فقد رواه الشيخ المشهدي في مزاره (الدعاء رقم 107) بهذه العبارة (دعاء الندبة: قال محمد بن أبي قرة نقلت من كتاب أبجعفر محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري(رضي الله عنه)هذا الدعاء وذكر فيه انه لصاحب الزمان(صلوات الله عليه وعجل فرجه وفرجنا به، ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة).
كما رواه السيد ابن طاووس في (مصباح الزائر) الفصل السابع، قال ) ذكر بعض أصحابنا: قال : قال محمد بن علي بن أبي قرة : نقلت من كتاب محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري (رضي الله عنه) دعاء الندبة وذكر أنه لصاحب الزمان(صلوات الله عليه) ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة) مصبا الزائر ص446 .
كما نقله العلامة المجلسي في كتابه (زاد المعادص448) وقال وأما دعاء الندبة المشتمل على العقائد الحقة والتأسف على غيبة القائم(عليه السلام) فقد نقل بسند معتبر عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) ويستحب أن يقرأ دعاء الندبة هذا في الأعياد الأربعة ،أي الجمعة، وعيد الفطر، وعيد الأضحى وعيد الغدير)
البحث في سند الدعاء
هناك منهجان للبحث في اعتبار دعاء الندبة:
المنهج الأول: دراسة السند طبق القواعد الرجالية.
المنهج الثاني : دراسته من حيث الطرق التصحيحية الأخرى.
المنهج الأول: والبحث فيه ضمن عدة مراحل:-
المرحلة الأولى:هل إن إسناد السيد ابن طاووس يختلف عن إسناد ابن ألمشهدي أم إن السيد ابن طاووس قصد من قوله (ذكر بعض أصحابنا ) نفس ابن ألمشهدي ، فيكون الدعاء قد نقله السيد عن ألمشهدي ؟
إن اتحاد العبارة تشهد على نقل احدهما عن الآخر وبما أن الشيخ ألمشهدي متقدم زمنا عن السيد ، فيلزم أن يكون السيد قد نقل العبارة عنه ، فعبر عنه بــ(بعض أصحابنا) ، وحينئذ يتضح المقصود من عبارة السيد بـ(بعض أصحابنا ).
أو على فرض أن لا يكون سند السيد هو نفس رواية الشيخ ألمشهدي وإنما قصده غيره ، فلا يضر ذلك بالسند من حيث جهالة البعض من الأصحاب ،لأن نفس التعبير بـ( بعض أصحابنا )تعارف استخدامه عند فقهاء الإمامية سلمهم الله تعالى في من هو بطبقة السيد ابن طاووس زمنا ومقاما ، بل لا يطلقونه إلا على المعروفين منهم بعلو المرتبة ورفعة المقام الديني والعلمي.
المرحلة الثانية:هل إن ألمشهدي قد نقل عن محمد بن أبي قرة بالواسطة المجهولة ،أم المباشرة والتلقي ؟
يظهر من عبارة ألمشهدي أن روايته عن محمد بن أبي قرة كانت مشافهة لذلك عبر بـ (قال ) بينما عبر عن البزوفري بلسان بن أبي قرة ( نقلت ).
المرحلة الثالثة: من هو مؤلف كتاب المزار ؟
قال العلامة المجلسي في البحار عند عده مصادر كتابه( وكتاب كبير في الزيارات تأليف محمد بن المشهدي كما يظهر من تأليفات السيد ابن طاووس واعتمد عليه ومدحه وسميناه بالمزار الكبير)البحار ج1ص18.
ثم قال بعد ذلك في الفصل الثاني عندما أراد توثيق مصادره والمزار الكبير يعلم من كيفية إسناده أنه كتاب معتبر وقد أخذ منه السيدان ابنا طاووس كثيرا من الأخبار والزيارات)البحار ج1ص35.
وبمراجعة كتب السيدين ابني طاووس نجدهما ينقلان عن هذا الكتاب ويسميان مؤلفه بـ(محمد بن المشهدي).
قال الحر العاملي عنهكان فاضلا محدثا صدوقا له كتب). وقال في ترجمة محمد بن جعفر الحائري على ما اختاره الشيخ النوري من اتحادهما :فاضل جليل،له كتاب ما اتفق من الأخبار في فضل الأئمة الأطهار)أمل الآمل ج2ص
252
اقتباس :
وقال الشهيد في إجازته الشيخ الإمام السعيد أبي عبد الله محمد بن جعفر المشهدي رحمه الله)وهي نفس العبارة التي عبر بها عن الشيخ الطوسي والشيخ الحسن بن نما والشيخ ابن شهر آشوب فلا إشكال من صحته بل وثاقته في الحديث.
المرحلة الرابعة: التحقيق في بقية رجال سند المشهدي والسيد ابن طاووس :
1- محمد بن علي بن أبي قرة :قال النجاشي محمد بن علي بن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرة أبو الفرج ،القنائي ،الكاتب ،كان ثقة ،وسمع كثيرا ،وكتب كثيرا ، وكان يورق لأصحابنا ومعنا في المجالس .له كتب منها (كتاب عمل يوم الجمعة،كتاب عمل الشهور ،كتاب معجم رجال أبي المفضل،كتاب التهجد.أخبرني وأجازني بجميع كتبه) رجال النجاشي رقم 1066 ص398 .
وقال صاحب رياض العلماء وله كتاب المزار أيضا) رياض العلماءج6ص9.
2- محمد بن الحسين البزوفري: روى عنه الشيخ المفيد والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون وروى هو عن احمد بن إدريس .
وعده الشيخ النوري (رحمه الله) في جملة مشايخ الشيخ المفيد(رحمه الله) قال أبو جعفر محمد بن الحسين البزوفري كما في أمالي أبي علي مكررا عن والده عن المفيد عنه مع الترحم عليه وهو ابن أبي عبد الله البزوفري) خاتمة المستدرك ج3 ص244.
وهو ابن الحسين بن سفيان البزوفري الذي قال عنه النجاشيالحسين بن علي بن سفيان بن خالد بن سفيان أبو عبد الله البزوفري،شيخ ثقة،جليل من أصحابنا،له كتب) رجال النجاشي ص68 رقم 162.
واستشهد على وثاقة محمد بن الحسين البزوفري بعدة شواهد منها :
ترحم الشيوخ عليه ورواية الشيوخ عنه .
وان كانت جميع هذه الوجوه مبنائية ولكنها مقبولة عند طائفة كبيرة من فقهائنا.
قال الشيخ الأجل آية الله الشيخ لطف الله الصافي الشيخ الجليل الثقة أبو جعفر محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري .روى في كتابه دعاء الندبة .وهو من مشايخ الشيخ المفيد رضوان الله عليهما وحسب ما وقع في أسانيد كتاب الأمالي للشيخ أبي علي الطوسي فقد روى الشيخ المفيد عنه كثيرا وترحم عليه .وعده المحدث النوري في خاتمة المستدرك،الشيخ الثاني والأربعين من شيوخ الشيخ المفيد....)
إلى أن قال : وإذا قيل : عد أصحاب كتب الرجال محمد بن الحسين البزوفري مجهول الحال؟
والجواب :المتحقق إنه معلوم الحال ومن مشايخ الشيخ المفيد وقد روى هذا الرجل العظيم عنه كثيرا وترحم عليه كما أن محمد بن المشهدي والسيد قالا في حقه رضي الله عنه .
ثم ذكر في الهامش (قال المرحوم أستاذنا الأعظم والزعيم الأكبر آية الله البروجردي قدس سره الذي لم يكن له مثيلا في علم الرجال والحديث ومعرفة الطبقات وتمييز المشتركات كما هو كذلك في جميع العلوم الإسلامية : من الطرق التي يعرف بها الرجال معرفة شخصية تلاميذهم .فعندما يكون شخص مثل الشيخ المفيد يكثر الرواية عن احد ولا يقدح فيه ،فهذا أمارة على انه مورد وثاقته واعتماده ).
وما ذكره عن السيد البروجردي متين فإنه إكثار رواية الشيخ المفيد عن الشيخ محمد بن الحسين البزوفري دليل اعتماده على روايته ووثاقته به وإن لم يصرح بذلك فإن العمل بروايته أبلغ من التصريح بها .خصوصا مع عدم وجود بالرجل.فإنه يؤكد اعتباره عدم جهالته .
المرحلة الخامسة : نقل ابن أبي قرة من كتاب البزوفري :
إن الشيخ الثقة بن لأبي قرة يروي من كتاب أبي جعفر البزوفري .ولا يضر ذلك بالسند ،فإن البزوفري لم يتقدم عليه إلا بطبقة واحدة ة برتبة واحدة ،وهو ينقل عن الكتاب المقطوع النسبة إليه .
المرحلة السادسة :عن من يروي البزوفري الدعاء ؟
يحتمل أمران : الأول :إن في السند إرسال وانقطاع إما من نفس البزوفري أو ابن أبي قرة الذي نقل من كتابه ،أو من ابن المشهدي .
الثاني : إن الدعاء مما خرج من الناحية المقدسة وحينئذ فالرواية مروية عن من خرج إليه الدعاء .وقد جرت سنة الأصحاب في تلك المرحلة (وهي أوائل الغيبة الكبرى التي عاش ابن البزوفري فيها )على ترك اسم من خرج إليه التوقيع لحكمة ناسبت التوقيع الذي خرج بتكذيب مدعي الرواية بعد وفاة النائب الرابع على بن محمد السمري رضوان الله تعالى عليه .
والظاهر من الرواية هو الاحتمال الثاني ،ولذلك قال العلامة الشيخ إبراهيم بن الفيض الكاشاني (رحمه الله )في كتابه الشريف (الصحيفة المهدية )وكان من دعائه عليه السلام المعروف بدعاء الندبة ) وهذا تصريح منه بنسبة الدعاء إليه عليه السلام .
فالدعاء من حيث السند معتبر حسب القوانين العلمية.
المرحة السابعة : سند العلامة لمجلسي (رحمه الله ) إلى دعاء الندبة .
وقد ذكر في كتابه (زاد المعاد ) إنه مروي بسند معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام )ويبدو انه رحمه الله حصل على سند آخر غير السند المذكور في مصباح السيد ومزار ابن المشهدي ،وقد اتصل ذلك السند بالإمام الصادق (غليه السلام )وهو معتبر لذلك صرح العلامة المجلسي بأنه معتبر من حيث السند ومروي عن الإمام الصادق (عليه السلام ) ،ولا يمكن تصور الاشتباه من العلامة المجلسي لأنه ألف هذا الكتاب بعد البحار .ومن ثم فقد كان مبناه في هذا الكتاب انه يذكر الأدعية المعتبرة ويترك الأدعية التي لم يثبت اعتبارها عنه .
اقتباس :
الطرق الأخرى لتصحيح دعاء الندبة:
وهناك عدة طرق لتصحيح الدعاء :
الطريق الأول: ما احتوى عليه الدعاء من المعاني العالية التي لا يمكن أن تصدر عن غير أهلها .
الطريق الثاني : إنه كان مشهورا عند علماء الشيعة بل وسائر المؤمنين من بداية عصر الغيبة ،بل قد يدعى من زمن صدوره عن الإمام الصادق عليه السلام قبل أن يولد الإمام القائم (عجل الله فرجه الشريف ). ويشهد لذلك الروايات الشريفة التي نصت على ندبة الأئمة عليهم السلام للإمام القائم (عجل الله فرجه).وتكفي هذه الشهرة لجبر ضعف السند إن وجد .
ولا إشكال بمشهورية الندبة بنحو مطلق عند أصحابنا خواصهم وعوامهم كمنا هو متواتر تواترا معنويا بالروايات والآثار .
وكذلك يمكن إدعاء شهرة الدعاء المخصوص وهو هذا الدعاء الشريف فيما لو حملنا ظاهر كلام الشيخ البزوفري (الدعاء لصاحب الزمان )على معنى الدعاء لأجله (عجل الله فرجه ) .
الطريق الثالث : إن جميع ما جاء في الدعاء الشريف إنما هو مروي في روايات أخرى .
وإذا حققنا فصول الدعاء على طبق مصادر الروايات والأحاديث الشريفة نجده قد جاء جميعه عن أهل بيت الوحي والعصمة والطهارة عليهم السلام .