـتب الانساب بان أحد أجـداد الـسـيـد محسن الحكيم (الطباطبائي) وهو السيد علي الحكيم كان طبيبا مشهورا في زمان الشاه عباس الصفوي، وله كتاب في الطب سمّاه (التجارب الطبية) ومنذ ذلك الزمان اكتسبت العائلة لقب الحكيم بمعنى الطبيب، وأصبح هذا لقبا مشهوراً لهذه العائلة.
السيد عبد العزيز هو اذن ابن المرجع الاعلى للشيعة في زمنه المجتهد الامام السيد محسن الحكيم، وقد استشهد أخوته السيد محمد مهدي (اغتاله صدام في الخرطوم في 17 كانون الثاني 1988) والسيد محمد باقر (اغتاله الارهابيون في النجف في 29 آب 2003) وهما كانا من ابرز القيادات الشيعية المعارضة لنظام الرئيس صدام حسين. وفي سجون الطاغية صدام استشهد تحت التعذيب او إعداماً العشرات من آل الحكيم وأنسبائهم (خصوصاً آل بحر العلوم) نذكر منهم الشهداء الستة الذين أعدموا في 20 أيار 1983... وهم ثلاثة من أولاد السيد محسن: آية الله السيد عبد الصاحب والسيد علاء الدين و السيد محمد حسين، وثلاثة من أحفاد السيد محسن هم اثنان من أولاد المرجع السيد يوسف ابن السيد محسن: السيد كمال الدين والسيد عبد الوهاب، وسادسهم المثقف خريج اقتصاد جامعة القاهرة السيد أحمد ابن السيد محمد رضا محسن الحكيم. ثم لحق بهم عشرة في 5 آذار 1985 (رجب 1405) هم: آية الله السيد عبد المجيد محمود الحكيم، السيد عبد الهادي محسن الحكيم، السيد حسن عبد الهادي محسن الحكيم، السيد حسين عبد الهادي محسن الحكيم، السيد محمد رضا محمد حسين سعيد الحكيم، صالسيد عبد الصاحب محمد حسين سعيد الحكيم، السيد محمد محمد حسين سعيد الحكيم، السيد ضياء الدين كمال الدين يوسف محسن الحكيم، السيد بهاء الدين كمال الدين يوسف محسن الحكيم، السيد محمد علي جواد الحكيم، السيد محمد حسن علي أحمد الحكيم، السيد غياث الحكيم، كما ان السيد يوسف محسن الحكيم قد اعتقل في الفترة نفسها وتوفي بعد ذلك في السجن نتيجة للتعذيب.
ثم لحق بهم عدد كبير من الشهداء المجهولي مكان وزمان الاستشهاد وهذه بعض الاسماء: السيد محمد جعفر محمد صادق الحكيم (أعدم إبناه أحمد ومحمد)، السيد مجمد حسين سعيد الحكيم رئيس العائلة (اعدم ابناؤه الثلاثة وابعد الى تركيا)، السيد علي سعيد الحكيم، السيد طالب رسول الحكيم، السيد علي عبد الرزاق الحكيم السيد يحيى حسن الحكيم، السيد جابر جواد ابراهيم الحكيم، السيد هاشم محسن سلمان الحكيم، زوجة السيد عبد المجيد عبد الكريم الحكيم، السيد مهدي باقر الحكيم، السيد مهدي صالح جواد الحكيم، السيدة فاطمة حسن ماجد الحكيم، الآنسة زينب مهدي باقر الحكيم، السيد محمد رضا صالح جواد الحكيم، السيد عبد الأمير حسن ماجد الحكيم، السيد هادي جواد الحكيم، السيد حسن حسين الحكيم، السيد حميد مهدي السيد باقر الحكيم، السيد سعيد حسن الحكيم، السيد علي محمود السيد عباس الحكيم، السيد حسن محسن الحكيم، السيد علي صالح الحكيم، السيد علي يوسف الحكيم، السيد عصام عبد الحسين الحكيم، السيد محمود نوري الحكيم، السيد مجيد مهدي باقر الحكيم، السيد علي عبود الحكيم، السيد احمد مرتضى محمد علي الحكيم، السيد عباس مرتضى محمد علي الحكيم، السيد مرتضى محمد علي الحكيم، السيد علي حسن الحكيم.
السيد عبد العزيز الحكيم: ولد عام 1950 في النجف الاشرف وهو أصغر ابناء السيد محسن وآخر من استشهد منهم. تتلمذ على والده ثم على اخوته الشهداء السيد يوسف والسيد عبد الصاحب والسيد مهدي والسيد محمد باقر، ثم التحق بدراسة بحث الخارج في الفقه والاصول على الامام الخوئي ثم على السيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي ربطته به علاقة قوية. عند شروع السيد باقر الصدر في تنظيم الحوزة العلمية لبناء مشروع المرجعية الموضوعية اختاره ليكون عضواً في اللجنة الخاصة التي شكلها وضمت الشهيد السيد باقر الحكيم والسيد كاظم الحائري والسيد محمود الهاشمي، وعرفت اللجنة باسم لجنة المشورة. وإثر انتفاضة رجب 1979 واعتقال السيد الصدر تفرغ عبد العزيز لتنظيم العلاقة بين المجاهدين العراقيين في الداخل والخارج واستمرار ترتيب الصلة بين الصدر وتلاميذه في النجف.. وقد تحمل في سبيل ذلك الأخطار الكبيرة وتهددت حياته في ظل الارهاب والاعتقالات والقتل. وقد استطاع تنظيم اتصال يومي بالشهيد الصدر عبر الرموز والاشارات ما أتاح انقاذ مئات المجاهدين وتهريبهم. كان الشهيد الصدر يوليه اهتماماً خاصاً لما تميز به من فكر ثاقب وذهنية وقادة وكفاءة عالية في ادارة وتدبير العمل وشجاعة واقدام متميزين.. وهو كتب له وكالة عامة مطلقة قليلة النظير أجاز له فيها استلام كل الحقوق الشرعية وصرفها بالطريقة التي يراها مناسبة ثقة منه فيه وفي تدينه وتعففه.
بعد إصدار السيد الصدر لفتواه الشهيرة بالتصدي لنظام صدام وازالة كابوسه عن صدر العراق، تبنى السيد عبد العزيز الكفاح المسلح واسس مطلع الثمانينات حركة المجاهدين العراقيين الى جانب مشاركته في تأسيس جماعة العلماء المجاهدين ثم في الهيئة الرئاسية للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية الذي أسسه وترأسه شقيقه الشهيد محمد باقر. استلم رئاسة المجلس بعد استشهاد السيد محمد باقر. وكان هو من تولى ادارة الملف السياسي لحركة المجلس الاعلى منذ بداية بوادر العمل العسكري الدولي بقيادة اميركا ضد صدام، فترأس وفد المجلس الاعلى الى واشنطن وفي اللجنة التحضيرية لمؤتمر لندن ثم مؤتمر صلاح الدين، وكان من أوائل المبادرين الى جانب الدكتور عادل عبد المهدي لدخول العراق بعد سقوط صدام وتاسيس العمل السياسي العراقي الوطني وادارة العملية السياسية في ظروف الاحتلال. فكان عضواً في مجلس الحكم الانتقالي ثم عضوا في الهيئة القيادية لمجلس الحكم العراقي وانتخب بالاجماع من قبل اعضاء الشورى المركزية للمجلس الأعلى رئيساً للمجلس بعد استشهاد آية الله محمد باقر الحكيم.
أصيب بالسرطان وكان يمكن أن يعالج في اميركا إلا أنه قرر البقاء قرب الفرات والنجف والعراق فاختار المستشفى في طهران حيث وافته المنية يوم الاربعاء 26 آب وشيع يوم الجمعة على ابواب الذكرى السنوية السادسة لشهادة شقيقه محمد باقر.
رحم الله السيد عبد العزيز وشهداء آل الحكيم، آل الفقاهة والشهادة، ورحم الله كل شهداء العراق الحبيب. واننا نتقدم بالعزاء الى شعب العراق والى آل الحكيم والى المراجع العظام في النجف الشرف، كما نعزي الامة الاسلامية جمعاء وشيعة أهل البيت في كل مكان، ونعزي الحركة الاسلامية العربية والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي والحركة الوطنية العراقية وكل المدافعين عن الحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية في العالمين العربي والاسلامي.