نماذج من التحريفات
وأما أنكم إذا طلبتم أن أذكر لكم بعض الأشياء ، إضافة إلى ما اطلعتم عليه في خلال البحوث ، أذكر لكم موارد معدودة فقط ، ولا أطيل عليكم :
1 - هناك حديث يروونه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض . هذا الحديث موجود في المصادر ، ومن المصادر التي يروى عنها هذا الحديث : مسند أحمد ، وهذا الحديث ليس الآن موجودا فيه .
2 - قوله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، مصادره كثيرة ، ومن مصادره صحيح الترمذي ، ينقل عن صحيح الترمذي هذا الحديث في جامع الأصول لابن الأثير ، وأيضا في تاريخ الخلفاء للسيوطي ، وأيضا في الصواعق لابن حجر ، والفضل ابن روزبهان يعترف بوجود هذا الحديث في صحيح الترمذي ويحكم بصحته . وأنتم لا تجدونه الآن في صحيح الترمذي ، وكم لهذا من نظير ! وأما في الصحيحين ، فكنت أتذكر موردين أحببت أن أذكرهما لكم في هذه الليلة بطلب منكم طبعا واكتفي بهذا المقدار .
3 - لاحظوا هذا الحديث في صحيح مسلم ، يروي هذا الحديث مسلم بن الحجاج بسنده عن شقيق ، عن أسامة بن زيد ، قال شقيق : قيل له - أي لأسامة - : ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟ فقال : أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ، والله لقد كلمته فيما
بيني وبينه ، ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه ، ولا أقول لأحد يكون علي أميرا إنه خير الناس بعدما سمعت رسول الله يقول : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندرق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان ما لك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى قد كنت آمرا بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه . قيل له : ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟ قال : قد كلمته مرارا ، وناصحته ، وأمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر ، لكن لا أريد أن تطلعوا على ما قلته له ، كلمته بيني وبينه . . . ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله . هذا في الصفحة 224 من صحيح مسلم في الجزء الثامن في هذه الطبعة .
ولا بأس أن أقرأ لكم ما في صحيح البخاري ، لتعرفوا كيف يحرفون الكلم : قال : قيل لأسامة : ألا تكلم هذا ؟ قال : قد كلمته مادون أن أفتح بابا أكون أول من يفتحه ، وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميرا على رجلين : أنت خير ، بعدما سمعت من رسول الله يقول : يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون : أي فلان ، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله .
لاحظوا كم اختصر من الحديث من الأشياء التي قالها أسامة بالنسبة لعثمان ، وليس في نقل البخاري هنا اسم عثمان ، قيل لأسامة : ألا تكلم هذا ، فمن هذا ؟ غير معلوم في هذا الموضع ، ألا تكلم هذا ؟ أما في موضع آخر ، أتذكر أني رأيته يذكره على العادة : فلان ، ألا تكلم فلان ، مع الاختصار للحديث .
قال : قيل لأسامة : لو أتيت فلانا فكلمته ؟ قال : إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ، إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا ، لا أكون أول من فتحه ، ولا أقول لرجل إن كان علي أميرا إنه خير الناس ، بعد شئ سمعته من رسول الله ، قالوا : وما سمعته يقول ؟ قال : سمعته يقول . . . إلى آخره . أيضا مع اختصار في اللفظ ، وقد رفع اسم عثمان ووضع كلمة فلان . وهذا في صحيح البخاري ص 566 من المجلد الثاني . وذلك المورد الذي لم أعطكم عنوانه ، هو في ص 687 من المجلد الرابع . هذا بالنسبة إلى عثمان .
4 - وأما بالنسبة إلى الشيخين ، فأقرأ لكم حديثا آخر في صحيح مسلم ، ثم أقرأ ما جاء في صحيح البخاري : في حديث طويل يقول : ثم نشد عباسا وعليا - نشد أي عمر بن الخطاب - بمثل ما نشد به القوم أتعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فلما
توفي رسول الله قال أبو بكر : أنا ولي رسول الله ، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها - يعني علي والعباس - فقال أبو بكر : قال رسول الله : ما نورث ما تركنا صدقة ، فرأيتماه - عمر يقول لعلي والعباس - فرأيتماه ، أي فرأيتما أبا بكر كاذبا آثما غادرا خائنا ، ثم يقول عمر : والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق ، فليكن على بالكم ، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق . . . فوليتها ثم جئتني أنت وهذا ، وأنتما جميع ، وأمركما واحد ، فقلتما ادفعها إلينا . . . إلى آخر الحديث .
ومحل الشاهد هذه الجملة : فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا .
هذا في صحيح مسلم ( 5 / 152 ) في باب حكم الفئ من كتاب الجهاد . وللننظر في صحيح البخاري : ثم قال لعلي وعباس : أنشدكما بالله ، هل تعلمان ذلك ؟ قال عمر : ثم توفى الله نبيه ، فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله فقبضها أبو بكر ، فعمل فيها بما عمل رسول الله ، والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق . فأين صارت الجملة : فرأيتماه . . . والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق . ثم توفى الله أبا بكر ، فكنت أنا ولي أبي بكر ، فقبضتها سنتين من إمارتي ، أعمل فيها بما عمل رسول الله ، وما عمل فيها أبو بكر ، والله يعلم إني فيها لصادق بار راشد تابع للحق . فرأيتماه إلى آخره . . . فرأيتماني إلى آخره . هذه في الصفحة 506 من المجلد الثاني .
أما في ص 552 من المجلد الرابع يقول : فتوفى الله نبيه فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله ، فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله ، ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا وليه وولي رسول الله ، فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول الله وأبو بكر ، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع . . . إلى آخره . فلا يوجد : فرأيتماه كذا وكذا . . . والله يعلم إنه بار راشد تابع للحق ، فرأيتماني كذا وكذا والله يعلم أني بار راشد تابع للحق ، فلا هذا موجود ولا ذاك موجود .
أما في ص 121 من المجلد الرابع يقول : أنشدكما بالله ، هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ، ثم توفى الله نبيه فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله ، فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله ، وأنتما حينئذ ، وأقبل على علي وعباس تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا ، والله يعلم إنه فيها صادق بار راشد تابع للحق . كذا وكذا بدل تلك الفقرة .
ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا ولي رسول الله وأبي بكر ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر ، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع . . . في بقية الحديث لا يوجد ما قالاه بالنسبة إلى عمر نفسه : فرأيتماني . . .
وأنه حلف بأنه أي هو بار راشد صادق تابع للحق وهذا حديث واحد ، والقضية واحدة ، والراوي واحد . في صحيح مسلم على ما جاء عليه مشتمل على الفقرتين : فرأيتماه . . . فرأيتماني .
أما في صحيح البخاري ، في أكثر من ثلاث موارد على أشكال مختلفة . وهذا فيما يتعلق بالشيخين . ولماذا هذا التحريف ؟ لأن عمر بن الخطاب ينسب إلى علي والعباس أنهما كانا يعتقدان في أبي بكر وفي عمر أن كلا منهما كاذب غادر خائن إلى آخره ، وهما يسمعان من عمر هذا الكلام ، ولم نجد في الحديث أنهما كذبا عمر في نسبة هذا الشئ إليهما ، وسكوتهما على هذه النسبة تصديق ، وحينئذ يكون الشيخان بنظر علي والعباس كاذبين خائنين غادرين ، وإلى آخره . نحن لا نقول هذا الحديث صدق أو كذب ، نحن لا ندري بأصل القضية ، إنما ننظر في الصحيحين والفرق بين الروايتين ، أما لو أردتم أن تستفيدوا من هذا الخبر أشياء فالأمر إليكم ، ولسنا الآن بصدد التحقيق عن مفاهيم هذا الحديث ومداليله ، وإنما أردنا أن نذكر لكم الفرق بين الشيخين البخاري ومسلم في نقلهما للخبر الواحد ، أي لقضية واحدة .
فهذه من جملة الموارد ، وقضية عثمان مورد آخر ، وهكذا موارد أخرى .