اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين
الشيخ عبد الزهرة الكعبي الصوت الحسيني النابض
نقلا عن شبكة التوافق بتاريخ - 16/12/2010 م - بقلم احمد الساعدي
هو الخطيب الشهير الشيخ عبد الزهراء الكعبي بن الشيخ فلاح بن الشيخ عباس بن الشيخ وادي الكعبي .و هو ينحدر من أسرة عرفت بالفضل تنتسب إلى قبيلة (بني كعب) المنتهية إلى كعب بن لؤي بن وائل ، و قد نزحت من المشخاب و استوطنت كربلاء .
ولد الشيخ عبد الزهرة الكبعي في يوم ولادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام عام 1327 هـ لذا سمي بعد الزهراء تيمناً بهذا الاسم المبارك لسيدة النساء.
نشأ الشيخ عبد الزهرة الكعبي في إحدى قرى محافظة كربلاء المقدسة وفي ذلك الوسط الكربلائي المشحون بالعلماء والخطباء وخدام الإمام الحسين عليه السلام فترعرع وتدرج في سلم التكامل والأدب حتى برع في الفصاحة والبلاغة والقدرة على البيان والخطاب منذ نعومة أظافره، فكان رحمه الله حافظاً لكل القرآن الكريم فضلاً عن الكثير من القصائد والأشعار والامثال العربية مع الإطلاع الكامل على علوم آل بيت محمد صلى الله وعليه وآله وسلم.
أدبه : من خلال قراءتك لمقالاته المنشورة في المجلات الكربلائية كصوت المبلغين و غيرها تظهر لك قابليته الإبداعية و إثبات جدارته ، فكان من أئمة العربية طويل الباع ، حسن الاختيار ، غزير المادة . له اليد الطولى في النظم و النثر . و كفى بها شاهداً على علو همته ورفعة مقامه بين خطبائنا الأفاضل بما تركه من آثار نافعة و فوائد جمة ، و منها ديوان شعره المخطوط الموسوم بـ(دموع الأسى) إضافة إلى مخطوطات أخرى له محفوظة في مكتبته العامرة التي يزيد عدد كتبها على عشرة آلاف كتاب .
الشيخ نموذج في الأخلاق
وكان الشيخ عبد الزهرة يحمل اخلاق رفيعة ويذكر أنه كان كثير التوقف في الطريق حيث لا يحب أن يمر مرور الكرام أمام المعارف والأحبة والأصدقاء دون أن يسأل عنهم.
وقد تميز الراحل بصوت حزين وشجي، فقد وهبه الله تعالى صوتا مميزاً لا تظهر عليه مظاهر التعب مهما طال المجلس الذي يقرأ فيه، بل كان آخر الأصوات تعباً في عشرة محرم حيث صارت مجالسه تعد بالمئات خلال تلك المدة، فتبدأ مجالسه من الصباح الباكر وتختم في وقت متأخر من الليل.
وعن محاسن اخلاقه ينقل أحد تلامذة الشيخ الراحل عن أحد الشباب الذين التقوا الشيخ وجرت له القصة التالية: قال الشباب كنت في سن العاشرة من عمري وكنت يومها في الصف الرابع الابتدائي وكنت مطالب في امتحان وكان عليّ أن أذهب مبكرا الى المدرسة لأكون هناك قبل موعد الامتحان وبينما أنا اهيء نفسي للذهاب الى مدرستي وإذا بأبي يطلب مني أن أذهب الى الخبار لتأمين الخبر الى العائلة لأنهم يريدون الافطار وليس عندهم خبز وعبثاً حاولت الاعتذار من أبي دون جدوى، فأمتثلت لأمره وذهبت مسرعاً إلى الخباز ووجدت نفسي بين نارين، نار أبي ونار قوانين المدرسة الصارمة وحينما وصلت للخباز وجدت صفا طويلاً من الناس ينتظرون دورهم على باب المخبر، فما كان مني إلا ان وقفت معهم في آخر الصف ومن حسن الحظ وجدت أن الشيخ عبد الزهرة الكعبي في أول الصف وليس بينه وبين أن يصل إليه الدور إلا شخص واحد، فنظر الشيخ إلي وأدرك حيرتي وارتباكي، فما كان منه إلا أن ناداني بصوته، بابا .. تعالى ابني إلى هنا، وحين جئت إليه رايته يعطيني دوره ويذهب هو ليقف في آخر الصف. فيضيف الشباب، ومنذ ذلك أدركت ماذا أن يعطف الكبير على الصغير.
الشيخ عبد الزهرة ورسالة المنبر الحسيني
وكانت رسالة المنبر الحسيني في فكر الشيخ أيضاً تتلخص في هدف الإصلاح فتبدأ من إصلاح النفس لتتوسع بعد ذلك لتشمل المجتمع بأكمله وكان رحمه الله يوصي طلابه وتلامذته بقوله: ان الخطيب لا يؤثر في الناس بكلامه فقط، وإنما يؤثر فيهم بألفاظه ونظراته ولسانه، فإذا كان غاضاً بصره عن محارم الله ووقف سمعه على العلم النافع له، فإنه يهز القلوب بقوة التأثير التي تتدفق من بيانه وسجاياه وأخلاقه.
كما كان يوصيهم بعدم قصد المال من وراء المنبر ويقول احد طلبته: علمني الشيخ الكعبي إلا أطلب المال وافتش عن الثراء وراء المنبر الحسيني وكان دائما يردد على سمعي هذه العبارة فيقول: (إقرأ يا بني إذا شئت قول الله عز وجل "اتبعو من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون).
ثم يضيف قائلاً: ان طبيعة الناس وفطرتهم قد جلبتا على المشيء وراء من لا يطلب منهم مالاً ولا حطاماً .... إن الخطيب صاحب رسالة ورسالته مقدسة فلا تصعد المنبر بقصد المال وإنما أصعده بنية التقرب الى الله تعالى.
وصادف مرة أنه عاد من أحد مراسم التبليغ في أحدى دول الخليج وما إن وصل بيته حتى طرقت باب داره امراة فقيرة تطلب المساعدة فما كان من الشيخ عبد الزهرة الكعبي إلا أن مد يده إلى جيبه ليخرج كل ما دسه فيه من قرأ عندهم هدية له فتعجبت المرأة من هذا العطاء الكبير وحاولت أن ترجع معظمه إلا أن الشيخ رفض ومنحه كلها لها.
تعلم الشيخ عبد الزهراء الكعبي الخطابة على يد أكابر خطباء كربلاء وبدأ بارتقاء المنبر وأشتهر أمره في أنحاء العراق وأرسلت إليه الدعوات للخطابة في الكويت والبحرين والسعودية ولبنان وغيرها.
المقتل الحسيني يبث في إذاعة بغداد
كان يرقى المنبر في يوم العاشر من المحرم بجوار الصحن الحسيني الشريف ويقرأ قصة مقتل الإمام الحسين ( ع ) كاملة، وفي عام 1379 هـ تحرك بعض علماء الطائفة سعياً لبث المقتل من الإذاعة في بغداد ولم يكونوا على ثقة أن مدير الإذاعة سيفي بما وعدهم به وفي صبح العاشر من تلك السنة أذيعت قصة مقتل الإمام الحسين ( ع ) بصوت الشيخ عبد الزهراء الكعبي وكانت المفاجأة أن المقتل أعيد بثه في مساء اليوم نفسه ولما سألوا عن سبب الإعادة أعلن مدير الإذاعة أن نحو 14 ألف طلب انهمر على الإذاعة خلال ساعات قليلة من مختلف المدن ومن مختلف طبقات المجتمع تطالب بإعادة بث المقتل رغم أنه يستغرق نحو 3 ساعات وهكذا ظل صوت الشيخ عبد الزهراء الكعبي يُبث من إذاعة بغداد ثم من إذاعة الأهواز كما بثت إذاعة الكويت مقاطع من المقتل أيضاً.
وقد أكسب هذا البث الشيخ عبد الزهراء الكعبي شهرة كبيرة ولكنها لم تغير من صفاته وأخلاقه شيئاً فبقى الشيخ الكعبي كما هو عابداً متواضعاً بسيطاً يبذل الجهد والمال في خدمة الناس ويعلم الطلبة المبتدئين ويدرب صغار الخطباء ولا يبخل عليهم بالنصح والتوجيه والعلم
الشيخ عبد الزهرة يلتحق بركب الإمام الحسين
سكت صوت الكعبي فجأة، ذلك الصوت الذي كان للتو يجلجل ناعياً أم الأئمة بمجلس عزائها، وتعطلت تلك الحنجرة الخارقة التي تصدح بحزن في مصاب سيد الشهداء (عليه السلام) لنصف قرن من الزمن، وتوقف ذلك القلب الطيب العطوف، واطفأت تلك الروح المتوثبة، وخمدت تلك الشعلة الحسينية المتوهجة.
فقد دس أحد الخونة من الذين باعوا دينهم وضمائرهم للطاغوت قدحاً من القهوة التي وضع فيها السم ثم صعد الشيخ المنبر في صحن حرم العباس ( ع ) حيث كن ذلك اليوم هو يوم ذكرى شهادة الصديقة الزهراء عليها السلام وما إن بدأ الشيخ بإلقاء محاضرته حتى شعر بالتعب نتيجة للسم فأنهى المحاضرة ونزل من فوق المنبر وطلب كوباً من الماء ولكنه فارق الدنيا قبل وصول الماء إليه فمات شهيداً عطشاناً كالحسين ( ع ).
وكان رحيل الشيخ عبد الزهرة فلاح الكعبي في الخامس عشر من شهر مجادي الأولى عام 1394 هـ ، وكانت تلك الليلة ليلة أليمة في كربلاء المقدسة، وكان يوم الخامس عشر من شهر جمادي الألى يوماً مشهوداً في مدينة الإمام الحسين عليه السلام.
فقد زحفت الحشود المؤمنة من كل صوب وحدب للإشتراك في تشييع جثمان الفقيد الراحل عبر الخط الطويل من بيته الكائن في (حي الحسين) إلى مرقده في (الوادي) مروراً بالمغتسل في محلة (المخيم) وبالروضتين الحسينية والعباسية ضج لوفاته الكثير من البلاد الإسلامية.
وكتبت عنه الصحف والمجلات وأقيمت على روحه مجالس الفاتحة في العديد من المدن العراقية والدول الاسلامية منها بغداد والبصرة والناصرية والعمارة وكربلاء والنجف والسماوة، إضافة الكويت وبيروت وطهران وقم.